
إلياس! اصحى.. يلا اصحي بسرعه
تقلّب إلياس في مكانه قليلًا قبل أن يفتح عينيه بتكاسل، واردف بنبرة غاضبة:
إي ال صحاك بدري اكده؟ في إيي يا وليد؟
اقترب وليد أكثر، وصوته مليء بالذعر واردف :
مش لاجيهم.. مش موجودين
حدق فيه إلياس بارتباك ثم جلس على السرير ببطء وهو يحاول أن يستوعب:
مين ال مش لاجيهم؟ بتتكلم عن مين عاد؟
تردد وليد للحظة.. لكنه واردف بصوت خافت :
مش موجودين بجولك نهائي
تجمدت ملامح إلياس للحظات ثم نهض من السرير فجأة، وكأنه تلقى صفعة أيقظته بالكامل وهتف:
بتجول إي؟ مش موجوين يعني إي؟ فتشتوا في كل مكان.. حوصلهم حاجه جصدك
هز وليد رأسه بسرعة مرددا:
فتشنا في كل مكان يا إلياس، هما هربوا
وقف إلياس للحظة، محاولًا استيعاب ما يحدث قبل أن يخطو بخطوات سريعة نحو وليد مرددا:
هربوا؟! إزاي؟ إزاي محدش خد باله.. وراحوا فين عاد.. وليه اصلا يهربوا
نظر وليد اليه بضيق مرددا :
سمعت شغالة الصبح بتتكلم إنها شافت أفنان وزينة بيتكلموا بالليل… وزينة كانت بتجول لأفنان إنها مش مرتك وإنها هنا بسبب فقدان الذاكرة. بعدها… محدش شافهم.. افنان عرفت كل حاجه.. وسابونا نهائي يا الياس
نظر الياس اليه بصدمه وفجأه و
الفصل التاسع
الغرفه المغلقه
بعد مرور اربع سنوات في شقة صغيرة تطل على البحر… حيث تداعب نسمات الهواء الستائر البيضاء برفق.. جلست أفنان على الأريكة تمسك كوبا من الشاي الساخن بين يديها بينما كانت عيناها تتابعان الصغيرة التي تلعب على الأرض بدميتها المفضلة. كانت الطفلة تضحك و تتحدث مع لعبتها كأنها تفهمها وفجأة قفزت الصغيرة وركضت نحوها وتسلقت حجرها بعفوية وهي تحتضنها بقوة ثم رفعت وجهها إليها بعينين واسعتين مليئتين بالفضول مرددا:
ماما زينة هتيجي امتى هي اتأخرت اوي ؟
ابتسمت أفنان وهي تمرر يدها في خصلات الطفلة البنية الناعمة وهتفت:
زينة جالت إنها هتتأخر شويه بس كتخافيش.. نص ساعه بالكتير وهتلاجيها اهنيه
أطلقت الصغيرة ضحكة سعيدة وبدأت تلعب بأصابع أمها. بينما تابعت ببراءة:
“ماما..هو بابا هيجي امتي..كل يوم تقوليلي بكره..هو مش بيجي ليه انا عايزه اشوفه علي الحقيقه مش في الصور هو يعني بابا مش بيحبني ؟”
نظرت أفنان اليها بحزن وربتت على رأسها بحنان:
لع يا حبيبتي..بابا بيحبك جوي .. بذمتك فيه حد ميحبكيش. انتي اي حد يعرفك بيحبك علطول يا زينه.. بس هو بابا عنده شغل مهم ومسافر بعيد
زمت الطفلة شفتيها بتفكير ثم همست:
طيب امتي يعني.. انا عايزه اشوفه.. هو في الصعيد.. هي الصعيد دي فين.. انا عايزه اروحها
تجمدت يد أفنان للحظة لكنها سرعان ما استجمعت نفسها، وأجابت بهدوء:
لع يا حبيبتي.. دي بعيده جوي اوعي تروحي لوحدك
وفي تلك اللحظة رن جرس الباب وقفزت الطفلة بحماس وهي تركض نحو المدخل بسعاده :
زينة جات.. زينه جات
نهضت أفنان بتوجس فبرغم كل هذه السنوات لم تكن قادرة على الشعور بالأمان المطلق. لكنها سرعان ما هدأت عندما فتحت الباب ورأت زينة تقف أمامها تحمل كيسا من المخبوزات في يد وحقيـ,ـبتها في اليد الأخرى وابتسامتها المعتاده تزين وجهها مردده:
جيبت الوامل ومخبوزات حلوه جوي من ال كيان بتحبها
صرخت الطفلة بسعادة وألقت بنفسها في أحضان زينة التي ضحكت واحتضنتها بحب وبعد فتره كانت تقف افنان تتأمب صديقتها التي تغيرت كثيرًا منذ هروبه.. زينة لم تعد تلك الفتاة المفعمة بالحياة كما كانت من قبل حتي القت بجسدها على الأريكة بتنهيدة طويلة فـ اردفت افنان :
هما كويسين؟! عرفتي حاجه عنهم
تغيرت ملامح زينة للحظة واردفت:
من وجت ما سمعت ان وائل ورقيه اتحبسوا وانا مسمعتش عنهم حاجه تانيه بس ال اعرفه ان محاكتهم الاخيره كانت من كذه شهر واتثبت عليهم حكم الاعدام.. معرفش بجا اليلس لبسهم جضيه اي. بس تجريبا وليد هو ال اتصرف علشان الياس كان عايز يجتلهم.. ووليد مش عايز يبجي فيه دم تاني. واهم في جميع الحالات هيتعدموا.. يعني هيموتوا
نظرت أفنان إليها بحزن ثم أومأت برأسها لكنها لم تستطع التخلص من ذلك الشعور الثقيل في صدرها مردده:
ياريت يكون اكده بجا هادي.. ونسي الانتجام والجتل وكل ال هو كان فيه دا… البنت واحشتني جوي يا زينه… انا كنت زي امها وبعتبرها بنتي والله.. يارب تكون كويسه
القت افنان كلماتها بحزن وبعد فتره من الوقت في القاهره ابضا أمام بوابة قصر الفخم توقفت سيارة سوداء ونزل منها وليد الذي عدل سترته الجلدية وهو يتجه نحو الداخل بخطوات ثابتة ودخل مباشرة إلى المكتب الواسع حيث كان إلياس يجلس على الأريكة الجلدية ممسكا بكأس المشروب دون أن يشربه ينظر إلى نقطة ما في الفراغ وكأنه يطارد ذكرى بعيدة فاردف وليد:
من زمان مجيناش عن القاهرة مش اكده.. في الاول كنا بنجي كل اسبوع تجريبا
رفع إلياس عينيه ببطء نحو وليد و زفر ببطء مرددا :
انا جاي علشانها.. يمكن الاجيها اهنيه مع اني معتقدش.. نفسي اعرف كل دا حوصل امتي.. انا حبيتها الحب دا كله امتي وازاي… انا جدرت ادمر اي حد وجف جصادي وهي الوحيده ال جدرت تدمرني يا وليد.. افنان انتصرت عليا
ابتسم وليد بسخرية وهو يسحب كرسيه ويجلس أمامه يتأمله مرددا:
اابعيد عن العين بعيد عن الجلب.. وعلشان هي بعدت بدون سابق انذار حوصل كل دا.. خصوصا ان ضميرك بيانبك.. انت استسلمت وضعفت جدامها ولمستها وهي مكنتش مرتك اصلا.. كل دا خلي نسيانها صعب
نظر الياس اليه بضيق ولم يرد فقط وضع الكأس على الطاولة ونهض متجها نحو النافذة يراقب أضواء المدينة التي لم تهدأ للحظة حتي ردد بهدوء:
وانت؟ زينة وحشتك صوح ؟! ليه حاسس دايما في عيونك الغضب منها اكتر من الحب مع اني عارف انك محبيتش حد غيرها
تنهد وليد بضيق مرددا:
علشان انا مكنتش استاهل منها كل دا
القي وليد وهو يخرج سيجارته وتابع :
أربع سنين وأنا بحاول أقنع نفسي إن الموضوع انتهى وانها خلاص مدام سابتني هي حره.. براحتها بس مجدرتش.. لا جدرت اهرب من حبي ليها ولا جدرت ابطل تفكير فيها.. ولا جدر اعمل اي حاجه غير اني اشتغل وبس مش عارف مين فينا دمر التاني بس زينه دمرتني اكتر
نظر إلياس إليه أخيرًا، وكأن كلماته أصابته في مقـ,ــ,ـتل، لكنه لم يعلق فقط جلس على حافة المكتب مسندًا يديه إليه بصمت حتي فتح أحد الحراس الباب فجأة واردف بقلق: