
توجهت أنظار الجميع نحو مصدر الصوت في ذهول ليتفاجؤوا بوقوف فريدة زوجة عم غيم التي تولت تربيتها منذ طفولتها وما إن رأتها غيم حتى ركضت نحوها باكية وارتمت في حضنها وهي تردد بصوت مخنوق:
مرت عمي… بالله عليكي خديني من اهنيه… أنا مش عايزة أكمل معاه.. ابوي يدك يا مرت عمي
تحولت ملامح عصام إلى الغضب واقترب منها محاولا سحبها من بين ذراعي فريدة إلا أن الأخيرة وقفت في طريقه واردفت بحزم:
اوعي تتجرأ وتلمس بنتي. لما انت عاجز يا ابن الصعيدي اتجوزت بنات الناس ليه.. بتبهدل البنت معاك ليه عاد
ارتفع صوت لؤلؤ غاضبة وهي تصرخ:
اي ال انتي بتجوليه يا وليه يا خرفانه انتي؟! انتي إزاي تجولي اكده عن ابن الصعيدي؟ دا راجل وسيد الرجالة كمان
نظرت فريدة إليها بعصبية قبل أن ترد بحدة:
أنا مش هرد عليكي علشان انتي بنت جليلة الرباية.. كلامي مع الحجة شكر وجارح… يا ترى انتوا توافجوا بالوضع دا
نظر جارح إلى شقيقه في صدمة واردف بحده:
عصام.. في إي عاد؟! إي الكلام دا؟! اتكلم جول اي حاجه
ازدادت ملامح عصام توترا وهو يردد بسرعة:
كدابة… دول كدابين يا أخوي! هي ال مش راضية تخليني ألمسها… أنا حاولت معاها كتير جوي ومش راضية و
ولكن صرخة غيم الممزوجة بالبكاء قطعت كلماته وهي تردد بصوت مختنق:
لع والله يا مرت عمي… كداب جسما بالله هو اعترفلي أول يوم جواز.. جالي إنه عاجز ومبجدرش يعمل أي حاجة ولازم أوافج على الوضع دا يا هيفضحني ويجول للناس كلها اني مش كويسه ومش بنت بنوت.. والله هددني
صرخ عصام بغضب صوته يزلزل المكان وهو يردد:
كدابة.. كدابة.. جسما بالله كدابة يا أخوي أوعي تصدجها! هي ال مش راضية… هي ال مش موافجة تخليني ألمسها أصلا و
لم يكمل عصام كلماته إذ قطعه صوت جارح وهو يصرخ بانفعال:
بس كفاااااية.. كفاية بجااا… انت بتجول إنها كدابة وهي بتجول إنك كداب يبجى الفصيل بينكم هو الليلة دي
ساد صمت ثقيل قبل أن يكمل جارح بنبرة حاسمة:
هترجعوا على بيتكم… ودي هتبجى ليلة دخلتكم وبعدها هنكشف عليكي لو لسه بنت بنوت يبجى أخوي كداب.. وال تطلبيه هيتنفذ حتى لو طلبتي إني أجطع راسه دلوجتي حالًا! ولو حوصل العكس يبجى انتي الكدابة وانتي ال كنتي رافضة إنه يلمسك وساعتها هتبجى وجتها خدامة تحت رجل أخوي! علشان ال تتهم راجل إنه عاجز وتطلع كدابة تستاهل الجتل! ها.. موافجين؟
لم تتردد غيم لحظة لترد بلهفة وعيونها تلمع بإصرار:
انا موافجة… موافجة بكل كلمة جولتها
التفت جارح إلى عصام الذي وقف متوترا للحظة قبل أن يرد بتردد:
موافج يا أخوي.. يلا… خلينا نمشي
ألقى كلماته سريعا ثم تحرك خارج المجلس تتبعه غيم بخطوات ثابتة بعد فترة، كانت غيم تقف في غرفتها داخل منزلها ترتدي قميص نوم قصير، عيناها تمتلئان بالدموع وهي تحدق في المرآة قبل أن تهمس بصوت مرتعش:
“طلازم أثبت للكل إنك كداب… وبعدها جسما بالله لـ هطلج منك وأدور على الجثة ال أنا متأكدة إني شوفتها… أنا هفرجك يا عصام و
لكنها لم تكمل حديثها إذ انفتح الباب فجأة ودخل عصام بخطوات واثقة وعيناه تلمعان بابتسامة ماكرة وهو يردد بنبرة ساخرة:
واه واه… شكلك حلو جوي… إيه الجمال دا يا غيم؟ كل دا علشان تطلعيني كداب؟ تصدجي إنك جليلة الأصل… رايحة تفضحيني جدام أهلك وأهلي
نظرت إليه غيم بحدة قبل أن ترد بصوت غاضب:
انت ال خليتني أعمل اكده… إنت ال هددتني وضربتني وكنت عايزني أبجي خدامة عندك وأوافج بالهبل ال انت بتجوله حتى لما جولتلك تتعالج… رفضت وضربتني أنا كان ممكن أسكت لو كنت وافجت على العلاج وعاملتني كويس… بس طبعا لع… انت فاكر نفسك إنك تجدر تعمل كل حاجة على مزاجك حتى مش حاسس بالذنب واهه… شوفت وصلت لإي أهه… هتطلع كداب جدام عيلتك
ارتسمت على شفتي عصام ابتسامة ساخرة وهو يقترب منها قائلا:
بجد؟ ومين جالك إني هطلع كداب جدام حد؟… أنا مستعد أعمل أي حاجة علشان صورتي تفضل كويسة… وللأسف.. انتي اللي خليتيني أعمل اكده… تعالي يا شفيق.”
تجمدت غيم في مكانها… غير مستوعبة ما سمعته.. قبل أن تستدير ببطء نحو الباب.. لتجد رجلا يدخل الغرفة.. فـ شهقت بصدمة وسرعان ما أمسكت بالروب لتغطي جسدها وتحاول ستر شعرها لكن صوت عصام الحاد أوقفها:
شوفتي وصلتي نفسك لإي؟… أصل أنا مش هطلع كداب جدام أهلي… لازم يعرفوا إني راجل وسيد الرجالة كمان
عيناها امتلاتا بالذعر وجسدها ارتجف غير قادرة على استيعاب ما يحدث أمامها..بعد مرور ساعتين تقريبا كان جارح يقود سيارته بسرعة جنونية تتلاعب بها عجلاتها على الطريق وكأنها تعكس غضبه العارم حتى وصل إلى بيت عصام.. ترجل من السيارة بسرعة خاطفة واندفع إلى الداخل بخطواتٍ غاضبة.. متجاهلا نظرات الخدم المذعورين الذين وقفوا يصرخون في رعب فـ صعد الدرجات بخطوات ثقيلة و أنفاسه تتلاحق مع كل خطوة حتى اقتحم غرفة أخيه.. ليصدم بالمشهد أمامه…. كانت الأرض مغطاة بدماء قاتمة.. وفي وسطها جسد عصام ملقى بلا حراك.. وسكين مغروسة في صدره. عيناه تحدقان في الفراغ، وروحه قد غادرت منذ لحظات.. وعلى بعد خطوات منه. جلست غيم على الأرض… وجهها شاحب ونظراتها فارغة وكأنها لا تستوعب ما حدث فـ وقف جارح يحدق بالمشهد.. شعور مزيج بين الغضب والذهول يجتاحه قبل أن ينطق بصوت مثقل بالصدمة:
“جتلتيه ليه ؟!”
الفصل الثالث
العذراء والصعيدي
وقف الطبيب بجوار الجثة.. يضغط بإصبعيه على رقبة عصام في محاولة يائسة للبحث عن نبض لكن ملامحه سرعان ما تحولت إلى الجمود وزفر ببطء قبل أن يرفع رأسه نحو الحاضرين قائلاً بصوت حازم:
مفيش نبض… للأسف مات
ساد الصمت للحظات لم يسمع خلالها سوى أنفاس متوترة قبل أن يضيف الطبيب بجدية:
دي حالة جتل… ولازم ابلغ البوليس دلوجتي حالا.. لازم تحقيق رسمي في الواقعة وكل ال بيوحصل دا و
لكن قبل أن يتم كلماته جاء صوت جارح صارما وهو يقترب من الطبيب مرددا:
لع… مفيش بوليس… مفيش اي حد بره البيت دا هيعرف ال حوصل لاخوي.. الكل هيعرف ان الوفاه طبيعيه
رفع الطبيب حاجبيه بصدمة بينما تابع جارح بحدة: