
مؤمن حضن إبنه، ولأول مرة يحس إن قلبه رجع ينبض تاني برجوع إبنه لحضنه. ضامه ودموعه نزلت، وإيان ما حاولش يبعد أو يتحرك من حضن أبوه، زي ما يكون هو كمان كان مفتقد الحضن والأمان ده ولقاهم مع حضن أبوه.
عاصم اتحرك: “ياااه يا حفيدي، ده إنت طلعت غالي أوي. مؤمن، إيان واحشنا كلنا، مش إنت لوحدك.”
حاول يقف بس مقدرش، فكريم ساعده يقف وهو حاضن إبنه. أمه أخدته منه: “تعال يا حتة من قلبي، يا روح قلب ستك.”
كل واحد أخده في حضنه شوية. أمل دخلت لبسنت، وإبنها أول ما شافها: “ماااامي!”
أمل ابتسمت وشالت إبنها: “تعال إيان بره.”
إياد زقها علشان تنزله، وطلع يجري لبره بيصرخ: “يااان!”
إيان كان حسن شايله، بس أول ما سمع صوت إياد صرخ زيه: “ياااااد!”
حسن ضحك ونزله، والاتنين حضنوا بعض جامد. بعدها إياد كلم إيان: “نور وشة، تروحش نور تاني.”
إيان ضحك: “ماما نور وحشة.”
إياد أكد: “نور وحشة، ماما أمل حلوة.”
كلهم ضحكوا، ومؤمن بص لكريم: “لَقيته إزاي؟”
كريم ابتسم وبص لأمل: “مش أنا اللي لقيته، هي اللي لَقَته. أنا بس كنت السواق اللي روحت معاها نجيبه.”
كلهم بصوا لأمل اللي ابتسمت بحرج: “يا جماعة، أنا ما عملتش حاجة. الموضوع كله كان فكرة همس، وهي ساعدتني أعمل فيديوهات لإيان، ونشرناها في السوشيال ميديا. عملنا إعلان إن اللي هيقول أي معلومة أو يدلنا عليه، هياخد مكافأة مالية ضخمة. فالبنت كلمتها، وهي كلمتني، وبس.”
مؤمن بعرفان: “بجد، مهما أقول مش هعرف أعبر عن إحساسي دلوقتي. بجد يا أمل، إنتِ زي ما كريم دايمًا بيقول، نعمة من ربنا.”
أمل اتحرجت وانكمشت في حضن كريم اللي دراعه حواليها بحب.
مؤمن قعد في الأرض، ومد إيديه: “يان، تعال لحضني شوية.”
إيان جري لمؤمن: “بابا بيبي.”
مؤمن بفرحة: “إنت اللي حبيبي.”
بص لإياد وشاورله: “تعال، واقف ليه؟”
إياد جري عليه حضنه برضه، وهو ضامم الاتنين: “ربنا ما يفرقكم تاني عن بعض أبدًا.”
الكل أمّن على كلامه، وهو شالهم الاتنين، قام من الأرض، وقعد وسطهم.
بص لكريم وأمل: “جبتوه منين؟”
كريم: “من البدرشين، تخيل.”
الكل بصله بذهول، فكريم بص لأمل: “هي تقولكم إزاي وصل لهناك.”
( فلاش باك )
نور حطت إياد في السرير بعد ما نام وطلعت تعمل أكل. البواب جاب الحاجة اللي طلبتها منه، فتحت الباب دخل جزء من الحاجة، وهي دخلت المطبخ علشان تشوف الأكل على النار وسابت الباب مفتوح علشان البواب يدخل باقي الحاجة من الأسانسير.
إيان صحي وطلع بره، شاف باب الشقة مفتوح، جري على السلم عايز يروح لإياد ولأبوه. البواب كان بيطلع الحاجة من الأسانسير، وإيان نزل يجري لتحت وطلع الشارع. فضل يجري كتير في كل اتجاه، وشوية شوية كان بيبعد أكتر وأكتر عن البيت لحد ما وقف مش عارف يعمل إيه، فقعد يعيط وينادي على أبوه.
عفاف بنت متعلمة وبالرغم من انها جامعية بس بتشتغل تنظيف البيوت ، خلصت شغلها ونازلة تروح بيتها. نزلت من العمارة، شافت إيان بيعيط، فضلت واقفة تبص حواليها، بس الشارع كان شبه فاضي. راحت عنده: “حبيبي، إنت تايه ولا إيه؟ فين ماما؟”
إيان بصلها وقال: “بابا.”
عفاف بحيرة: “طيب بابا فين؟ اسمك إيه؟”
إيان بيعيط: “يلا بابا.”
شد إيدها، فهي شالته ووقفت محتارة: “بص، بابا أكيد هيلاحظ إنك مش موجود وهيجي يدور عليك. إنت جيت منين؟”
إيان شاورلها في اتجاه، وهي مشيت فيه. كل ما يشاور في اتجاه، تمشي شوية، لكن بعد ساعة، ما كانتش عارفة توصل لأي حاجة. أمها كلمتها أكتر من مرة تقولها إنها اتأخرت ولازم ترجع. ما كانتش عارفة تعمل إيه، فراحت لأقرب قسم ودخلت عند العسكري الموجود.
العسكري بصلها بقرف: “نعم؟ عايزة تشتكي مين؟”
عفاف: “مش عايزة أشتكي حد، أنا لقيت الطفل ده في الشارع وأكيد أهله بيدوروا عليه.”
العسكري بص لإيان اللي لابس بيجامة، وقال لها: “هو تتنيلوا تخلفوا وبعدين تيجوا ترموا عيالكم؟ روحي يا حلوة وديه أي ملجأ، ولا وديه لأبوه، مش تجيبيه القسم! هنعمل بيه إيه في القسم؟”
عفاف بصتله بذهول: “مش ابني! بقولك لقيته، لقيته.”
العسكري قام من مكانه راح للظابط وقاله: “الست دي جايبة الواد اللي معاها وبتقول لقيته في الشارع.”
الظابط قرب منها وسألها: “لقيتيه فين؟”
عفاف: “بره في الشارع لوحده. وقفت ساعة مستنية حد يجي ياخده، بس مفيش.”
الظابط بص لإيان وسأله: “اسمك إيه؟”
إيان لف إيديه حوالين رقبة عفاف وقال: “يلا ياد، يلا بابا.”
العسكري بص للظابط بمغزى، فالظابط بص لعفاف: “عايزة تفهميني إنك لقيتيه بهدوم البيت دي في الشارع لوحده؟ وفضلتي ساعة منتظرة ومحدش دور عليه؟ لو لابس هدوم خروج، كنت هقول تاه، لكن ده واضح إنه خارج من بيت.”
عفاف بحيرة: “يعني إيه حضرتك؟ خدوا الولد، شوفوا أهله فين؟”
الظابط زعقلها: “بت إنتِ! إحنا ما بناخدش عيال هنا، غوري وديه لأبوه لو مش عايزاه، لكن ما ترميش بلاكِ هنا.”
إيان خاف من صوت الظابط، وحضن عفاف أكتر وعيط ، هي سألته: “طيب العيل التايه نوديه فين؟ قولي أوديه فين وأنا أوديه.”
الظابط بص للعسكري: “هاتوه، طيب والصبح نشوف نعمل إيه.”
العسكري حاول ياخد إيان، لكنه صرخ ومسك في رقبة عفاف أكتر. العسكري علق: “الواد مش عايز يسيبها، مش قولتلك أمه وعايزة ترميه؟”
عفاف بذهول: “الواد خايف! أنا مش أمه!”
الظابط: “طيب أقولك حاجة، خليه معاكِ، ولما نلاقي أهله أو نشوف ملجأ يستقبله، نكلمك. لأنك لو سيبتيه هنا، هنحطه في التخشيبة مع العسكري للصبح، فالأفضل يبقى معاكِ لحد بكرة. إيه رأيك؟”
عفاف صعب عليها إيان وحست إن اقتراح الظابط هو الأفضل، وبصت لهم: “طيب، خدوا تليفوني.”
العسكري دور على ورقة، وفي الآخر جاب فاتورة قديمة وكتب الرقم على ظهرها وحطها في جيبه. عفاف طلعت بره، فضلت ساعة تتمشى في المنطقة يمكن تلاقي حد، وبعدها ركبت الأتوبيس وراحت بيتها.
عفاف وصلت بيتها. أمها أول ما شافت إيان صوّتت، فشرحت لها اللي حصل وقالت إنه هيقعد بس يوم لحد ما يلاقوا أهله ويكلموها. إيان ما بطلش عياط طول الوقت، وماسك رقبة عفاف مش راضي يسيبها، ويقول: “بابا، أمل، ياد، دادو، نانا.”
الصبح في القسم الدنيا اتقلبت. الظابط جري على العسكري وشده: “هات تليفون البنت اللي جابت العيل بالليل.”
العسكري قلب في جيوبه: “ليه يا باشا؟”
الظابط: “الواد طلع تايه وعيلته كبيرة وقالبين الدنيا عليه.”
العسكري فضي جيوبه كلها وملقاش الورقة. الظابط ضربه بغيظ: “يا غبي! ضيعت الرقم؟”
العسكري: “ما كنتش مصدقها يا باشا، وبعدين هي أكيد هتيجي تسأل تاني.”
الظابط بتفكير: “خلاص، من هنا لحد ما تيجي، إياك تنطق حرف عن اللي حصل. أبوه واصل، ولو عرف إننا مشيناها من غير ما نسجل بياناتها، هيأدبنا. فاهم؟ ولا مش بعيد يحبسونا. ولا حرف.”
العسكري حط إيده على بوقه: “ولا حرف، بس لما تيجي.”
الظابط: “نقول لقينا الواد، وناخد مكافأة منهم، ونطلب اللي عايزينه. دول أغنيا جدًا.”
العسكري ابتسم وهو بيحلم باللي هيطلبه منهم.
عفاف كانت ساكنة في منطقة بعيدة جدًا عن مكان ما شافته، وما عندهاش أي فكرة عن الوضع في المنطقة اللي خرج منها. هي ببساطة فكرت إنها هترجعه لما تقدر تفهم هو مين ومنين.
في البيت، حاولت تهديه بالأكل واللعب، لكنه كان دايمًا ينادي على “بابا” و”إياد”، فحست إنه فقد أهله. قررت إنها تحاول تساعده، لكن ظروفها البسيطة ما خلتهاش تعرف تتصرف بسرعة، خاصة إنها بتشتغل بشكل يومي في تنظيف البيوت بالرغم من انها متعلمة ، فاضطرت تسيبه معاها يومين لأنها ما قدرتش تاخد يوم إجازة.
خلال الفترة دي، ما كانش عندها أي وسيلة تعرف بيها إن أهله بيدوروا عليه أو إن في حملة بحث كبيرة. هي كمان ما بتستخدمش الإنترنت ولا عندها سوشيال ميديا، وأقرب جيرانها ناس بسيطة زيها ما بيتابعوش الأخبار.
عفاف فضلت قاعدة مع إيان وما نزلتش الشغل، مش عارفة تعمل إيه. صحبتها بالليل جت تسهر معاها وشافت إيان، قعدوا معاه شوية وروحت. تاني يوم صحبتها شافت إعلان لإيان وصوره، فاتصلت بعفاف وقالت لها إن أهله قالبين الدنيا عليه وعاملين مكافأة للي يلاقيه. بعتت لها إيميل همس اللي ناشرة الإعلان، فعفاف بعتت رسالة لهمس: “حضرتك ناشرة إعلان عن ولد مختفي؟”
همس شافت الرسالة وردت: “آه، تعرفي أي حاجة عنه؟”
عفاف ردت: “الولد اللي في الصورة عندي، هاتي رقم عيلته أو أي طريقة أعرف أكلمهم بيها.”
همس حست بحماس وبعتت لأمل بسرعة حساب عفاف علشان تكلمها.
*********************
أمل سكتت والكل بيسمعها، فمؤمن علق: “بس إحنا روحنا كل الأقسام، مفيش قسم قال إن في بنت راحت بعيل صغير؟”
أمل أكدت: “عفاف بتقول راحت قسم والعسكري مكنش مصدقها ولا الظابط، بس أخدوا تليفونها، قالت قسم ***.”
كريم علق: “نبقى نروح ونشوف إيه اللي حصل، لأن فعلا في قسم قريب من بيت نور وروحناه.”
كريم تذكر فجأة: “صح، نسينا نبلغ سبيدو يسحب رجالته ونطمن الكل عليه.”
مؤمن ضم إبنه لحضنه: “وسيف برضه .”
كريم ابتسم بحرج: “سيف عرف، وبعدين مراته أصلًا اللي بلغتنا بعفاف، نسيت.”
مؤمن طلع موبيله: “خليني أكلمه أشكره.”
عاصم وقفه: “كلم نور، طمنها على إبنها.”
الكل بصله بذهول ورفض، لكنه وضح: “دي أم وقلبها واجعها على إبنها، بعدين أبوها وأمها حقهم يعرفوا إن حفيدهم رجع بالسلامة.”
حسن وقف: “أنا هكلم خالد أطمنه وهو يبلغ عيلته.”
كل واحد مسك موبيله، وأمل قامت لمؤمن: “هاته يا مؤمن خليني أحميه وأغيرله هدومه وياكل، تلاقيه جعان.”
مؤمن ضمه لحضنه: “سيبيه معايا يا أمل، أنا هحميه، إنتِ جهزي له أكل.”
أمل بشك: “هتعرف تحميه إنت وتلبسه؟ كريم بياخد نص ساعة يلبس إبنه بنطلون وفي الآخر بينادي بصوته كله: أمل!”
كريم بصلها: “ما هو بدخل رجل، هو يطلعها، أعمل لأمه إيه؟”
مؤمن وقف مبتسم: “ما تعملش لأمه، اعمله هو.”
كريم ابتسم ووقف: “حمدالله على سلامته.”
قرب وباس إيان في إيده: “وجعت قلوبنا كلنا يا دخيلي يا صغير، إياك تخرج بره البيت تاني لوحدك، فاهم؟”
إيان بص لأبوه: “بابا نور لأ، يان هنا بس.”
أبوه ضمه: “يان هنا بس، مفيش نور تاني.” بص لكريم: “كلم المحامي، يعمل ما بداله، بس إبني مش هيخرج من بيتي تاني.”
كريم ابتسم: “حاضر، هكلمه، اطلع شوف هتعرف تحميه ولا هتنادي؟
مؤمن وهو طالع اتصل بسيف: “صياد قلبي.”
سيف ابتسم: “يااااااه، كفارة يا راجل، والله وحشتني، إينو عامل إيه؟ بخير وفي حضنك؟”
مؤمن ابتسم: “بخير وفي حضني، المهم أشكر مراتك لحد ما نشكرها كلنا بشكل شخصي، واعذرني لو شغلتكم الأيام اللي فاتت دي و…”
قاطعه سيف: “حلمك حلمك شوية، حمدالله على سلامة إبنك والباقي كله سهل وبسيط. أنا مسافر النهاردة أنا وسبيدو، شبه عرفت مكان فادي وهروح له.”
مؤمن باهتمام: “طيب، حلو أوي، آجي معاك؟”
سيف: “لا، إبنك لسه راجع، خليك معاه، هو محتاجك وأنا معاكم بالفون. نتقابل ونتكلم بعدين، سلام.”
سيف اتصل بهمس اللي ردت بسرعة: “إنت فين؟”
سيف باستغراب: “في الشركة، أكيد هكون فين؟”
همس: “في مكتبك يعني ولا في اجتماع ولا إيه؟”
سيف استغرب وبص تلقائيا للباب: “في مكتبي يا همس و…”
الباب اتفتح ولقاها قدامه، فابتسم وقفل الموبايل وحطه على المكتب: “تعالي.”
دخلت وقفلت الباب، قربت منه وهو سند على مكتبه وراه، مد إيديه لها فدفنت نفسها بين إيديه وغمضت عينيها: “إنت بجد هتسافر ولا بتقول كده بس؟”
واخدها في حضنه: “آه، بجد هسافر يومين أو ثلاثة، مش كتير يا همس، اطمئني.”
رفعت إيديها وشبكتهم حوالين رقبته: “خدني معاك طالما يومين.”
إيديه حوالين وسطها: “مذاكرتك يا همس وكليتك، إنتِ حاليًا مش حمل ثلاث أيام، غير إني مسافر شغل ومش هينفع أخدك معايا أصلًا، مش عارف ظروفي هناك هتكون إيه؟”