روايات

الفصل الثاني والخمسون

أمل وقفت قدامها بثبات: “وبكرة ليه؟ نعمله النهارده يا حلوة. أنا مش هستنى لنهاية الحمل، كل يوم تنطي علينا.”
ناريمان ابتسمت بتحدي: “وماله، نعمله. باااي.”
سابتهم ومشيت، وأمل فضلت مستغربة إنها ما تهزتش ولا خافت ولا حتى اتوترت.

سيف اضطر يسيب كريم هو و سبيدو بسبب التزاماته اللي ما ينفعش يتأخر عنها. أخد سبيدو وراحوا للمكان اللي كانوا حابسين فيه سامح .
أول ما دخل سبيدو، سامح انفعل وصرخ: “فاكرها سايبة؟ أنا هقتلك! هشرب من دمك!”
كان مربوط على كرسي، وحواليه رجالة سبيدو. واحد منهم مسكه من قفاه، لكن سبيدو شاورله بإيده: “سيبه. الكلام مش بفلوس.”
سامح زعق بغضب: “بكرة تندم! إنت واللي مشغلك!”
سبيدو رد بسخرية: “ما تعليش صوتك٠٠ كده، ودني .. هتخرم طبلة ودني .”
سامح صرخ تاني: “هات اللي مشغلك!”
في اللحظة دي، دخل سيف وقرب منه بهدوء: “أهو أنا قدامك. عايز إيه؟”
سامح بص له مش مصدق، صوته مليان اندهاش: “إنت.. إنت ماسكني ليه؟”
سيف شد كرسي، قعد عليه براحة : ” فاضي،وعندي وقت أضيعه وبحب وقت فراغي اربط الناس ،ايه رأيك؟ هواية ممتعة؟”
سامح بص حواليه لرجالة سبيدو، وبعدها رجع له: “ما أعتقدش إنك هتعمل حاجة. فهات من الآخر، عايز إيه؟”
سبيدو ضحك وعلق: “مش قولتلك ،سمعتكم مودياكم في داهية”
سيف رد ببرود: “إنت مين قالك إني مش هعملك حاجة؟ إنت هربان، وعليك حكم.”
سامح بتهكم: “قدمني للمحاكمة، خليهم ينفذوا الحكم.”
سيف رد بابتسامة ساخرة: “لو غرضي إنك تتسجن، كنت بلغت عنك. سجنك مش فارق معايا.”
سامح مال بجسمه للأمام: “أمال إيه الغرض؟ فاكرني هساعدك؟”
سيف رد بثقة: “تساعدني؟ لا. بس تسمع الكلام؟ أكيد.”
سامح انفجر في ضحك ساخر: “هسمع كلامك؟ إنت بتهزر، صح؟”
سيف وقف، لبس نظارته وبص للرجالة: “أنا مش فاضي. لو طلع منه كلام مفيد، بلغوني. لو لأ، استعملوه punch bag
(كيس ملاكمة).”
واحد من الرجالة رد بابتسامة شريرة: “ده هيفيّص من أول ضربة!”
سيف بص له من فوق كتفه: “يبقى ارموه في أي داهية. محدش هيحس بغيابه.”
خرج سيف وهو مش مهتم بصراخ سامح، اللي فضل ينادي من غير فايدة.
سبيدو قرب من سامح و بابتسامة مستفزة: “أنا همشي علشان قلبي الرقيق لا يحتمل. استمتع! باي باي سامح انفعل وهو بيصرخ إنتو عايزين مني إيه؟
سبيدو قرب منه، وطى عليه وبهدوء: كل حاجة عن اللي وراك ، غير عصام طبعًا ”
سامح انفجر : معرفش حد
سبيدو بص لرجالته يكملوا وهو سابه وخرج وسامح بيصرخ إنه ما يعرفش إي حاجة .
رجالة سبيدو فكوه من على الكرسي وربطوه بحاجة طويلة وعلقوه مكان كيس الملاكمة يلعبوا عليه وهو بيصرخ من الألم.

همس كانت بتحاول تذاكر، لكن بعد ساعة واحدة فقط فقدت تركيزها وقررت تطلع تقعد مع أمها وأبوها. فاتن سألتها باستغراب: “همس، مش المفروض تروحي لأمل؟ مش إيان ده زي إبنها؟ وبعدين العيلة كلها عرفتيها، وجوزك ما سبهمش، فالمفروض إنتِ كمان تروحي تشوفي أمل وحماتها، يمكن يحتاجوا حاجة.”
همس فكرت للحظة وردت: “معاكِ حق. هكلم سيف علشان يبعتلي نصر. تيجي معايا؟”
فاتن رفضت بابتسامة: “لا، يا قلبي، روحي لوحدك. دي صاحبتك وصاحبة جوزك، مش أنا.”
بعد مكالمة قصيرة مع سيف، اللي وافق وكلم نصر يروح ياخدها، وصلت همس لأمل في أقل من ساعة. أمل استقبلتها هي وناهد بحرارة، لكن همس ما كانتش عارفة تبدأ كلامها إزاي. إياد جه ناحيتها، ابتسمت له وحاولت تلاعبه، لكنه تجاهلها ورجع لأمه : “بايل ماما.”
أمل طلعت الموبايل وإدته لإبنها علشان يلهيه، رغم إنها عادةً ما بتسمحش له يمسكه، لكن دلوقتي ما قدرتش ترفض.
إياد فتح صورة لإيان، وبص لأمه: “يان ماما، يلا جيب يان.”
همس قلبها وجعها عليه، وحاولت تشغله أو تلهيه، لكنه كان مصر على طلبه الوحيد: إيان. بعدها وصلت بسنت مع إبنها عمر بناءً على طلب أمل، علشان يلعب مع إياد. قدرت تاخد الولدين على أوضة الألعاب علشان يلعبوا شوية.
همس فضلت قاعدة مع أمل، وحاولت تعرف أخبارها: “عاملة إيه؟ مع اختفاء إيان؟ ومع ناريمان واتهامها؟”
أمل ردت بتنهيدة: “مش عارفة أعمل حاجة غير إني أدعي وأصلي. ربنا يفرجها من عنده.”
همس علقت بتأثر: “ونعم بالله. سيف بيقول إن كريم مستحيل يعمل حاجة زي كده.”
أمل أكدت: “طبعًا مستحيل. كريم ما يبصش لواحدة زيها. بنت باردة وطويلة.”
همس حاولت تخفف الأجواء: “طويلة دي شتيمة يعني؟”
أمل ضحكت: “مش شتيمة، بس طويلة وبتلبس كعب عالي، وتتمختر كأنها ملكة جمال بشعرها اللي زي شعر المعزة.”
همس مسكت شعرها وضحكت: “شعر المعزة؟ لاحظي إن كلامك جارح أخت أمل؟”
أمل استغربت، وهمس وضحت بابتسامة محرجة: “شعري أسود، وأمي زمان كانت تقولي وأنا صغيرة- قلدت زعيق امها- لمي شعر المعزة ده، علشان أرتاح
أمل انفجرت ضحك، واعتذرت: “آسفة والله. ما قصدتش. لكن هي مستفزة فعلاً.”
همس طلبت منها تحكي أكتر، وأمل بدأت تسرد: “لما كنا راجعين من شهر العسل…”
الضحك ملأ الجلسة، وخفف شوية من توتر أمل. بعد ما سكتوا، همس مسكت إيدها وطمنتها: “صدقيني، الأمور هتتحل، وكل حاجة هترجع زي ما كانت. “ضاقت فلما استحكمت حلقاتها …..
أمل أكملت: ” فرجت وكنت أظنها لا تفرجُ”. يارب، يارب إيان يرجع، وناريمان تبعد عن حياتنا.”
همس فكرت بصوت عالي: “إنتِ معاكِ صور وفيديوهات لإيان، مش كده؟”
أمل هزت رأسها: “آه، كتير.”
همس اقترحت بحماس: “طب، إيه رأيك ننشرهم على السوشيال ميديا. فيسبوك، إنستجرام، تويتر، كل حاجة. أكيد حد ممكن يشوفه ويعرفه.”
أمل استغربت إنها ما فكرتش في ده قبل كده، وقامت بسرعة جابت اللاب. قعدوا يجهزوا فيديو وصور لإيان، ونشروهم مع أرقام للتواصل، على أمل إن حد يساعدهم .

مروان وصل المطار وهو بيتلفت حواليه بحالة توتر، سأل عن الرحلة اللي جاية من عمان وعرف إنها وصلت. بعد شوية لمح أخته منار، جري عليها وحضنها وهي كانت بتعيط في حضنه بحرقة. بص لبناتها، لارا اللي عندها 3 سنين وكارما 5 سنين، حضنهم هما كمان بكل حنان. بعد ما هدوا شوية، وقف قدام منار وسألها: “هو فين؟”
منار حاولت تمسح دموعها وهي ترد بصوت متقطع: “مش عارفة… قالوا كلام كتير عن حجر صحي ولازم نقدم أوراق ودكاترة… مش عارفة يا مروان، أول مرة أنزل وهو مش معايا. هو جوه تابوت.”
انهارت تاني في البكاء، ومروان حاول يهدّيها وهو بيطبطب عليها. خد منها كل الأوراق اللي معاها وطلب منها تقعد مع بناتها وتستريح شوية: “استريحي إنتِ، وأنا ههتم باستلام التابوت.”
بدأ يتصل بكذا حد من معارفهم في الشركة علشان يساعدوه في إنهاء إجراءات الإفراج عن جثمان جوز أخته اللي توفى بعد صراع طويل مع المرض استمر حوالي سنة، أو يمكن أكتر. قعد منتظر الإجراءات تخلص، لأنهم كانوا لازم يتأكدوا إن الوفاة طبيعية وإن المرض اللي كان عنده مش معدي، علشان يسمحوا بخروج الجثمان.

سيف راح للشركة أما سبيدو راح يطمن على المصنع.
سيف قبل ما يدخل مكتبه، بص لمريم : “ابعتيلي مروان، وشوفي إمام موجود ولا فين؟”
بعد دقايق رجعت مريم : “باشمهندس، مروان مش موجود يا فندم، والأستاذ إمام بيقول عشر دقايق ويكون هنا.”
خرج الموبايل واتصل بمروان: “إنت فين يا إبني؟”
مروان رد بصوت مرهق: “معلش يا سيف، ورايا مشوار مهم شوية وهياخد وقت.”
سيف استغرب: “فيه إيه ممكن يكون أهم من اللي إحنا فيه؟ مروان، أنا محتاجك هنا مكاني، مش عارف أعمل إيه ولا إيه. إنت فين بالضبط؟”
مروان حاول يوضح: “أختي منار رجعت من السفر، جيت المطار أخدها هي والعيال وجوزها، بس الدنيا متلخبطة معانا.”
سيف قاطعه: “حمدالله على سلامتهم، كلم أي حد يخلصلك القصة دي وانجز، معارفنا في المطار كتير.”
مروان حاول يشرح: “سيف، إنت مش فاهم..
سيف قاطعه تاني : مش أختك بخير ؟ بناتها بخير ؟ جوزها كويس ؟ده المهم الباقي تحصيل حاصل يا مروان .
مروان بحزن : جوزها في تابوت يا سيف. جوزها توفى، وهي نازلة بيه في تابوت ومش عارفين ناخد تصريح دفن.”
سيف وقف للحظة، يحاول يستوعب: “إنت قلت تصريح دفن؟ ولا أنا بتهيألي وبقيت بسمع حاجات غريبة ؟”
مروان تنهد بإرهاق: “سمعت صح. محمود جوزها توفى، وهي نازلة عايزة تدفنه هنا. المشكلة إنهم بيقولوا حجر صحي وكلام كتير مش فاهم منه حاجة.”
سيف رد بعد لحظة صمت: “إنا لله وإنا إليه راجعون. مروان، أنا جايلك. سلام.”
مروان حاول يوقفه لكنه كان قفل المكالمة وبيجهز يمشي.
قبل ما يطلع، الباب خبط ودخل إمام، لكن سيف قاطعه: “نعرف حد في المطار يقدر يفرج عن تابوت؟”
إمام استغرب: “تابوت؟ تابوت مين؟”
سيف شرح له الموقف، فإمام طمأنه إنه هيكلم حد، وإنه هيحاول يخلص الموضوع قبل ما يوصلوا لمروان.
وهو خارج من مكتبه، وقفته آية: “سيف، الميتنج مع شركة النصر عايزين يقدموا العرض بتاعهم، بعد ساعة.”
سيف دعك دماغه بتوتر: “مش هعرف أروح.”
آية حاولت تفهمه: “أنا مقدرة الوضع، بس الميعاد ده اتأجل مرتين ومش هينفع يتأجل تاني.”
سيف بعد لحظة تفكير، شدها معاه على مكتب بدر. دخل بدون تردد ووضح الموقف: “بدر، محتاجك تروح مكاني الاجتماع مع آية. هي هتفهمك كل حاجة وإنتو الاتنين تروحوا. تمام؟ سلام.”
بدر وقف مستغرب وسأله: “فيه إيه؟ رايح فين؟ عرفتوا حاجة عن إبن مؤمن؟”
سيف رد وهو مستعجل: “لا، لسه.”
آية حاولت توقفه: “طيب، مروان فين؟ مشوار إيه ده اللي جري عليه وما رجعش؟”
سيف وضح باختصار اللي حصل، وإنه لازم يروح لمروان في المطار. آية سكتت، وبدر عرض يروح معاه، لكنه شكره وطلب منه يروح الاجتماع مع آية.

في الطريق، كريم اتصل بسيف: “سيف، محتاجين البضاعة اللي عندك في المصنع تخرج النهارده، لو سمحت تشرف بنفسك عليها لحد ما تتحمل وتمشي من عندنا. أنا عارف إن الضغوط علينا كبيرة، بس ده ضروري.”
سيف حاول يرتب الأمور في دماغه، لكنه كان متلخبط: “كريم، بجد مش هعرف. سبيدو هناك، كلمه يشوف الموضوع، أنا صعب أكون موجود. ينفع نستنى لآخر النهار؟”
كريم استغرب: “ليه آخر النهار؟ أصلًا ما ينفعش. الراجل بعت العربيات وزمانهم على وصول.”
سيف استسلم: “طيب تمام، روح إنت واقف مع سبيدو. أنا طالع المطار ومش عارف هخلص المشوار ده إمتى.”

كريم حس بغضب داخلي، لكنه حاول يهدي نفسه، ورد بهدوء مغلف بالتوتر: “رايح المطار ليه؟”
سيف جاوبه بسرعة وباختصار. كريم لما فهم الموقف، حس بنفس رد فعل سيف لما عرف، وندم إنه فكر يتنرفز قبل ما يسمع منه: “أنا آسف يا سيف. طيب أجي لعندك ولا أعمل إيه؟ صراحة، عقلي اليومين دول مهنج ومبقتش بعرف أفكر.”
سيف حاول يطمنه: “كلنا كده، مش إنت بس. سبيدو موجود مكاني، لو عايز تروح إنت كمان روح. أنا مش هقدر أسيب مروان لوحده في ظرف زي ده.”
كريم تفهم الموقف: “أكيد طبعًا. طيب هشوف هعمل إيه وهكلمك.”

انت في الصفحة 2 من 4 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل