روايات

الفصل السابع والخمسون

 

وسط رملة هاواي الدافية، والبحر بلونه الأزرق الممتد للآخر، كانت ملك قاعدة على كرسي خشبي، ماسكة كوباية عصير فيها شريحة أناناس، وعينيها بتسرح في المية الهادية.

نادر جه من وراها بهدوء، في إيده شوية أصداف صغيرة جمعهم من البحر، وقعد جنبها وهو بيقدمهم لها بابتسامة: “دي أول هدية ليكِ من هاواي، مش ألماسة ولا ذهب، بس دي أصداف محظوظة.. بيقولوا اللي يلاقيها يعيش حياته في حب وسعادة.”
ملك ضحكت وهي بتاخد واحدة منهم، تقلبها بين إيديها بإعجاب: “يبقى انت أكتر حد محظوظ ، عشان لقيتهم.”
نادر ضحك وهو بيبص لها بحب، قرب منها وهمس: “أنا محظوظ فعلًا بس بيكي انتِ.. لأنك انتِ أحلى حاجة حصلتلي.”
رفعت راسها تبص له بعينين مليانين حب، وقبل ما ترد، كان هو سبقها ومسح نقطة عصير كانت على شفايفها بإيده، وهمس وهو بيقرب أكتر: “حتى وإنتِ بتشربي عصير، بتاخدي عقلي.”
ضحكت ملك بخجل وهي بتدفعه بخفة، بس قبل ما تبعد، كان نادر سحبها لحضنه، وهمس جنب ودنها: “هواي بجد مش في المكان.. هواي معاكِ.”

سيف هو وسبيدو وصلوا القاهرة الصبح بدري، وسبيدو طول الطريق محترم صمت سيف من بعد مقابلته مع خليل الورداني. بعد ما خرجوا من المطار بصله: “هتكلم نصر ولا هتاخد تاكسي؟”
سيف رد بهدوء: “هاخد تاكسي، مش هكلم حد.”
اتحرك بشنطته، لكن سبيدو وقفه: “سيف، إنت كويس؟ إنت شبه ما نطقتش من بعد مقابلة خليل؟”
سيف رسم ابتسامة عملية: “كويس، كويس، ما تشغلش بالك. هرتاح شوية وأكلمك، نتقابل ونتكلم، بس محتاج أريح شوية.”
وقف تاكسي وسبيدو شاورله يركب الأول، وهو هيوقف غيره. قبل ما يتحرك، سيف بصله: “سبيدو، مش عايز حد يعرف إني وصلت دلوقتي. أي حد، تمام؟”
سبيدو شاور على عينيه الاتنين وسيف اتحرك.
وصل الجامعة وكان لسه فاضل ساعة على نهاية المحاضرة. اتصل بنصر وطلب منه يجيبله عربيته من غير ما حد يعرف إنه وصل. نصر كلم عواطف تجيب المفاتيح بحجة إنه هيغسلها وينظفها. أخدها واتحرك، وسلمها لسيف اللي شكره وطلب منه مايعرفش حد بوصوله.
سيف قعد على ديسك بعيد، بس مواجه للمدرج اللي همس فيه علشان يشوفها أول ما تخرج. فضل قاعد سرحان شوية لحد ما لاحظ الباب اتفتح والطلبة بدأوا يخرجوا. قام من مكانه واتحرك ناحية المدرج يقابلها.
همس خرجت وسط أصحابها وبتتكلم، وزميلها عبدالمقصود سألها: “همس، مش قولتي إن جوزك مسافر؟”
استغربت: “أه، مسافر، ليه؟”
عبدالمقصود شاور وراها: “مش دي عربيته؟ ولا أنا بيتهيألي؟”
همس بصت وراها وشافت عربيته، وحست وقتها إن قلبها هيوقف من الحماس والشوق واللهفة عليه.
اتلفتت حواليها وعلقت: “تلاقيه في المكتب.” واتحركت ناحية المبنى اللي فيه المكتب، لكنها سمعت صوته وراها: “همس؟”
كذا طالب شافه وفضلوا بيراقبوه، لأن الكل عارف إنه كان مسافر من فترة. همس جريت ناحيته، وبتحاول تفرمل نفسها أو تفكر إنها في الجامعة ومش ينفع تقرب منه. بس بمجرد ما وصلت له، شالها من على الأرض وضمها ودفن وشه في رقبتها وهو شايلها.
إيديه حواليها، نزلها برقة على الأرض وأخذ نفس طويل ومسك وشها بإيديه وهمس لها بشوق:
“وحشتيني بجد، وحشتيني يا روح قلبي.”
لفت إيديها حوالين رقبته وضمته تاني: “وإنت كمان واحشني أوي يا سيف، واحشني حبيبي.”
مقدرش يمنع نفسه من بوسة سريعة على شفايفها، بعدها همس لها: “يلا بينا من هنا؟”
ابتسمت بتأكيد: “يلا حبيبي.”
حط دراعه حواليها وأخدها، لكن فجأة وقفت: “ينفع ننتظر لحظة؟ هبة بتصور محاضرة من كشكولي.”
وافقها ووقف ينتظرها، بص حواليه: “أمال هالة فين؟ مش معاكِ يعني؟”
استغربت سؤاله، لكنها شافت أنه مش وقته تقوله أي حاجة: “مسافرة البلد.”
استغرب: “حد يسافر قبل الامتحان بأيام؟ المهم وراكِ محاضرات إيه بعد كده؟”
حذرته: “إياك تقولي احضريهم.”
ابتسم: “لا مش هقولك احضريهم، معنديش المقدرة إني أنتظر محاضرات ولا عندي مقدرة أسيبك وامشي.” (قرب منها وهمس) “هموت على كل ما فيكِ، هموت عليكِ.”
ابتسمت بفرحة: “وأنا كلي ملك إيديك، اتفضلني.”
قاطعهم كذا طالب قربوا وسلموا على سيف، اللي ابتسم لهم وسلم عليهم ووقف يهزر ويتكلم معاهم لحد ما وصلت هبة بكشكول همس، ادتهولها وسلمت على سيف. بعدها هو بص لهمس: “يلا يا همستي؟”
يدوب هيتحرك، لكنه لقى مايا في وشه أو بمعنى أصح في وشهم هما الاتنين، وقالت بصوت عالي: “خالي فين؟ هاه؟ عملت فيه إيه؟”
همس بصتلها باستغراب، لكنها محبتش ترد عليها وسابت سيف هو اللي يتعامل معاها. مايا كررت: “يا ترى طلبتك يعرفوا إن حضرتك بتخطف الناس وتهددهم و…”
قاطعها سيف بهدوء: “لحظة لحظة، خالك مين الأول؟ إنتِ مين الأول هاه؟ وخالك ده يطلع مين؟ مش تعرفيني بنفسك الأول؟”
مايا بغضب: “حضرتك عارفني كويس وعارف سامح فوزي خالي و…”
سيف قاطعها وصحح: “آه قصدك الحرامي اللي صدر عليه حكم غيابي وسبق ورفدته من مصنعي؟ صدقيني لما ألاقيه هسلمه بنفسي. باي يا… يا شاطرة.”
أخذ همس ناحية عربيته وفتح لها الباب تقعد مكانها، بعدها لف وقعد مكانه وتحرك وخرج من الجامعة.
أصحاب همس قربوا من مايا، وعبدالمقصود سألها: “هو ده خالك اللي دكتور سيف طرده السنة اللي فاتت يوم الرحلة الميدانية اللي عملها لمصنعه؟ فاكر يا خلفاوي؟”
خلفاوي أكد: “أيوه اللي افترى على الست الغلبانة، فراح الدكتور طرده هو من المصنع.” (بص لمايا) “أخص ده خالك؟ أمال فاردة وعاملة نفسك بنت ناس أوي ليه وإنتِ خالك واحد حرامي؟”
مايا بغضب: “بكرة هتشوفوا هعمل فيكم إيه وفي الدكتور اللي فرحانين بيه ده!”
سابتهم ومشيت وهم بيضحكوا عليها.

همس أول ما بعدوا عن الجامعة حضنت دراعه بحب وهمست: “وحشتني أوي يا سيف.”
مسك إيدها رفعها لشفايفه: “وإنتِ كمان يا روح قلب سيف.”
بصلها وخطف بوسة سريعة فضحكت: “بُص قدامك، عايزة أوصل البيت سليمة أشبع منك.”
ضحك وبُص للطريق: “ماشي يا ستي، هبُص قدامي وهوصلك بإذن الله للبيت سليمة وهشبع منك.”
اتَّفاجئت بيه بيقف قدام شقتهم مش الفيلا، فسألته بفضول: “ليه هنا؟”
بصلها مبتسم: “مش عايزة؟ أطلع على الفيلا؟”
هيدور عربيته تاني، لكنها مسكت إيده: “لا طبعًا، يلا نطلع فوق، بتهرج؟”
ابتسم وأخد مفتاح العربية ونزلوا، طلعوا لشقتهم، وبمجرد ما قفل الباب همست: “حمدالله على سلامتك يا قلبي.”
ابتسم وشدها عليه، شالها واتحرك بيها ناحية أوضة نومهم، عشان يقولها وحشته قد إيه واشتاق لها قد إيه.
سيف عبر عن شوقه لها بحب كبير، قرب منها، وعبر عن مشاعره بلمسات مليانة بالدفء والاشتياق. كانت بتبصله وتبادله المشاعر بصمت مليء بالحب. شالها برفق وأخدها لسريره، قضوا وقت مع بعض يعبروا فيه عن مشاعرهم بطريقة العشاق.
سيف بيهمسلها بصوت مليان شوق: “إنتِ عملتِ فيا إيه؟ أنا عمري ما كنت كده.”
كان باين في عينيه الحب والاحتياج. بصتلُه مستغربة قدرته على التعبير وإزاي بيحاول يقرب منها بالكلام، مسكته من رقبته وهمست: “بعشقك وبموت فيك، بس الفترة اللي فاتت كانت صعبة عليا أوي، كنت هتجنن من غيرك .”
رد عليها بصوت دافي: “ودلوقتي؟ أنا قدامك، ومعاكِ ما تغمضيش عنيكِ يا همس خليكِ معايا.”
فتحت عينيها وبصتلُه، مسكت إيديه : “أنا هنا معاك، مش هسمحلك تبعد عني بالشكل ده تاني.”
ابتسم بهدوء ومد إيده يضمها بحنان، كأنه بيحاول يطمنها، وهمس: “أنتِ وحشتيني أكتر ما تتخيلي.”
الجو كان كله مليان مشاعر صادقة بينهم، بعيد عن أي كلام زائد.

مؤمن دخل بالتحاليل والكل منتظره، علق: “ما فتحتش الأظرف، اتفضلوا أهي.”
حطها قدامهم على التربيزة والكل قاعد باصص لها، بس محدش فيهم اتحرك يفتحها، وكأن الكل متوقع النتيجة.
أخيرًا حسن قام مسك ظرف: “هنفضل منتظرين كده؟ وقوع البلاء ولا انتظاره.”
فتح الظرف والأنظار كلها اتعلقت بيه، وبمجرد ما فتحه ملامحه كلها اترسم عليها الإحباط، فمحدش سأله عن النتيجة لأنها واضحة جدًا على ملامحه.
كريم قام شد ظرف فتحه وشاف النتيجة ورماه على الأرض، وفتح الثالث والرابع وكلهم نفس النتيجة. بص لمؤمن: “طب إزاي؟”
حسن رد بتهكم: “لأنه إبنك فعلًا.”
كريم بص لأبوه: “مش إبني، ولو ألف نتيجة ظهرت برضه مش إبني.”
حسن وقف قصاد إبنه: “هو بالعافية يعني؟ ولا هي بالدراع؟ عملنا التحليل كام مرة مفيش مرة واحدة طلعت سلبي، كله إيجابي والولد إبنك، راجع نفسك إنت بقى.”
كريم بذهول: “أراجع نفسي؟ بجد حضرتك بتقول الكلام ده؟”
أمل وقفت: “بعد إذنكم هدخل للعيال.”
سابتهم ومشيت، ومحدش حاول يوقفها لحد ما بعدت. كريم بص لأبوه: “العيل اللي في بطنها مش إبني، ولو هترسى إني اقتلها قبل ما تولده على وش الدنيا.”
ناهد وقفت ومسكت دراعه: “إنت بتقول إيه؟”
بص لناهد: “بقول اللي سمعتيه، مش واحدة زي دي اللي هتربط اسمها بيا، الله أعلم هي عملتها إزاي، بس مش هقبل تلوي دراعي حتى لو التمن اتعدم فيها.”
شد دراعه وماشي، بس ناهد مسكت دراعه جامد: “حبيبي، إحنا ممكن نسكتها بأي طريقة علشان تتنازل عن القضية ونراضيها…”
كريم شد دراعه بذهول: “إنتِ بتقولي إيه؟ أنا لا يمكن أتكلم معاها تتنازل، إنتِ إزاي عايزاني اخضع لها؟ إنتِ…”
مكنش عارف يقول إيه من الصدمة، بس حسن كمل: “هي بتتكلم صح، إحنا نشوف تمن سكوتها إيه بدل الفضيحة اللي هتتسبب فيها و…”
قاطعه كريم بغضب: “أقسم بالله ما يحصل، الكلبة دي هكشفها، ولو آخر حاجة هعملها في حياتي هكشفها، مش دي اللي هتكسر كريم المرشدي، مش دي أبدًا.”
سابهم ودخل عند أمل، قعد جنبها على الأرض والعيال قصادهم الاتنين بيلعبوا.
أمل بصالهم بشرود تام، ومرة واحدة علقت: “تفتكر ولد ولا بنت؟”
كريم بص لها بذهول ورفض يصدق المعنى اللي فهمه: “إيه هو؟”
بصت له: “البيبي اللي حامل فيه ناريمان؟ تفتكر ولد ولا بنت؟”
كريم بغضب: “يولع بأمه الاتنين مع بعض و…”
حطت ايدها على شفايفه: “اللي في بطنها إبنك و…”
حاول يقاطعها بس ثبتت إيدها على شفايفه تمنعه يتكلم: “إبنك يا كريم، عملتها إزاي مش عارفة، هنعرف لأن ربنا هيكشف الحق، بس من هنا لحد ما نفهم حصل إزاي، اللي في بطنها إبنك.”
كريم حاول يتكلم بهدوء لأنها معصباه بكلامها أكتر ما هو متعصب: “وبعدين؟ اللي في بطنها إبني، وبعدين؟ متخيلة الدنيا هتمشي إزاي يا أمل؟”
أمل بصت له: “هتولد، وبعدها هناخد منها البيبي، هيتربى هنا في بيت المرشدي، معندناش عيال تتربى بره بيتنا، زي ما مؤمن جاب إبنه هنا يتربى في بيته، إنت كمان هتجيب إبنك أو بنتك زي ما ربنا يريد يتربى هنا.”
كريم عنده ذهول تام: “إنتِ بتقولي إيه؟ إنتِ مستوعبة اللي بتقوليه؟ بلاش مستوعبة، إنتِ متخيلة إنها هتقبل تديكي إبنها تقولك اتفضلي ربيه إنتِ؟”
أمل بصت قدامها لعيالها: “دي بقى مهمتك إنت، تجيب إبنك أو بنتك منها.”
كريم وقف: “مهمتي أفهم هي عملت إيه وإزاي، واخلص منها بشكل نهائي، بعد إذنك يا أمل.”
سابها وخرج، وهي فضلت جامدة مكانها مش عارفة هل اللي بتعمله صح ولا غلط، ولا إيه اللي المفروض تعمله أصلًا؟

السابقانت في الصفحة 1 من 5 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل