روايات

الفصل السابع والخمسون

سابها وراح لمروان صاحبه اللي اتفاجئ برجوعه. قعدوا مع بعض، فسيف سأله بهدوء: “سيبت هالة إزاي؟”
مروان بص للأرض: “ممكن ما نتكلمش في…”
قاطعه سيف: “لا، مش ممكن يا مروان. سيادتك سيبت هالة ليه؟ البنت كويسة و…”
قاطعه مروان بغضب مكبوت: “وإنت متخيل إني مش عارف إنها كويسة؟ إنها أجمل وأرق من إنها تكون حقيقة في حياتي؟”
سيف بذهول زعق: “ما هي حقيقة في حياتك يا متخلف! سيبتها ليه؟”
مروان دور وشه بعيد: “سيف، أرجوك لو سمحت…”
قاطعه سيف: “لو سمحت إنت يا مروان! فهمني سيبت خطيبتك ليه؟ إيه اللي حصل بينكم وصلكم لفسخ الخطوبة؟”
مروان بصله: “إنت متخيل إني عايز أفسخ خطوبتي أو أبعد عنها؟”
سيف ضرب كف بكف: “لا حول ولا قوة إلا بالله. هو حد يا إبني ضربك على إيدك؟ طيب بتفسخ خطوبتك ليه لو مش عايز تفسخها؟ إيه اللي جابرك؟”
مروان فضل ساكت، وسيف استناه يتكلم، لكنه استمر في صمته. زعق: “يا إبني ما تنطق! سيبت البنت ليه؟ إنت غبي ولا فيك إيه؟ ولا بتكرهها لدرجة إنك داخل حياتها تبهدلها وتسيبها قبل امتحاناتها بيومين؟”
مروان بص لسيف باهتمام: “امتحانات إيه؟”
سيف بتهكم: “الميدتيرم، ولا سيادتك ناسي إن امتحاناتها بعد يومين؟”
مروان دور وشه بعيد: “نسيت قصة الامتحانات. لو كنت فاكرها كنت…”
قاطعه سيف بسخرية: “كنت إيه؟ أجلت الفسخ لبعد الامتحانات؟ إنت فيك إيه يا مروان؟ إنت أهبل؟”
مروان زعق بنرفزة: “يا سيف، ممكن لو سمحت ما تدخلش؟ أنا اتدخلت في علاقتك بهمس؟”
سيف زعق: “أيوه، اتدخلت، واتكلمت، وفضلت جنبي طول السنة اللي فاتت. بعدين لو سيادتك مش عايزني أتدخل، أخدتني معاك ليه وإنت بتطلب إيدها؟ ولا سيادتك ناسي إن أنا في الوش قدام عيلتها؟ أنا وهمس وأبوها لو وافق عليك كان علشان همس ومعرفته بها. فسيادتك لما تيجي زي المتخلف تفسخ خطوبتك، إنت بتصغرنا كلنا: أنا وأبويا وأمي ومراتي، لأننا في ضهرك قدام عيلتها. فلما تيجي تاخد قرار متخلف زي ده، أقل واجب تفهمنا ليه أخدته! فاتفضل حالًا وقولي إنت ليه أخدت القرار؟”
مروان باصرار: “هقولك برضه يا سيف: ده قراري، ويخصني لوحدي. ولو حابب تروح لأبوها تقوله إن مالكش علاقة بصاحبك المتخلف، مش همنعك.”
سيف وقف بغضب: “لا يا سيدي، أنا مش هعمل كده. بس أنا اتعاملت مع هالة واعتبرتها زي أخت همس، أو يمكن زي آية، وتعز عليا فوق ما تتخيل. فلو هتقل بأصلك بدون سبب، هعتبر نفسي أخوها، واعتبرها هي آية، واللي يزعلها همحيه من على وش الأرض، حتى لو كان الحد ده صاحبي المتخلف.”
مروان وقف في وشه: “تحب يعني أخرج بره الشركة؟ ده قصدك؟”
سيف اتحرك ناحية الباب: “بالظبط كده.”
سابه وخرج وهو مش فاهم في إيه، وإيه اللي حصل، وليه كل ده بيحصل أصلًا؟
خرج متنرفز من عند مروان أكتر ما هو متنرفز أصلًا، وفضل واقف شوية في الطرقة مش عارف يعمل إيه.
لدرجة مريم قربت منه: “خير يا باشمهندس، حضرتك محتاج حاجة؟”
بصلها وابتسم بعملية: “شكرًا يا مريم، أنا بس بفكر أروح لأني لسه تعبان من السفر.”
