
أمل كانت باصة للصورة بتحاول تدرسها، دموعها نازلة ومشوشرة رؤيتها. موبيلها رن، المرة دي كان مؤمن، فمسحت دموعها وأخدت نفس طويل قبل ما ترد بصوت طبيعي. مؤمن لاحظ إن صوتها مهزوز شوية، سلم عليها وسأل عن العيال، بعدها استفسر: “كريم كلمك؟”
استغربت: “لا مكلمنيش بعد ما خرج، خير في حاجة؟”
مؤمن بتردد: “إنتِ شوفتي…”
معرفش يكمل، بس هي فهمته: “قصدك اللي ناريمان نشرته في السوشيال ميديا؟ آه شوفته، ليه؟”
مؤمن بتوتر: “عشان عمي حسن اتجنن أول ما شافه وطرد كريم من الشركة.”
أمل قامت من السرير بسرعة: “إيه؟ طرده؟”
مؤمن كمل: “ومش بس الشركة، قاله كمان ما يرجعش البيت. علشان كده سألتك لو كلمك أو حاجة.”
أمل صوتها مليان قلق: “طيب، إنت مكلمتوش وعرفت مكانه؟ ولا عرفت راح فين؟”
مؤمن وضح: “مردش عليا، بس كلمت سيف وطلبت منه يكلمه. مش عارف رد عليه ولا لأ.!؟
سيطر الصمت شوية، بعدها مؤمن علق: “أمل! كريم مستحيل يخون نفسه قبل ما يخونك، ما يعملهاش. لو ألف تحليل قالوا إبنه، برضه هفضل مصدق إنه ما يعملهاش.”
جزء منها كان مصدق كلام مؤمن، لكن جزء تاني كان مليان شك: “طيب، التحليل إزاي بيقول إبنه؟ إيه تحليلك يا مؤمن؟”
رد بحيرة: “معرفش، معنديش إجابة. بس هو قال معملهاش، وكلامه بالنسبالي مصدق، لا يحتمل حتى مجرد الشك. أمل، كريم ما يكدبش أبدًا، فما بالك بخيانة؟ إحنا بنتكلم في أكبر الكبائر، ده ما بيسلمش على واحدة مش من محارمه، هيرتكب معصية زي دي؟”
أمل تنهدت: “إنت بتقولي الكلام ده ليه يا مؤمن؟ متخيل إني مش عارفاه؟ مش عارفة كريم وأخلاقه؟”
مؤمن دافع بحماس: “عارف إنك عارفة، بس المصيبة اللي إنتو فيها كبيرة. يمكن تكوني محتاجة حد معاكِ بيحب كريم زيك وأكتر يقولك إنه ما يعملهاش. يقولك إنه بيحبك إنتِ وبس. لا، مش بس بيحبك، كريم بيعشقك. كريم قال لي، لو أنا مكانك وأمل مكان نور، هنفذ رغبتها وهديها فرصة، لأني مش متخيل أعيش حياة هي مش فيها. كريم بيحبك بشكل معرفتش أحبه لنور، ويمكن علشان كده إحنا الاتنين سيبنا مركبنا تغرق. لكن إنتو… إنتو أيقونة للعشق، أوعي تسمحي لحد يدمر أو يهز حبكم ده. كريم وقت العاصفة كان في غيبوبة، ويفتح عينه لحظة يقول إسمك إنتِ وبس. لما وقعتي قبل فرحكم وكنتِ منهارة، كان منهار أكتر منك. كان عايز أي طريقة يدخل جواكِ ويقولك إنه معاكِ وموجود. كانت أول مرة أشوف دموعه لما كنتِ بتفوقي وتصرخي. كان مستعد يهد الكون كله علشانك. عشق زي ده لا يمكن يخونه بشيء رخيص مع واحدة رخيصة زي ناريمان. لا يمكن تلفت حتى انتباهه. لكن عملتها إزاي؟ مسيرنا هنعرف.”
أمل غمضت عنيها، بتفكر في كلام مؤمن، وتفتكر كل لحظة حلوة عاشتها مع كريم. علقت بعد ما هو سكت: “متشكرة يا مؤمن على محاولتك. ويارب يزيح الغمة دي بسرعة. هكلم كريم أشوفه فين.”
قفلت معاه، وفضلت مكانها باصة لصورة كريم وهي في حضنه على الكومود جنبها. عنيه حست إنها بتقولها: “إنتِ وبس.” هي في حضنه بتضحك من قلبها، وإبنها بينهم. صورة كل ما فيها بينطق حب. نظراتهم بتحكي ألف حكاية.
مرة واحدة قامت، جابت اللاب، وفتحت صور ناريمان تاني. بدأت تقارن بين صورها هي وكريم وصور ناريمان، واكتشفت حاجة مهمة جدًا، مش عارفة إزاي كانت فايتها .
سيف كان واخد همس في حضنه وباصص للسقف، في حالة شرود تام. همس عدّلت جلستها ومسكت وشه علشان يبصلها، فابتسم: “إيه يا روحي، معاكِ؟ هتروحي تذاكري؟ يلا.”
حاول يقوم، لكنها ثبتته: “برضه مش هتقولي إيه اللي قالب حالك كده؟ وشاغل عقلك وتفكيرك وكيانك كله؟”
تنهد بوجع هي حسته: “عايزاني أقولك إيه يا همس؟”
قعد بتعب، وهي قعدت جنبه: “قولي فيك إيه يا سيف؟ ليه مهموم كده؟إنت معايا، بس عقلك وتفكيرك أبعد ما يكونوا عني، حبيبي.”
الاتنين فضلوا ساكتين، وهي حاطة إيديها حواليه بتحضنه، لحد ما هو قطع الصمت: “عايز أعرف سر عداء أمي وجدتي، إيه؟”
استغربت كلامه وقعدت قدامه: “ده اللي شاغلك؟”
رد بهدوء: “في حاجة كبيرة حصلت بينهم زمان، ولازم أعرفها.”
هزت رأسها بحيرة: “وليه شاغل نفسك بموضوع عدى من أكتر من عشرين سنة؟ ليه دلوقتي يا سيف؟”
اتجاهل سؤالها وسألها فجأة: “هتعملي إيه لو اكتشفتي مثلًا إني مش من عيلة الصياد؟”
بصتله بصدمة، فاستطرد: “لو ما طلعتش إبن عز الصياد، وقلتلك إني هسيب الشركة والفيلا وممكن نسيب مصر كلها، مستعدة تسيبي الكون كله وتهاجري معايا يا همس؟ ولا ساعتها هتقوليلي حياتي ومستقبلي هنا وذاكرت علشان أتعيّن معيدة هنا و…”
حطت إيديها على شفايفه تمنعه يكمل: “حياتي في المكان اللي إنت فيه. شاور على المكان اللي عايز تعيش فيه، وأنا معاك. اسم الصياد ما يفرقش معايا، أنا بحب سيف وبس. واتجوزت سيف، مش عيلته ولا اسمه. فإزاي بتسألني سؤال زي ده؟”
ابتسم بارتياح: “طيب بما إنك ريحتيني وطمنتيني، قومي بقى ذاكري شوية.”
استغربت: “إنت برضه مش هتقولي مالك؟”
ابتسم، ووقف شدها من إيدها: “قومي، هنذاكر الإلكترونكس، كفاية تضيع وقت. يلا نقعد وسط الورق ده، يمكن المعلومات اللي حوالينا تطير لجوه عقولنا.”
استجابت له، وحست إنه بيحاول ينسى أفكاره من خلال مساعدتها. قعد معاها يذاكر المادة اللي مضايقاها، وحست إنه أفضل من دكتور المادة نفسه. قعدوا يتناقشوا، تعارضه وترفض كلامه، لحد ما رمى القلم: “بت، إنتِ تعبتيني. هو لازم نشكك في كل كلمة والسلام ولا إيه؟ مش عاجبك، أسيبك وأقوم، بلاها صداع.”
ضحكت وفكرته: “مش سبق وقلتلك مادتك مش بنطق حرف فيها، لكن…”
قاطعها وكمل: “لكن مادة غيري تطلعي عين اللي جابوني؟ تعبتيني بجد. ماهو مش هتكلم في حاجة مش فاهمها، مش لازم أثبتلك كل حرف جه منين وإزاي. ارحميني شوية، ها؟ يلا، نكمل ولا تعبتي نوقف؟”
قبل ما تجاوبه، موبيله رن، فقام يشوف مين. كان مؤمن. كلمه، وبعد ما قفل، سألت: “في حاجة؟”
رد عليها: “إنتِ مفتحتيش فيس ولا انستا؟”
هزت رأسها نافية، فعلق: “تمام، يبقى ما تشغليش بالك وكملي مذاكرتك.”
قامت بفضول تجيب موبيلها، تشوف في إيه، لكن تذكرت فجأة: “صح، شوفت مروان؟ عرفت ليه فسخ خطوبته؟”
اتضايق لما افتكر الحوار مع مروان، وقعد على السرير بيفكر فيه. هي قربت، وقعدت على الأرض قدامه: “قالك إيه؟”
بصلها، حاول يبتسم بس معرفش: “مقالش، اتخانقنا، وشبه طردته من الشركة.”
فضلت تبصله شوية مش مصدقة، لحد ما علقت: “طردته؟ بتهزر، صح؟ يعني بدل ما تكحلها عميتها؟ إيه يا سيف ده؟ بعدين تطرده إزاي؟ ده مروان!”
هرب من نظراتها: “يعني إيه مروان يعني؟ ها؟”
واجهته بنظرات قوية: “يعني مروان، اللي كان مستعد يضحي بحياته في الشركة، واتضرب بالنار، اللي أكتر واحد واقف جنبك من يوم ما عرفتك لحد النهاردة. اللي عمره ما تخلى عنك ولا عن شركتك ولا عن عيلتك حتى وإنت مسافر. أعتقد يا سيف، إنت مش محتاج تسمع مني عن مروان، صح؟”
علق بتعب: “إنتِ عايزاني أعمل إيه؟ أقوله برافو عليك وأصفقله إنه فسخ خطوبته بدون سبب؟”
ردت بغيظ: “أكيد لا، طبعًا، بس برضه ما تتخلاش عنه. ماهو كان قادر لما يعرف إنك خاطب واحدة وبتحب واحدة إنه يحكم عليك ساعتها ويبعد عنك، ولا إيه رأيك؟ بطل تسرع وتهور، واسمع منه إيه اللي حصل. بطل رد فعلك السريع الغبي ده، لو سمحت.”
فهم تلميحها، ومعلقش. قام وسابها ودخل الحمام، وهي قررت تسيبه براحته.
مؤمن اتصل بأمل مرة تانية وبلغها إن كريم موجود في شقة سيف. طلبت منه يبعت لها اللوكيشن، فقالها إنه هيبعته واتساب. حاول يتصل بسيف مرة تانية لكنه مردش أول مرة، وفضل متردد يعمل إيه؟ هل يتصل بيه تاني؟ ولا يروح بنفسه الشقة ويبعت لأمل اللوكيشن من هناك؟ أو يعرض عليها إنه يوصلها بنفسه؟
همس كانت قاعدة بتلم الورق وترتبه لما شافت موبايل سيف بينور، قامت بصت عليه ولقته اسم مؤمن. راحت دخلت عليه وهي شايلة الموبايل، بس المكالمة فصلت قبل ما توصل. سألها: “عايزة حاجة؟” رفعت الموبايل وقالت: “مؤمن رن عليك.”
سيف لبس البرنس بتاعه وأخد الموبايل منها، كلم مؤمن اللي اعتذر في الأول، وبعدين طلب منه اللوكيشن. سيف بعتهوله على الواتساب، ومؤمن بدوره بعته لأمل.
سيف بدأ يلبس هدومه وهمس كانت متابعاه، فسألته: “رايح فين؟”
تنهد ورد: “هروح أشوف المتخلف ده، أشوف ليه أخد القرار ده وأحاول أفهم هو ماله وإيه مشكلته.”
ابتسمت وحضنته: “ربنا ما يحرمني منك، أيوة روحله، وبالله عليك ما تتعصب عليه، ده غلبان والبت هالة غلبانة.”
سابها وخرج، لكنه قابل عز عند الباب، اللي وقفه : “قولت ترتاح ونتكلم، تعال نتكلم.”
سيف كان مش مستعد لمواجهة والده دلوقتي، فاعتذر: “سوري يا بابا، بس ورايا مشوار مهم الأول، ولما أرجع لو صاحين نتكلم، بعد إذنك.”
عز سابه وخرج، وسيف راح على بيت مروان مباشرة.
لما وصل، استقبلته والدته وداد ورحبت بيه، فاستغرب من الترحيب وخمن إن مروان مقلهاش عن خلافهم، وده خلاه يحس إنه صغر في نظر نفسه أكتر. سألها: “هو فين؟”
ردت بحزن: “في أوضته من ساعة ما رجع من بره، مش راضي يتكلم ولا يقول إيه اللي حصل.”
يدوب هتتحرك تناديه، وقفها: “طيب، إنتِ تعرفي ليه ساب هالة؟ إيه اللي حصل بينهم؟”
ردت بحزن: “والله ما أعرف ياإبني، كل اللي قاله إنهم اختلفوا، ولا راضي يفهمني هو فيه إيه ولا ماله.”
ابتسم يطمنها: “ما تقلقيش، هتكلم معاه ونفهم دماغه فيها إيه. المهم إنتو أخباركم إيه؟ ومنار عاملة إيه؟”
وداد ردت بحزن: “هتعمل إيه؟ أهي عايشة، الحمد لله على كل حال. ربنا يخليلها لارا وكارما، واخدين كل وقتها، واخدين وقت كل البيت.”
ابتسم: “ربنا يحفظهم يارب.”
استأذنت منه تدخل تنادي مروان وتبلغه بوجوده.