
بعد إجراء العملية…..
اومأت له سيلين بإيجاب دون أن تجيبه لينسحب الطبيب مكملا عمله بينما بقيت هي تفكر :”يا
إلهي إنها ستون الف يورو من أين سأجلب
مبلغا كهذا…انا بالكاد أسدد فواتير الكهرباء
و الماء و الطعام…. لم أستطع شراء حذاء
جديد منذ سنتين…مالذي علي فعله… صاحب
العمل لن يوافق على إعطائي سلفة بهذا. المبلغ
الضخم…لا يوجد حل سوى بيع المنزل… لكن
هذا سيحتاج وقتا طويلا حتى أجد سعرا مناسبا
و منزلا جديدا…يا إلهي انقذ أمي لايوجد لي
أحد سواها….
أدمعت عيناها بعجز و هي تحدق بباب الغرفة
المغلق حيث تنام والدتها وراءه بقلب انهكه المرض
ماذا سيحدث لها لو خسرتها… هي لا تعرف أحدا
في هذا العالم سواها… لا أقارب و لا أصدقاء…
يبدو أن والدتها محقة عندما طلبت منها العودة
إلى الوطن…
عادت من شرودها على صوت الممرضة التي
سمحت لها بالدخول و رؤية والدتها لدقائق
قليلة فقط….
دلفت إلى الداخل بقلب ممزق و عينان محمرتان
من شدة البكاء…أمها روحها الثانية تنام بقلة
حيلة على سرير أبيض يدها موصولة بأنابيب
و معدات طبية لم تفقه منها شيئا…
فلتت منها شهقة رغما عنها لتضع يدها على
فمها تبتلع بقية شهقاتها بداخلها حتى شعرت
بكف والدتها الحنون تمسك يدها… لتنتفض
بهلع قائلة بغصة :”مامي إنت كويس؟؟ اندهلك
الدكتور….
سعلت هدى قليلا قبل أن تجيبها بصوت متعب
و ضعيف :” لا يا حبيبتي انا كويسة… متخافيش
عمر الشقي…
سيلين ببـ,ـكاء و هي تمسك بيدها كف والدتها
البارد:”مام الدكتور قال لازم عملية ب 60 الف
يورو… اكملت حديثها باللغة الألمانية مبلغ كبير من أين سنحصل عليه..
سأبيع المنزل… لكن يلزمني القليل من الوقت
و الطبيب يقول يجب أن تخضعي للعملية
في اقرب وقت…
هدى بابتسامة ضعيفة :” متقلقيش يا حبيبتي
انا حبقى كويسة…متبكيش يا ضنايا كل مشكلة
و ليها حل بإذن الله…
سيلين بدموع :” أعلم و لكني سأموت إن حصل
لكي شيئ… امي ارجوكي انا لا يوجد لي سواكي
انت كل عائلتي… يجب أن تصمدي من أجلي…
غدا صباحا سأذهب إلى كل مكاتب بيع العقارات
و سوف ابيع المنزل بأي ثمن.. الطبيب قال لي
اننا نستطيع تقسيم المبلغ ندفع حزءََالان و الباقي بعد العملية…
أغمضت هدى عينيها بتعب فقد حان الوقت
المناسب لتنفيذ ماعزمت عليه منذ رحيل زوجها
يجب أن تعيد إبنتها إلى عائلتها… لن تبقيها وحيدة
ستفعل اي شيئ لإنقاذ وحيدتها من الضياع في هذا
البلد الغريب الذي إلتهم سنوات عمرهما دون
رحمة….
أخذت نفسا عميقا قبل أن تتحدث بهدوء:”مفيش
داعي تبيعي البيت… انا حقلك إزاي تجيبي
فلوس العملية… إسمعيني كويس يا بنتي
و متقاطعينيش عشان انا بتكلم بالعافية….
اومأت لها صغيرتها و هي تمسح دموعها
التي إنهمرت على وجنتيها المحمرتين قبل
أن تركز جميع حواسها مع حديث والدتها….
:”…… داه أحن واحد فيهم انا ربيته زمان
لما كان صغير…انا سبته و هو عمره إثناعشر
سنة اكيد لسه فاكرني…عشان خاطري. ياحبيبتي
وافقي و روحيله…انا بقالي سنتين بتابع أخباره
هو كبر و درس محاماة بس هو حاليا ماسك
شركات بابا… بقى رجل أعمال ناجح…. من هو صغير
و هو ذكي جدا انا كنت عارفة إنه لما حيكبر
حيبقى حاجة عظيمة و فعلا مخيبش ظني…
تنهدت سيلين باستسلام فهي و إن كانت في الماضي ترفض الذهاب لمصر و الالتقاء بعائلة والدتها
إلا أنها مضطرة الان من أجل والدتها..
تحدثت بصوت منخفض دلالة على موافقتها
رغما عنها و هذا ماكانت تعلمه والدتها لكنها
تجاهلت رأيها ليس من أجل الحصول على
ثمن العملية بل من أجل وحيدتها الصغيرة…
لاتستطيع تركها وحيدة دون مأوى و سند يحميها
من هذه الحياة القاسية…
:”تمام… و انا وين حيعرفه؟؟ انا نسي إسمه؟
هدى :” إسمه سيف عز الدين…ادخلي اوضتي
حتلاقي في الدرج الثاني بتاع تسريحتي… في
شوية فلوس كنت مخبياهم من مصروف البيت
و معاهم صندوق صغير بني فيه صور كثير…صور عيلتي اللي دايما بفـ,ـرجك عليهم…
اومأت سيلين بتفهم لتكمل :”تحت الصور حتلاقي
ظرف أبيض صغير إفتحيه حتلاقي ورقة
فيها عنوان الشركة الرئيسية للمجموعة هو
دايما بيكون هناك…و مع الورقة حتلاقي
سلسلة فضة فيها قلب صغير… القلب داه بيتفتح
جواه صورتين واحدة صورتي زمان قبل ما أتجوز
و الثانية صورة سيف… السلسلة دي كان
هدية منه عشان كان بيحبني اوي و قريب
مني جدا… كان بيعتبرني أمه الثانية…. رواية
بقلمي ياسمين عزيز
سيلين بقلق :”حاضر انا الليلة ححجز في أول
طيارة نازلة مصر و حروحله الشركة و حاخذ
السلسلة معايا…. بس انا خايف هو مش
يفتكر إنت…
هدى :” سيف اللي انا أعرفه عمره ما حيعمل
كده…إحنا نحاول يا بنتي و الباقي على ربنا
لو مصدقكيش إبقى كلميني و انا حفهمه….
سيلين بخوف و قلق :” حاضر مام…
قاطع حديثها دخول الممرضة لتطلب
من سيلين مغادرة الغرفة لترتاح والدتها….
قبلت جبينها قبل أن تهمس لها في الاخير
:” لا تقلقي امي سوف احاول و لن ايأس
ابدا… لن أسمح بخسارتك ابدا.. لا تقلقي
انا إبنتك و أنت تعرفينني…لا أستسلم
بسهولة…سأهاتفك عندما اصل هناك….
إبتسمت لتهدأ من قلق والدتها عليها عليها
فابنتها لازالت صغيرة وهي لم تذهب من قبل
لمصر لتبادلها الأخرى إبتسامة خفيفة قبل أن
ترتخي ملامحها و تغط في نوم عميق…..
عادت سيلين إلى المنزل الموحش بدون
وجود أمها… انارت الصالة ثم نظرت أمامها
نحو الكنبة التي كانت تجلس عليها هدى
كل ليلة تنتظرها حتى تعود من عملها.. رمت
حقيبتها أرضا لتهرول نحو الاريكة لترتمي
عليها و تجهش ببكاء مرير… الان فقط
أحست باليتم رغم أن والدها غادر و تركهما
وحيدتين…إلا أن والدتها عملت كل ما في وسعها
حتى تكون لها الاب و الام في نفس الوقت
لطالما سهرت الليالي تعمل على آلة الخياطة
إلى جانب عملها اليومي بالمصنع حتى تستطيع
سيلين إكمال دراستها و شراء الملابس و الأكلات
التي تحبها حتى لا تشعرها بأي نقص او إختلاف
عن صديقاتها اللواتي يمتلكن آباء….لطالما شعرت
بلمساتها الحنونة إلى جانبها كلما شعرت بالخوف
فهي كانت الملجأ الوحيد لها تحتمي به من الدنيا