روايات

الفصل الحادي والخمسون

 

سيف ساق بسرعة جنونية، الغيظ والغضب مسيطرين عليه. وصل الشركة في وقت قياسي، وكل ما حد بيكلمه بيتجاهله لحد ما وصل مكتبه. مريم وقفت: “سيف…”
لكنه ما سمعهاش ودخل مكتبه. كانوا في انتظاره سبيدو، مؤمن، وكريم. الثلاثة وقفوا، ومؤمن كان أول واحد يتكلم: “إيه اللي حصل بالظبط؟ عرفنا من أستاذ إمام إن في شكوى متقدمة ضدكم لرئيس الجامعة، بس مفيش أي تفاصيل لسه حد عارفها؟”
سيف دخل وسند على مكتبه وظهره لهم، ومش لاقي أي كلام يقوله ولا عارف هيعمل إيه، وحاسس بعجز شديد مسيطر عليه. الغضب جواه لازم يفجره، وإلا هيقضي عليه. فجأة زق كل حاجة على مكتبه، التليفونات، الشاشة، وكل حاجة، وفضل يكسر كل حاجة حواليه.
مؤمن حاول يقرب بس كريم مسك دراعه وشاورله لأ بدماغه. الثلاثة وقفوا يراقبوه وهو بيفرغ شحنة الغضب اللي جواه. مريم سمعت صوت التكسير فقامت بسرعة، خبطت ودخلت، شافت سيف بيكسر كل حاجة، بس سبيدو بصلها وشاورلها تطلع بره فقفلت الباب وراها.
سبيدو قرب من سيف: “كفاية، معدش في حاجة تكسرها.”
سيف وقف بياخد أنفاسه، وسبيدو منتظره يهدى شوية. الثلاثة فضلوا حواليه بصمت، لحد ما سيف قطع الصمت بحزن مرير: “اللحظة اللي أخدت منها الكارنيه بتاعها حسيت إني سحبت روحها بإيدي. دمرت حلمها ودمرتها هي شخصيًا.”
كريم سأله باهتمام: “هي فين دلوقتي؟”
سيف بدون ما يبصله: “سيبتها في الشقة تعيط وتندب حظها وتكره اليوم اللي عرفتني فيه.”
كريم حط إيده على كتفه: “عمرها ما هتكره اليوم ده مهما يحصل يا سيف. في حاجات بتحصلنا بنحس إنها نهاية الكون، بس بعدها بنكتشف إنها بداية لحاجة جديدة أحلى.”
قاطعه سيف بغضب: “بس أنا مش عايز حاجة جديدة، مش عايز أدمر حلم هي حلمته هي وأبوها من وهي عيلة صغيرة، وأجي دلوقتي أقولها هارد لك، كفاية عليكِ حبي. هلعن الحب ده لو هو ده الثمن.”
سبيدو: “طيب ينفع تفهمنا إيه اللي حصل؟ الكارنيه بتاع همس سحبوه ليه؟”
سيف بصله: “اتوقفت عن شغلي، وهي سحبوا الكارنيه بشكل مؤقت لحد ما يخلص التحقيق. امتحاناتها بعد أقل من شهر، عمرك شفت تحقيق بيخلص في أقل من شهر؟ فحتى لو الموضوع هيخلص وده مجرد شو، فهو اتعمل في وقت مظبوط علشان يضمنوا إنها مش هتتعين معيدة.”
سكت شوية، بعدها كمل بغضب: “خلود الكلب اللي مستنضفهاش خدامة تقف في وشي وتقول هي هتبقى معيدة. هي عارفة إن الدرجة الواحدة بتفرق في ترتيبهم، فما بالك بدرجات الميدتيرم كلها؟ همس لو ما دخلتش الامتحانات دي، الموضوع انتهى.”
مؤمن بحيرة: “طيب نكلم حد أو نشوف حد يعمل استثناء وتدخل الامتحانات دي؟”
قاطعه سيف: “الموضوع وصل لمكتب الوزير، هتكلم مين أعلى منه؟ وكلي ثقة إنه هيوصل السوشيال ميديا علشان يربطوا إيدينا وتبقى قضية رأي عام. دكتور بيحب طالبة وبيسرب لها الامتحان علشان تتعين معيدة، ويجيبوا خلود البنت الفقيرة المسكينة اللي اتاخد حقها. الموضوع كله شووو. لازم نفكر إن التحقيق يخلص في يوم أو يومين، ولازم نشوف حل.”
سيف بعدها بص لسبيدو: “إنت ساكت ليه كده؟ قولي هنعمل إيه تاني فيهم؟”
سبيدو رفع إيديه: “أنا؟ أنا تفكيري ما بيعجبكمش، ولما بتعامل، بتطلع قيمكم ومبادئكم، وأطلع أنا الشرير بتاع الدارك ويب، صح يا باشمهندس كريم؟”
كريم نفخ بضيق: “قولتلك مش قصدي، بس غسيل الأموال تهمة كبيرة وعقابها أكبر، مش هلزقها لحد حتى لو عدو.”
سبيدو بتهكم: “واللي بيحاربكم عارف إن دي أخلاقكم، علشان كده هتفضلوا دايمًا متأخرين خطوة، لأنكم بتدافعوا فقط، مفيش هجوم.”
سيف مسك دراع سبيدو: “أنا حاليًا مستعد أقتل، مش ألفق تهم. سامح فين؟”
سبيدو: “عندي.”
سيف كمل: “شذى عايزها تحت إيدي هي كمان. مكرم الكلب، شركته تتقفل. خلود، نانيس وهايدي، التلاتة عايزهم. تقدر تجيبهملي؟ وقبلهم مايا كمان.”
سبيدو بصله بشك، فسيف قرب منه: “أنا عارف إنك طلعت بره الدارك ويب، بس حاليًا أنا محتاجك تدخله من تاني. محتاج سبيدو اللي جوه الدارك ويب. فادي يس مش هنجيبه بالطرق التقليدية. أنا مش هنتظر ضربات تانية. هتساعدني ولا انسحبت من الطريق ده ومش عايز ترجعله؟ مهما يكون قرارك، هتفهمه.”
سبيدو مد إيده لسيف: “إيدي في إيدك يا صاحبي، مش هسيبك.”
بصوا لمؤمن اللي حط إيده معاهم: “معاكم.”
بعدها كريم قرب ومسك إيديهم: “أخد الحق حرفة، وإحنا سكتنا كتير. خلونا نبدأ بسامح، لازم نعرف بياخد أوامره من مين.”
موبايل مؤمن رن، فطلعه علشان يقفل الصوت، واتفاجئ بنور هي اللي بتتصل. كان هيقفل، بس افتكر إن إيان معاها. كشر تلقائيًا، فكريم سأله: “في إيه؟ مين؟”
مؤمن: “نور. معرفش بترن ليه؟ هرد علشان إيان عندها.”
رد عليها، وقبل ما ينطق، سمعها بتصرخ: “الحقني يا مؤمن، مش لاقية إيان في البيت.”
الكلام نزل عليه زي الصاعقة. لحظات سكت يستوعبها، بعدها اتكلم: “يعني إيه مش لاقياه؟ هو لعبة تايهة منك؟”
نور صرخت: “بقولك مش لاقياه! كان نايم في أوضته، فتحت الأوضة مفيش. معرفش هو فين. محدش شافه، مش لاقيااااه يا مؤمن، مش لاقية إبني.”
كريم سأله بترقب: “مش لاقية إيه يا مؤمن؟”
مؤمن بص لهم: “مش لاقية إيان.” كلهم اتصدموا. “معقول يكون اتخطف؟”
محدش فيهم نطق، والصدمة ملجماهم. بس كل واحد عنده مصيبة، فممكن تكون دي مصيبة مؤمن، إبنه.
مؤمن: “اقفلي، أنا جايلك دلوقتي.”
كلهم اتحركوا مع بعض وخارجين، كان عز داخل لسيف: “سيف، طمني، إيه اللي حصل؟ إمام لسه مكلمني.”
سيف مسك دراع أبوه: “بعدين يا بابا، في أهم دلوقتي.”
جه يتحرك، بس عز مسك دراعه: “إيه ممكن يكون أهم من…”
قاطعه سيف: “إيان إبن مؤمن مش لقينه، وممكن يكون اتخطف.”
عز اتصدم باللي سمعه وساب دراع إبنه: “اتحركوا طيب يلا، وطمنوني.”
راقبهم بيبعدوا، وحط إيده على قلبه بخوف ورعب. ممكن تكون الحرب دي وصلت للخطف؟
سبيدو بص لسيف: “اسبقوني، وأنا هجيب رجالتي وأحصلكم، بحيث نبقى عدد كبير ندور عليه.”

نور اتصلت بأخوها تطلب منه ييجي بسرعة، فتحرك نادر من مكانه جري، مروة وقفته: “في إيه؟ طمني.”
بصلها بدون ما يوقف: “نور مش لاقية إيان.”
حطت إيدها على قلبها برعب وتابعته بيجري، وقبل ما تتحرك، لقت خالد وراها مصدوم: “هو قال إيان مش لاقينه ولا أنا سمعت غلط؟ ردي يا مروة؟”
مروة مسكت دراعه: “عمي، إنت عارف نور بتهول الأمور. دلوقتي نادر هيكلمنا ويطمنّا عليه.”

مؤمن وصل عند نور، جري عليها ووقفها من الأرض: “إبني فين يا نور؟ قسمًا بالله أقتلك لو دي حركة عملاها!”
نور بصتله من بين دموعها: “إبني مش لقياه. بعدين ليه ما تكونش إنت اللي خطفته مني علشان تثبت إني مش أم كفء وتاخده مني؟”
مؤمن سابها من إيده وكريم قرب: “ما يمكن يكون مستخبي في شقتك يا نور؟ على طول بيستخبوا هو وإياد.”
طلعوا جري لشقتها وكلهم بيدوروا عليه. سبيدو وصل برجالته ووقفوا كلهم منتظرين الأوامر. سبيدو طلع لعندهم فوق، ووقفوا كلهم في الصالة، محدش فيهم بيتكلم. دخل سبيدو وقرب من مؤمن: “عايز صورة ليه علشان أبعتها لرجالتي يدوروا عليه.”
مؤمن بصله بتوهان: “يدوروا فين؟ هي بتقول إنه مخرجش. هيدوروا فين؟”
كريم طلع موبيله وبعت كذا صورة لسبيدو: “بعتلك صور ليه يا سبيدو.”
نادر وصل وأول ما شاف الرجالة تحت قلبه وقع. قرب منهم: “إنتو مين وبتعملوا إيه؟”
واحد منهم عارفه: “إحنا تبع سبيدو، جايين نساعد.”
نادر سابهم وطلع جري لأخته اللي أول ما شافته رمت نفسها في حضنه: “إبني مش لقياه يا نادر.”
نادر حاول يهديها، بس مؤمن شدها: “احكيلي بالتفصيل حصل إيه وإبنك إزاي اختفى؟”
نور حكتلهم بالتفصيل كل اللي حصل من ساعة ما سابته نايم لحد ما دخلت تشوفه.
مؤمن بعد ما هي سكتت اتكلم: “إنتِ عايزة تفهميني إنك فضلتي ٣ ساعات من غير ما تبصي عليه ولا تشوفيه؟ يعني هو ممكن يكون مختفي من ساعات؟”
نور بعياط: “كنت فاكراه نايم.”
مؤمن زعق: “وهو من إمتى بينام كل ده؟ هاه؟ بطل ينام أصلًا من ساعة ما سبتيه. بينام ساعة بالكتير ويصحى، بس هتعرفي منين؟ إنتِ مشغولة بغلك وحقدك على الكل.”
كريم شده: “مالوش لازمة الكلام ده. تعال ننزل ندور عليه.”
نزلوا كلهم وسابوا نادر مع أخته. نادر مكنش عارف يقول إيه، فضل واقف مكانه شوية، بعدها اتحرك علشان ينزل. هي مسكت دراعه: “إنت رايح فين؟”
نادر بوجع: “هنزل أدور عليه معاهم.”
شد دراعه منها، بس اتعلقت فيه: “نادر، تفتكر هنلاقيه صح؟ قولي آه.”
بصلها بغضب مكبوت: “وإنتِ إبنك بيهمك بجد؟ مؤمن نزل، كفاية تمثيل، هو مش موجود.”
بصتله بصدمة ورددت: “تمثيل؟ ده إبني!”
صرخ فيها: “وكان فين إبنك وإنتِ بتاخدي القرار تمشي من عند أبوه، هاه؟ كان فين إبنك لما سيبتيه وهو بيرضع لسه علشان تلوي دراع جوزك؟ كان فين إبنك وإنتِ بتهدي بيتك علشان أنانيتك؟ دلوقتي بس افتكرتي إنه إبنك؟ إنتِ ما تستاهليش أصلًا تكوني أم. بس مؤمن ما يستاهلش يتاخد منه إبنه. أنا هنزل أدور معاهم، وادعي نلاقيه، لأن مش مؤمن بس اللي مش هيسامحك يا نور لو ملقيناهوش. مش مؤمن بس.”
سابها ونزل، والكل اتحرك يدور عليه في الشوارع وكل مكان حوالين المنطقة، ومعاهم صوره على الموبايلات.

خالد طلع من الشركة وراح على بيت المرشدي، وهو جواه يقين إنه هيلاقيه هناك، أو يمكن بس عايز يطمن نفسه. أم فتحي دخلته، واستأذنته تبلغ حسن، فطلع يقابله بسرعة: “خالد، اتفضل، تعال.”
خالد بوجع وتوهان: “إيان هنا، صح يا حسن؟ ناديه أشوفه.”
إياد طلع يجري وهو بيهيص: “ديدوووووو!”
جري على خالد: “إيان، فين؟”
خالد قعد على الأرض لما شاف إياد لوحده، وحسن مش فاهم أي حاجة. أمل طلعت تجري ورا إبنها وشافت خالد قاعد على الأرض: “عمي، في إيه؟”
حسن بيحاول يقوم خالد: “خالد، في إيه؟ قلقتني! بتدور على إيان ليه؟”
أمل بتوتر: “إيان مع نور النهارده!”
خالد عيّط: “إيان مش لاقينه يا حسن، إيان مفيش.”
أمل شهقت ووقفت مصدومة، وناهد طلعت على أصواتهم وشافت خالد بيعيط وحالة الذهول اللي هم فيها. مسكت أمل من دراعها: “في إيه يا أمل؟”
دموعها نزلت وبصت لها: “إيان مش لاقينه!”
ناهد صوتت وجريت، ومسكت موبيلها واتصلت بمؤمن: “قولي إنه معاك ولقيته؟ طمّني يا مؤمن!”
مؤمن بصوت مهزوز: “مش لاقيه، مش عارف هو فين!”

سيف مع سبيدو عنيهم على الشارع، وكل بقالة أو كشك بينزلوا يسألوا عليه. وقفوا على جنب مش عارفين يعملوا إيه.
سيف: “تفتكر اتخطف؟ طيب اللي خطفه مش المفروض يتصل بأبوه أو أمه؟ يطلب فدية مثلًا؟”
سبيدو بتفكير: “مش كل اللي بيخطف بيكون عايز فدية. إنتو من إمتى في الحرب دي محدش طلب منكم فديات؟”
سكتوا الاتنين بعدها. سيف قعد على مقعد على الرصيف، حاسس بهموم الدنيا كلها فوق رٱسه ومبقاش قادر يتنفس.
سبيدو قعد جنبه وربّت عليه: “هتفرج.”
سيف نفخ: “إمتى بس؟ إمتى؟”
سبيدو بتفاؤل: “قريب إن شاء الله، قريب.”
سيف طلع موبيله: “هكلم همس أشوف أخبارها إيه. أنا سيبتها، مع إني المفروض النهارده بالذات أكون معاها.”
اتصل بيها بس ما ردتش، واستغرب، لأن حتى لو نايمة بتصحى وترد عليه. رن مرة تانية، بس برضه ما ردتش، وده زاد قلقه: “مش بترد.”
سبيدو بقلق: “هي في الفيلا، صح؟”

السابقانت في الصفحة 1 من 5 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل