
حاتم فضل بره منتظر نهاية المحاضرة ، راقب همس وهي خارجة. خرج وراها وقرب منها: “همس.”
وقفت وبصتله بتحذير: “باشمهندسة، لو سمحت ما ترفعش الألقاب بينا.”
ابتسم بموافقة: “حاضر، آسف يا باشمهندسة، بس كنت هقولك: عرفتي إن خلود أبوها أخدها؟”
استغربت: “وحضرتك مهتم يعني؟”
حاتم قرب خطوة: “مستقبلها هيضيع. دي كلها كام شهر وتتخرج.”
همس رجعت خطوة لورى: “محدش قالك تنسى إنك دكتور وتعمل اللي عملته طالما بتخاف على الطلبة بتوعك.”
حاتم حاول يلعب عليها: “هو مش كنتِ بتطلعي لسيف مكتبه؟ إنتِ مجربة، إزاي بتحكمي علينا؟”
همس بصتله بحدة: “بطلع لسيف مكتبه أسأله، وعمري ما طلعت لأي سبب تاني. غير إني مكنتش بطلع لوحدي، كنت باخدها هي معايا وهالة كمان. وفوق كل ده، سيف دكتور محترم وعمره ما تعدى أي حدود معايا. فحتى لو كنا بنحب بعض وكان الشرح والسؤال ده مجرد حجة نشوف بعض بيها، بس في النهاية كان في احترام متبادل بينا. بعدين لو بتحبها زي ما بتقول، روح لوالدها واطلب إيدها رسمي واعتذرله، واقنعه يخليها ترجع لدراستها. ده لو كنت راجل بجد وبتحبها فعلًا.”
ابتسم بغيظ منها لأنه كان متخيل إنه هيعرف يكسب تعاطفها مش تقلب الدفة عليه بالشكل ده.
سابته ومشيت لأصحابها، وقفت معاهم.
مؤمن كلم المحامي وبلغه بنيته إنه يتنازل ويوقف قضية الحضانة، وإن نور هتوقف هي كمان القضية، بس فريد رفض تمامًا: “غلط طبعًا اللي حضرتك بتقوله ده، أنا هكمل القضية وهجيب الحضانة الكاملة ليك.”
مؤمن بدفاع: “وليه قضايا وليه محاكم؟ هي متنازلة.”
فريد قعد قصاده: “يا حبيبي افهم، دي لعبة المحامي بتاعها عاملها. مفيش حاجة اسمها أم متنازلة عن الحضانة، دي بتلعب بيك. هتتنازل النهارده وبعد شهر ولا شهرين هتروح ترفع قضية تانية وتطالب بحضانة إبنها وهتاخدها.”
مؤمن بتهكم: “ما تاخدها دلوقتي مش قلت الموضوع في صفها؟ بتتنازل ليه؟”
فريد: “علشان دلوقتي مبقاش في صفها، ومحاميها عارف ده كويس. الأول آه قلتلك مفيش سبب إنها ما تاخدش الحضانة، وقلتلك صعب. لكن دلوقتي بعد اللي حصل لإبنك خلاها غير كفء وبقت نقطة سودا عندها. إبنك تاه يومين، وده هيخلي القاضي يحكم لنا الجلسة الجاية. لكن المحامي عمل كده لأنه عارف إنه هيخسر، فقال يلعب بيك ويعدي موضوع التوهان ده. بعدها تروح ترفع قضية تانية وهتكسبها.”
مؤمن بتأكيد: “ماشي، هخليها تمضي على إقرار بالكلام ده.”
فريد عمل صوت ببوقه تريقة: “بله واشرب ميته، مفيش الكلام ده. قانونًا مفيش حاجة اسمها أم تتنازل. لو بكرة رجعت في كلامها، هتاخده منك. بس تنيمك لحد ما يتنسي اللي حصل، وبعدها تقولك إبني عايزاه والحضانة بتاعتي وتاخده. فهمت؟”
مؤمن قعد مكانه وبيفكر في كلام فريد. معقول نور وافقت علشان تخدعه؟ بس مش معقول، ليه؟ دي مش طبيعتها. ده إذا كانت فكرت تخطف إياد علشان توجع قلب أمل وكريم، فإزاي مش هتخدعه هو؟
فريد: “أنا هكمل إجراءات الدعوى، والحضانة تبقى ليك. بعدها عايز تسمح لها تشوفه براحتك واعمل كل ما بدالك. بس تبقى في مركز قوة مش ضعف. وفي النهاية براحتك.”
مؤمن بص له: “خلاص كمل إجراءاتك.”
نادر كان في مكتبه لما الباب اتفتح بعنف، ودخلت نور: “قلتلي اتنازلي وهو موافق، وأديني كلمت المحامي وقلتله اتنازل. ودلوقتي المحامي بيكلمني يقولي ميعاد القضية ومؤمن مكمل؟ وثقت فيك وسمعت كلامك والنتيجة إنه مكمل القضية.”
نادر وقف واتحرك من مكانه: “اهدي، مش فاهم منك حاجة.”
نور بصوت عالي: “مش فاهم إيه؟ بقولك إنه ما اتنازلش ومكمل القضية!”
نادر بهدوء: “طيب، هكلم مؤمن وأفهم منه. انتظري.”
اتصل بمؤمن ورد عليه: “مؤمن، نور لسه بتقولي إن المحامي بتاعك لسه مكمل في إجراءات الحضانة؟”
مؤمن بهدوء: “أنا فعلًا كلمت المحامي يتنازل، بس فهمت بعدها ليه نور مصرة تتنازل دلوقتي.”
نادر باستغراب: “ليه؟ علشان تبقى في حياة إبنها؟”
مؤمن بتهكم: “علشان تضحك عليا، يا نادر. اللي عرفته إنه مفيش حاجة اسمها أم تتنازل عن حضانة. ولو اتنازلت وبكرة غيرت رأيها، تقدر تاخده. فالمحامي بتاعها أكيد قالها تضحك عليا وتقول هتنازل، وبعدين ترفع قضية تانية وتاخده. موضوع إن إيان تاه منها يتنسي شوية، وهي نفذت كلام المحامي. نادر، أنا هكمل القضية وهاخد حضانة إبني، لكن كلامي معاك مش هيتغير. بيتي مفتوح لها في أي وقت وهجيب إيان لجده وجدته في أي وقت. وكل كلامنا واتفاقنا زي ما هو، بس رسميًا الحضانة تبقى معايا. مش هفضل مهدد منها. ده يضايقك في إيه؟”
نادر بهدوء: “ما يضايقنيش، تمام يا مؤمن.”
قفل معاه وبص لنور: “كلامه صح؟ كنتِ هتتنازلي لحد ما موضوع إيان يعدي ويتنسي وبعدها ترفعي قضية تانية؟”
نور سكتت ومتغاظة. نادر زعق: “ردي عليا! المحامي قالك تعملي كده وتضحكِ عليه؟”
نور بصوت عالي زيه: “أيوه! إبني وعايزاه، وهو لو كمل القضية هيتحكم له بالحضانة. فقلت نتنازل، وقدام شوية أخده منه.”
نادر بص لها بذهول: “وليه كل ده؟ ليه يا نور؟ ما تسيبي إبنك مع أبوه وارجعي إنتِ كمان…”
قاطعت كلامه: “اعفيني من محاضراتك طالما مش هتساعدني.”
زعق فيها: “أساعدك في إيه؟ إنتِ يوم واحد إبنك تاه منك، ولولا ستر ربنا مكنش رجع. أساعدك في إيه؟ تضيعي إبنك زي ما ضيعتي نفسك وضيعتي جوزك؟ إيان مكانه مع أبوه وده الصح.”
نور خرجت من المكتب وهي بتزعق: “يبقى ما تلومنيش على محاولاتي أرجع إبني.”
عفاف كانت قاعدة في بيتها مع والدتها، لسه بتستوعب اللي حصل من كام يوم لما لقيت إيان . كانت متوقعة إن الموضوع خلص عند مرواحه لبيته ، وإن محدش هيهتم بيها أكتر من كلمتين شكر على السريع، لكنها كانت غلطانة.
صوت زمامير العربيات الفخمة قطع هدوء الشارع الشعبي اللي عايشة فيه. الجيران طلعوا من البيوت، الأطفال وقفوا يبصوا بانبهار، والكل كان مستغرب موكب العربيات اللي وقف قدام بيت هاجر.
مؤمن نزل من العربية ومعاه كريم وأمل والعيال إيان وإياد، و وراهم كانت ناهد ومعاها والدة مؤمن سناء، وطبعًا حسن وعاصم الدخيلي، كأنهم جايين يقدموا تقدير رسمي. عفاف لمحتهم من الشباك، واتوترت، قلبها بدأ يدق بسرعة وهي مش فاهمة إيه اللي بيحصل.
والدتها بتوتر وهي تبص من الشباك وما شافتش أمل والعيال:
– يا بنتي، دول باينلهم ناس كبار، إيه اللي جايبهم عندنا؟!
عفاف بهمس وهي بتحاول تفهم :
– مش عارفة، بس شكلهم جايين لنا إحنا!
مؤمن وقف عند باب البيت، ورفع إيده يخبط بلطف، عفاف اترددت لحظة، لكن أمها شجعتها تفتح الباب وبتوتر
– اتفضّلوا… خير؟
مؤمن بص لها بنظرة احترام حقيقي، عيونه كانت مليانة امتنان، وبعد لحظة صمت قال بصوت واثق:
– أنا مؤمن والد إيان وجاي اشكرك على رجوع إبني وعلى اللي عملتيه معاه . إحنا جايين نقدّملك شكرنا، بس مش بالكلام، إحنا هنا عشان نثبتلك إن اللي عملتيه مش حاجة عادية بالنسبالنا، وإن المعروف ما يضيعش عندنا أبدًا.
عفاف اتلبكت، ما توقعتش إن الموضوع هياخد الحجم ده. الجيران كانوا متجمّعين حوالين المكان، وعيونهم كلها كانت على المشهد النادر اللي بيحصل قدامهم.
كريم وهو بيبتسم بهدوء:
– إنتِ بنت شجاعة، وعملتي اللي ناس كتير ممكن يتجاهلوه، أو حتى يستكتروا يتعبوا نفسهم عشانه. وإحنا كعيلة مش هنسمح إن كرمك ده يعدي من غير تقدير حقيقي.
سناء بصوت دافئ وهي تقرب من عفاف وتمسك إيديها بحنان :
– ربنا يجازيكِ كل خير يا بنتي، أنقذتي حفيدي، وده دين علينا.
دخلوا كلهم بيتها البسيط وهي ومامتها بيرحبوا بيهم ويضايفوهم .
والدة مؤمن كانت شايلة صندوق صغير ، فتحته قدام عفاف ، وكان جواه طقم دهب جميل، لامع بطريقة تخطف العين. عفاف فتحت عيونها بدهشة، وحست برجليها بتترعش.
عفاف بإحراج وهي تحاول ترفض :
– لا لا، مش للدرجة دي، أنا ما عملتش حاجة غير الصح…
حسن بحزم وهو بيبتسم لها بعرفان بجميلها :
– الصح اللي عملتيه ده كان فرق بين حياة وموت لينا، وإحنا عيلة ما ننساش الجميل ؛ إنتِ رجعتي روح العيلة .
عاصم بصوت هادي لكن فيه حزم :
– متحاوليش ترفضي، لأننا مش جايين نقدّم شكر وخلاص، إحنا جايين نفتحلك باب جديد ، إنتِ رجعتي حفيد الدخيلي .
عفاف رفعت عيونها بتساؤل، مؤمن مدّ إيده بورقة، والورقة دي كانت عقد وظيفة محترمة في الشركة عندهم، وظيفة بمرتب محترم يغيّر حياتها للأحسن.
كريم بابتسامة مشجعة:
– مش بس شكر، إحنا عاوزين نديكِ فرصة تكوني في مكان يليق بيكِ، لأنك تستاهلي.
عفاف بصت للورقة، وبعدين لمؤمن وعيلته، مش مصدقة اللي بيحصل. كانت طول حياتها شايلة هم الدنيا، ودايمًا كانت تحس إن الناس من طبقتها ما لهمش نصيب في الفرص الكبيرة… لكن النهاردة، العيلة دي كسّرت القاعدة.
عيونها دمعت وهي بتاخد الورقة من إيده، قلبها كان بيدق بسرعة وهي حاسة بمزيج من الفرح والرهبة. وبصوت مهتز من التأثر:
– شكرًا… والله مش عارفة أقول إيه…
حسن علق بابتسامة وهو يشاور لها بهدوء :
– قولي إنك تستاهلي الخير، واقبليه من غير تفكير.
الكل هاداها بحاجة بسيطة بالنسبالهم لكن كبيرة بالنسبالها وهي كانت مبهورة مش مصدقة إن فعلًا طاقة القدر اتفتحتلها .
مؤمن سألها عن تفاصيل اللي حصل وإزاي لقت إيان وهل راحت فعلا بيه القسم ولا ايه حصل ، وهي حكتله بالتفصيل الممل كل حاجة حصلت .
قبل ما العيلة تمشي، إيان نفسه كان معاهم، قرب من عفاف وهو ماسك إيد إياد في إيده، وبص لها ببراءة وهو بيقول بابتسامة طفولية :
– ده إياد
ابتسمت عفاف وسلمت على إياد : كان عندي فضول اعرف اياد ، اهلًا اياد
إياد كان معاه وردة أداها لعفاف مبتسم : عفاف حلوة
الكل ضحك و عفاف ابتسمت، وخدت الوردة، وعرفت في اللحظة دي إن الخير فعلًا بيرجع لصاحبه، وإن اللي عملته ما كانش مجرد موقف عابر… بل كان نقطة تحول في حياتها.
الجيران بصوا للمشهد بإعجاب وهم ماشيين من عندها ، والناس بدأت تهمس عن كرم العيلة دي واحترامهم للشهامة. كان يوم لا يُنسى، مش بس لعغاف، لكن لكل اللي شهدوا اللحظة دي.
بعد ما مؤمن وكريم عرفوا رجعوا من عند عفاف قرروا يروحوا يشوفوا ازاي ده حصل ؟ وازاي كان في حد عارف ان إيان حد لقاه لكن سكت وليه سكت .
الليل كان هادي برا، بس جوه القسم الدنيا مشتعلة. مؤمن وكريم دخلوا مع بعض، وشهم متجهم، غضبهم واضح في كل حركة. أول ما وصلوا عند الضابط المسؤول، مؤمن كان أول واحد يتكلم، وصوته كان عالي ومليان غضب وهو بيزعق:
– مين اللي كان ماسك البلاغ بتاع ابني؟! مين اللي قرر يمشي البنت اللي لقيته بدل ما يستجوبها أو حتى يديها فرصة تتكلم؟! وازاي يكون عندكم معلومة زي دي وما تبلغوناش بيها وتسيبونا نتخبط كل ده ؟
الضابط (بيحاول يهدّي الوضع وهو متحفّز)
– استهدى بالله يا باشمهندس ، الموضوع كان سوء فهم، كنا فاكرين إن البنت دي أم الولد، وإنها بتتصرف بشكل مريب، فسيبناها تمشي لكن ما تخيلناش ابدًا ان ده الطفل اللي بتدوروا عليه .
الكلام مكنش مقنع لأي حد وكريم ومؤمن بصوا لبعض بغيظ ، بعدها كريم بعصبية وهو بيرفع إيده بإشارة تهديد:
– سوء فهم؟! سوء فهم إيه اللي يخليكوا ترموا احتمال إنه تايه وتصدقوا إنه ابنها وهي عايزة تخلص منه؟! بعدين احنا جينا هنا وقولنا ان في عيل تايه ازاي ما تبلغوناش باللي حصل ؟
مؤمن كمان زعق وهو بيخبط بكفّه على المكتب بعنف:
– أنت بتقول كلام ما يدخلش العقل! يعني بدل ما تحققوا في الموضوع وتعرفوا الحقيقة، اخترتوا أسهل سيناريو يريح دماغكم، وقررتوا إن البنت دي أمّه وخلاص؟! طيب لما جينا هنا وبلغنا ؟ مفكرتش ليه ان البنت دي بتتكلم صح ؟
الضابط اتنحنح، باين عليه الارتباك، وبدأ يدور على مبررات، لكن كريم كان أسرع و بعينين بتلمع بالغضب وهو يشاور على العسكري اللي كان واقف جنب الضابط :
– انت اللي كنت واقف هنا ساعتها ؟ أنا فاكرك كويس ،انت اللي قررت انها أمه وهي بتخلص منه صح؟ ده اللي قرر يطردها من غير حتى ما يبلغ عن الموضوع؟ ما بلغتناش ليه ؟
العسكري ابتلع ريقه بخوف، وبص للضابط اللي حس إن الدنيا بتفلت من إيده فاتكلم بتلعثم وهو يحاول يبرر :
– أنا.. أنا بس كنت شايف إنها مش طبيعية، وطريقة كلامها كانت مريبة، فقلت نخلّص منها بسرعة بدل ما تعمل دوشة.
مؤمن بصوت ناري وهو يقرب منه بخطوات غاضبة:
– دوشة؟! ابني تايه وإنت بتقول “دوشة”؟! لو مكانتش البنت دي ملاك في صورة بني آدم، كان زمان ابني فين دلوقتي؟ في الشارع؟ مخطوف؟ في خطر؟!
كريم بحدة وهو بيواجه الضابط:
انا عايز افهم ازاي ما بلغتوناش ان في بنت جتلكم بعيل صغير ونفس مواصفات ابننا ؟ ازاي عديتوا ده كده ؟
الاتنين بصوا لبعض بخوف وتوتر و العسكري وطى على ايد مؤمن يبوسها برعب : حقك عليا يا باشا ، انا اخدت رقمها بس الورقة ضاعت مني وخوفت ابلغكم اتجازى ، قولت اكيد هي هترجع تاني بيه
مؤمن شد ايده بسرعة وبصله باشمئزاز : خوفت ؟ ولا طمعت في المكافأة لنفسك ؟ قولت تيجي تاني وانا اخده منها واقبض المكافأة صح كده ؟
مردش والظابط الثاني حاول يبرر : معلش يا باشمهندس الحمدلله انه رجع بالسلامه ، اكيد محدش كان قصده حاجة وحشة تحصل
كريم بغضب :
– لا، استنى، إنت كمان مش بريء! انت المسؤول هنا، ولو كنت بتعمل شغلك صح، ماكنّاش هنوصل للمهزلة دي!
الضابط حسّ إنه محاصر، كريم ومؤمن كانوا زي العاصفة، وصوتهم بدأ يجذب انتباه باقي الضباط في القسم. قبل ما الضابط يرد، الباب اتفتح ودخل رئيس المباحث بعد ما وصله خبر إن في مشكلة كبيرة جوه القسم.
رئيس المباحث بنظرة صارمة وهو بيبص للضابط والعسكري:
– إيه اللي بيحصل هنا؟ حد يشرحلي في ايه؟!
مؤمن بغضب مكتوم ونبرة تهديد واضحة:
– سيادتك، ابني كان تايه، وبنت محترمة لقته وجابته لحد هنا، لكن الفالحين دول قرروا إنها مشكوك فيها، وطردوها بدل ما يسمعوا منها. لو ماكنتش موجودة، كان زمان ابني في عداد المفقودين!
رئيس المباحث يلقي نظرة باردة للضابط والعسكري، وبعدها بصوت قاطع :
– العسكري ده يتحوّل للتحقيق فورًا، والضابط اللي ماسك البلاغ يتحاسب على الإهمال! أنا مش هقبل بالتهاون ده، واللي مش قد شغله يشوفله مكان تاني!
العسكري والضابط وجههم اتغير، وعرفوا إن العقاب جاي لا محالة. مؤمن وكريم تبادلوا نظرات الانتصار، لأول مرة من وقت اختفاء إيان، حسّ مؤمن إنه رجّع حقه، وإن اللي تسببوا في الرعب اللي عاشه هيدفعوا تمن غلطتهم.
قبل ما يخرجوا، مؤمن وقف قدام رئيس المباحث وقال بحدة:
– واللي حصل مع هاجر، ياريت ما يتكررش تاني أبدا ، لازم نسمع لشكوى الناس ما نفترضش الاسوأ ! البنت دي تستحق شكر وتكريم، مش طردها زي ما حصل.
رئيس المباحث أومأ برأسه، وكان واضح إنه فاهم إن الموضوع بقى كبير ومش ممكن يتسكت عليه. مؤمن وكريم خرجوا من القسم، وهما عارفين إنهم مش بس رجّعوا حق إيان، لكن كمان علّموا درس لكل واحد استهتر بأمان طفل بريء.
الأيام بتعدي ببطء وكل واحد منتظر حاجة مهمة في حياته وخطوة يخطوها لقدام.
سيف وسبيدو بيدوروا على زايد، وبعد ما وصلوا له عرفوا منه إن فادي يس في باريس، فحبسوه مع رجالتهم وسافروا الاتنين على باريس.
مؤمن تحددت قضية الحضانة، وبسبب اختفاء إيان قدر يكسب الحضانة لصالحه. بس قبل ما يخرج من المحكمة وقف قدام نور:
زي ما قولت لأخوكِ، مفيش حاجة هتتغير، بيتي مفتوح ليكِ في أي وقت، وإيان هاخده لجده وجدته في أي وقت يحبوا يشوفوه. القضية دي مش هتفرق معايا نهائي يا نور.
نور بتهكم:
إنت بتمنّ عليا يعني؟ أنا هرفع…
مؤمن قاطعها:
أنا قولت اللي عندي، مهاتراتك دي احتفظي بيها لغيري. إبنك عايزة تشوفيه، أهلا بيكِ في أي وقت. براحتك بقى تشوفيه أو لا، دي حاجة ترجعلك. اللي عندي قولته، بعد إذنك وربنا يوفقك يا نور ويرزقك باللي تتمنيه.
سابها ومشي قبل ما ترد، وهي واقفة تراقبه بيبعد عنها. فجأة دمعة نزلت من عينها، سألت نفسها: معقول خسرته خلاص بجد؟ مش هيعافر علشانها تاني؟ مش هيحن؟ مش هيرجع؟ خسرته زي ما خسرت الحضانة؟
مسحت دمعتها بعنف وتعهدت إنها مش هتضعف تاني، وكل اللي اتخلوا عنها مش عايزاهم في حياتها أصلًا.
الكل بيهني مؤمن على حضانة ابنه، بس في نفس الوقت الكل مشغول بنتيجة تحليل الـ DNA لكريم.
المعمل اتصل بكريم وبلغوه إن النتيجة طلعت ولازم يروح يستلمها، راح بسرعة وجاب الظرف مقفول ورجع البيت، كانت أمل في انتظاره ومعاها ناهد وحسن، والكل مترقب.
كلهم وقفوا، كريم مسك الظرف:
ما فتحتوش.
حسن بتوتر:
ليه منتظر ايه؟ افتحه خلينا نقفل الموال ده.
كريم قرب من أبوه ومد إيده بالظرف:
افتحه حضرتك.
حسن، مع إنه متوتر، أخد الظرف وفتحه، الكل مترقب ينتظر ابتسامة على وشه وفرحة، لكن صمته طال وملامحه بدأت تتغير للصدمة.
ناهد مسكت دراعه:
في إيه؟ ما تنطق يا حسن، وقعت قلبي.
حسن بص لابنه مصدوم، ثم بصلها:
نسبة التطابق ٩٩.٩٪.
أمل وكريم الصدمة لجمتهم، أما ناهد فهزت دراع حسن بعنف وهي رافضة تستوعب:
يعني إيه؟ مش فاهمة أنا؟ إيه نسبة تطابق وكلام فاضي؟
حسن زعق:
يعني إبنه، العيل اللي في بطنها حفيدك.
ناهد صرخت برفض:
لا لا ما أصدقش، تلاقيها اشترت الناس اللي في المعمل.
بصت لإبنها وأمل ومسكت كريم:
قولي عملتها إزاي؟ زورت النتيجة، صح؟ كريم، رد عليا. أمل، فهميني إنتِ؟
أمل بتوهان: