
رسائل بلا عنوان بقلم سامر الحريري حصريه وجديده وكامله جميع الفصول
البارت الأول
وسط رفوفٍ مكدّسة بأوراقٍ صفراء تنبعث منها رائحة الزمن، جلست لارا في مكتبها الصغير داخل أرشيف الصحيفة، تقلب بين المستندات القديمة والرسائل التي لم تصل أبدًا لأصحابها. لم تكن تحب هذا العمل الرتيب، لكنه منحها هدوءًا كانت بحاجة إليه بعد كل ما مرّت به.
سحبت صندوقًا خشبيًا قديماً كُتب عليه بخط باهت: “رسائل لم تُفتح”. لم تفكر كثيرًا قبل أن تفتحه، وبفضولٍ خفيف، التقطت أول رسالة من الداخل. كان الظرف بلون كريمي، بحوافّ مهترئة قليلاً، وعليه اسم وحيد: إلى س.
عبست وهي تتأمل الحروف، لم يكن هناك عنوان، لا تاريخ، ولا أي معلومة عن المرسل إليه. بيدين متردّدتين، فتحت الظرف وسحبت الورقة، لتقرأ أولى كلماته:
“إلى من لا تعلم كم أحببتها…”
شعرت بقشعريرة خفيفة تسري في جسدها، وواصلت القراءة:
“أكتب لكِ هذه الكلمات دون أن أعلم إن كنتِ ستقرئينها يومًا. لكنني لم أعد أحتمل أن أبقي هذا الحب سجينًا بين ضلوعي. كنتِ دومًا أمامي، قريبة وبعيدة في آنٍ واحد، مثل نجمٍ أراه ولا أستطيع لمسه…”
توقفت لارا عن القراءة للحظة، قلبها بدأ ينبض بسرعة. نظرت إلى نهاية الرسالة، حيث كان هناك توقيع باسم واحد: ضياء.
تساءلت في نفسها: من هو ضياء؟ ولمن كانت هذه الرسالة؟ ولماذا لم تصل أبدًا؟
تأملت لارا التوقيع طويلًا، وكأنها تحاول سحب الذكريات من ورق قديم لم تعش أحداثه. شدّها شيء غريب في الكلمات، كأنها لم تكن مجرد رسالة حب عادية، بل اعتراف ثقيل، رسالة كُتبت على عجل وكأن صاحبها كان يخشى ألّا يجد فرصة أخرى لإرسالها.
نظرت إلى داخل الصندوق، فوجدت المزيد من الرسائل تحمل الاسم نفسه: ضياء. قلبت بعضها بسرعة، لاحظت أن الخط كان نفسه، لكن لا عنوان لأي منها، ولا أي إشارة إلى من كُتبت لها.
تنفست بعمق وأعادت الرسالة إلى الظرف، ثم نهضت من كرسيها وهي تحمل الصندوق بين يديها. عبرت الممر الطويل للأرشيف حتى وصلت إلى مكتب زميلتها منى، التي كانت أكثر شخص يفهم خبايا الصحيفة القديمة.
لارا: “منى، عندي شيء غريب لازم تشوفيه.”
رفعت منى حاجبها بفضول وهي ترى الصندوق، ثم أخذت إحدى الرسائل وبدأت بقراءتها. مرّت لحظات من الصمت قبل أن تتمتم: “ضياء؟ الاسم مش غريب عليّ…”
لارا (متحمسة): “بتقصدي إنك سمعتي عنه قبل كده؟”
منى (تفكر): “أظن… بس مش متأكدة. استني لحظة!”
فتحت درج مكتبها وأخرجت دفترًا قديمًا مليئًا بالملاحظات، وبدأت تقلب صفحاته بسرعة. وفجأة توقفت عند إحدى الصفحات وقرأت بصوت منخفض: “ضياء الراوي… كاتب مقالات سابق، اختفى فجأة قبل عشر سنين وماحدش عرف هو راح فين.”
تسارعت دقات قلب لارا. اختفى؟ كيف؟ ولماذا لم تُرسل رسائله أبدًا؟ شعرت وكأنها دخلت لغزًا لم يكن في حسبانها، لكن الفضول بدأ يشتعل بداخلها.
لارا (بحزم): “أنا لازم أعرف القصة دي… ولازم أعرف لمين كان بيكتب الرسائل دي.”
منى نظرت إليها بحذر، وكأنها تشعر أن هذه الرحلة لن تكون سهلة. لكن لارا لم تكن تعلم أن هذه الرسائل لن تقودها فقط إلى ماضي ضياء، بل إلى ماضٍ آخر… قد يكون أقرب مما تتخيل.
رسائل بلا عنوان
البارت الثاني
لم تستطع لارا العودة إلى عملها المعتاد بعد اكتشاف اسم ضياء الراوي. شيء ما في قصته لم يكن منطقيًا… كيف يختفي كاتب مقالات فجأة دون أن يترك أثرًا؟ ولماذا لم تصل رسائله إلى صاحبتها؟
أغلقت ملفّاتها وجلست أمام الحاسوب، وبدأت بالبحث عن اسمه في أرشيف الصحيفة. لم يستغرق الأمر طـ,ـويلًا حتى ظهرت لها مجموعة مقالات قديمة بتوقيعه. فتحَت أحدها وبدأت بالقراءة:
“نحن نعيش بين سطور الماضي، لكن الحقيقة دائمًا تكتب في الحاضر. البعض يختبئ خلف الذكريات، وآخـ,ـرون يتركونها خلفهم هربًا من واقعٍ لا يملكون شجاعته…”
توقفت عند هذه الجملة… شعرت وكأنها رسالة خفية.
منى (وهي تراقبها بصمت): “إيه رأيك؟ كان كاتب شـ,ـاطر، صح؟”
لارا: “أكتر من شاطر… كان بيكتب كأنه بيتكلم مع حد بعينه.”
منى (بابتسامة جانبية): “يمكن كان بيكتب لهاديك البنت اللي في الرسائل.”