
وفي مكان اخر استيقظت غيم على صداع حاد ينبض في رأسها و عيناها نصف مغمضتين وهي تحاول استيعاب ما حولها فـ تحركت ببطء لكن شعور الهواء البارد على بشرتها جعلها تدرك أنها مكشوفة تماما فـ شهقت بصمت ورفعت الغطاء بسرعة على جسدها زعيناها تبحثان في الغرفة بقلق… حاولت تذكر ما حدث الليلة الماضية… فـ تذكرت نظرات جارح و لمسته ودفء أنفاسه القريبة… وفجأة تراجعت أنفاسها وشعرت بصدمة تضربها. فـ نظرت حولها بعينين متسعتين وكأنها تحاول إنكار ما جرى كيف سمحت لنفسها بذلك؟ كيف فقدت السيطرة بهذه السهولة… ونهضت بسرعة من علي الفراش تبحث عن أي شيء ترتديه واندفعت نحو الدولاب بيدين مرتجفتين وسحبت منه قميصا طويلا لكنها لاحظت كومة من الأوراق بين الملابس فـ مدت يدها وسحبتها بحذر وعيناها تجمدتا على الكلمات المكتوبة و حاجباها تقوسا بصدمة وهي تهمس بذهول:
مستحيل.. اي دا
وقبل أن تتمكن حتى من استيعاب ما تقرأه انفتح باب الحمام فجأة وخرج منه جارح بمنشفة مربوطة حول خصره وقطرات الماء تتسلل على صدره العاري ورفع حاجبه وهو يراها ممسكة بالأوراق بينما بقيت هي متجمدة في مكانها والورق يرتجف بين أصابعها وصوتها بالكاد يخرج وهي تكرر:
جارح…اي دا و
الفصل التاسع
العذراء و الصعيدي
كان ينظر اليها وهي تصرخ وتلوح بالورقة أمامه مردده :
– دا تحليل حمل… ليا وأنا مش حامل اصلا
نظر إليها جارح ببرود وهو يربط أزرار قميصه وهاف:
علشان أنا عارف إنك مش حامل فجولت بلاش اجولك حاجه ولا لازم تعرفي كل حاجه.. تحبس كنت اجي اعمل معاكي مشكله واتهمك انك خاينه. انا اتأكدت ان التحاليل مش صوح يبجي خلاص ملهاش لازمه بجا الكلام الكتير
اتسعت عيناها بصدمة وهي تتحدث بغضب:
انتوا عايزين مني إي؟ ليه بتعمل معايا اكده مش فاهمه.. ما تجتلني وتريحني بجا انا مبجيتش فاهمه اي حاجه.. مش عارفه انت كويس معايا ولا دي خطه منك ولا انت بتخدعني ولا انت مصدجني. ما تجول بالظبك ناوي تعمل معايا اي اكتر من اكده
ألقى جارح عليها نظرة ثابتة وهو يسوي ياقة قميصه مرددا:
لحد دلوجتي أنا معملتش حاجة… بس كان المفروض أعمل أكتر من اكده بكتير… انا ساكت يا غيم مش عارف ليه.. فـ اهدي بجا علي نفسك
شهقت غيم بغضب لكن صوتها اختنق وهي تراه يتجه نحو الباب وقبل أن يخرج، توقف للحظة واردف بلهجة صارمة:
لما أرجع عايز أعرف كنتي فين وازاي راجعه نص الليل سكرانه.. مش مرت جارح الاسيوطي ال ترجع بتتطوح بليل وجسما بالله يا غيم لو ال عملتيه امبارح دا اتكرر تاني ما تعرفي هعمل فيكي اي عاد.. واها انسي ال حوصل بينا ليله امبارح.. مش معني اني لمستك تفتكري انك مهمه
القي جارح كلماته ثم غادر تاركا إياها وسط عاصفة من الأسئلة والدموع وفي مكان اخر عند لؤلؤ كانت تنظر إلى عصام بذهول و عيناها مليئتان بالدهشة وعدم التصديق وهي تهمس بصوت مضطرب:
أنا مش مصدجة إنك عايش… إزاي؟ دا مستحيل!
ابتسم عصام بسخرية وهو يسند ظهره إلى المقعد، عاقدا ذراعيه أمام صدره ثم اردف بهدوء:
كنت فعلا بموت… بس شفيق أنقذني.. لولا شفيق انا كان زماني ميت دلوجتي
قطبت لؤلؤ حاجبيها بعدم فهم واقتربت منه خطوة وهتفت:
شفيق؟ أنقذك إزاي؟ والناس كلها شافتك ميت… إزاي عملتوا اكده وليه ؟ انا مبجيتش فاهمه اي حاجه
أطلق عصام ضحكة قصيرة قبل أن يرد بنبرة ساخرة:
حكينا حكاية من الخيال لمسعود، وصدجها.. هو فاكر داوجتي ان شفيق هو ال جتلني بس لع. الحقيقه ان شفيق هو ال انقذني
ازدادت حيره لؤلؤ وجلست أمامه مباشرة.. تنظر إليه بقلق قبل أن تسأله:
تجصد إي.. وهو جوز عمتك عايز يعمل اكده فيكم ليه عاد.. دا طول عمره راجل كويس وبيحبكم زي ولاده
تنهد عصام وهو يمرر يده فوق وجهه قائلا بجديّة:
– مسعود بيحاول يجتلني من سنين بكل الطرج الممكنة وهو سايب حارح للاخر علشان عارف ان جارح صعب ومش هيحلص منه بالسهوله دي وكمان هو عايز الفلوس … علشان اكده انا مستحيل أسيب جارح يتجوز بنته لأنه بعد الجواز هيجتل جارح وياخد كل حاجة
شهقت لؤلؤ وهي تضع يدها على فمها غير مصدقة لما تسمعه واردفت:
يا لهوووي…طيب وغيم يعني اكده جواز جارح وغيم باطل؟!
هز جارح رأسه نافيا بحزم:
لع الجواز صوح… صوح علشان انا طلجت غيم اصلا قبل الليله ال عملت فيها ميت بيوم واحد.. كان لازم اطلجها علشان كنت ناوي اخلص عليها وارتاح زيها زي شمس بالظبط.. شمس ال كانت عايزه تفضحني وتجول للناس كلها اني عاجز
اتسعت عيناها أكثر وهي تهمس بدهشة:
عاجز اي عاد وبتاع اي. انت مش عاجز اصلا اومال ازاي عاجز طيب وال حوصل بينا. انا مش فاهمه حاجه… انا مبجيتش فاهمه اي حاجه.. عصام هو اي ال انت بتعمله دا كله انت مخبي كل دا امتي وجارح عارف موضوع الطلاج دا ولا لع
حرك رأسه مؤكدا، ثم أردف بنبرة واثقة:
أيوه… جارح عرف من المحامي بعد الدفن إننا طلجتها رسمي بس أكيد مش هيجولها ولا هيعرف حد.. هو اصلا لو عرف اني عايش هيجتلني
مررت لؤلؤ يدها في شعرها بتوتر.. تفكر للحظات قبل أن ترفع عينيها إليه مجددا:
– مش مستوعبة ال بيوحصل… بس جارح شك إن غيم بتجول الحقيقة يا عصام.. ومش فاهمه برده ازاي عاجز دي.. احنا حوصل بينا علاقه مره يعني انت مش عاجز
نظر عصام اليها بتوتر ثم اردف بارتباك:
اها طبعا.. دي كدابه.. زيها زي شمس بالظبط.. هو انتي بتصدجي الكلام دا… دول كلهم كدابين متصدجيش حد فيهم بس انتي لازم لازم تساعديني يا لؤلر
ترددت قليلا وهي تتفحص ملامحه وكأنها تحاول قراءة ما يخفيه ثم سألته بقلق:
أساعدك إزاي؟
ابتسم عصام ابتسامة غامضة عاقدا ذراعيه أمام صدره ثم اردف بصوت خافت لكنه حاسم:
أنا هجولك تعملي إي، بس اسمعي كلامي كويس جوي ونفذيه بالحرف الواحد وفي المساء كان الليل قد أسدل ستاره على القصر والهدوء يخيم على المكان إلا من صوت حفيف الأشجار ونسمات الهواء الباردة التي تتسلل بين الأغصان. كانت غيم تقف في الحديقة، تمسك هاتفها بقوة بينما تتحدث بغضب:
— مش هفضل ساكتة، لازم حد يعرف اللي بيحصل هنا! انتو فاكرين إني هفضل تحت رحمتكم للأبد؟
لكن فجأة، انتبهت إلى ظل يقف عند البوابة الخارجية. ضيّقت عينيها محاولة تمييز ملامحه وسط الظلام، ليتضح أمامها وجه مسعود، يقف هناك وكأنه يراقب المكان بحذر. شعرت بقلبها يخفق بقوة، ولكن قبل أن تتحرك، لمحت رجلاً آخر يقف إلى جانبه… شفيق. فـشهقت بصوت مسموع وتحركت بسرعة باتجاههما لكنها ما إن اقتربت حتى اختفى شفيق بين الأشجار فـ وصلت إلى البوابة تتلفت حولها بجنون، ثم استدارت إلى مسعود، الذي كان ينظر إليها ببرود وسألته بانفعال:
فين شفيق؟!
رفع مسعود حاجبه ببراءة مصطنعة:
شفيق مين عاد..انا كنت واجف لوحدي يا بنتي ؟
صرخت غيم بغضب مردفه :
شفيق أنا شوفتك واجف معاه اهنيه دلوجتي.. جولي فين شفيق
ابتسم نسعود بسخرية ونفى مجددا:
إنتي بتتوهمي أنا واجف اهنيه لوحدي، معرفش حد اسمه شفيق اصلا
ارتجف جسد غيم من الغضب والارتباك ودون تفكير ة اندفعت خلفه إلى داخل القصر تصرخ بعنف:
كلكم كدابين أنا شوفت شفيق بعيني… وال بتعملوه دا علشان تخبوا عجز عصام ال جاب واحد يعمل معايا علاقة علشان يغطي على فشله
اتسعت عينا مسعود بصدمة من كلامها لكنه تمالك نفسه سريعا وهتف بحدة: