روايات

الفصل التاسع والأربعون

“أكيد حضرتك مش هتمانع لو اتصلت بـسبيدو الأول. ده مديري!”
قاطعه خبطة على الباب، وبعدها دخل عم أمين. سيف أنهى المكالمة مع سبيدو، وقف وسلّم على عم أمين وقعد قصاده:
طمني، أخبار الدنيا إيه؟ وسبيدو عامل إيه في المصنع؟ كويس؟ وحش؟ إيه وضعه؟
عم أمين رد وهو واثق:
سبيدو كويس وماسك العمال بيد من حديد، بس في نفس الوقت بدون ما يجي عليهم. يعني… اختيار موفق يا ابني.
سيف ابتسم، لكنه سأله فجأة:
لو قولتلك إن في حد بيسرق… في اللي داخل واللي خارج، هتعرف تقولي مين؟
عم أمين فكر شوية :
بيسرق من البضاعة؟ ولا… يسرق منين بالظبط؟ أقصد… حد بيسرق من الإنتاج؟ ولا بيزور الفواتير ويطلب فلوس أكتر من الكمية الحقيقية؟
سيف عجبته دقة ملاحظته :
ماهو ده اللي مش عارفه… اللي بيتسرق من الإنتاج اللي طالع، ولا بيزور المطلوب عشان يطلب فلوس أكتر وياخدها لنفسه؟
عم أمين قرب منه وهمس بحذر:
لو هو حد ذكي، هيطلب أكتر من احتياج المصنع وياخد فلوس. الفلوس أضمن وأنضف وأسهل كتير. أما البضاعة، ممكن يتمسك بيها وما يعرفش يصرفها. فلو بياخد فلوس، يبقى أكيد حد في الإدارة… مش العمال.
سيف كان هيتكلم، لكن قاطعه خبط على الباب. دخل حامد وحط شوية ملفات قدام سيف:
الملفات اللي حضرتك طلبتها.
سيف بتهكم:
استأذنت سبيدو؟
حامد بابتسامة دبلوماسية:
أكيد طبعًا. أنا بره، لو احتاجت أي حاجة، رن على رقم ٣. تحت أمرك يا أفندم.
قبل ما يخرج، سيف وقفه:
في واحد هييجي اسمه بدر. أول ما يوصل، دخله لعندي مباشرة.
حامد وافق وانسحب. سيف بص لـعم أمين وسأله:
إيه رأيك فيه؟
عم أمين بإعجاب واضح:
صقر. واقف زي الصقر، عينه على الكل. تحسه بيراقب الكل.
سيف مسك أول ملف وبدأ يقلب فيه:
عايزين نعرف ونحدد يا عم أمين… السرقة فين؟ قبل ولا بعد؟
عم أمين مسك ملف زيه وبدأ يراجع:
بس هنحتاج حد يفهم في الحسابات دي يا ابني.
سيف ابتسم بثقة:
هيوصل دلوقتي… ما تقلقش.

شوية ووصل بدر وانضم لهم، كان شكله متخوف من وجود عم أمين، بس سيف طمّنه. بعد شوية دخل سبيدو، ملامحه مستغربة من تجمعهم وكمية الملفات اللي حواليهم:
إيه ده كله يا سيف؟ وليه أصلًا؟
سيف رفع راسه بهدوء وبص له:
في حد بيسرقني يا سبيدو، ومحتاجين نعرف مين هو؟
سبيدو وقف قدامه شوية، وبعدها قال بجفاف:
تمام… أنا في مكتبي.
سيف وقفه قبل ما يمشي:
سايبنا ورايح فين؟
سبيدو وهو بيقفل الباب:
قلتلك… رايح مكتبي.
قفل الباب وخرج، وسيف وبدر بصوا لبعض باستغراب. سيف ما استناش وقرر يلحقه. وصل مكتبه قبل ما يقفل الباب تمامًا، منعه ودخل معاه وقفل الباب وراه:
إيه يا سبيدو؟ في إيه؟
سبيدو ما ردش، لكن سيف قرب منه وأصر:
رد عليا… في إيه؟
سبيدو انفجر فيه بغضب:
إنت مكلمتنيش ليه أبعتلك الملفات دي الشركة؟ هاه؟ ليه جيت بدري قبل ما أوصل؟ إنت عارف ميعادي كويس وجيت قبله بشوية حلوين. طلبت ملفات تراجعها، وجايب معاك بدر عديلك، وعم أمين أكتر حد بتثق فيه هنا!
سيف رد باستغراب:
أيوه جيت بدري، وجبت اتنين بثق فيهم، فين المشكلة؟ جيت بدري ليه؟ علشان عندي اجتماعات بعد كده، وده الوقت اللي فاضي فيه. سيادتك بقى مخك العبقري صورلك إيه؟
سبيدو لسه ساكت، لكن سيف رفع صوته:
رد عليّ!
سبيدو رد بانفعال:
إنك شكيت فيا يا سيف.
ملامح سيف اتغيرت، وسبيدو كمل:
أيوه، شكيت. جيت بدري، تشوف كل الملفات، خايف أخبي حاجة منهم؟
سيف فضل ساكت قدامه، وسبيدو مستني يسمع حاجة:
إيه؟ مش هتنكر؟ اتكلم يا سيف باشا الصياد!
سيف رد بهدوء يخوف:
عايزني أقولك إيه؟ هاه؟ عمري ما هشك فيك، ولو السما انطبقت على الأرض، عمري ما هفكر إنك تخوني. ده اللي عايز تسمعه؟
سبيدو بغيظ:
أيوه، ده اللي عايز أسمعه. عندك اعتراض؟ بتشك فيا؟ سيبني أرجع معرضي. أنا ما طلبتش أشتغل معاك لو كنت ناسي يعني.
سيف بص له محافظ على هدوئه:
لا، مش ناسي. وأنا هقول الكلام ده مرة واحدة من باب الصحوبية مش أكتر. جيت بدري لأن ده الوقت اللي متاح عندي. ما طلبتش الملفات ليه؟ علشان ما بثقش في حد هنا. لا في اللي هيطلب الملفات، ولا في اللي هيبعتها. فكان لازم بدر ييجي بنفسه ويحدد اللي محتاجه. تفكيرك بقى لو راح لحتة تانية، دي مش مسؤوليتي.
سبيدو بص له بنظرة مش مقتنع:
كل اللي قلته ده ولا يفرق معايا. كان ممكن تكلمني بالليل وتقولي: هجيلك الصبح. كان ممكن تقولي تعال بدري. كان ممكن تعرفني. بس إنت شكيت يا سيف… شكيت.
سيف بعده عنه بهدوء:
أنا ورايا شغل، ومش فاضي لأزمة منتصف العمر بتاعتك. بعد إذنك.
سابه وخرج، وسبيدو وقف مكانه يفكر. فكرة إنه يسيب المصنع خبطت في دماغه، لكنه ما قدرش ياخد قرار. سيف محتاجه دلوقتي، ولو سابه ممكن يغرق. هو مش من النوع اللي بيتخلى عن أصحابه. كمان آية… ده لسه من يومين طلب إيدها، يدي ظهره لأخوها؟ مستحيل.
قعد على مكتبه، يحاول يفكر في الخطوة الجاية.
سيف رجع لـبدر، اللي كان مستني بترقب:
في حاجة؟
سيف رد باقتضاب:
لا يا بدر، خلينا نركز ونشوف هنعمل إيه. عندي اجتماع كمان ساعتين، ولازم أفهم الدنيا ماشية إزاي قبله.

مؤمن صحي من النوم على موبيله بيرن كان المحامي بيبلغه إنه يجي النهاردة المحكمة .
مؤمن قفل معاه وقام بسرعة يستعد علشان ينزل في ميعاده .

كريم فتح عينيه بص للساعته، وبعدها بص لـأمل اللي نايمة جنبه. فكر يصحيها، لكنه تراجع، وفضل يراقبها وهي نايمة ويسأل نفسه:
هل ممكن يخسرها؟
ناريمان وراها إيه يا ترى؟
إزاي بتتهمه بحاجة زي دي، حاجة سهل تتكشف بتحليل DNA؟
هل فعلًا قاصدة تعذبه وتشغله لحد ما البيبي يتولد ويتعمل التحليل؟
لو ده قصدها، فهي أكيد هتنجح، لأنه مش قادر يوقف عقله عن التفكير طول الفترة دي.
أمل فتحت عينيها وابتسمت أول ما شافته صاحي:
صباح الخير، حبيبي. صاحي بدري؟ ولا أنا اتأخرت؟
ابتسم وهو بيمسح على خدها بحب:
صباح النور يا قلبي. لا، يدوب صاحي، وإنتِ ما اتأخرتيش. في ميعادنا يعني.
لفت ناحيته وخبت نفسها في حضنه:
طيب، يبقى خليني في حضنك شوية طالما مش متأخرين.
ابتسم وضمها أوى، وبيلعب في شعرها سألها فجأة:
أمل، ممكن يجي وقت تصدقي ناريمان وتسيبيني؟
أمل رفعت وشها وبصتله باستغراب. معقول الكلام ده مطير النوم من عينه؟ معقول واحدة زي ناريمان قدرت تهزه كده؟
اتعدلت وقعدت قدامه، مسكت وشه بإيديها:
لا يمكن يا كريم أسيبك. طول ما أنا شايفة الحب ده في عينيك وحساه، لا يمكن أسيبك. وبص… علشان تريح قلبك وبالك، حتى لو حصل بجد، وحتى لو العيل اللي في بطنها طلع ابنك، هفترض إنه حصل غصب عنك أو خدروك مثلًا أو أي افتراض. ساعتها هنعدي الخطوة دي مع بعض. إيدي في إيدك، هنربي ابننا مع بعض، وهنخلفله إخوات كمان. مش هكتفي بعيل واحد معاك.
كريم بصلها فترة قبل ما يرد:
بس أنا ما عملتهاش… ولا يمكن أعملها. وده اللي محتاجه منك… ثقتك إني ما عملتهاش، مش إنك تسامحيني لو كنت عملتها.
ابتسمت وباست خده:
ثقتي فيك ملهاش حدود. أنا بقولك أسوأ سيناريو، بجيب من الآخر. كلامي كزوجة بتقف جنب زوجها. لكن لو هتكلم كحبيبة وعاشقة… فأنا واثقة إن حبيبي لا يمكن يعملها، ولا يخون حبنا أبدًا.
سألها بفضول:
ولو عملتها بجد؟ الحبيبة هتسامح؟
ابتسمت بحزن وهربت من عينيه:
للأسف، الحبيبة دي مش هتسامح. الزوجة اللي بتحب جوزها هتسامح، والأم اللي عايزة ابنها يتربى في حضن أبوه هتسامح، لكن الحبيبة… لأ. مش هتعرف تعيش.
بصت في عينيه وكملت:
بس الحبيبة دي مستعدة تقف في وش الكون كله وتقولهم إن حبيبها لا يمكن يعملها. فلو سمحت، شيلني من تفكيرك دلوقتي.
استغرب وهي بتكرر:
أيوه يا كريم… اطمن من ناحيتي وركز في الأهم. إنت واحد من أذكى العقول في العالم كله، برامجك صيتها وصل للعالم، اسمك معروف. أوعى تسمح لواحدة زي دي تهزك. أنا جوه قلبك وحواليا أسوار عالية، لا يمكن حد يعرف يقتحمها. فاطمن عليا وركز في المهم، علشان تعرف تصد الضربات دي وتهاجم صح. اعتبرها برنامج هكر، وشوف إزاي هتتصدى له.
كريم ضمها لحضنه وقال بصوت مرهق:
حاسس إن معنديش الطاقة دي يا أمل. عايز أفضل جوه الأوضة دي، وإنتِ في حضني وبس.
أمل بعدت عنه ووقفت:
وأنا وعدتك قبل كده إننا هنرجع الأوضة دي نجدد طاقتنا وقدرتنا، بس دلوقتي لازم تقوم وتواجه. ولو سمحت… أدّب البني آدمة دي، أدبها هي وأبوها، علشان أطفي غليلي منهم… علشاني.
ابتسم وهو بيقوم من جنبها:
بقيتي شريرة يا أمل.
ضحكت وقالت:
ياه! لو عمي أخدني معاه المستشفى كنت جبتها من شعرها ومسحت بيها الأرض.
ضحك وافتكر لما عملتها في سمر قبلها، وهي من ضحكته عرفت بيفكر في إيه. أكدت بابتسامة:
أيوه، زي ما عملت في سمر زمان.
لبسوا الاتنين ونزلوا، إيديهم في إيدين بعض وابتسامتهم ما فارقتهم. ناهد أول ما شافتهم دعت من قلبها:
يا رب يفضلوا كده إيد واحدة مهما يحصل.
قعدوا كلهم على السفرة، ودقايق ونزل مؤمن كمان وقعد معاهم. كانوا بيفطروا بهدوء غريب، لحد ما قطعه حسن بسؤاله:
في أي جديد؟
كريم رد وهو بيحاول يخفف الجو:
لا، لسه مفيش… مفيش غير إننا اكتشفنا إن سيف عنده جدة تركية ولسه راجعة مصر.
ناهد استغربت وقالت بذهول:
هي لسه عايشة؟ دي هاجرت من زمان أوي.
كريم سألها باستغراب:
إنتِ تعرفيها؟
ناهد وضحت:
لا، بس سيف اتكلم عنها وهو صغير. مش كان دايمًا يقول إن جدته تركية؟
كريم ابتسم وقال بدهشة:
وإنتِ لسه فاكرة؟ وإحنا صغيرين كنا بنقول إيه؟ قلبك أبيض يا نونا.
ناهد ابتسمت، وبصت لـمؤمن اللي كان ساكت:
مالك يا حبيبي ساكت كده ليه؟
كلهم بصوا لـمؤمن، اللي قال بهدوء:
الأستاذ فريد كلمني، وقال إن أول جلسة النهاردة.
كريم استغرب وسأله:
وهو بيبلغك النهاردة بيها؟ مش المفروض تعرف من بدري؟
مؤمن رد بتوتر:
هو نفسه لسه عارف ومستغرب اللي حصل.
حسن قال بتفكير:
معقول يكون حد سرّع الإجراءات وتعمد كده؟
ناهد سألت وهي مش مصدقة:
طيب ليه؟ معقول نور تكون…
كريم قاطعها بسرعة:
نور لأ، حد تاني.
ناهد بصت له بدهشة:
مين؟ وليه؟ وأوعى تقول إن مشاكل الشغل دي من ضمنها. يعني ابن مؤمن إيه علاقته بالشركة؟
كريم وضح:
اللي لاحظته إنهم بيغرقونا بالمشاكل الشخصية. بيحاولوا يدمرونا نفسيًا.
بص لـمؤمن وسأله:
إمتى الجلسة؟
مؤمن رد:
الساعة 12 الظهر.
حسن قال وهو بيفكر:
طيب كلكم تروحوا.
مؤمن استغرب وسأله:
كلنا مين؟ قصدك إيه؟
حسن وضح وهو بيبصله:
كلكم… إنت، كريم، سيف، سبيدو، مروان، وأنا. وياريت كمان لو نادر وخالد معانا، بس للأسف هيكونوا مع نور.
كريم سأله باستغراب:
ليه ده كله؟ عايز توصل لإيه؟
حسن رد بهدوء وثقة:
رسالة مبطنة… إن مهما يحصل إحنا كلنا إيد واحدة. في أي حاجة لازم تظهروا مع بعض. ساعدوا بعض لحد ما نعدي الأزمة دي.

انت في الصفحة 2 من 4 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل