
لارا (بفضول): “بس مين هي؟ وليه رسائله عمرها ما وصلت لها؟”
أغلقت الحاسوب وهي تفكر في الخطوة التالية. لم يكن لديها الكثير من الخيوط، لكن كان هناك احتمال واحد: ضياء لم يختفِ دون أثر… لا بد أن شخصًا ما يعرف قصته.
اليوم التالي – قسم الأرشيف القديم
قررت لارا البحث عن أي ملفات قديمة تتعلق باختفاء ضياء. وجدت مقالة نشرت قبل عشر سنوات بعنوان:
“لغز اختفاء الكاتب ضياء الراوي: حادث أم هروب؟”
قرأت بسرعة:
“في يوم 5 مايو، خرج الكاتب الصحفي ضياء الراوي من منزله متجهًا إلى مقر الصحيفة، لكنه لم يصل أبدًا. لم يُعثر على أي دليل يثبت أنه غادر المدينة، ولم يتم تسجيله في أي مستشفى. عائلته لم تتلقَّ أي اتصالات، وأصدقاءه أكدوا أنه لم يكن يمرّ بأي مشاكل معروفة. بعد ثلاثة أشهر، تم إغلاق ملف التحقيق لعدم وجود أدلة كافية.”
تسارعت أنفاسها… خمسة مايو؟! نظرت إلى إحدى الرسائل القديمة التي كانت ما تزال في يدها، ولاحظت أن الورق كان يحمل تاريخًا خفيفًا بالكاد يُرى: 4 مايو.
ليلة واحدة قبل اختفائه.
وضعت يدها على فمها وهي تستوعب شيئًا لم يكن في الحسبان. هذه الرسائل… قد تكون آخر كلمات كتبها ضياء قبل أن يختفي.
لكن السؤال الحقيقي لم يكن فقط لمن كتبها… بل:
ماذا كان ينوي أن يفعل بعدها؟ ولماذا لم يصل إلى الصحيفة في صباح اليوم التالي؟
شعرت لارا بقشعريرة تسري في جسـ,ـدها وهي تتأمل الورقة بين يديها. كان الأمر واضحًا… هذه الرسائل لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل كانت تحمل شيئًا ما، سرًا دفنه ضياء قبل أن يختفي بساعات.
رفعت عينيها إلى منى، التي كانت تراقبها بصمت.
منى (بقلق): “إنتِ كويسة؟ وشك شاحب!”
لارا (بصوت خافت): “منى… الرسالة دي مكتوبة قبل يوم واحد بس من اختفاء ضياء. إزاي ما حدش انتبه للموضوع ده قبل كده؟”
منى (باندهاش): “انتي بتقولي إن الرسالة دي ممكن تكون آخر حاجة كتبها قبل ما يختفي؟”
لارا: “مش ممكن… أكيد!”
نظرت منى إلى الورقة، ثم إلى الصندوق المليء بالرسائل، قبل أن تهمس: “لو عاوزة الحقيقة، لازم تدوري أكتر. لازم نعرف مين كانت س.”
لارا (بحزم): “وأكتر شخص ممكن يساعدنا… هو الشخص اللي كان أقرب لضياء.”
في المساء – مقهى قديم وسط المدينة
بفضل بعض الأبحاث السريعة، اكتشفت لارا أن ضياء كان مقربًا من شخص يدعى جمال التهامي، صحفي مخضرم عمل معه في الصحيفة قبل أن يختفي. لم يكن الوصول إليه سهلاً، لكنه وافق أخيرًا على لقائها بعد إلحاحها.
عندما وصلت إلى المقهى، وجدته يجلس على طاولة بجوار النافذة، يدخن سيجارة بينما يتأمل الشارع بصمت. كان رجلًا في أواخر الخمسينيات، لكن عينيه كانتا تحملان ثقل سنوات طويلة من الأسرار.
لارا (بهدوء وهي تجلس أمامه): “شكرًا لأنك وافقت تقابلني، أستاذ جمال.”
جمال (وهو ينفث الدخان): “انتي من الصحيفة، صح؟ عرفتِ حاجة جديدة عن ضياء؟”
أخرجت لارا الرسالة من حقيبتها ووضعتها أمامه. للحظة، لم يتحرك جمال، ثم مدّ يده وأخذها ببطء. عندما قرأ الاسم في نهايتها، تغيرت ملامحه كليًا.
جمال (بصوت مرتجف): “ضياء… رسائله كانت هنا كل ده؟!”
لارا (بحذر): “كنت تعرف إنه كان بيكتبها؟”
رفع جمال عينيه إليها، ولأول مرة بدا وكأنه يتردد في الكلام. لكنه تنهد أخيرًا وقال بصوت منخفض:
“ضياء ما كانش بس كاتب مقالات… كان بيدوّر على حقيقة ما كانش المفروض يعرفها.”
حبست لارا أنفاسها… شعرت أن القصة أكبر مما توقعت بكثير.
لارا: “إيه الحقيقة دي؟ وليه اختفى؟”
نظر جمال حوله كأنه يتأكد أن لا أحد يسمعه، ثم انحنى للأمام وهمس بجملة جعلت قلبها يتوقف للحظة:
“اختفى؟ لا… ضياء اتقتـ,ــ,ـل.”
رسائل بلا عنوان
البارت الثالث
شعرت لارا وكأن قلبها سقط بين ضلوعها. الكلمات التي خرجت من فم جمال التهامي كانت أثقل من أن تستوعبها بسهولة.
لارا (بذهول): “اتقـ,ــ,ـتل؟! إنت متأكد؟”
أطفأ جمال سيجارته ببطء، ثم نظر إليها بعيون تحمل أكثر مما يمكن قوله.
جمال: “ضياء ما كانش مجرد كاتب مقالات… كان بيحقق في قضية خطيرة، ودي كانت غلطته الوحيدة.”
تسارعت أنفاسها وهي تحاول استيعاب الأمر. منذ البداية، كانت تشعر أن هناك شيئًا مريبًا في اختفائه، لكن لم تتوقع أن الأمر يصل إلى القـ,ــ,ـتل.
لارا: “إيه القضية اللي كان بيحقق فيها؟”
أخرج جمال علبة سجائره، لكنه لم يشعل واحدة هذه المرة. بدلاً من ذلك، قال بصوت خافت:
“كان بيحاول يكشف شبكة فساد في الصحيفة نفسها… ناس مهمين، أقلام مأجورة، وملفات كان المفروض تفضل سرية. وقبل يوم من اختفائه، كان معاه أدلة تثبت كل حاجة. كان ناوي ينشر المقال، لكنه ما وصلش للمكتب أبداً.”
شعرت لارا برجفة في يديها وهي تتذكر الرسائل. تلك الأوراق لم تكن مجرد رسائل حب، بل ربما كانت طريقته في ترك أثر… طريقة غير مباشرة لإخبار العالم أنه كان في خـ,ـطر.
لكن بقي سؤال أهم، سؤال واحد كان يمكن أن يغير كل شيء:
لارا: “ومين كانت س؟”
هنا، صمت جمال طويلًا. بدا وكأنه يقاتل شيئًا بداخله، قبل أن يغمض عينيه ويقول:
“سلمى… سلمى علوان.”
فتحت عينيها بدهشة، الاسم لم يكن غريبًا عليها! سرعان ما فتحت هاتفها وبحثت عن الاسم، لتظهر أمامها مقالات قديمة…
“سلمى علوان: الصحفية التي استقالت فجأة من عملها قبل عشر سنوات.”
لارا (بدهشة): “هي صحفية؟!”
جمال: “مش أي صحفية… سلمى كانت حب حياته، وهي الوحيدة اللي وثق فيها بكل الأسرار اللي عرفها. بس بعد اختفائه، سابت الشغل واختفت هي كمان.”
كأن نيران الحيرة بدأت تشتعل في رأس لارا أكثر. سلمى علوان، ضياء الراوي، الرسائل التي لم تصل… كلها كانت تشير إلى شيء واحد:
الحقيقة لم تمت مع ضياء، لكنها ضاعت في الظل.
نهضت بسرعة، وهي تضع الرسالة في حقيبتها، قبل أن تنظر إلى جمال بعزم:
لارا: “أنا لازم ألاقي سلمى.”
لكن قبل أن تخطو خارج المقهى، سمعت صوته المنخفض يحذرها:
“لو ناوية تدوري ورا الحقيقة… يبقى خلي بالك، لأن اللي حصل مع ضياء ممكن يحصل لك.”
لارا كانت تشعر بأن قلبها ينبض بسرعة أكبر من أي وقت مضى. لم يكن الخطر على نفسها هو ما يقلقها، بل الحقيقة المدفونة التي كانت تقف على حافة اكتشافها، كل خطوة كانت تقربها أكثر من فك اللغز الذي دفعها للبحث عن ضياء.
خرجت من المقهى وعينيها تركزان على وجهتها القادمة. سلمى علوان، الصحفية المفقودة، كانت المفتاح، وكانت الآن هدفها. كانت لارا تعلم أن هناك أشياء لا يُمكن أن تُقال بسهولة، وأن سلمى كانت تعرف أكثر مما يبدو. ولكن أين يمكن أن تجدها؟
وهي تتنقل بين الشوارع، تذكرّت لحظة اللقاء الأول مع ضياء، عندما كانت تحاول مساعدته في بحثه عن الحقيقة. هل كان ذلك كله مصادفة؟ أم أن الأمر كان مقدرًا، وأن رسائل ضياء لم تكن فقط توجيهًا لها، بل كانت تحذيرًا، أو ربما طلبًا للمساعدة؟
وصلت إلى منزل قديم في حي مهجور. لم يكن هناك الكثير من الأضواء أو الحركة في هذا المكان، وكان كل شيء يبدو مهجورًا. كان هذا المكان هو العنوان الذي ظهر في آخر مقال كتبه ضياء قبل اختفائه. عرفت أن هذه هي النقطة التي يجب أن تبدأ منها.
طرقَت الباب برفق، ففتحت سلمى علوان بنفسها، وشعرها الداكن المبعثر وعينيها الغائرتين كانا يعكسان سنوات من المعاناة.
سلمى (بتردد): “إنتِ مين؟”
لارا (بتوتر): “أنا لارا… صحفية. كنت أبحث عن ضياء الراوي… أحتاج أن أعرف.”
لم ترد سلمى فورًا، لكنها فتحت الباب ببطء ودخلت لارا إلى داخل الشقة الصغيرة. كانت مليئة بالأوراق القديمة والكتب المبعثرة. الجو كان مشحونًا بشيء غريب، وكأن كل زاوية كانت تحتفظ بشيء من الماضي.
سلمى (وهي تجلس على أحد الأرائك القديمة): “إزاي عرفت عني؟”