
بسيطة من يديها و نظرة من عينيها :” روح
قلب هشام… “.
إنجي بخبث و هي تمد شفتها السفلية
نحو الإمام كدلالة على حزنها:” مش عاوزة
أروح الكلية….
إبتلع هشام ريقه بصعوبة و هو يشعر بتعرق
جبينه رغم برودة الطقس ليهتف بصوت
متقطع :” ليه بس يا نوجة…مش يمكن ععندك
محاضرات…. مهمة و لازم تحضريها…”.
ابعدت إنجي يدها و هي تزم شفتيها بحزن
ملتفتة للجهة الأخرى من السيارة ليتنهد
هشام بيأس من دلالها الذي يكاد يذهب
بعقله فهو لحد الان لا يزال غير مصدق انها
الان تجلس بجانبه و عطرها الهادئ برائحة
الياسمين يملأ سيارته….
هشام باحباط :”طيب خلاص يا نوجة متزعليش
أنا حاخذك الجامعة ساعتين بالكثير شوفي وراكي إيه و بعدها حاجي آخذك ثاني نتغدى سوى و نقضي بقية اليوم مع بعض عشان للأسف مش حقدر ارجعك القصر ..
إنجي و قد لمعت عيناها بسعادة :” لا قصر إيه
داه جدو يولع فينا إحنا الاثنين…
بعد القليل من الوقت كانت سيارة هشام
تقف أمام كلية الإعلام التي تدرس بها إنجي
التي ودعته و نزلت متجهة نحو أصدقائها..
أدار هشام سيارته الناحية الأخرى حتى يعود
أدراجه نحو المستشفى التي يعمل بها لكنه
لمح إنجي صدفة تقف مع شابين و فتاة قرب
الباب الخارجي للكلية….
ضيق حاجبيه عندما لمح أحدهما يضع يده
على شعرها ليكز هشام على أسنانه بغضب
و يوقف السيارة فجأة حتى إحتكت العجلات
بالأسفلت مصدرة صريرا مزعجا… أغلق باب
السيارة بعنف ثم أخرج هاتفه ليطلب رقمها
و عيناه مازلتا مثبتتان عليها حتى رآها تخرج
هاتفها من حقيبتها…
إنجي بمزاح :”كنت عارفة إنك حيتغير رأيك
و تيجي تاخذني…..
توقفت عن الحديث عندما قاطعها بنبرة حادة
و هو يصرخ بغضب :” مستنيكي برا خمس
ثواني و تكوني واقفة قدامي “.
حدقت إنجي بشاشة هاتفها بتعجب بعد
أن أنهى هشام المكالمة و هي تتمتم بصوت
خافت جدا :” مالوا داه…
سألتها أحلام صديقتها :” في إيه يا إنجي؟؟
إنجي بلامبالاة:”و لا حاجة انا مضطرة اطلع
هشام مستنيتي برا حشوف عاوز إيه و أرجع
على طول… تشاو مؤقتا”.
وصلت إلى سيارته لتجده متكئا عليها
و هو ينظر نحوها..و هاتفه بيده… إستقام
ثم أشار لها بركوب السيارة قبل أن يلتف هو
أيضا ليستقل مكانه و ينطلق..
إنجي بحماس متناسية لهجـ,ـته الغاضـ,ـبة منذ قليل :”حتاخدني فين بقى؟؟
هشام بهدوء و هو يكتم غضبه بداخله:”مين
الولد اللي كان بيمسحلك على شعرك من شوية؟؟
إنجي بعدم فهم:”ولد؟… ولد مين؟؟
إنكمشت مكانها تحتـ,ـضن حقيبتها عندما
صرخ هشام في وجهها و هو يضـ,ـرب المقود
بهستريا :” الولد اللي كان واقف معاكوا من
شوية… إنطقي إزاي تسيبيه يحط إيده عليكي
كده….
إنجي بنبرة لينة تحاول مسايرته:”هشام عشان
خاطري إهدى….
أمسكها من ذراعها يهزها بعنف و يده الاخرى
على المقود:”حقول لجدي و هو حيربيكي من
جديد.. حقله إن حفيدته المحترمة إنجي عزالدين
دلوعة العيلة واقفة مع شباب في الجامعة واحد
منهم حط إيده عليها…. انا لولا خايف من الفضايح
اللي ممكن تحصل من الموضوع داه كنت
دخلت كسرت إيده اللي حطها عليكي.. إبن….”.
شهقت إنجي بخوف و صدمة و هي ترى
هشام إبن عمها الشاب الهادئ الرزين يتحول
إلى وحش غاضب مخيف…
مساء ….
عاد صالح إلى قصر جده بعد غياب دام
سنوات ليستقبله الجميع بفرحة….
سناء و هي تحتضنه للمرة العاشرة :” أنا مش
مصدقة إنك خلاص رجعتلنا ياحبيبي.. انا كنت
حموت و اشوفك…”.
صالح بضحك و هو يقبـ,ـل جبينها :”ياماما ما إنت
اللي رافضة تجيلي هناك…”.
سناء بتكشيرة :” بعيدة اوي ووحشة… كان لازم
تختار أمريكا.
صالح :” اديني رجعت اهو يا ستي المهم
متزهقيش مني بس…”.
سناء بلهفة:”ياخبر داه انا بفكر اجوزك
كمان زي أخوك…”.
إنجي بمزاح:” إشرب ياعم.. الظاهر إن ماما
حاسبة حساب كل حاجة… عاوزة تربطك هنا
بأي طريقة “.
صالح:”و انا موافق ياستي.. بس.. هو فريد
فين انا مش شايفه “.
سيف :” ما إنت عارف اخوك…رجع الشغل”.
صالح و هو يهز رأسه من تصرفات أخيه:”لو مكانش عمل كده ميبقاش فريد…
بقى الجميع يتجاذبون أطراف الحديث
قبل ان يستأذن صالح الصعود لغرفته ليرتاح…
اخرج هاتفه من جيبه ليصل برقم ما… بعد أن اتاه الرد قال :”تمام…. كويس جدا داه المطلوب…
مكان هادي و بعيد عن الكل…محدش يقدر يوصله
.. عز الطلب…ماشي مع السلامة”.
رمى هاتفه على السرير تزامنا مع إبتسامته الشريرة
التي شقت ثغره ليطلق صفيرا مستمتعا بخططه
التي تسير كما يحب…..
في فيلا فخمة تعود لمالكها ماجد عزمي…..
تحلقت العائلة الصغيرة حول طاولة العشاء
كعادتهم كل مساء…
ماجد :” إيه اخبار الشغل يايارا… ؟؟
يارا بعدم إهتمام :” سبته..
ماجد بـ,ـصراخ و هو يرمي الشـ,ـوكة و السـ,ـكين
من يديه: نعم…إنت إتجننني دي ثالث مرة
تعمليها و تكسفيني مع أصحابي…
ميرفت (والدة يارا) :” خلاص يا ماجد متكبرش
الحكاية البنت مش عاوزة تشتغل…. هو بالعافية “.
ماجد بغضب :” كله من دلعك فيها….آدي أخرتها…
يارا وهي تلوي ثغرها بملل:” يا بابا قلتلك مية
مرة قبل كده انا مش بحب اروح الشركات دي
و اتقيد بوقت دخول و خروج و بعدين انا
مباقليش كثير متخرجة عاوزة اريح دماغي
شوية …
ماجد بسخرية :” اللي يسمعك كده يقول كنتي
مقطعة نفسك مذاكرة و إنت يادوب كنتي
بتنجحي كل سنة بالعافية…داه انا ببقى مكسوف
لما بكلملك واحد من أصحابي عشان يلاقيلك
شغل عنده…لما يسألني ناجحة بتقدير إيه…
ميرفت بغرور:” مش مهم التقدير… المهم إنها خلصت
و بقت مهندسة…خليها ترتاح سنة و إلا إثنين و بعدين نشوف حكاية الشغل إبقى إفتحلها مكتب لوحدها بنتي انا مبتشتغلش عند حد ….
ماجد بسخرية:” عشان الهانم تبقى تروح و تيجي براحتها…
ميرفت بتجاهل:”نسيت مقلتلكش مرات عبدالله منصور كلمتني عاوزين معاد معاك عشان
يخطبوا يارا…
ماجد بتعجب :”عبد الله منصور بتاع العربيات….
ميرفت :” أيوا هو…قلت إيه؟ “.
تدخل ريان شقيق يارا الأصغر قائلا بمرح :”
حغير العربية حغير العربية…
رمقه والده بنظرة حادة ليصمت ثم إلتفت
نحو زوجته قائلا :”أتمنى ميكونش زي
اللي قبلـ,ـه…ميكملش أسبوع و يختفي
خالص..
ميرفت بتأفف:”خلاص بقى مش وقت المواضيع
دي… الجماعة معزومين عندنا آخر الأسبوع
أنا بكرة حكلم نجلاء هانم و اقلها “.
أومأ لها ماجد دون أن يتحدث قبل أن يعود
من جديد ليتناول طعام العشاء بينما إستأذنت
يارا نحو غرفتها بعد أن تحججت بأنها متعبة
و تريد النوم…..
غيرت ملابسها ثم تسطحت على السرير
و هي تتذكر حياتها طوال الخمس سنوات
الماضية….وتحديدا بعد ذلك اليوم الذي تركها
فيها صالح عزالدين….كانت تدرس بجد رغم الصعوبات التي كانت تواجهها لكنها كانت دائما
مصرة على النجاح حتى لا تصبح مصدر سخرية من زملائها الذين لاطالموا تحدثوا من ورائها عن فشل بعد أن تركها النابغة صالح كما كانوا يسمونه….
لم يقترب منها لا رواية بقلمي ياسمين عزيز رامي الحداد و لاغيره من
شباب الجامعة حتى في النادي… كلما تحدث
معها أحدهم اليوم يختفي بصفة مفاجأة
في اليوم التالي…