
شاكر ببرود: “المكسب مش كل حاچة، ياراغب. لما الناس اللي اتعاملت معاهم تبدأ تجلب علينا أو تفتح ملفات جديمة، ما تتوجعش مني أجف فى ضهرك و أنقذك. أنا بجولك من دلوك، لو وجعنا بسبب تهورك، أنت اللي هتشيل المسؤولية لوحدك من الاخر تشيل شيلتك.”
راغب بنبرة مليئة بالتهديد: “شاكر، احنا شركاء في كل حاجة، سواء النجاح أو المشاكل. لو فكرت تتخلى عني، أو تبيعني في أول فرصة، صدجني هتندم.”
شاكر بصرامة: “التهديدات دي ما تاكلش معاي يا راغب. لو كان عندك وجت تضيعه في الكلام الفارغ، استغله في إنك تصلح أخطائك جبل ما تتدهور الأمور.”
وقف راغب من مكانه، يحدق في شاكر بابتسامة متكلفة.
راغب: “ما تجلجش يا شاكر، آنى عارف إزاي أجدر أحمي نفسي… وعارف كمان إزاي أحميك، غصب عنك.”
استدار راغب ليغادر، لكنه توقف عند الباب وألقى نظرة أخيرة.
راغب: “بس خلي بالك، اللي بيحاول يمشي لوحده في لعبة زي دي… نهايته دايمًا معروفة.”
خرج راغب، تاركًا شاكر يعيد النظر في الأوراق أمامه، ويفكر في الخطوة التالية التي قد تكون حاسمة لإنقاذ نفسه من دوامة الشبهات التي جره راغب إليها.
في إحدى الليالي، كان عثمان مستلقيًا على سريره في غرفته، يحاول أن يريح جسده المنهك بعد يوم طويل. فجأة، سمع خطوات صغيرة تقترب من الباب، ثم سمع طرقًا خفيفًا.
عثمان بصوت منخفض: “ادخلي.”
انفتح الباب ببطء، وظهرت نجمة، ابنة الأربع سنوات، بثوب نومها الصغير، تمسك بدمية قماشية في يدها. ابتسمت فور أن رأت عثمان، وركضت نحوه بحماس.
نجمة: “عمو عثمان! جيت أطمن عليك. ماما قالت إنك تعبان.”
جلس عثمان على السرير وأشار لها لتقترب.
عثمان بابتسامة خفيفة: “أهلاً يا جمر. تعالي اهنه.”
صعدت نجمة إلى السرير وجلست بجانبه، تنظر إليه بعينيها الواسعتين الممتلئتين بالبراءة.
نجمة: “إنت لسه تعبان؟ أنا عاوزاك تبقى كويس عشان نلعب مع بعض.”
ضحك عثمان بخفة، ووضع يده على شعرها الناعم.
عثمان: “آنى ببجى أحسن لما أشوفك، يا نچمة. إنتي بتخلي جلبي مرتاح.”
ابتسمت نجمة بسعادة، ثم وضعت رأسها على صدره.
نجمة: “أنا هبات هنا جنبك، عشان أحميك.”
قبل أن يتمكن عثمان من الرد، سمع صوت خطوات ثقيلة على الدرج. الباب انفتح فجأة، ودخل راغب، ملامحه غاضبة بمجرد أن رأى المشهد أمامه.
راغب بحدة: “نچمة! إيه اللي بتعمليه اهنه؟ جومي على طول وارچعي أوضتك.”
رفعت نجمة رأسها ونظرت إلى راغب بخوف، لكنها تمسكت بعثمان أكثر.
نجمة بإصرار: “لأ! أنا هنام مع عمو عثمان. مش عايزة أروح أوضتي.”
راغب بغضب: “أنا جولت جومي! يلا يا نچمة، ماينفعش تباتي اهنه.”
لكن نجمة، بعناد طفولي، دفنت وجهها في صدر عثمان وصرخت بصوت مرتفع:
نجمة: “لأ! مش هروح! أنا عايزة أبقى مع عمو عثمان.”
نظر عثمان إلى راغب، وكانت ملامحه متجمدة ولكن عينيه مليئتان بالتحدي. وضع ذراعه حول نجمة ليطمئنها.
عثمان بهدوء: “راغب، مش لازم تخوف البنت. سيبها معايا الليلة. لو مش مرتاحة في أوضتها، ليه تضغط عليها؟”
نظر راغب إلى المشهد أمامه، ملامحه ازدادت حدة، لكنه لم يقل شيئًا. ألقى نظرة غاضبة على نجمة ثم على عثمان، واستدار ليخرج من الغرفة دون كلمة أخرى، مغلقًا الباب خلفه بعنف.
بعد أن خرج، نظر عثمان إلى نجمة التي بدأت تهدأ بين ذراعيه.
عثمان بصوت خافت: “ليه بتصرّي تباتي معايا يا نچمة؟”
رفعت رأسها ونظرت إليه بعينيها البريئتين.
نجمة: “عشان بحبك… بحس إنك… زي بابا.”
تجمد عثمان للحظة، كلماتها أصابته في الصميم. نظر إليها طويلًا، شعور غريب اجتاح قلبه، شعور أقوى من مجرد كونه عمها. شيء ما بداخله كان يربطه بها بشكل لا يستطيع تفسيره.
ضمها إليه برفق وهمس:
عثمان: “وآنى كمان بحبك، يا نچمة. بحبك أكتر من أي حاچة.”
بينما نامت نجمة بهدوء في حضنه، بقي عثمان مستيقظًا، غارقًا في أفكاره وشكوكه، يحاول فهم السر الذي يربطه بهذه الطفلة الصغيرة.
في صباح اليوم التالي، استيقظ عثمان ليجد نجمة لا تزال غارقة في نومها. أخذ نفسًا عميقًا ثم وضعها برفق على السرير، محاولًا ألا يوقظها. لكنه لم يستطع تجاهل الأسئلة التي أرهقته طوال الليل.
جلس عثمان على طرف السرير، يفكر في الخطوة التالية. كان عليه التأكد من الحقيقة، لكن دون أن يثير الشكوك حوله.
في ذلك الوقت كان راغب جالسًا في مكتبه، يعبث بالأوراق أمامه بغير تركيز. عيناه شاردتان، وأفكاره غارقة في سؤال واحد يطارده منذ شهور: لماذا لم تحمل سما حتى الآن؟
وقف فجأة، وكأنه اتخذ قرارًا حاسمًا. ارتدى معطفه وخرج مسرعًا من المنزل متجهًا إلى أحد الأطباء المختصين.
استيقظت سما من نومها وتوضات وادت فرضها ثم ذهبت الى حجرة نجمة ولكنها لم تجدها فأخذت تبحث عنها فى كل مكان ولكن فجأة، شعرت بدوار مفاجئ، وعندما حاولت التمسك بالدرابزين فقدت توازنها وسقطت من أعلى السلم.
صوت الارتطام جذب عثمان، الذي كان في غرفته المجاورة. أسرع إليها ووجدها ملقاة على الأرض تتألم.
عثمان بقلق: “سما! إنتي كويسة؟ فيه حاچة وچعاكي العيل اللى فى بطنك زين؟”
ثم أمسك بيدها بحذر وحاول مساعدتها على النهوض، لكنها تأوهت من الألم.
سما بصوت ضعيف: “مش قادرة… ضهري بيوجعني.”
أسرع عثمان بإحضار ماء وبعض الإسعافات الأولية، ثم ناداها بلطف.
عثمان: “متتحركيش دلوك. آنى هتصرف جوليلى بس فى وچع فى بطنك هو انتى أصلاً فى الشهر الكام دلوك؟.”
كان يوجه لها الاسئلة وهو يقوم بالكشف عليها ولكنها
نظرت إليه بعينين مرتعبتين، لكن سرعان ما تمالكت نفسها، فقد انقذها حضور احدى الخادمات تناديه التفت لها عثمان بينما كانت سما تحاول النهوض بمفردها لكنها شعرت بدوار جديد….
الخادمة: “يا بيه، سيدى صالح بيه عاوزك ضروري في المكتب!”
عثمان: روحى جوليله هياچى بعد شوية.
الخادمة بقلق: هى ست سما مالها ياسيدى؟!
عثمان: مفيش حاچة وجعت من على السلالم روحي اعملى اللى جولتلك عليه.
التفت عثمان مرة اخرى لسما وقام بحملها وتوجه بها ناحية الدرج وهو يعيد سؤاله مرة اخرى، لكن قبل أن تتمكن سما من الرد، دخل راغب إلى البهو وهو يشعر بالضيق والحزن واكنه صدم حينما رأى عثمان حاملا سما بين يديه.
راغب بغضب: “إيه اللي بيحصُل اهنه؟ مالها سما، شايلها اكده ليه؟!
ثم اقترب وأخذهامن بين ذراعي عثمان بعنف، و حملها وصعد بها إلى غرفته. بينما كان يصعد، وقعت من جيب معطفه ورقة طبية على الأرض دون أن يلاحظ.
في داخل الغرفة قام راغب، بوضع سما على السرير بقوة، لكنه لم يخف قلقه عليها.
راغب بحدة: “إيه اللي كان بيحصل تحت ده ياهانم ازاى تسمحى لعثمان يشيلك اكده؟ مش كفاية اللي بيحصل معاى الفترة دى الاحج آنيعلى ايه ولا ايه؟”
سما بصوت ضعيف: “مش عايزة أتكلم دلوقتي،انا تعبت.”
نظر إليها راغب ببرود، لكنه شعر باضطراب داخلي. وتركها لتنام، وخرج من الغرفة.
في البهو عثمان، الذي بقي في البهو، لاحظ تلك الورقة الملقاة على الأرض. التقطها بفضول ونظر إليها. كانت تحمل ختم مستشفى وعبارة قصيرة وحينما بدأ فى قراءة تلك العبارة قاطعته الخادمة مرة اخرى وهى تخبره بان عمه صالح يريده فورا لامر هام، فطوى الورقة ووضعها بجيب معطفه وذهب الى المندرة حيث ينتظره عمه صالح.
في المندرة….
دخل عثمان ليجد صالح جالسًا بجانب نافذة كبيرة، ملامحه متجهمة.
عثمان بهدوء: “خير يا عمي، كنت عاوزني في إيه؟”
صالح بجدية: “كنت محتاچ رأيك في موضوع اكده. مرت عمك، حالتها بجت واعرة جوى من يوم ما أكرم ساب البيت واتچوز بت عبدالرحيم. آنى حاسس إنها مش هتتحمل أكتر من اكده.”
رفع عثمان حاجبه باستغراب.
عثمان: “تجصد عايز أكرم يرچع يعيش اهنه تانى؟”
صالح: “مش بس يرچع ياولدى، عايزه يصالح أمه ويعيش اهنه معانا. بس آنى مينفعش أطلب منيه بنفسي… مش عايزه يحس إني ضعيف جدامه.”
تنهد عثمان وفهم القلق الذي يشغل عمه.
عثمان: “طيب، آنى هتكلم وياه. بس لازم نختار الوجت الصح، وأكرم لازم يحس إن ده جراره مش حد فرضه عليه.”
ابتسم صالح بخفة، وكأن الحِمل انزاح قليلاً عن صدره.
صالح: “عارف إنك هتعرف تتصرف، يا عثمان. مرت عمك تستاهل انى اتنازل عن كبريائى واسمح لاكرم ومرته ياچوا ويعيشوا اهنه دى رفيجة عمرى ياولدى.”
عثمان: خلاص اطمن ياعمى آنى هروحله آخر النهار وهتحدت وياه وربنا يجدم مافيه الخير.
في وقت لاحق من اليوم….
عثمان التقى أكرم في أحد الكافيهات خارج المنزل.
عثمان بهدوء: “أكرم، آنى عارف إن علاجتك بأبوك مش سهلة، بس والدتك حالتها صعبة چدًا. وچودك في البيت هيفرج معاها اكتير أكتر مما تتخيل.”
أكرم كان مترددًا، لكنه شعر بصراحة عثمان ورغبته في تحسين الأمور.
أكرم: “ما كنتش عايز أرچع عشان المشاكل اللي حصلت بيني وبينه، بس… لو ده هيفرج مع أمي، آنى هفكر في الموضوع.
فى ذلك الوقت كان راغب ، وجهه شاحب وعيناه غائرتان كمن يحمل سرًا ثقيلًا. جلس على طرف السرير في غرفته، يتذكر كلمات الطبيب:
“للأسف، التحاليل تؤكد أنك عقيم. مش هتجدر تخلف أبدًا لان عندك عيب خلقى يمنعك من اكده.”
تدفقت الأفكار إلى رأسه كالطوفان. إذا كان عقيمًا، فكيف سيقنع الجميع بأن نجمة ابنته؟ كيف سينفذ خطته بجعل سما تحمل منه وتتحول الكذبة الى حقيقة؟ وماذا عن عثمان وسما؟ هل من الممكن ان تتركه وتعود الى عثمان مرة اخرى؟! شعر بالغيرة والغضب التى بدأت تغلي في صدره.
راغب ظل جالسًا على طرف السرير، يداه ترتعشان، وقلبه ينبض بعنف. فكرة أن نجمة ليست ابنته كان يتعامل معها ويتقبلها على أمل ان ترضى عنه سما ويعيشا سويا كأى زوجين طبيعيين وتناسى ان نجمةابنة عثمان واحبها ولكنها بدأت تبتعد عنه منذ عودة عثمان و أصبحت الآن تلك الحقيقة تؤرقه أكثر من أي وقت مضى. كل خطوة في خطته كانت تعتمد على هذه الكذبة، وإذا انكشفت… ستكون نهايته.
نهض راغب وبدأ يتجول في الغرفة بعصبية. لم يكن راغب من النوع الذي يستسلم بسهولة. قرر أن يجد حلاً. فاخذ يحدث نفسه قائلا….
راغب: “لازم أسيطر على الوضع، أكيد هلاجى طريجة عشان الكدبة دى متتكشفش واصل … بأي تمن.”
في تلك اللحظة، خرجت سما من الحمام وهى تنشف شعرها. كانت متعبة ووجهها شاحب، لكنها شعرت بالقلق من حالته.
سما: “راغب؟ مالك؟ شكلك مش طبيعي.”
نظر إليها راغب بعينين مشحونتين بالغضب والغيرة.