
كريم أول ما سمع اسم إيان وقف بسرعة، أخذ مفاتيح عربيته وطلع معاها: “نكلم مؤمن؟”
نفت بسرعة: “لأ، أوعى، نتأكد الأول وبعدها نكلمه، بلاش تديه أمل أو توجعه زيادة لو مش موجود.”
ركبت جنبه في العربية، وهو اتحرك على الموقع اللي في موبيلها وسألها: “جبتي الأخبار منين؟”
أمل حطت إيدها على قلبها: “هحكيلك بالتفصيل بس مش دلوقتي أرجوك، قلبي هيقف من الوجع والحماس. إيان حتة من قلبي زي إياد.”
سكت ومحبش يزود، لأنه هو كمان إحساسه زيها، قلبه بينبض بحماس مخلوط بخوف ورعب.
سألها: “أمل، إحنا داخلين كده على البدرشين، إنتِ متأكدة من اللوكيشن؟”
بصتله بحيرة: “طبعًا مش متأكدة. بص، أنا وهمس عملنا إعلانات في كل مكان على السوشيال ميديا، وهمس بعتتلي رسالة إن واحدة كلمتها وقالت إن إيان عندهم. كلمتها وأكدت إنه معاها، وعرفتها إزاي تبعتلي اللوكيشن وبعتته. هل كلامها صح؟ هل بتكذب عليا؟ معرفش. اللي عرفاه إني عايزة أطير لهناك. فكرت أروح لوحدي بس خوفت يكون حد بيكدب أو عنده غرض تاني لأننا قلنا في مكافأة مالية كبيرة.”
كريم بصلها: “لو كنتِ روحتي لوحدك كنت هقتلك أنا، الحمد لله إنك ما اتهورتيش.”
طلع موبيله وفتح لايف لوكيشن مع حد. فسألته: “أوعى يكون مؤمن؟”
نفى بحركة من رأسه، وبعدها موبيله رن، فرد: “أيوه يا سيف، بقولك أنا بعتلك اللوكيشن بتاعي علشان لو أي حاجة حصلت تعرف توصلي.”
سيف كان في عربيته رايح الشركة، فاتكلم باستغراب: “مش فاهم حاجة. إنت رايح فين؟ طيب أجيلك؟”
كريم بسرعة: “لا لا، بص، أمل ومراتك عملوا إعلانات.”
حكاله اللي فهمه من أمل كله.
سيف باستحسان: “طيب، كويس إنك فكرت تبعتلي اللوكيشن. أنا معاك، ولو في أي حاجة كلمني، ولو عايز أجيلك عرفني برسالة حتى. مؤمن عارف؟”
كريم: “لا، محبناش نقوله غير لما نتأكد. بلاش نديه أمل كداب. بس يارب نلاقيه.”
كريم وصل اللوكيشن، وأمل طلعت الموبايل واتصلت بالبنت: “أيوه، أنا وصلت اللوكيشن، عند صيدلية آل عمر.”
“تمام، أنا منتظراكِ بالله عليكِ بسرعة.”
أمل قفلت وبصت لكريم، مسكت إيده: “بتقول نازلة، قلبي هيقف يا كريم.”
كريم ضغط على إيدها: “يارب خير، ما تنزليش من العربية إلا لو شفتي إيان، تمام؟ غير كده ما تنزليش.”
الاتنين قعدوا في صمت تام منتظرين. كريم موبايله رن، فاتخضوا الاتنين، ورد بسرعة: “أيوه يا سيف.”
“إنتو واقفين صح؟ اللوكيشن مش بيتحرك.”
كريم: “أه، وصلنا، المفروض واقفين عند صيدلية ومنتظرين البنت تنزل بإيان، ما تتخيلش التوتر اللي إحنا فيه.”
“خير إن شاء الله، طيب خلي الخط مفتوح تمام لحد ما تشوف في إيه.”
أمل لمحت بنت طالعة وشايلة عيل على كتفها، وكانت هتنزل من العربية بس كريم مسك دراعها: “استني، قلتلك لما تشوفي إيان، مش أي عيل على كتفها.”
انتظرت بتوتر وماسكة إيد كريم. البنت جاية لعندهم وبتتلفت حواليها مش عارفة هم فين ، فاتصلت بأمل: “هو حضرتك فين؟ أنا طلعت بس مش شايفة حد.”
أمل: “هو نايم ليه؟ ولا ماله؟”
البنت: “زعلان، مش نايم.”
أمل اقترحت: “قوليله يلا نروح لإياد؟”
البنت شايلة الولد على كتفها وبتكلمه: “نروح لإياد، يلا؟”
الولد رفع رأسه وبص لقدام: “يلا ياد.”
كريم وأمل، في اللحظة اللي شافوه، نزلوا الاتنين جري من العربية: “إيان!”
سيف سامعهم وحس إن قلبه هيقف من الفرحة، وضغط على الدريكسيون في إيده.
إيان أول ما سمعهم زق البنت اللي نزلته على الأرض وطلع يجري عليهم. أمل شالته في حضنها وبتبوس فيه، وكريم كذلك بيبوس فيه. فرحتهم بيه كانت لا توصف أبدًا. البنت واقفة متابعاهم ودموعها نزلت.
قربت منهم: “حمدالله على سلامته، والله قطع قلبي اليومين اللي فاتوا من العياط.”
أمل بصتلها: “إزاي وصل لعندك؟”
البنت ابتسمت: “النصيب جابه لهنا، طيب اتفضلوا تعالوا نشرب أي حاجة.”
كريم اعتذر: “اعذرينا دلوقتي، إحنا هنتفضل، بس الأول نطمن العيلة. ما تتخيليش حالة الكل إيه، جدوده بالذات قلبهم موجوع. هنرجعلك تاني.”
إيان بص لكريم: “بابا، يلا ياد، يلا بابا بيت.”
كريم أخده من أمل وحضنه أوي: “يلا يا روح قلبي، يلا.”
البنت بفضول: “مين ياد اللي كل شوية يقول يلا ياد؟”
كريم سبقها للعربية، وأمل وقفت معاها: “إياد أخوه، متعلقين ببعض والاتنين هيتجننوا على بعض. المهم، إزاي وصلك لحد هنا؟”
البنت: “هو ما وصلش لهنا. أنا كنت في شغلي، أنا لا مؤاخذة بنظف بيوت يعني وكده و…”
حكتلها سريعًا إزاي وصلت لإيان وإزاي رجعت بيه بيتها.
كريم في العربية شاف موبايله والخط مفتوح: “أيوه يا سيف، إيان معايا.”
سيف بارتياح: “ياااه أخيرًا، كلم مؤمن طمّن قلبه.”
كريم ابتسم: “هاخده لعنده، الاتصال مش هينفع، أنا رايحله، وإنت…”
قاطعه سيف بابتسامه: “مش هتكلم لحد ما توصل لمؤمن وياخد إبنه في حضنه، خلي اللايف مفتوح لحد ما توصل البيت واطمن تمام.”
أمل رجعت العربية وأخذت إيان من كريم، حضنته، وهو اتحرك بسرعة. اتصل بمؤمن: “إنت فين؟”
مؤمن: “لسه صاحي، هاخد شاور وألبس وأنزل.”
كريم: “خد شاورك وألبس وانتظرني في البيت، أنا جاي في الطريق. يلا سلام.”
قفل قبل ما يرد، وأمل استغربت: “ليه ما قلتلوش؟”
كريم ابتسم: “علشان الانتظار قاتل، وقلبه هيفضل يوجعه لحد ما نوصل. قلبي وجعني من لحظة ما قلتِ لي لحد ما وصلنا هنا، فمالوش لازمة، وكلها شوية ونوصل.”
خلود موبايلها رن، كان أبوها، ومكنتش عارفة ترد عليه إزاي ولا تعمل إيه ولا تتصرف إزاي.
أخيرًا ردت: “أيوه يا بابا.”
سمعت صوته الغاضب: “اتنيلي انزلي، أنا قدام المدينة.”
قفل قبل ما يسمع أي رد منها.
نزلت بالشنطتين بتوعها بتجرهم، ومش عارفة الأيام الجاية مخبيلها إيه.
عملت تصريح للغياب من المدينة ونزلت لأبوها، اللي أخد منها الشنط، رماهم في العربية وزقها ناحية العربية. ركبت واتحرك بيها، وأول ما بعدوا عن المدينة مسكها من شعرها: “أنا على آخر الزمن تفضحيني يا بنت الكلب؟ باعتك الكلية تتعلمي ولا تقلي أدبك؟ أنا هشرب من دمك، هدفنك بالحيا، اصبري عليا بس نوصل البيت.”
مايا طلعت لمكتب حاتم ورزعت الباب وراها: “أهو خلص الموضوع وخلى دكتور مكرم يروح يعتذرلها في المدرج، استفدنا إيه؟ ومش بس كده ده مش بعيد نطرد من الكلية بسبب تخطيطك الغبي ده.”
حاتم ابتسم: “مش هنطرد.”
مايا بغيظ: “مصور فيديوهات لينا وبعدين، آه إحنا كبنات ممكن ما نطردش، لكن إنت؟ إنت متصور مع كذا واحدة، مكنتش أعرف إنك رمرام كده.”
حاتم ضحك: “أنا نفسي حلوة بس. المهم سيف هدد بالفيديوهات اللي صورها، بس مش هيستعملها.”
مايا باستغراب: “ليه؟”
حاتم بغيظ: “لأن أخلاقه هتمنعه، سيف مش هيفضح بنات أبدًا.”
مايا بتهكم: “وهو دلوقتي مش سامعك، وممكن يستعملهم عنادًا فيك؟”
حاتم قعد على طرف مكتبه: “أكيد يعني مش هعرف إنه بيسجلي وهسيبه يكمل، نظفت المكتب ما تقلقيش، صراحة، ما توقعتهاش منه.”
مايا بتريقة: “ما توقعتهاش؟ طيب ومش ممكن يسلم الفيديوهات وبعدها تقول برضه ما توقعتهاش؟”
حاتم بتفكير: “هو لما حط الكاميرات هنا، ما اعتقدش كان متوقع يسجل اللي سجله. المهم ما تشغليش بالك بيا وشوفي حالك، حاولي ما تظهريش هنا علشان محدش يضايقك.”
مايا قربت منه ومسكت ياقته: “اللي يسمعك يقول بتخاف عليا.”
ابتسم لها: “وليه لأ؟ معنديش قلب؟”
ضحكت بمياعة: “لا، معندكش. باي.”
خرجت وهو مسك موبايله اللي كان صامت ورد عليه بهدوء: “أيوه.”
“طمني، التحقيق وصل معاه لإيه؟”
حاتم بغيظ: “ولا أي حاجة، ولا هزه حتى. بالعكس، خلى نائب العميد يروحله المدرج يعتذر لمراته، وياريته اكتفى بكده، ده دمرله الشركة بتاعته، اشترى أسهمه ونزل سعرها للأرض، واحتمال أنا أتوقف أو أترفد كمان بسبب الفيديوهات اللي صورها.”
“علشان دنائتك على البنات، ما تتنيل بره الجامعة، حبكت جوه؟”
حاتم زعق: “إنت عارف من الأول إن كل دي شوشره مالهاش تلاتين لازمة، ووعدتني بجيسيكا، هي فين؟ جيسيكا هي اللي تقدر تهد المعبد على دماغ سيف ، مش أي حد تاني. أما كل القديم ده مالوش تلاتين لازمة، لأنه أوردي اتجوز حبيبته، غير إن وضعه تقيل في البلد واسم عيلته تقيل.”
“شذى أخبارها إيه؟ وأبوها؟”
حاتم رد بنفاذ صبر: “شذى معرفش جرالها إيه. بعد ما كانت شرسة وقوية، فجأة اتخرست، غير إنها هتتحاكم، ومش بعيد تحصل أبوها. جيسيكا فين؟”
المكالمة انتهت، وحاتم رمى الموبايل على مكتبه بغيظ. بعدها الباب خبط ودخل العامل عنده: “حضرتك مطلوب في مكتب العميد يا دكتور حاتم.”
حاتم راح لمكتب العميد وقعد قصاده، مش عارف هيقول إيه.
العميد محمد اتكلم بشكل مباشر: “إيه الفيديوهات اللي اتصورتلك دي؟ وإزاي دكتور جامعي ودي أخلاقه وبيستغل سلطته في…”
قاطعه حاتم: “أنا ما استغلتش سلطتي ولا بحب استغلال السلطات، وحضرتك عارف إن مش أنا اللي بستغل سلطتي.”
محمد فهم التلميح: “قصدك إيه؟”
حاتم سند على مكتبه: “حضرتك عارف وفاهم كويس قصدي إيه. قصدي اللي خوف اللجنة كلها وطلع بولا حاجة، ده مش بس كده، ده خلى النائب نفسه يعتذر لمراته، وياريته اكتفى بكده، ده كمان دمره شخصيًا.”
محمد اللي بيحب سيف على المستوى الشخصي وعارف أخلاقه كويس: “مش يمكن لأنه صاحب حق؟”
حاتم رد بنرفزة: “إي حق؟ هو مش على علاقة بطالبة؟ ومش نقل طالبة؟ ومش اداها درجات شيت ما سلمتوش؟ و…”
قاطعه محمد بصرامة: “العلاقة دي جواز رسمي في النور مش علاقة، وبعدين اتجوزها وانتهى الأمر. البنت اللي اتنقلت، اللي في حضنك في الفيديو، لو دي أخلاقها يبقى تستاهل الحرق مش النقل. الشيت هو والدكتور ممدوح برروا درجاته. مفيش حاجة حد اتهمه بيها صحيحة أو ليها أساس. شيل من دماغك سيف وخلينا فيك إنت والبنات دي اللي اتحرشت بيهم.”
حاتم حاول يفضل هادي: “البنات دي كانت موجودة بمزاجها، ماشي أنا غلطان، بس ده لا كان تحرش ولا كان استغلال سلطة. أنا راجل، وبنت جميلة عرضت، مش هقولها لأ.”
محمد كان متضايق ومشمئز: “وهو إحنا حيوانات ولا إيه؟ فين أخلاقك وقيمك؟ دول طلبتك يعني إنت مسؤول عنهم. فين دورك كمعلم؟”
حاتم رد بضيق: “دكتور محمد لو سمحت. في طلبة عايزة تتعلم ودول على عيني وعلى راسي وعمري ما بخلت على طالب أو زميل ليا بمعلومة، لكن مع احترامي لحضرتك، دول بنات جايين يتمرقعوا، وآسف، بس اتمرقعت معاهم. فقولي إيه اللي هيتم دلوقتي؟”
محمد تماسك علشان ما يحولوش تحقيق ويكبر الموضوع ويوصلها لحبس أو رفد. أخيرًا نطق: “هتتجازى يا دكتور حاتم وهتتوقف ١٥ يوم لحد ما آخد قرار وأشوف هعمل إيه معاك. اتفضل.”
قام خرج من عنده، متضايق إن سيف أخد منه الجولة دي، وبيتوعد بجولات تانية.
محمد مسك موبيله وعمل مكالمة: “نفسي أعرف ليه خلتني أكتفي بجزاء؟ المفروض كان اترفد من الجامعة بأخلاقه دي. سيف، لولا إني بعتبرك زي إبني، لا يمكن كنت أوافق واحد بالشخصية دي يفضل مكانه.”
سيف بهدوء: “دكتور محمد، ربنا يعلم إن الغلاوة دي متبادلة. وحاضر، هو مش هيكمل، أنا بس محتاج يطمن شوية إن الموضوع خلص، عايزه قدامي طول الوقت مش بعيد. أنا شرحت لحضرتك الوضع، فمعلش تحملني شوية.”
أنهى سيف المكالمة، ووصل لشركته. نزل من عربيته، والأمن أخدوا مفتاح العربية يركنوها.
مؤمن في البيت، أبوه وأمه جنبه، وناهد وحسن، كلهم حاولوا يقنعوه يقعد ياكل أي حاجة لكنه رفض وعايز ينزل. كل شوية يبص لساعته، كريم قاله إنه في الطريق، بس مؤمن مستغرب: أي طريق ياخد نص ساعة؟
طلع موبيله واتصل بيه: “بقولك إيه، إنت فين؟ أنا نازل.”
كريم بتهديد: “ما تستنى، أنا قدامي خمس دقايق بالظبط، يا سيدي استنى عندك، داخل على البيت أهو، دقايق.”
مؤمن قعد لحظات وقام، فضل رايح جاي. أبوه كلمه: “يا إبني اقعد ارتاح، إنت طول الليل تلف، اقعد.”
مؤمن رد: “مرتاح يا أبا، ما تشغلش بالك.”
سناء بترجي: “قلبي بيقولي إيان هيرجع لحضني تاني، هيرجع يا مؤمن وهتقول أمي قالت.”
ابتسم لأمه: “هيرجع يا أمي، بعون الله هيرجع.”
شوية وسمعوا صوت عربية كريم. نونا علقت: “عربية كريم أهي، بس جاي ليه دلوقتي؟ مش بعادته.”
مؤمن بنرفزة: “قال لي انتظرني، جاي من ساعة إلا ربع، مش عارف معطلني ليه؟”
الباب اتفتح ودخل كريم، كانوا قاعدين كلهم وهو وقف قدام مؤمن: “اتأخرت عليك؟”
مؤمن بصله بضيق، مستغرب ماله: “كريم، بالله عليك أنا مش رايق، منتظرك من بدري وعلى آخري، فانجز وقولي عايز إيه؟”
أمل هنا دخلت وراه، بس محدش انتبه لها، لكن إيان صرخ: “بااااااابا!”
مؤمن كان باصص لكريم اللي مبتسم، وعينه وسعت أول ما سمع صوته. لف وشه، مش مصدق إنه بجد سمع صوته.
أمل نزلت إيان اللي نزل يجري على أبوه.
مؤمن قعد في الأرض، ما اتحركش، رجليه خانته، مقدرش يتحرك فانتظر إبنه يرمي نفسه في حضنه.
الكل وقف، الكل مصدوم، الكل فرحان، الدموع نزلت.