مريم: “طيب اتفضل حضرتك، إحنا كلنا موجودين، وباشمهندس مروان موجود، وباشمهندسة آية كمان.”
قبل ما يرد، باب مكتب مروان اتفتح وخرج مروان شايل شنطته وعدى من جنبهم. مريم بصتله باستغراب: “رايح فين؟” وسيف ما التفتش ناحيته أصلًا.
مريم همست: “هو باشمهندس مروان رايح فين كده؟ و…”
قاطعها سيف: “ساب الشركة.”
فتحت بوقها تعترض، لكن سيف سابها ومشي ودخل مكتبه.

كريم ومؤمن وصلوا الشركة ودخلوا، كانت كل الأنظار عليهم بشكل غير طبيعي، الكل بيتكلم والهمس شغال.
مؤمن علق: “هو في إيه؟ الكل بيبصلنا ليه كده؟”
كريم حرك كتافه بلا مبالاة وطلعوا لفوق. قابلتهم علياء، بصت لكريم: “اتصلت عليك كتير.”
كريم بضيق: “سوري، بس معرفتش أرد. في إيه؟”
علياء بتردد: “السوشيال ميديا مقلوبة. حضرتك ما فتحتش إنستا أو فيس أو…؟”
قاطعها بنفاد صبر: “علياء، في إيه بالله عليكِ؟ أنا مش متحمل.”
حاولت تشرح بس اتحرجت، فمسكت موبيلها فتحته وحطته قصاده: “الكل بيتكلم عن ده.”
كريم ومؤمن بصوا لموبيلها وقرأوا: “إنكار نسب ومحاكم: ناريمان الغندور تطالب كريم المرشدي بالاعتراف بإبنه وتعلن أنها تحمل إبن المرشدي في أحشائها.”
مؤمن بذهول: “إيه ده؟”
علياء بحرج: “الفيس كله بيتكلم عن إنها رافعة قضية نسب على حضرتك وإنها على علاقة بيك.”
كريم ضم قبضة إيده وفكر بجدية لو يروح ينفذ كلامه ويقتلها ويخلص منها.
مؤمن علق: “دي كدابة وبتتبلى عليه يا علياء.”
علياء بصت له: “حضرتك متخيل إن عندي شك إنها كدابة؟ أنا بس ببلغكم إن الكل شاف كلامها. مش بس كده، هي منزلة صورة تحليل DNA مكتوب فيه إن نسبة التطابق ٩٩.٩٪؜، وكاتبة عليه إن اللي مش مصدق فالتحليل ما بيكدبش. باشمهندس كريم، حضرتك لازم تمسح المقالات دي كلها و…”
قاطعتها كريم وهو داخل مكتبه: “في حاجات أهم أعملها يا علياء من إني أمسح شوية مقالات.”
قبل ما يدخل مكتبه، خرج حسن المرشدي ووقف قصاده: “إنت جاي هنا تعمل إيه؟”
كريم باستغراب: “يعني إيه جاي أعمل إيه؟ جاي شغلي؟ جاي مكتبي؟ جاي وخلاص.”
حسن بنرفزة: “سيادتك تطلع بره الشركة دي وما تدخلهاش لحد ما تشوف حل للبني آدمة اللي دخلتها حياتنا دي.”
كريم بذهول: “يعني إيه أطلع بره الشركة؟”
حسن زعق: “يعني تطلع بره. ملهاش معاني كتير صراحة. أطلع بره يعني أطلع بره، هو ده محتاج شرح؟ أطلع بره الشركة وبره بيتي كمان لحد ما تشوف حل وتنهي القضية دي بشكل نهائي. اتفضل.”
مؤمن اتدخل: “عمي، حضرتك بتقول إيه بس؟”
حسن بنرفزة: “بقول اللي سمعتوه. سيادته مش عايز أشوف وشه غير بعد ما ينهي القصة دي. اتفضل.”
كريم خارج، لكن مؤمن مسك دراعه. قبل ما يتكلم، حسن حذره: “لو سمحت يا مؤمن، بلاش تجبرني أقولك إنت كمان معاه. كفاية صدمتي في واحد.”
مؤمن حاول يرد، لكن كريم منعه: “خليك إنت هنا. نتكلم بعدين.”
سابهم وخرج، ركب عربيته وانطلق بيها زي الصاروخ.

على ضفاف شلالات هاواي الساحرة، كانت ملك واقفة، شعرها بيتطاير مع نسيم المية المنعشة، وعيونها متعلقة بالمنظر الرائع.
نادر قرب منها وحط إيده على كتفها بحنان، وقال وهو بيتأمل معاها: “عمري ما كنت أتخيل إني هعيش اللحظة دي.. جنبك وفي مكان زي ده.”
ابتسمت ملك وهي مغمضة عينيها، مستمتعة بصوت الشلال وصوت نادر: “وأنا برضه.. دايمًا كنت بحلم بمكان زي ده، بس ما كنتش أعرف إن الحلم هيتحقق، وكمان معاك.”
قرب منها أكتر وهو بيمسك إيدها، ووشه كله جدية ممزوجة بحب: “أوعِ تفتكري إن ده مجرد شهر عسل.. دي بداية حياتنا مع بعض، حياة كلها حب وسعادة زي اللحظة دي.”
ملك بصت له بابتسامة مليانة حب: “طول ما إنت جنبي، أنا عارفة إن كل لحظة هتكون أحلى من اللي قبلها.”
شدها نادر لحضنه وسط رذاذ الشلال اللي كان بيضفي عليهم إحساس بالنقاء، وهمس في ودنها: “أنا وعدتك بالسعادة.. وهفضل أوفي بوعدي طول ما أنا حي.”
ضحكت ملك وهي بتلمس وشه بحنية: “وكفاية عليّا إنك معايا.. ده كفاية عشان أكون أسعد واحدة في الدنيا.”
وبين صوت المية الهادر وهدوء الطبيعة، كان صوت ضحكاتهم وحبهم هو الأوضح، وكأن الدنيا كلها شاهد على حبهم اللي بيتجدد مع كل لحظة.

سيف راح لمكتب أخته: “آية أنا مروح، تمام؟”
ابتسمت: “طبعًا براحتك حبيبي، وأنا شوية وهروح. هنقل كام ملف لمروان و…”
قاطعها بضيق: “مروان مشي.”
علقت باستغراب: “مشي إزاي؟ ومن إمتى بيمشي بدري؟”
بصلها وهو بيضيف: “مشي من الشركة خالص.”
آية بصتله بعدم تصديق: “مشي من الشركة إزاي يعني؟ خرج؟ بعته مشوار؟ يعني إيه مشي دي؟”
وضح بنفاذ صبر: “يعني ساب الشركة. اتخانقنا وساب الشغل، إيه اللي إزاي؟”
آية وقفت واتحركت من ورا مكتبها: “إنت بتهزر صح؟ يعني إنت رايح تشوفه ماله وإيه اللي حصله ولا رايح تطرده؟ سيف؟”
دافع عن نفسه: “أنا ما طردتوش، هو اللي غبي والكلام جاب بعضه، قالي أمشي، قولتله مع السلامة. أصلًا بني آدم متخلف.”
آية باستنكار: “سيف! ده مروان؟”
علق بتهكم: “يعني إيه؟ أعمله إيه يعني؟”
مسكت دراعه: “حبيبي، ده صاحبك الانتيم، صاحبك من سنين وبيمر بأزمة. أزمة كبيرة أكيد هي اللي وصلته للمرحلة دي. وبدل ما تخليه يفضفض ويتكلم معاك وصلته لمرحلة إنه يخسر صاحبه وأخوه الوحيد. إنت إيه اللي جرالك؟ ليه الكلام معاك بقى مكلف وصعب للدرجة دي؟”
بصلها باستنكار: “أنا الكلام معايا صعب يا آية؟”
أكدت بضيق: “أيوه صعب. الواحد لازم يخلي باله من كل حرف ينطقه معاك ليكون الثمن خسارتك! إنت ليه بقيت كده؟”
تراجع: “أنا لازم انسحب علشان بس معنديش استعداد أخسر حد تاني النهارده.”
جات تتكلم، بس رفع إيده: “أنا حاليًا مش في مود أسمع أي حاجة من أي حد، فاقفلي الكلام.”
سابها وقفل الباب وراه وهو متضايق من أخته فوق ضيقه من أبوه وأمه وجدته ومروان. القائمة بتوسع حواليه وحاسس إنه بيخسر.
قاطع سرحانه خروج بدر من مكتبه، شكله مروح بيته. اتفاجئ بسيف، فصاح بترحيب: “سيف باشا، حمدالله على سلامتك.”
سيف ابتسم وسلم عليه بحرارة. وقفوا الاتنين مع بعض واتكلموا شوية. بعدها بدر علق: “مالك؟ شكلك مش طبيعي. مش واحد راجع من سفر كده وفرحان برجوعه لعيلته وحبايبه.”
سيف اتنهد بهم: “فرحان؟ فرحان دي كلمة غريبة عني تمامًا يا بدر. أنا راجع بكمية مشاكل غير طبيعية وصدمات عمري ما تخيلت إني ممكن أمر بيها. ورجعت لمراتي اللي عندها امتحانات بعد يومين، وصاحبي الانتيم اللي جتله حالة تخلف فجائي، وأختي بتقولي إنت شخص صعب الكلام معاه. وحاسس إني عايز انفجر. فنصيحة: ابعد عني، لأني بحبك ومش عايز أقول حاجة كده ولا كده ممكن تضايقك مني.”
بدر ربت على كتفه بتفهم: “لو عايز حد تنفجر فيه، أنا مستعد أكون الحد ده. تعالى نخرج بره الشركة ولا وراك حاجة مهمة؟”
سيف بحرج: “بدر، إنت كنت مروح بيتك. ما تشغلش بالك بيا وبمشاكلي، لأن صدقني ملهاش نهاية. نتكلم بعدين في وقت أفضل من كده.”
بدر شده من دراعه: “بطل كلام أهبل ويلا نطلع من هنا. بعدين لو الواحد مش هيلاقي حد يتكلم معاه وهو مخنوق، فايدتها إيه الصحاب؟”
خرجوا مع بعض، وقفوا تحت وبدر سأله: “تحب نتحرك بالعربيتين ولا نعمل إيه؟”
سيف بضيق: “لا، مش عايز أسوق. تعال بعربيتك، بس هتضطر توصلني.”
بدر ابتسم واتحركوا لعربيته. بعد ما قعدوا، شغل العربية وسأله: “تحب نطلع أي مكان ولا تيجي معايا البيت؟ أنس هيفرح بيك أوي.”
فكر سيف لحظات، بعدها علق بحرج: “أنس واحشني كتير بس…”
بدر قاطعه: “يبقى ما تقولش، نطلع على البيت.”
سيف حاول يمنعه، لكنه أصر وأخده للبيت واحترم صمته معظم الطريق.
وصلوا، وأنس استقبلهم بفرحة، وخصوصًا لما شاف سيف. فرح بيه جدًا وفضل يتكلم معاه ويحكي له أمور كتيرة عن التغيرات اللي في حياته، وخصوصًا عن زياراته للدكتور النفسي.
سيف سأله باهتمام: “جميل أوي كل التغيرات دي يا أنس، بس طمني عنك أنت. أخبارك إيه؟ مش النادي وأصحابك والمدرسة؟ عايز أسمع عنك إنت.”
أنس ابتسم: “تعرف، أنا كنت مفكر إني لازم أنسى الماضي باللي فيه وكل اللي حصل، وده كان صعب جدا لأن اللي حصل كان صعب يتنسي.”
سيف علق باهتمام: “تجربتك مكنتش سهلة يا أنس، وصعب تتنسي فعلًا. فإنت لازم تتقبلها وتتعلم منها وتتعايش معاها.”
أنس بحماس: “ده نفس اللي قالهولي الدكتور النفسي. قالي إن أول خطوة هي تقبل الماضي بحلوه ومره. لازم نتقبله، ودي أهم خطوة. بعدها أحاول أتعلم من أخطائي علشان ما أكررهاش، وأقنع نفسي إني ما اسمحش للي حصل يحدد شخصيتي. أنا بس اللي أرسم شخصيتي بالشكل اللي أنا عايز أكونه. وأهم حاجة إني أتكلم عن مشاعري وأفكاري مع اللي حواليا وأطلب المساعدة لو حسيت إني محتاجها.”
سيف ابتسم وحس بالسعادة من تغيير أنس لأنه بقى منطلق وبيتناقش بوعي كبير: “تعرف إنّي فرحان جدًا بالكلام معاك؟ كل كلامك صح يا أنس. المفروض الإنسان ما يسمحش للماضي يحدد شخصيته ومستقبله. ومش عيب إن الواحد يطلب مساعدة من الناس اللي بتحبه. وأتمنى أكون من ضمن الناس القريبة منك اللي ممكن تفكر فيهم وقت ما تحتاج مساعدة.”
أنس بحرج: “بابا بيقول إنك مشغول و…”
سيف قاطعه باهتمام صادق: “مهما الواحد يكون مشغول، مش بيتشغل عن أحبابه يا أنس. وقت ما تحتاج مساعدة أو حتى تتكلم، هسمعك. معاك رقمي، كلمني في أي وقت هسمعك.”

انت في الصفحة 3 من 5 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل