
القاسية… في حزنها في فرحها في مرضها لم
يكن غيرها إلى جانبها يواسي وحدتها حتى
صارت كل حياتها…
لكنها الان غير موجودة…بدا لها المنزل كقبر
مظلم بدونها… هي تبكي الان و خائفة لاتستطيع
المكوث لوحدها لليلة واحدة فكيف لو فقدتها…
ظلت تبكي لساعات حتى جفت دموعها قبل
تنام على الاريكة تحتضن نفسها و هي تتخيل
انها بأحضان أمها الحنون….
في ذلك المكان المهجور….
فتح الباب من جديد لتنكمش يارا برعـ,ـب
و كل خلية في جـ,ـسدها ترتعش حد المـ,ـوت….
صوت أقدام توحي بدخول أحدهم…لترفع رأسها
حيث إصـ,ـطدمت عيناها بزوج من الاحذية الفاخرة
أمامها…
رفعت رأسها ببطئ متجاهلة السيول المنهمرة
منهما لتجد أمامها رجلا طويلا و ضخما لا يقل ضـ,ـخامة عن الرجلين اللذين كانا هنا منذ قليل
عريض المنكبين ببشرة قمحية و عينان سوداوان
غامضتان تتفرسانها بنضرات ثاقبة مخيفة
جعلت جسدها يرتعش رعبا من القادم…
عقدت حاجبيها باستغراب فوجهه يبدو مألوفا
لها لكنها لم تتذكر أين رأته.. ربما من شدة
خوفها ذاكرتها مسحت تلقائيا…
كان يرتدي بدلة فاخرة كحلية اللون بدون ربطة
عنق… عطره الحاد كملامحه إنتشر بكامل
الغرفة مما زاد في إضطرابها…
وضع يديه في جيوب بنطاله ناظرا إليها باستعلاء
تحت قدميه…شعور الانتشاء و الراحة تسللا داخل
جسده عند رؤيتها ذليلة و خائفة و ضائعة… تماما
كحاله عندما تركته منذ سنوات…
زفر بانفاسه بجمود قبل أن يجلي حنجرته
متحدثا بصوت بارد :” لسه زي ما إنت…متغيرتيش”.
جاهدت لتقف على قدميها أمامه لتصطدم
بعيون صقرية تراقبها بتمعن شديد لتجفل
قليلا قبل أن تجيبه بارتعاش واضح في
صوتها :”إنت… مين؟؟
قهقه عاليا حتى تردد صوت صدى ضحكاته
في ارجاء الغرفة الضيقة قبل أن يتوقف فجأة
و قد تحولت ملامحه الهادئة إلى أخرى تحمل
الجحيم في ثناياها ليقول بصوت عميق
واثق :” أنا صالح عزالدين…و رجعت عشان
آخذ حقي منك… انا وعدتك زمان و انا لما بوعد
بوفي….
إندفعت نحوه يارا و هي تمسح دموعها بظاهر كفها
قائلة بلهفة :” صالح…الحمد لله إنك جيت انا كنت
حموت و الله الناس اللي برا دول عاوزين يموتوني
ارجوك خرجني من هنا… “.
دفعها بغل على الأرض قائلا :”طول عمرك
أنانية متغيرتيش.. مش بتفكري غير في نفسك….
نظرت نحوه بذهول و هي لاتصدق مايقوله
ليكمل بنفس الحدة:” طب إيه رأيك إن انا اللي
جايبك هنا…
يارا بتوهان :” إيه؟ جايبني هنا… طب
ليه؟؟
صالح و هو يرمقها باستعلاء و غرور :” ما انا
قلتـ,ـلـ,ـك…عشان آخذ حقي منك…
حاولت الوقوف ثانية رغم المها لتنجح
في ذلك قائلة بصراخ:” حق إيه؟؟ إنت تجننت
باعثلي ناس مجرمين يخطفوني و جايبني في مكان زبالة زي داه و تقلي حقك.. حق إيه؟؟
لم يكن رده سوى صفحة قوية من يده
الضخمة على وجنتها الرقيقة حتى سالت
الدماء من جانب شفتها و جعلتها تلتصق بالحائط
لتكتم يارا ألمها الحارق رغم صدمتها و إحساس
الإهانة التي شعرت به فهي المدللة التي
لم يتجرأ احد من قبل علي لمس شعرة
واحدة منها…
لفت راسها ببطئ تنظر له بصدمة لتجده
ينقض عليها من جديد ممسكا بشعرها
في يده هادرا بصوت مرعد :”أول و آخر مرة
تعلي صوتك قدامي…يا زبالة زيك
يا تربية الشوارع و الكباريهات…فاكراني
زي العيال اللي إنت مصاحباهم لا فوقي
و إعرفي انا مين؟؟ انا صالح عزالدين
اظن إن إنت فاكراه كويس و لو نسيتي
مفيش مشكلة انا حعرف افكرك فيا إزاي؟؟؟
وضعت يارا كفها فوق يده التي كانت ممسكة
بشعرها بقوة حتى شعرت بأن بعض الشعرات
تقطعت في يده لتتحدث بصعوبة :”صالح
ارجوك سيب شعري… حيطلع في إيدك….
قاطع كلامها بلهجة اكثر حدة و هو يكز
على أسنانه :” صالح بيه يا زبالة… صالح بيه
و من هنا و رايح متتكلميش غير بإذني….
سامعة….
أنهى كلمته الأخيرة ثم رماها على الحائط و هو ينفض يديه مكملا :” حبعثلك هدوم دلوقتي
تغيري قميص النوم اللي إنت لابساه دلوقتي
و تغوري من هنا و خلي تليفونك في إيدك عشان
لما اتصل بيكي الاقيكي موجودة…. و على الله
تتأخري ثانية في الرد…أقسم بالله لخليكي
الموت من اللي حعمله فيكي….
تركها في ذهول تام مما يحصل…ساقيها حرفيا
لم تعودا قادرتان على حملها لم تكد تخرج
من صدمة خطفها حتى تبينت لها هوية
الخاطف..لطالما ظنت انه صفحة من الماضي
و إنتهت رغم إحساسها بالذنب الذي كان يقـ,ــ,ـتلها
كلما تذكرته… كيف لعبت بمشاعره رغم أنه
أحبها بصدق لكنها كانت دائما تعذر نفسها بأنها
كانت صغيرة و طائشة حتى تتحمل مسؤلية
مشاعر جديدة لم تشعر بها في حياتها…
شخصيتها المدللة و المغرورة جعلتها تعتقد
انه من حقها أن تخطئ و لا أحد يجب عليه
الاعـ,ـتراض او محاسبتها…
إرتكزت على الحائط تاركة دموعها تنزل
بصمت على وجنتيها و تلف ذراعيها إلى
جسـ,ـدها بعد أن شعرت بالبـ,ـرودة تسـ,ـري
بكامل جـ,ـسدها…
نظرت إلى الباب الذي فتح مرة أخرى
بترقب لترى احد الرجلين الذين رأتهما
منذ قليل لتجفل و ترتعش بخوف و هي
تتراجع إلى الوراء باشمئزاز من نظراته
التي كانت تتفحصها بوقاحة…
رمي لها الكيس ليسقط عند قدميها
ثم قال بسماجة و إبتسامة خـ,ـبيـ,ـثة :”
خسارة فلتي من إيدينا الليلة بس متقلقيش
انا حبقى أكلم الباشا عشان يديلنا