
استغرب سؤالها والطريقة اللي قالت بيها، فابتسم بمجاملة: “الحمدلله، خير يا نور؟ في حاجة؟”
قربت منه خطوة: “لحد إمتى يا مؤمن؟ ما تعبتش؟”
استغرب أكتر وردد: “لحد إمتى إيه يا نور؟ انتِ جاية ليه؟ وعايزة إيه؟”
حاولت تتكلم براحة بس كانت متنرفزة، فقالت بحدة: “لحد إمتى هتفضل تعمل حساب لكل واحد إلا لينا أنا وانت؟”
نفخ بضيق: “أنا وإنتِ؟ معدش في أنا وإنتِ، هرجع أقولك عايزة إيه يا نور؟”
نور بتحاول توصله، تخاطب عقله وأفكاره: “السوشيال ميديا كلها مش بتتكلم غير عن كريم وناريمان، أنا مش عارفة إنت منتظر إيه؟ هتفضل لحد إمتى مغمض عينيك يا مؤمن؟ كريم مش زي ما إنت متخيل، هو بيضحك ويخدع الكل.”
مؤمن بذهول: “كريم بيخدع الكل؟ إنتِ بجد هتفضلي عامية لحد إمتى يا نور؟ بقولك إيه: إحنا اطلقنا وانتهينا. جاية عايزة إيه؟ مخدوع؟ مضحوك عليا؟ تابع؟ مهما يكون اللي عايزة تقوليه مش فارق معايا. فهسألك لآخر مرة: جاية عايزة إيه؟”
نور بصت لعينيه: “تعال نروح شقتنا اللي إنت اشتريتها ونعيش فيها مع بعض أنا وإنت وابننا، بعيد عن الكل. أرجوك خلينا نعيش لوحدنا، أنا لسه بحبك.”
مؤمن بصلها بذهول، مش مصدق اللي هي بتقوله. بعدها تغلب على ذهوله: “أنا تخطيتك يا نور خلاص، تخطيتك. مبقتش عايزك في حياتي أصلًا، فحتى لو قولتي هعيش معاك في بيت عمي حسن، هقولك لأ خلاص. بعد ما وقفنا قصاد بعض في المحاكم وبعد كل اللي حصل وكل الغلط، معدش ينفع. أنا وإنتِ صفحة واتقفلت، كان ليا نصيب أخلف أيان وخلفته، وربنا يبارك فيه، لكن ملناش نصيب نكمل مع بعض، فأنا وإنتِ انتهينا، وحكايتنا انتهت واتقفلت. معدش عندي أدنى استعداد أفتح فيها أي جانب، كله انتهى.”
نور اتضايقت من كلامه: “كل ده علشان كريم المبجل و…”
قاطعها مؤمن بصرامة: “كريم مبجل غصب عن أنف الحاقدين. الكل عارف مين هو كريم المرشدي، لكن اللي بيشتموا ويتكلموا فدي ناس واطية حقودة، فبالتالي رأيها ما يفرقش أصلًا معانا. فهمتي؟ فأي كلام عايزة تقوليه وفريه للي مستعد يسمعك. بعد إذنك.”
ركب عربيته واتحرك بعيد عنها، يدخل بيته لابنه ولعيلته.
سيف كان عند سبيدو في المعرض، قاعد معاه ساكت تمامًا، مش بينطق ولا حرف واحد. سبيدو لاحظ سكوت سيف، وفهم إنه هربان عنده مش أكتر. فضل يخلص شغله وسايبه براحته، لحد ما سيف يقرر يتكلم. بعد فترة صمت طويلة، سيف أخيرًا نطق: “همس هتخلص امتحانات الأربعاء الجاي.”
سبيدو انتبه له: “وإيه؟”
سيف بصله: “إيه هو اللي إيه؟ مش عايز تتنيل تكتب كتابك؟ فأكيد بعد امتحانات همس، فبقولك هتخلص الأربعاء.”
سبيدو ابتسم والفرحة واضحة على ملامحه: “طيب، نكتب الأربعاء تمام؟”
سيف بغيظ: “الخميس أفضل، إدينا فرصة نرتاح.”
سبيدو وقف مبسوط وفرحان: “أنا لازم… أقصد إحنا لازم نحتفل.”
سيف بصله كتير بتفكير، لدرجة خلت سبيدو يتوتر: “بتشبه عليا ولا إيه؟ إيه البصات دي كلها؟ حتى لو بتحبني، مش هتبصلي كل ده.”
سيف بتردد وتحفظ شديد ونوع من التهكم: “تعرف إن خليل أو أونكل داني قالي إنك واحد من رجالته؟”
سبيدو بصله بذهول: “أنا من رجالته؟ طيب ليه؟ هستفاد إيه؟ فلوس؟”
سيف بهدوء: “لا، دخلتك مش الفلوس يا سبيدو.”
سبيدو رجع قعد قدامه: “أمال واحد زيي دخلته إيه يا سيف؟”
سيف حك دقنه بتفكير: “خدمات مثلًا؟ حاجة تخص الدارك ويب؟ يخلصك من حد مثلًا؟ يعني ليك دخلات كتير يا سبيدو غير الفلوس.”
سبيدو بصدمة: “يعني انت مصدق إني فعلًا من رجالته؟ وإيه؟ ببيعك له؟ ولا بعمل إيه؟ ولا يكون…”
سيف قاطعه: “بطل رغي كتير، أنا لسه بقولك ميعاد كتب كتابك على أختي” (بص لساعته وقام وقف)، “فأكيد مش هجوزك أختي وأنا بشك فيك إنك خاين، أنا المفروض أروح علشان همس.”
سبيدو وقفه ومسك دراعه: “أمال بتقولي ليه لو مش بتشك فيا؟”
سيف بصله باستغراب: “إنت عايزني أشك فيك يعني ولا إيه؟ بقولك من باب الرغي.”
سبيدو: “طيب، قالك سر العداء معاك إيه؟ يعني بيزنس؟”
سيف أخد نفس طويل قبل ما يجاوبه باقتضاب: “بدون رغي كتير وأسئلة أكتر، بس عداؤه مع أبويا. عايز يدمره وطلب مني أسلمه عز الصياد والشركة، وفي المقابل يسيبني في حالي.”
سبيدو سأله: “وإنت قولتله إيه؟”
سيف بصله بسخرية: “متخيل هقوله إيه؟ خد أبويا؟ ولا خد الشركة؟”
سبيدو رد بغيظ: “لا يا فصيح، مش ده قصدي، بس هو محتاج رد قوي، رد فعلي مش مجرد كلام.”
سيف ابتسم بدهاء: “ومين قالك إني مش هرد؟ ورد قوي كمان.”
سبيدو سأله بفضول: “هتعمل إيه؟”
سيف ابتسامته وسعت: “هأدبه هو وكل رجالته اللي ساندينه.”
أمل آخر الليل طلعت من أوضتها، قابلها مؤمن فسألته بتردد: “هو كريم؟”
كمل جملتها: “آه، كلمني، انزلي وأنا العيال هخلي بالي منهم.”
نزلت بسرعة، خرجت من باب الفيلا، كان منتظرها. جريت لعربيته وركبت بسرعة، واتحرك بها لشقة سيف اللي قاعد فيها. ما اتكلموش خالص لحد ما دخلوا البيت، وبمجرد ما دخلوا وقفل الباب وراه، بصوا لبعض. الاتنين ارتاحوا لبعض، وهو ضمها واخدها في حضنه لفترة طويلة، زي ما تكون غايبة عنه من فترة طويلة.
بعد فترة طويلة، وهي نايمة على كتفه والاتنين ساكتين، أمل قطعت الصمت ده: “هنسافر إمتى؟”
اتنهد بإرهاق: “أمل، روحي، قولتلك مش هقدر أسافر بيكِ.مش هنعيد الحوار ده كله من تاني. أنا محتاجك هنا في الشركة مكاني، ومحتاجك مع إياد، ومحتاجك مع نونا، محتاجك هنا يا أمل.”
اعترضت بهدوء: “وأنا محتاجة أكون معاك يا كريم. أنا مش قادرة آخد القرار إني أسيبك تسافر لوحدك. ببساطة، مش قادرة.”
لف نفسه ناحيتها وعينيه في عنيها: “عارف إنه صعب يا روح روحي. عارف إنه صعب، بس علشان خاطري خليني أكون مطمن إنك هنا أولًا في أمان، وثانيًا مكاني.” (سكت شوية، بعدها ضمها لحضنه) “خليكِ في حضني وبس يا أمل، خليكِ في حضني.”
سيف وصل بيته، سلوى وقفته: “سيف…”
وقف من غير ما يبصلها، فقرّبت منه: “أنا عمري ما خنت أبوك ولا حبيت غيره، إنت مصدق ده؟”
لف يواجهها: “هيفرق معاكِ تصديقي من عدمه؟”
أكدت بسرعة: “طبعًا يفرق معايا يا سيف.”
فكر لحظات: “ما تهتميش برأيي الخاص لأنه مش هيعجبك.”
أكدت بإصرار: “سيف، أنا محتاجة أسمعك لو سمحت.”
بصلها شوية قبل ما يعلق: “أنا عندي قناعة تامة في موضوع العلاقات إن أي غلط بيتطلب طرفين، الراجل مش بيتمادى أو حتى الست مش بتتمادى إلا لو في قبول من الطرف التاني. كل واحد فينا هو اللي بيسمح أو يمنع أي حد قصاده إنه ياخد خطوة. خليل مكنش هيقرب ولا يفكر فيكِ إلا لو إنتِ اللي اديتيه وش يقرب.”
حاولت تبرر بضعف: “إحنا كنا أصحاب و…”
قاطعها بغضب حاول يسيطر عليه: “مفيش حاجة اسمها أصحاب بين راجل وست. الصحاب دي كذبة اخترعناها علشان نبرر القرب والتجاوز، وكله تحت مسمى أصحاب. عايز أقرب من واحدة مش عارف أقولها؟ أقول لها: ‘أي رأيك نبقى أصحاب؟’ وتحت المسمى ده أضحك واهزر وأخرج وأتكلم، ومش بعيد أكون الصدر الحنين اللي هتبكي عليه.”
سلوى تراجعت: “لا طبعًا، في أصحاب وفي ناس كويسة كتير وفي…”
قاطعها تاني: “في أصحاب ورابطتهم أقوى من الدم كمان، بس مش بين ولد وبنت. أنا ومروان، سبيدو، كريم، مؤمن، بدر دول أصحاب ورجالة بجد كمان. همس وهالة أصحاب وأكتر من الأخوات. في أصحاب فعلًا، بس ولد وبنت؟ بقت علاقة، فأرجوكِ اعفيني من أي هزل هنقوله. خليل كلب و…” (قطع كلامه وتراجع) “حرام أقول كلب لأن الكلب من أوفى المخلوقات اللي ربنا خلقها. خليل هعرفه مكانته وأرجعه لحجمه الطبيعي، أما حضرتك فدي علاقتك بجوزك. هو سامحك أو قبل الوضع ده، فدي حاجة ترجعله. أنا لو مكانه كنت هسمع كلام هوليا وبدون تردد كمان.”
سلوى بذهول: “إنت هتطلق همس؟ لو اتعرضت لاعتداء هطلقها يا سيف؟”
قرب منها واتكلم بحدة: “ربنا يحميها، بس لو اتعرضت لاعتداء من حد قريب مني زي سبيدو ولا كريم ولا مروان، آه هطلقها وبدون ما أتردد لحظة. عارفة ليه ؟ لانها هتكون هي اللي سمحت بده ، حازم ما قربش من آية إلا لما سمحتله يقرب. آه ممكن حد غريب يعتدي على واحدة، لكن الصاحب أو القريب ده لازم يكون عنده ثقة إنه يقرب. فلو همس هتسمح لراجل من معارفي يتكلم ويقرب ويهزر لدرجة إنه يفكر فيها، ساعتها ما تستاهلش تشيل اسمي. مراتي، حبيبتي، بتاعتي، ملكية خاصة محدش يشاركني فيها ، همس ما بتبتسمش مجرد ابتسامة لحد غيري ، بتتحول لنمرة شرسة لو حد حاول يتمادى معاها ، دي قناعتي الخاصة، فزي ما قولتلك ما تهتميش برأيي الخاص لأنه مش هيعجبك. تصبحي على خير.”
سابها ودخل أوضته، كانت همس على السرير وكالعادة حواليها ورق كتير. أول ما دخل قامت بسرعة لعنده، فأخدها في حضنه جامد لدرجة رفعها من على الأرض وهمس: “وحشاني كده ليه؟”
ابتسمت: “علشان انت بعيد من فترة طويلة.”
بصلها باستنكار: “أنا كنت في حضنك الظهر والعصر وقبل ما أخرج؟”
ابتسمت: “في حضني بس عقلك بعيد عني تمامًا، من ساعة ما سافرت تقريبًا، المهم أنا معاك وجنبك لحد ما عقلك يرجعلي.”