
مؤمن كان نايم في أوضته، وحلمه تحول لكابوس. كان بيجري ورا إبنه اللي بيختفي قدامه، وبيصرخ بأعلى صوته، بينادي عليه، لكن مش قادر يشوفه. فجأة سمع صوته بوضوح: “بابا!”
صحى من النوم مفزوع، نفسه سريع ، لكن الصوت لسه بيرن في ودانه: “باااابا!”
قام بسرعة، وهو بيهتف: “إيان؟”
بص حواليه، لقى إياد داخل عليه. عينيه مليانة تساؤل: “بابا، يان فين؟”
غمض مؤمن عينيه لحظة وكأنه بيحاول يستوعب. بعد كده قام من على السرير ونزل قعد قدام إياد على الأرض، وحضنه بقوة. دموعه خانته ونزلت رغمًا عنه.
إياد حس بالألم من الضمة الشديدة، فحاول يبعده وهو يقول: “بابا…”
مؤمن ساب إياد وبص له، مسح دموعه بسرعة. إياد ابتسم ببراءة، باسه في خده : “يلا جيب يان. نور وشة(وحشة) جيب يان يلا!”
أمل كانت بره وسمعت إبنها بيتكلم، فكانت عايزة تدخل علشان تطمن عليه، لكن تراجعت بسرعة وراحت لأوضتها. صحت كريم اللي فتح عينيه بفزع: “فيه إيه؟ حصل حاجة؟ إيان رجع؟ عرفتوا حاجة؟”
أمل ردت بأسف: “لا يا حبيبي، آسفة إني بصحيك وإنت يدوب نايم من كام ساعة، بس إياد…”
كريم اتعدل بسرعة وقطع كلامها: “ماله إياد؟”
أمل حطت إيدها على كتفه تهديه: “حبيبي، اهدى. مفيش حاجة. إياد دخل عند مؤمن، صحاه وبيشده يقوله يلا نجيب إيان من عند نور. قوم هات إبنك قبل ما يتعبه أكتر.”
كريم قام بسرعة رايح لأوضة مؤمن، اللي لسه قاعد على الأرض، وإياد ماسك إيده وبيكرر: “يلا بابا.”
أول ما كريم دخل، إياد ساب إيد مؤمن وجرى عليه: “يلا نجيب يان عند نور، يلا بابا!”
كريم شاله وحاول يهدّيه: “روح لمامي الأول وغيّر هدومك.”
إياد ابتسم بفرحة: “روح ليان؟”
كريم اتردد، مش عارف يجاوب عليه: “روح لمامي يلا.”
إياد جري على أمه، اللي أخدته وراحت بيه أوضتها، قفلت الباب، وحاولت تلهيه بأي حاجة.
كريم رجع وقعد جنب مؤمن، اللي كسر الصمت: “لما يكون عندك توأم، مش بتحب واحد عن التاني. بتحب الاتنين بنفس القدر. زي ما إحنا موجوعين، إياد كمان حاسس ومش فاهم هو فين. من أول ما اتولدوا وهم مع بعض، طبيعي يكونوا متعلقين ببعض.”
كريم أخد نفس طويل: “عارف يا مؤمن، عارف.”
مؤمن نظر له بنبرة جدية: “إنت مش محتاج تبعد إبنك علشان تراعي مشاعري. ما تعملهاش تاني.”
كريم ماردش وفضل ساكت. بعدها مؤمن سأله مباشرة: “تفتكر هنلاقيه؟ إحساسك بيقول إيه؟ جراله حاجة ولا هيرجع؟”
كريم قعد يفكر، مش عارف يرد. هل يقول الحقيقة اللي جواه، ولا يدّيه أمل كاذب؟
مؤمن بصّله بتركيز: “قول، إحساسك إيه؟ من زمان وإنت دايمًا عندك إحساس داخلي بيطلع صح. فقول من غير لف ودوران.”
كريم تهرب من نظراته وقال بصوت متردد: “المشكلة إني مش عارف ده إحساسي ولا أمنياتي يا مؤمن. إحساسي بيقول إنه هيرجع، هيكبر هو وإياد مع بعض، وهيعيشوا عمرهم كله سوا. بس ده إحساس ولا أمل؟ مش عارف أجاوبك. كل اللي أعرفه إني مش هقف. هفضل أدور عليه، حتى لو خبطنا على كل باب في القاهرة لحد ما نلاقيه.”
خاطر وفاتن كانوا في حالة صدمة بعد ما سمعوا كلام المحامي. خاطر أخيرًا نطق بصوت مليان استغراب: “محاولة قتل؟ قتل يا همس؟”
همس وقفت مرتبكة، موبيلها في إيدها، وقالت بتوتر: “سيف بيتصل. هرد عليه لحظة وارجع بعد إذنكم.”
سابتهم وراحت على أوضتها، اتصلت بسيف اللي رد بعد كذا جرس: “همس، مش هعرف…”
قاطعت كلامه بسرعة: “الحقني يا سيف!”
صوته بان عليه التوتر: “فيه إيه؟”
ردت بقلق واضح: “إمام بيتكلم قدام بابا وماما في كل حاجة! خروجنا مع بعض، الرحلة، الصورة، ومحاولة قتلي من نانيس. أنا مش هقدر أواجههم لو عرفوا كل التفاصيل. وهو مصر يحكي كل حاجة.”
سيف رد بمحاولة تهدئتها: “كنت متخيل إنكم هتتكلموا بعيد. آه، أبوكِ موجود، بس مش المفروض يكون في وسط الحوار.”
همس كانت على وشك الانهيار: “بابا أصر يقعد، سيف، اتصرف.”
أخد نفس عميق وطمنها: “حاضر، هتصرف. ما تقلقيش.”
قفل المكالمة واتصل بإمام مباشرة. اللي رد عليه: “ما تعرّفش حد حواليك إنه أنا؟”
إمام استغرب: “تمام حاضر، خير؟”
بعدها همس رجعت وقعدت مكانها بهدوء مصطنع. إمام وقف وهو بيقول: “مسافة الطريق وهكون عندك، مش هتأخر، حاضر. ما تقلقش.”
بص لخاطر وفاتن واستقر على همس: “باشمهندسة، أنا آسف جدًا، بس عندي عميل حصلتله مشكلة ولازم أروح له حالًا. هشوف سيف ونحدد وقت تاني مناسب. بعد إذنكم.”
خاطر قام وصله لباب الشقة، وبعد ما رجع بص لبنته وسألها مباشرة: “إيه محاولة القتل دي؟ احكيلي تفاصيل، يا همس.”
همس ردت بتوتر: “مفيش يا بابا. وقت ما كنا في الرحلة، سيف كان طالع معانا كمشرف.”
فاتن قاطعتها بتهكم: “مشرف؟ ولا حبيب علشان خاطر سواد عيونك؟ قال مشرف قال!”
همس كشرت وتجاهلت التعليق: “المهم، كنا بنتصور على اليخت اللي طلعنا بيه وسط البحر. واحدة من البنات كانت هتقع، فسندت عليا، فوقعت أنا. بس ده اللي حصل.”
فاتن رفعت حاجبها باستغراب: “وإنتِ بتعرفي تعومي علشان تطلعي من وسط البحر؟”
همس بصت للأرض وقالت بهدوء: “ما هو مطلعتش. سيف اللي طلعني، وأنعشوني، ورحت المستشفى. بس الحمد لله مكنش في حاجة، ساعتين وخرجت. سيف افتكر إنها محاولة قتل وكبّر الموضوع.”
خاطر فكر شوية وقال: “أو يمكن البنت لاحظت اهتمام الدكتور اللي كلهم معجبين بيه، بس هو مهتم بواحدة فيهم، فغارت وحبت تضايقها. زقتها في المية، أو يمكن كان هزار سخيف وما تعرفش إنك ما بتعرفيش تعومي. لكن مش محاولة قتل ولا حاجة، غيرة بنات. صح؟”
همس استغربت من تحليل أبوها وقالت دفاعًا عن نفسها: “لا مش صح يا بابا. البنات دي متضايقين مني علشان أنا الأولى عليهم، مش علشان سيف. سيف وقتها كان خاطب شذى، وفي إيده دبلتها.”
فاتن بصتلها بحدة لما سمعت كلمة “الدبلة”، لأنها عارفة إنها هي اللي لبستها له.
خاطر ما علّقش، لكنه فكر إن كلامها منطقي، رغم إنه مش مقتنع تمامًا. سألها: “طيب والشيت؟”
همس حاولت تفكره: “الشيت اللي جيت أنت وماما وروحتوا لسيف المكتب علشان درجاته، نسيت؟”
خاطر استرجع الذكرى: “آه، افتكرت. طيب، مرواحك المدينة؟ الأماكن اللي بتروحوها؟ الصورة؟ كل اللي الراجل ده قاله؟”
همس فكرت شوية وبررت: “هو بيتكلم بناءً على قصة حب، فأكيد كان في مقابلات. بس إنت مش سمعته بيقول لي فهميني واحكيلي؟ يعني كان عايز يعرف تفاصيل، مش بيسألني. سيف جالي المدينة مرتين. مرة لما اتأخرنا بعد السيما، ومرة تانية وصلنا بعد الرحلة أنا وخلود وهالة. وكانت أخته معانا، يعني مفيش حاجة تقلق.”
خاطر كان عايز يسأل أكتر، لكن فاتن تدخلت: “ما خلاص بقى يا راجل. هتفضل تعصر في البت ليه؟ ماهو خلاص بقى جوزها وبيحبها. كل حاجة كانت بتحصل قدامنا، ما تعيدش وتسأل في تفاصيل التفاصيل. ما هو بيحبها. هيقضيها نظرات وابتسامات؟ وبعدين، هي معاه في الكلية كل يوم، مش محتاج يخرج يقابلها بره. وبتروح مكتبه بحجة تسأله في اللي هي عايزاه. إيه بقى؟ هنعيد ونزيد؟”
إمام ركب عربيته وتحرك، بعدها اتصل بسيف: “أيوه يا باشمهندس، أنا خلاص مشيت من عند بيت حضرتك. خير، في إيه؟”
سيف بعد عن اللي حواليه وعلق بغضب مكتوم: “إنت يا راجل رايح تتكلم مع همس في تفاصيل علاقتنا قدام أبوها وأمها؟ مش إنت عارف إنها كان كل همها محدش يعرف عن ساعة القسم والصورة؟ دلوقتي رايح تحكي كل التفاصيل قدامهم؟”
إمام استغرب ورد بذهول: “بس إنتو اتجوزتوا خلاص. هي مراتك.”
سيف بصوت مليان انفعال: “وعلشان مراتي أقوم أفضحها يعني؟ إنت متخيل إنه كان سهل علينا؟ كنت بحبها وخاطب واحدة غيرها، تتخيل كان سهل؟ كل اللي مرينا بيه مش أي حد يقدر يستوعبه. هل أبوها وقتها كان هيقدر مشاعري ويفهم حبي لبنته ويقول معلش؟ علاقتي أنا وهمس كانت في ظروف صعبة مليانة مصايب، وتفاصيلها محدش هيقدر يستوعبها. علشان كده بقولك لم الموضوع ده قدام الكل، خصوصًا أبوها وأمها.”
سيف أكمل بحسم: “لو حد جاب سيرة الجامعة، اللي عندي امتحانات ما اتسربتش، ودرجات ما أخدتش درجة واحدة زيادة. غير كده، الكل يخبط دماغه في الحيط. مفهوم؟”
إمام بهدوء : “مفهوم يا إبني. حاضر، هنلم الموضوع ده. ما تقلقش.”
في بيت حسن المرشدي، جرس الباب رن، وأم فتحي فتحت الباب واتفاجئت بواحدة طويلة وجميلة، شعرها طويل، بتبصلها بتفاخر وكأنها مالكة الدنيا. أم فتحي بصتلها بغيظ: “نعم؟ عايزة مين؟”
ردت بتكبر: “ناهد المرشدي.”
كانت داخلة البيت، لكن أم فتحي وقفتها: “استني، إيه ده؟ أبلغها الأول وأشوف هتقابلك ولا لأ.”
ردت بابتسامة باردة: “بلغيها ناريمان الغندور.”
أم فتحي دخلت عند ناهد، اللي كانت قاعدة مع سناء وأمل، وإياد على الأرض بيلعب بلعبه. ناهد رفعت عينها: “مين بره يا أم فتحي؟”
ردت وهي مكشرة: “واحدة طويلة ومنشية وفرحانة بشعرها الطويل، أعوذ بالله منها.”
أمل سألتها: “شعرها؟ قالت اسمها؟”
أم فتحي ردت: “آه، قالت ناريمان… كاريمان… يوووه مش فاكرة، حاجة الغندور.”
أمل وناهد تبادلوا نظرات، وأمل وقفت بتحفز: “زودتها قوي، زودتها بجد.”
ناهد هدتها: “دخليها يا أم فتحي. اقعدي يا أمل، إنتِ هنا صاحبة البيت، أوعي تديها أهمية وتحسسيها إنك خايفة أو مهزوزة منها.”
أمل ردت بضيق: “أنا قرفانة منها، سبحان الله من يوم ما شوفتها وأنا مش طايقاها.”
سناء سألت باستغراب: “مين دي يا أختي؟”
ناهد علقت بجفاف: “مصيبة من المصايب اللي بتتحدف علينا.”
ناريمان دخلت بجزمتها الكعب العالي، ماشية بتباهي، وما تعرفش إن أمثالها بيستفزوا ناهد. وقفت قدامهم و بثقة: “ناريمان الغندور، أكيد سمعتوا عني؟”
ناهد بصتلها من فوق لتحت وقالت ببرود: “واحدة شافت إبني وهتموت عليه، فبتحاول تتلزق فيه بأي شكل. ولا نقول ساقطة بما إنك حامل؟ الله أعلم من مين.”
ناريمان انفعلت: “حامل من إبنك، أنا حامل في إبن كريم المرشدي.”
سناء بصت لها بذهول وقفت قدامها: “إنتِ؟ إنتِ حامل من كريم؟ كريم ما يستنظفش يبصلك ولا يحط إيده يسلم عليكِ. تقومي تقولي حامل؟ اطلعي بره يا بنت، العبي بعيد.”
بصت لأمل وأكدت: “أوعي تصدقي كلام المجنونة دي.”
أمل ابتسمت بثقة: “لا تقلقي، أنا مقدرة حالتها. اتجننت لما كريم رفضها مرة ورا مرة، فماحدش بياخد بكلام المجانين.”
ناريمان ضحكت بتحدي: “نفسي أشوف وشك لما أولد وأشيل إبن كريم بين إيديا. هدفع نص عمري.”
قربت من إياد وحاولت تلمسه: “هجيبلك أخ يا حبيبي.”
أمل شدت إيدها بعنف وحذرتها: “أوعي تلمسي إبني، لأقطعلك إيدك. فاهمة؟ بره بيتي.”
ناريمان التفتت لناهد و بتهكم: “بيتك؟”
ضحكت وبصت لسناء: “لها حق نور تطفش من البيت طالما ده بيتها.”
ناهد وقفت و بحدة: “اطلعي بره. ولا إنتِ ولا ألف من نوعيتك هيهزوا ثقتنا في كريم. اطلعي بره زي ما بنتي قالتلك.”
ناريمان بعدت بخطوات صغيرة، و بنبرة تهديد: “الحق عليا إني حبيت أطمنك على حفيدك. صدقيني، اللي في بطني ده حفيدك أو حفيدتك لو طلعت بنوتة. بلاش تعاديني علشان اسمحلك تكوني جزء من حياتنا.”
ناهد ضحكت بسخرية: “لا يا أختي، ما تسمحيش. طريقك أخضر، يلا ابعدي عننا باللي في بطنك. روحي لزقيه لحد تاني.”
ناريمان بصت لهم بتهديد أخير: “إبني مش هيتكتب غير باسم أبوه، كريم المرشدي وبس. بكرة نعمل تحليل الـDNA وهتعرفوا إنه إبن كريم. عن إذنكم.”