
لم تلتفت اليه فجر تسرع في مغادرة الغرفة تغشي الدموع عينيها لا تجعلها ترى شيئ مما امامها.
= نهار ابوك اسود بتقول نيلت ايه؟
صرخ صلاح بتلك الكلمات في ابنه الجالس مخفض الرأس يتحسس ذقنه بألم لا يعير لصراخ ابيه بال ليجذبه صلاح من قميصه يوقفه علي قدميه صارخا بجنون
= انطق يازفت عملت ايه ونيلت الدنيا علينا
جذب سيف نفسه من يدين والده قائلا بملل ولا مبالاة
= متخفش كده مفيس حاجة هتحصل بقولك مرضيتش تخلي عاصم يضربني علشان خايفة من الفضايح يبقي تعتقد هتقول لحد علي اللي حصل.
ضيق صلاح عينيه يسأله بأهتمام وشك = طب وعاصم؟
هز سيف راسه بلامبالاة
= اطمن اللي كنت عوزه حصل وشافنا سوا والغبية اكدت اللي شافه لما مرضيتش تخليه يضربني وافتكرنا سوا
زفر صلاح براحة وهو يتحرك في ارجاء الغرفة لتتوقف فجاءة خطواته قائلا
= بس تفتكر يقول لجدك حاجة؟
هز سيف كتفيه بلا اكتراث قائلا.
= يقول ساعتها هعمل فيها الشهيد اللي بيضحى علشان سمعة بنت خاله وهعرض الجواز ادام الكل وبرضه ساعتها مش هتقدر ترفض هي او امها وهبان ادام الكل الراجل الشهم
ويبقي وصلنا للي عاوزينه من غير تعب ولا وجع دماغ
نظر صلاح إلى ولده ترتسم في عينه نظرة فخر قائلا
= برافو هو ده الكلام الصح وان كان علي امك انا هقنعها
ليبتسم بانتصار مكملا.
= فعلا الحل الوحيد جوازك من فجر وبكده نضمنها هي وحقها يبقي نكلم جدك في اقرب وقت بس استني ارتبها صح ونشوف هنقنع امك ازاي الاول بدل ما تعملنا دوشة وتبوظلنا الدنيا
ابتسم سيف ابتسامة صفراء موافقا علي كلمات والده يتوعد في سره لتلك المتمنعة فلم تخلق بعد من ترفض سيف العمرى.
جلس عاصم داخل غرفة جده بعد طلب الاخير له شارد الذهن تدور في راسه الافكار كالاعصار فما راه اليوم قلب كل الموازين امامه فبرغم كل ما سمعه عنهامنذ حضوره الا انه لم يستطع تصديق ان كل هذة البراءة امامه قد تكون بكل هذة الانحطاط يتذكر ماراته عينه يشعر بالنيران تشتعل في راسه راغبا في تلقينها درسا لا تستطيع نسيانه طوال حياتها لكنه صمت ليس خوفا عليها بل خوفا مما قد يحدثه كلامه من انقلاب داخل العائلة فيكفيهم افكارهم السابقة عنها وعن والدتها فلن يأتى هو ليزيد الطين بله عليهم لكن ماذا هو بفاعل في تلك النيران التي تتأكل بداخله تجعله يرغب في تحطيم شيئ فأن لم يكن هي فليكن ذلك الحقير الاخر شريكها.
يجب ان يتحدث اليه حتى يعرف نواياه اتجاهها وما ينتوى القيام به من خطوات جادة بعد ماحدث بينهم اليوم فبعد رؤيته لهم لم يعد من الممكن ان يظل هذا الحال بينهم طويلا بعد الان.
زفر عاصم بقوة محاولا تهدئة النيران المشتعلة داخله لينته جده إلى حالته تلك يسأله بأهتمام
= مالك ياعاصم من ساعة ماجيت وانت في دنيا ثانية ومش مش معايا خالص
هز عاصم رأسه قائلا بخشونة
= ابدا ياجدي انا معاكاهو خير كنت عوزني في ايه.
تتنحنح عبد الحميدلايدرى كيف كيف يستطيع بدء حديثه ليقول بخفوت
= شوف ياعاصم انت عارفة انها كلها ايام وبقضيها في الدنيا
اسرع عاصم بمقاطعته بلهفة
= متقولش كده يا جدي ربنا يخليك لينا
هز عبد الحميد، راسه يبتسم بحنان
= ويخليك ليا يا حبيبي انت عارف انت اللي هتشيل كل حاجة من بعدي وعارف انك قدها بس انا مفيش حاجة قلقاني اكتر من اني اسيب بنت عمك من غير ما اطمن عليها
نطق عاصم دون ارادة او تفكير منه.
=تقصد مين؟ فجر، مالها! في حاجة قلقاك بخصوصها
ضيق عبد الحميد ما بين عينيه بشك قائلا بغضب
= فجر مين اللي اقلق علشانها يا عاصم مبقاش ناقص غير بنت عواطف كمان
تنحنح عاصم يتحدث بهدؤء محاولا تدارك الموقف
= افتكرتك تقصدها لما قلت بنت عمك خصوصا انها اصغرحد في العيلة
ظلت نظرة الشك داخل عيني عبد الحميد لكنه حاول التظاهر بالعكس قائلا بنبرة طبيعية
= لا مقصدش فجر خالص انا اقصد نادين بنت عمك.
انقلبت ملامح عاصم ترتسم فوقها مظاهر النفور والاشمئزاز ليلاحظ عبد الحميد ذلك ليسرع بالقول
= انا عارف انها غلطت في حقك غلط كبير، بس هي كانت عيلة صغيرة وقتها ومش اد انها تتخط في كل المشاكل اللي كنا فيها
ضحك عاصم بسخرية قائلا
= ودلوقت كبرت وعقلت يا جدي!
رد عبد الحميد بلهفة متجاهلا نبرته الساخرة.
= جدا يا عاصم تعرف انها رفضت تخليني اساعد طليقها وقت ماكانوا لسه متجوزين طلبت منه الطلاق لما عرفت انه داخل علي طمع وجات عاشت معايا هنا تاني علشان متسبنش لوحدي بعد ما انت سافرت واستقريت بره ومن وقتها بترفض اي خد يتقدم ليها علشان خاطري
استمع عاصم إلى كلمات جده بأبتسامة ساخرة ترتسم فوق شفتيه ليقاطع كلمات جده الحماسية المسترسلة قائلا بتهكم
= في ايه جدي بالظبط ايه لازمتها كل الأشعار دي في نادين هانم.
عبد الحميد بلهفة
= تتجوزوا وتجيبوا الاحفاد اللي تشيل اسم السيوفي واظن مش هتلاقي احسن من بنت عمك
نهض عاصم واقفت فوق قدميه ببطء قائلا بتمهل وهدوء
= شوف يا جدي الكلام اللي هقوله ده الرأي الاخير ليه في كلامك اللي بتفكر فيه ده استحالة هيحصل نادين مش ممكن في يوم من الايام تكون اكتر من بنت عمي ولازم تعرف انها لو اخر واحدة في الدنيا استحالة اتجوزها
هتف عبد الحميد بحزن
= بس يا عاصم فكر في كلامي واكيد هاا…
قاطع عاصم حديثه ببرود قاسي
= اللي عندي قلته في الموضوع ده وياريت مانفتحوش تاني
ثم تقدم بخطوات ثابتة ناحية، جده ينحني مقبلا يده قائلا
= عن اذنك دلوقت لاني ورايا شغل كتير لازم اخلصه
ليغادر الغرفة يغلق بابها خلفه بهدوء يسير في الممر بين الغرف غافلا عن تلك الواقفة خلف احدى الاركان بعد استماعها لكل مادار بينه وبين جده تشتعل عينيها بالغل والحقد.
= بتقولي ايه يا ماما انتي ازاي عوزانى اعمل كده
صرخت نادين بتلك الكلمات من والدتها التي اخذت تنهب ارضية الغرفة ذهابا وايابا بعصبية لتلتفت اليها صارخة بغضب
= اللي سمعتيه ولازم يتنفذ كمان
وقفت نادين هي الاخرى تصرخ بعصبية = انتي عارفة بتقولي ايه! عوزة جدو يشوفني انا وعاصم في اوضة وسرير واحد سوا ده جنان اللي بتقوليه ده
تحدثت ثريا بصوت كالفحيح.
= لا مش جنان يا نادين ده اللي لازم يحصل نجبره يتجوزك حتى ولو بفضيحة
هزت نادين رسها بذهول قائلة
= طب وليه كل ده ماهو جدو هيقدر عليه وهيقنعه بده يبقي ليه نعمل الصيبة دي
اقتربت منها ثريا تمسك بذراعيها بقسوة تغرز اظافرها في لحمها قائلة.
= البيه رافض تماما ان حتى جده في الموضوع ده فاهمة يا هانم يعني انا وانت هنفشل هنا تحت رحمة شهيرة وصفية العمر كله وطبعا مرات عاصم لما تيجي هتعمل علي الكل ست القصر وانا معنديش استعداد لده فاهمة
صرحت ثريا بكلمتها الاخيرة لتجلس بعدها بانهزام فوق الفراس تنهار في البكاء قائلة من بين شهقاتها.
= لازم تتجوزيه يا نادين ده لو حصل انا متأكدة جدك هيسيب كل حاجة ليكم ولولادكم ساعتها لا شهيرة ولا اي حد هيقدر يقف في وشنا
جلست نادين بجوارها تحتضنها قائلة
= خلاص يا ماما اللي عوزاة هعمله بس بلاش تعملي في نفسك كده
تبدلت ملامح ثريا في لحظة تهتف بانتصار
= يبقي اسمعيني كويس وخلينا نشوف هنعمل ايه.
رواية أسيرة ظنونه للكاتبة إيمي نور الفصل الخامس
جلست فجر بداخل المطبخ شاردة الذهن يسود الشحوب ملامحها لتسألها والدتها بقلق =: مالك يافجر بقالك كام يوم مش عجباني وسرحانة علي طول
رسمت فجر ابتسامة باهتة فوق شفتيها قائلة بضعف =: مفيش ياماما انا كويسة متقلقيش عليا
ثم صمتت قليلا تسأل بتلعثم: متعرفيش عاصم هيرجع امتي من اسكندرية
رفعت عواطف عينيها اليها تسألها ببطء =: وبتسألي ليه يا فجر.
هزت فجر كتفيها تحاول التظاهر بعدم الاهتمام =: ابدا اصله يعني غاب اوووي هو عمي صلاح فبسأل اطمن مش اكتر
اخفضت عواطف رأسها تكمل تقطيع الخضار المتراص في احدي الاطباق امامها قائلة بعدم اكتراث=: معرفش هيجوا امتي بس الظاهر هيوصلوا النهاردة مدام طلبوا اجهز كل الاكل ده مانتي عارفة عمتك بتعمل اكل يكفي جيش كل ما جوزها ولا ابنها يرجعوا من السفر.
هزت فجر رأسها تستمع إلى والدتها بشرود لا تعي من كلماتها سوي رجوع عاصم الليلة إلى القصر فهو منذ تلك الحادثة وقد غادر ليلتها فجرا هو وزوج عمتها إلى الاسكندرية لمتابعة الاعمال في فرع الشركة هناك فلم تجد فرصها من وقتها لمحادثته عن حقيقة ماحدث ومحاولة توضيح الامور له.
ولكن بماذا قد تحدثه فهي واثقة انها اذا اخبرته بمحاولات تحرش سيف الدائمة بها لقلب الدنيا فوق رأسه وتلقينه درسا لن ينساه مثلما فعل وقتها ولمن هل ستسمح عمتها او زوجها بهذا الن يقوموا بتحمليها كل الذنب
وهل سيصدقها جدها ام كما تتوقع سوف يقف في جانب سيف مصدقا اياه في كل ما سيخبره به عنها وماذا ايضا عن والدتها هل ستتحمل ان تستمع لكل ما يتفوهوا به في حقها دفاعا عن ابنهم.
وان استمرت علي صمتها فسوف يظن بها كل الظنون والتي تعلم انه له كل الحق بها بعد رفضها محاولته الدفاع عنها ووقفها كما الغبية في طريقه حتى لايقوم بأذية ذلك اللزج ليفسر محاولتها تلك بأنها دفاعا عن ذلك الاحمق
تنهدت فجر بألم تعصف الافكار برأسها تشعر بصداع يكاد، يفتك بها لاتدري كيفية الخروج من، مأذقها هذا.
جلست نادين تجاورها والدتها التي سألتها بقلق =: عرفتي يانادين هتعملي ايه
هزت نادين رأسها بالايجاب تهتف بعصبية =: ايوه عرفت خلاص بس انا خايفة افرضي رفض بعدها موضوع الجواز تاني وقتها شكلي هيبقي ايه
امسكت ثريا بيديها تضغطها بقوة قائلة =: متخفيش مش هيقدر يرفض خصوصا لو جدك وصل في الوقت الصح وسيبي الباقي، عليا.