روايات

الفصل الثامن والخمسون

ملك حاسة إنها عايشة أيام مسروقة من الزمن، فرحانة، سعيدة، لأول مرة تدوق طعم الحب والسعادة. كانت واقفة على البحر والهوا بيلعب بشعرها، ابتسمت ورجعت لجوزها اللي نايم على الشيزلونج. قعدت جنبه بهدوء وفضلت تراقبه، حاولت تمنع نفسها إنها تصحيه بس في النهاية مقدرتش، فلمست وشه بإيدها بحب. مسك إيدها اللي على وشه وباسها: “نمت كتير؟”
نفت بابتسامة: “لا يا حبيبي، بس وحشتني الشوية اللي نمتهم دول.”
شدها لحضنه وهي همست: “هنفضل هنا لإمتى؟”
رد بتردد: “مش عايز أرجع أصلًا، ما اشتغلنا كتير خلينا نعيش بقى عمرنا اللي فاضل هنا، على البحر كده وبراحتنا، ولا حد يقولنا اشتغلوا ولا حد يكلمنا، عايز أفضل هنا.”
اتنهدت بحب: “ياريت يا نادر بجد، مش متخيلة إني ممكن أصحى ما لاقيكش جنبي ولا تبات في الشغل وتسيبني الليل كله لوحدي، ولا تكون الصبح في البيت وأنا أنزل الشركة. مش متخيلة شكل حياتنا ممكن يكون إزاي.”
كان بيلعب في شعرها وهي نايمة على كتفه: “هحاول أخلي شغلي في الوقت اللي إنتِ في شغلك فيه. مش متخيل أصلًا أنزل وأسيبك في البيت ولا تكوني راجعة وأنا نازل.”
غمضت عينيها باسترخاء: “خلينا هنا أطول فترة ممكنة.”
بعد شوية قاموا اتغدوا سوا. نادر نزل المية، أما ملك قعدت ومسكت موبايلها تشوف الدنيا فيها إيه. فتحت الموبايل وبدأت تقلب في السوشيال ميديا، لحد ما اتصدمت باللي منشور عن كريم. فضلت تقلب فيه وحست بصدمة كبيرة. اتصلت بأخوها علشان تعرف منه إيه اللي بيحصل. حاول يهون عليها، بس مع إصرارها قالها مختصر اللي بيحصل.
نادر في المية كان متابعها، ومتعود يشاور لها فترد عليه، لكن لاحظ إنها مهتمة بالموبايل والاتصالات. خرج من المية وراح لها، ناولته فوطة أخدها: “في حاجة؟”
بصتله: “حاجة إيه؟”
شاور على موبايلها: “حاسس إنك مهتمة أوي، في حاجة حصلت؟”
اترددت تتكلم علشان كريم، لكنه لاحظ ترددها، فقعد قصادها: “في إيه يا ملك حصل إيه ؟”
حاولت تتكلم بشكل طبيعي: “مشاكل في الشركة مش أكتر. كلمت نادر بس رفض يقولي تفاصيل.”
استغرب توترها ومسك إيدها بحب: “شفتي إيه ضايقك؟ في إيه حصل؟ وليه مش عايزة تتكلمي معايا؟”
أخدت نفس طويل وقررت تتكلم بصراحة: “إنت عارف الحرب اللي المجموعة وقعت فيها سواء المرشدي أو الصياد، صح؟”
وافق بحركة من راسه، فاستكملت: “النهاردة شوفت أخبار منشورة عن كريم مش ظريفة.”
غصب عنه دبت غيرة في قلبه، ليه مهتمة بأخباره؟ ليه اترددت تقوله؟ هل مراعاة لمشاعره ولا لأسباب تانية؟
سأل باهتمام: “أخبار إيه؟”
أخدت نفس طويل وبدأت تحكيله المكتوب، وهو اتصدم لأنه ما تخيلش إن الموضوع يوصل لكده: “وريني إيه المنشور عنه؟”
ناولته موبايلها، واتفاجأ إن الفيس والانستا كلهم مليانين أخبار عن كريم. حاول يهرب من أفكاره اللي بتأنبه: “طيب هل كريم يعملها؟”
ملك دافعت: “لا طبعًا ، كريم بيعشق مراته وبيته. غير إن ده مش طبعه ولا أخلاقه.”
نادر علق: “فعلًا حسيت إنه إنسان محترم.”
ملك بتفكير: “المشكلة إنها حاطة صورة لتحليل DNA، فده إزاي حصل؟هل غلط مثلًا؟ ولا مزور ؟”
نادر بعملية: “غلط لأ، بس بيتزور. ليه لأ؟ مش فاكرة لما همس كانت في المستشفى وعملولها تحليل حمل وطلع إيجابي؟”
ملك عنيها لمعت: “مش يمكن يكون ده اللي حصل؟ العينة اللي بتتزور مش التحليل.”
نادر بحيرة: “ممكن ليه لأ، في العالم بتاعكم ده كل حاجة ممكنة.”
ملك بحماس: “طيب ما تكلم كريم تقوله.”
نادر باستغراب: “أنا؟ أكلمه أقول له إيه؟ كلمي إنتِ أخوكِ وهو يتصرف.”
ابتسمت لاقتراحه واتصلت بأخوها، وأول ما رد قالها: “ما تخليكِ في شهر العسل.”
ابتسمت: “هخليني في شهر العسل، بس نادر بيقول ممكن التحليل مش مزور، ممكن العينة نفسها اللي اتبدلت.”
نادر أخوها علق: “بس التحليل بيتعمل في المستشفى اللي جوزك شغال فيها.”
ملك بتهكم: “اللي كان فيها شذى؟ نسيت إنهم بدلوا عينة همس؟”
أخوها وعدها إنه هيكلم كريم. بعد ما قفل، اتصل بكريم وبلغه باقتراح ملك، لكن كريم وضح له إن العينة اتاخدت قدام عينه واتأكد إنها راحت للمعمل بنفسه فالموضوع ده مستبعد.

سبيدو بعد ما قفل مع سيف، طلع مباشرة على مكتب آية. خبط على الباب وانتظر يسمع صوتها، وبعدها دخل: “إزيك يا قمر؟”
رفعت وشها بصدمة اتحولت لابتسامة وقامت من مكانها: “سبيدو! حمدالله على السلامة.”
سلمت عليه وأضافت: “سيف لسه مروح من شوية و…”
رد بسرعة: “عارف إنه روح، كلمته قبل ما أطلع أصلًا.”
آية بتوتر: “وقولتله إيه؟ ولا رد عليك بإيه؟ ولا…”
وقف سيل أسئلتها بابتسامة: “إيه، حيلك عليا شوية! كلمته وقلتله إني هنا وطالع أشوفك، هقوله إيه يعني؟”
عينيها وسعت من الذهول: “وهو وافق؟ ببساطة كده؟”
ضحك من منظرها: “يا بنتي مستغربة ليه؟ ما أنا قولتله عايز أكتب، وهو اللي ظروفه ملخبطة، مش أنا! بعدين، البارد أصلًا، قلتله نطلع نتغدى بره رفض، فقلت خلاص نتحمله شوية لحد ما أحط إيدي في إيد أبوكِ. المهم، هتفضلي تستجوبي فيا كتير ولا هتجيبلي قهوة؟”
فكرت لحظات قبل ما ترد: “بصراحة خايفة من رد فعل سيف ومش عارفة هو منتظر مني إيه؟ هل أتصل بيه أقوله إنك هنا؟ رأيك إيه؟ أعمل إيه معاه؟ سبيدو، أنا ما صدقت علاقتي بيه بدأت ترجع لطبيعتها.”
رد بتفهم: “بعد ما أمشي، كلميه وقوليله إني طبيت عليك زي القضا المستعجل و…”
قاطعت كلامه بسرعة: “قضا إيه؟ أنا فرحت بزيارتك دي فوق ما تتخيل، أصلًا إنت…”
قطعت جملتها فجأة، فاقترب خطوة منها: “أنا إيه؟ كملي.”
تراجعت بحرج: “ولا حاجة. المهم، عملتوا إيه في سفريتكم دي؟ استنى الأول، قولي قهوتك إيه؟ يعني أقل حاجة نشرب القهوة مع بعض.”
ضحك ورد: “قهوتي زيادة. بس لو حاسة إن سيف ممكن يضايق، أجلي القهوة لحد ما نخليها رسمي ومحدش ينطق حرف.”
ابتسمت بفرحة، وطلبت قهوة في التليفون: واحدة مظبوطة وواحدة زيادة. بعد ما قفلت، علقت: “المهم طمني، عملتوا إيه في سفريتكم ووصلتوا لإيه؟”
قعد على حرف مكتبها: “أخبار سفريتنا دي تعرفيها من أخوكِ. دلوقتي نتكلم في حاجات أهم: آجي إمتى لأبوكِ؟ ويناسبك إمتى نكتب الكتاب؟ والحجة سلوى هتفضل منشفة دماغها كتير، ولا الوضع تحت السيطرة وهتغنيلي مسيطرة؟”
ضحكت وسندت على مكتبها جنبه: “الحجة سلوى؟ عارف لو سمعتك بتقول عليها كده ممكن… ممكن… أنا مش عارفة مامي ممكن تعمل فيك إيه؟”
ضحك هو كمان: “هتعمل كل خير. أنا هعرف أظبط دماغها، سيبها عليا. المهم أبوكِ وأخوكِ، واعتقد الاتنين مش ممانعين. كمان جدتك السكرة دي حبيتها.”
آية علقت بابتسامة: “هوليا دي سكر، وتتحب فعلًا. ولعلمك، هي تغلب ماما.”
سبيدو بحماس: “قشطة أوي! كده يبقى هنسلطها على أمك تظبطهالنا. المهم برضه، يناسبك إمتى علشان أتكلم مع أبوكِ؟ يوم الاثنين مثلًا الجاي؟”
آية بدأت تعد على صوابعها قبل ما ترد: “لا طبعًا، أولًا مش هلحق أختار فستان و…”
رد بغيظ: “فستان إيه؟ بقولك إيه، أنا المظاهر دي ما تاكلش معايا أصلًا!”
علقت بحدة وهي واقفة قدامه: “لا، ده كله كوم وفستان الخطوبة كوم، وفستان كتب الكتاب كوم، وفساتين الفرح كوم تاني. فانتبه!”
الباب خبط، ودخل العامل بالقهوة. شكرته وكمان سبيدو شكره بعد ما حط القهوة انسحب على طول. سبيدو علق: “فساتين الفرح؟ مش كان فستان؟ بقوا فساتين؟”
أكدت بحماس: “طبعًا فساتين! وكلهم هبعت أجيبهم من باريس. ولو مفيش حاجة عجبتني، هفصل و…”
قاطعتها بغيظ: “إنتِ شكلك عايزة سنة تجهزي للفرح! بتهرجي؟”
ردت بإصرار: “في ثوابت ممنوع النقاش فيها أصلًا.”
تنهد بضيق: “طيب، ما نتكلم في كتب الكتاب. الاتنين، إيه رأيك؟”
آية فكرت لحظات قبل ما ترد: “مش هينفع علشان امتحانات همس. إنت عارف سيف مش هيوافق.”
كشر بتفكير، لكنه كان متفق معاها: “فعلًا سيف مش هيوافق، وأنا نفسي مش هرضاها. طيب اعرفي همس هتخلص إمتى وبلغيني. اتفقنا؟”
وافقت وهزت رأسها، وبعدها شرب باقي قهوته وقام: “يلا، هسيبك دلوقتي، وهكلمك بالليل. قوليلي همس هتخلص امتحاناتها إمتى. يلا باي، يا قمرايتي. أشوفك بعدين.”
سابها وخرج، وهي قعدت مكانها واتنهدت بشوق. عمرها ما تخيلت إنها ممكن تحبه هو بالذات.

سيف دخل أوضته واتفاجئ بهمس قاعدة على الأرض وحواليها ورق كتير جدًا وهي قاعدة في النص. وقف مذهول شوية من كمية الورق المبعثرة، وأول ما شافته رمت القلم من إيدها والورقة اللي كانت ماسكاها، وقامت جري عليه ورمت نفسها في حضنه: “وحشتني.”
ضمها، لكنه كان لسه مذهول من المنظر اللي وراها. لاحظت إنه ما نطقش، فبعدت عنه وبصتله: “سيف حبيبي، مالك؟”
بصلها وبعدين بص للأرض: “إيه ده؟”
بصت بحيرة للأرض: “إيه ده إيه؟ حدد تقصد إيه؟ دي إلكترونكس لو قصدك المادة، بكرهها موت ومش بفهمها، وسبحان مين بينجحني فيها.”
علق أخيرًا: “حبيبتي، مش قصدي مادة إيه. قصدي المنظر ده؟ لا يمكن تفهمي حاجة والدنيا شكلها كده حواليكِ. بعدين هو بفرش الورق حواليا يعني هفهم؟”
ردت بتأكيد: “أيوه، بحس إن المعلومات حواليا من كل جانب، وأي معلومة عايزاها بوصلها بسهولة. أنا فارشة حواليا كل القوانين اللي ممكن أحتاجها، فلما أقف عيني بتلمح القانون وهكذا، مش بفضل أدور كتير.”
هز راسه بذهول: “إنتِ بجد بتطلعي الأولى؟ أنا ليه بدأت أشك في الموضوع ده؟”
كشرت وبعدت عنه: “أما إنك فصيل بجد! شوف طيب إنت رايح فين وسيبني في حالي.”
اتحركت تبعد، بس مسك دراعها ومنعها: “روحي، استني. مش قصدي أضايقك بجد، بس المنظر صعب وصدمني. طالما بتعرفي تفهمي كده براحتك. أنا هدخل آخد شاور يمكن أفوق شوية وأعرف أقعد معاكِ.”
وقفته: “لو محتاج تنام ساعتين أو ترتاح براحتك، عادي. أنا هعرف أمشي أموري، حبيبي.”
نفخ بضيق لكنه ابتسم: “هآخد شاور وبعدها أحدد هقدر أعمل إيه.”
راقبته وهو بيختفي من قدامها، وحست إنه مهموم فوق العادي. من ساعة ما رجع وفي حاجة شغلاه، ومش قادرة تحط إيدها عليها. قعدت مكانها وفكرت تلم الورق علشانه، لكنها تراجعت. هي بتحب تذاكر بالطريقة دي، وهو أكيد مش هيعترض لو دي طريقتها.
سيف دخل تحت الشاور، وغصبًا عنه افتكر كل كلامه مع خليل. حس بنار بتتصاعد جواه وتزيد، فغمض عينيه يحاول يطرد أفكاره لكنه مش قادر. قفل المية وقرر يقعد مع همس يذاكر معاها. حس إن دي أفضل طريقة يستغل بيها وقته ويمنع نفسه من التفكير في كلام خليل.
خرج من الحمام وفتح الدريسنج يطلع هدومه. لسه هيلبس، لكن شيء لا إرادي خلاه يفتح درج التسريحة اللي ساب فيه الفلوس لهمس. زي ما توقع، الفلوس كلها زي ما هي. قفل الدرج وهو بيفكر يفتح الحوار ده دلوقتي ويتخانق معاها ولا يصبر لحد ما تخلص الامتحانات؟ كان متنرفز ومتعصب من كل حاجة حواليه، ولو اتكلم وهجومها جه زي طبيعتها، هينفجر فيها ويفضي كل اللي جواه. قرر يسكت دلوقتي.
اتحرك من مكانه وبدأ يلبس هدومه، ولاحظ إن همس عينها عليه، فابتسم ولمّا فضلت متبعاه علق: “افضلي بوصيلي كده، بعدها تصوتي وتقولي مش في دماغك غير الموضوع ده.”
ضحكت وردت: “أنا حاليًا مش في دماغي غيرك إنت.”
قامت من مكانها وراحت لعنده، وهو علق وهو بيلبس: “الباور إلكترونكس تناديكِ يا روحي.”
كشرت متغاظة: “ليه بتكسر فرحتي؟”
بصلها ببلاهة وردد: “أكسر فرحتك؟ فرحة إيه اللي كسرتها لا مؤاخذة؟”
ردت وهي بتبعد: “فرحانة بجوزي اللي لسه راجع من السفر وجاية لحضنه، تقوم تكسرني كده؟ أخص عليك.”
لوهلة مكنش عارف يضحك ولا يزعل ولا يهزر ولا يعمل فيها إيه. همس عندها مقدرة تخلي دماغه تعمل (error).
مسك دراعها ووقفها، وهو وراها ضمها وأخدها كلها في حضنه: “حبيبة قلبي، حضني مفتوح، بس إنتِ تركيزك حاليًا في المذاكرة، فكملي الأول مذاكرتك، وأنا معاكِ مش هطير يعني، أنا جنبك أهو.”
همست: “بس إنت بتطير فعلًا وتسيبني، وواحشني، أعمل إيه؟”
لفت وواجهته، وحطت إيديها حوالين رقبته: “من ساعة ما دخلت، وكل اللي بفكر فيه هو حضنك وبس.”
أخدها في حضنه وهمسلها: “وحشتيني انتِ كمان، وحشتني كل حاجة فيكِ وكل ما فيكِ، بس…”
حطت إيدها على شفايفه وهمست بصوت مبحوح: “خليني في حضنك شوية، بعدها هرجع لمذاكرتي. من ساعة ما خرجت ما أخدتش راحة علشان عارفة لما تيجي هتبقى واحشني، فقولت أستغل كل لحظة إنت فيها بره.”
حط إيده على خدها بحب وهو بيحركها على وشها: “لو كل ما هدخل تركيزك هيتشتت، فهبعد لحد ما تخلصي امتحانات. مش هينفع أكون مصدر تشتتك يا همس.”
شددت إيديها حواليه: “إنت لسه راجع من سفر، فواحشني، مش ده الطبيعي ولا إيه؟”
شالها بحب: “يبقى نبطل رغي وتضييع وقت.”
ابتسمت واتعلقت في رقبته، ونزلها على السرير، لكنها فضلت ماسكة في رقبته وشدته عليها.

السابقانت في الصفحة 1 من 5 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل