روايات

وشم على جدار الصمت الفصل الأول والثاني والثالث والرابع بقلم هيثم صالح حصريه وجديده 

وشم على جدار الصمت الفصل الأول والثاني والثالث والرابع بقلم هيثم صالح حصريه وجديده 

أدهم صمت لوهلة، ثم أجاب بصوت هادئ: “مش زيهم… ولا زي أي حد تاني.”

نظر إليها بتركيز، وكأن هناك نوعًا من الفهم الذي بدأ ينمو بينهما، ولكن قبل أن يستمر في حديثه، قرر أن يغير الموضوع. “إزاي بتعملي دا؟ بتقدرّي تسيطري على اللوحات زي كده؟”

رؤى كانت تفكر في سؤاله للحظة، ثم ابتسمت بلطف، لكن عينيها كانت مليئة بالحزن. “أحيانًا بتبقى الوسيلة الوحيدة علشان تحس إنك موجود. علشان العالم ده يسمعك ولو للحظة.”

أدهم شعر بشيء غريب. هل كانت رسوماتها مجرد وسيلة للهروب من واقعها، أم كانت تعبيرًا عن شيء أعمق بكثير؟ سؤال تلو الآخر، وكانت إجابات رؤى تثير المزيد من الأسئلة.

“إنتي ليه متمسكة بالجدران دي؟” سألها أخيرًا، محاولًا الوصول إلى حقيقة لم يكن يعرفها بعد.

رؤى نظرت إليه للحظة طويلة، ثم قالت بصوت ضعيف: “عشان الجدران مش هتخونني زي البشر. الجدران مش هتغدر.”

أدهم شعر بثقل كلماتها، وكان يعلم أنه دخل في عالم لا يعرفه، عالم مليء بالأسرار التي ستظل طي الكتمان حتى تأتي اللحظة التي تختار فيها رؤى أن تُخرج ما في قلبها.

وشم على جدار الصمت

الفصل الثالث

في اليوم الذي تلا لقاءه مع رؤى، شعر أدهم أن شيئًا عميقًا قد بدأ يتغير في داخله. لم يستطع التخلص من الأفكار التي تتعلق بها، ولا من الصور التي كانت تتراقص في ذهنه، بين الحزن الذي كان يلف وجهها والحرقة التي كانت في كلماتها. كان يظن أنه فقط يريد فهم الجدران التي ترسم عليها، لكن مع مرور الوقت، اكتشف أن رؤى نفسها أصبحت الجدار الذي يحاول أن يكتشفه.

قرر أدهم أن يعود إلى الزقاق مجددًا. لم يكن يعرف تمامًا ما الذي سيجده هناك، لكنه شعر أن عليه أن يفعل ذلك. ربما كانت مجرد محاولة لفهم ما حدث بينه وبينها في ذلك اليوم القصير الذي قضياه معًا. كان يحتاج للإجابة على الأسئلة التي لا تزال تعذب عقله.

وصل إلى الزقاق، وكان الجو هادئًا بشكل غير معتاد. لا أحد في الشوارع. توقف عند الجدار الأول الذي كان قد رأى فيه الرسومات المظلمة والمبهمة. لكن لم يكن هناك أي أثر لرؤى. شعر بشيء من القلق. هل اختفت؟ أم أنها ببساطة لم تعد تأتي إلى هنا؟

أخذ يلتقط الأنفاس ويشعر بنسمة الهواء الباردة التي تلامس وجهه، قبل أن يسمع صوت خطوات قادمة من وراءه. استدار فجأة ليجد رؤى تقترب منه، تحمل في يدها حقيبة صغيرة، وتبدو أكثر هدوءًا من المعتاد.

“إنتي ليه مش بتجيبي ليه كل مرة هنا؟” قال لها، بصوت يشوبه شيء من الحيرة.

رؤى توقفت أمامه، وأخذت نفسًا عميقًا. “كل مرة بتيجي بتسأل نفس الأسئلة، وكل مرة بتدور على نفس الإجابة.”

“أنا مش بدور على إجابة، لكن على حقيقة.” رد أدهم بسرعة، وهو يحاول أن يبقي الحديث متزنًا. “إنتي مش شايفة إنك محتاجة تشاركي حد مشاعرك؟ تشاركي حد بكل الحاجات اللي داخلك؟”

ابتسمت رؤى ابتسامة صغيرة، لكنها كانت مليئة بالمرارة. “وأنت مش شايف إن الحياة دي مش كفاية علشان تدي لأحد كل حاجاته؟ الجدران دي مش هتخذلني زي ما البشر بيخذلوني.”

أدهم شعر أن تلك الجدران التي تحدثت عنها كانت بمثابة حصن لها، ربما كانت الطريقة الوحيدة التي تستطيع من خلالها حماية نفسها من العالم الذي عاشت فيه. لكن في الوقت نفسه، كانت تلك الجدران هي نفسها التي كانت تحجزها عن العالم.

“ما تخافيش، مش كل الناس هتخذلك.” قال أدهم وهو يحاول أن يقترب منها قليلاً. “في ناس تانية، يمكن زيك، ممكن تلاقيهم لو بحثتي.”

“أنا مش محتاجة حد، أدهم.” قالت رؤى بحزم، بينما كانت عيونها تتجنب النظر إليه. “أنا بحاول أعيش من غير ما أحتاج لحد.”

“لكن ممكن تلاقي حد يكون معاك في الطريق.” قال أدهم، محاولًا أن يجعل كلامه أكثر إقناعًا. “مش لازم تسيري فيه لوحدك.”

في تلك اللحظة، وقفت رؤى بصمت طويل، وكأنها تفكر في شيء بعيد جدًا. ثم فجأة، قالت بصوت منخفض: “وأنت، ليه جاي تسألني كل دا؟ ليه كل الحاح ده؟”

أدهم شعر بشيء في قلبه يهزه. “يمكن علشان في حاجة فيك مش قادر أسيبها… حاجة بتجذبني علشان أعرف أكتر.”

صمتت رؤى للحظة، قبل أن ترفع رأسها وتنظر إليه، ثم قالت بهدوء: “أنا مش زي أي حد قابلته، وأنت مش هتقدر تفهمني زي ما بتظن.”

“ممكن أكون مش فاهم كل حاجة عنك، لكن مش هسيبك لوحدك.” رد أدهم، وهو ينظر إليها بصدق.

لكن قبل أن تتمكن رؤى من الرد، بدأ صوت ضوضاء غير عادية يقترب من الزقاق. نظرت إلى الوراء بسرعة، وعينيها تضيء بشيء من التوتر.

“فيه حاجة غلط.” قالت بصوت منخفض، وكأنها تدرك شيئًا ما.

“إيه فيه؟” سأل أدهم، وهو ينظر إلى الاتجاه الذي كانت تنظر إليه.

فجأة، ظهر شخصين من بين الظلال، وكانا يقتربان منهما بسرعة. كان أحدهما يبدو مألوفًا، لكن الآخر كان غريبًا. كان الرجل الغريب يبدو ضخمًا، وعيناه حادتان كالسيوف.

“إيه دا؟” سأل أدهم بقلق.

“هم دول مش ناس عاديين، أدهم.” قالت رؤى بسرعة، وهي تتراجع خطوة للخلف. “دول من اللي دايمًا بيجوا علشان يفرضوا سيطرتهم على المكان.”

أدهم شعر بضغط شديد في صدره. لم يكن يتوقع أن يصادف هذا النوع من الأشخاص في هذا المكان، خاصةً مع وجود رؤى.

“أنا مش عايز أسبب لك مشاكل.” قال أدهم بحذر، وهو يبتعد خطوة للخلف.

“أنت مش في حاجة تشارك في دا، أدهم.” قالت رؤى بعينين مغلقتين، وكأنها استسلمت للأمر الواقع. “بس خلي بالك، لو اتورطت في دا، مش هتخرج بسهولة.”

قبل أن يتمكن من الرد، تقدم الرجل الغريب خطوة نحوهم، والتهديد في عينيه كان واضحًا. “أنتو مش هتكونوا في أمان لو دخلتم في دا.”

انت في الصفحة 2 من 3 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل