روايات

الفصل الثالث والستون

كريم بدأ يدور على كل الكاميرات في المكان، لحد ما لقى واحدة بعيدة شوية بتسجل صوت. حاول يشغلها بالتزامن مع الكاميرا القريبة اللي بتسجل الصورة فقط.
قسم الشاشة نصين: واحدة بتعرض الصورة لكريم، والثانية الصوت.
ناريمان وصلت عندهم، وجوزفين استقبلتها بتوتر: “مازلت غير واثقة في خطتك.”
ناريمان ابتسمت بثقة: “أنتِ تريدين الانتقام، وأنا سأعطيكِ ما تريدين.”
جوزفين صرخت بغضب: “أريد تدميره، شركته، زوجته، طفله الصغير… أريده أن يجثو أمامي يترجاني كي أعفو عنه!”
ناريمان ردت بابتسامة باردة: “الشركة والمادة لا تهمه كثيرًا، فهو صاحب مبادئ. إن أردتِ تحطيمه، فلتبدئي بزوجته. هو يعشقها حد الجنون، دمّري زواجه أولًا.”
جوزفين رفعت حاجبها بتساؤل: “وما يدريكِ أن زواجه يهمه فعلًا؟”
ناريمان ردت بنفس الهدوء: “أنا أعرفه منذ أن تزوجها، وأعرف أي نوع من الرجال هو. هو حقًا من ذلك النوع الذي يعشق زوجته حد الجنون. الاقتراب منه يكلفك الكثير. حاولت كثيرًا الاقتراب منه، لكني لم أستطع، حتى مجرد مصافحته. هذا النوع #ما ننوي فعله.”
جوزفين فكرت للحظة ثم علقت بحدة: “سأجرب طريقتكِ، ولكن إن لم تأتِ بثمارها، سأ# زوجته وطفله.”
وقفت جوزفين تراقب ناريمان وكل رجالتها وهم بيصوروا كريم في أوضاع مختلفة معاها. كانوا يغيرون المكان والخلفية وحتى الغطاء على السرير، بحيث يظهر وكأن التصوير تم على مدار أيام وفي مواقف متعددة.
انتبهت جوزفين من شرودها على ناريمان جنبها والدكتور اللي قرب منهم: “نحن مستعدون لأخذ عينة السائل المنوي.”
ناريمان استفسرت: “هل تستطيع أخذها منه وهو تحت التخدير؟”
الدكتور ابتسم بثقة: “نعم، نأخذها من المصدر الأساسي، وصدقيني، هو لن يعرف من أين وكيف أتته تلك الضر,بة.”
جوزفين علقت بابتسامة شريرة: “سيطلب تحليل الـDNA، وكم أتمنى أن أرى وجهه حين يرى النتيجة إيجابية مرة بعد مرة.”
ناريمان ضحكت بتهكم: “هنا ستتركه زوجته وتأخذ ابنها بعيدًا.”
جوزفين ردت بنبرة حادة: “س@هما سويًا، وسأتركه هو ليعيش عالمًا أن م*وتهما بسبب تدخله غير المرغوب فيه.”
ناريمان كملت بفخر: “وأنا سألد ولي العهد لإمبراطورية المرشدي، فإبني سيكون الوريث الوحيد.”
ناريمان فجأة سألت جوزفين: “علمت إنكِ حصلتي على الملفات من دكتور ديريك قبل م*وته، كيف استطعتي الدخول لملفاته المحمية بواسطة كريم؟ برامجه غير قابلة للاختراق.”
جوزفين ابتسمت بخبث: “طلبت من ماكس مراجعتها معه، فذهبت لمعمله برفقته، وحين فتح الملفات، @ته وأخذت نسخة منها. هو اضطرني لل#، وسيدفع ثمن كل هذا.”
الاتنين راقبوا الدكتور وهو بيسحب العينة من كريم، وأمل من جواها حمدت ربنا إن الكاميرا ما جابتش المنظر نفسه لأن جسم الدكتور حجب جسم كريم. كانت شاكرة إنه ثبتها وألهمها الصواب إنها تقف جنب جوزها وتختار تثق فيه للنهاية.
الدكتور أخذ العينات ووضعها في المبرد، بعدها التفت لناريمان: “لقد بدأت اللعبة، فهل أنتِ مستعدة؟”
ناريمان بصتلهم بنظرة حادة: “الآن، ما الذي سيتم؟”
جوزفين ردت بثقة: “سيتم تجهيز العينة وتلقيحها، ثم زراعتها في رحمك. ألم تسمعي عن أطفال الأنابيب؟”
كريم تفاجأ بدخول الراجل اللي كان معاه: “انتهى الوقت يا صديقي، لا أستطيع منحك المزيد من الوقت. سيتم تغيير ورديتي الآن.”
كريم وقف وهو مصدوم من كم المعلومات اللي عرفها: “شكرًا، لقد انتهيت.
كريم خرج لعند إيليجا، وأول ما أمل شافته حضنته. هو ابتسم وهمس لها: “لا يمكن كنت أتخيل كل اللي شوفته ده، بس كنت واثق إن ربنا هيقف معانا.”
أمل ابتسمت: “وأنا كمان كنت واثقة إنه لا يمكن يتخلى عننا، كنت هتجنن وأعرف عملوها إزاي؟ إزاي التحليل بيطلع إيجابي كل مرة؟ والحمد لله عرفت.”
إيليجا تدخل: “يجب أن نرحل، هيا.”
تحركوا كلهم لبيت إيليجا، اللي سأل كريم: “الآن ما الخطوة القادمة؟”
كريم بتفكير وعينه على أمل: “يجب أن أعود للقاهرة، ولكن أولًا سأجعلها تدفع ثمن أخطائها.”
إيليجا ربت على كتفه: “نعم، سنجعلها تدفع الثمن. الآن يجب أن نعيد فتح قضية #الطبيب، وبما أنها طليقة معناه أنه تم إغلاق القضية.”
كريم ابتسم: “سنُعيد فتحها بالتأكيد.
كريم أخذ أمل وراحوا الفندق اللي نقلوا فيه، لأنه ما حبش يكون متقيد في بيت إيليجا. دخلوا أوضتهم في الفندق، وصمت غريب خيم بينهم.
محدش منهم اتكلم، مجرد نظرات وأفكار كتير. أمل قربت منه بتردد، مدت إيدها بكل هدوء، وعنيها متثبتة في عينيه وهي بتفك زرار قميصه. اتصال عيونهم ما اتقطعش للحظة، واستمر الصمت بينهم. أيدها اتلفت حوالين رقبته، شدته عليها، وغابوا الاتنين في عالم خاص، محدش منهم نطق حرف، لكن نظرات عيونهم قالت كتير.
بعد فترة طويلة، أمل كانت نايمة على صدره، والصمت ما زال مسيطر، قطعه كريم أخيرًا: “ليه؟”
صوته كان مجرد همس. رفعت رأسها، بصت له بملامح صافية مليانة حب: “ليه إيه؟”
ابتسامتها الصافية ونور عيونها المبتسمة خلته يتردد في الكلام. هي مسكت وشه بلطف: “ما تهربش، وقولي ليه إيه؟”
فكر يقول أي حاجة غير سؤاله الحقيقي، لكنه تراجع، لأنه عارف إنها هتعرف. هو حاليًا عريان قدامها، بعقله، بأفكاره، مشاعره، هي شايفاه كويس، وقارياه كويس، وأي كلمة هينطقها هتعرف لو حقيقية أو مزيفة، فكان لازم يكون صادق.
أمل لاحظت حيرته: “أوعى تتكلم عن اللي حصل بينا، لأنه مش جديد ولا…”
قاطعها: “لا، اللي بيحصل بينا طول عمره مميز، بس…”
سكت، فسألت: “بس إيه؟ عايز تقول إيه؟”
عدل جلسته على السرير، فشدت الغطا عليها وقعدت قصاده. انتظرته يتكلم، فبص لعينيها. هي سألته: “علشان الصمت اللي كان بينا؟”
نفى بسرعة: “الصمت ده كان بيتخلله كلام كتير. إحنا مش بنحتاج كلمات علشان نعبر بيها عن مشاعرنا أو عن اللي جوانا. عنينا بتتكلم، فلأ، يا أمل، ما أقصدش الصمت نهائي.”
قربت منه بحيرة: “أمال تقصد إيه؟ عايز تحيرني معاك؟”
نفى بهدوء: “لا، يا حبيبتي… أمل، حسيت براحة جواكِ، راحة غريبة. نظراتك، لمساتك، قربك مني، فيكِ حاجة غريبة كنت مفتقدها. ومكنتش عارف إني مفتقدها غير دلوقتي لما حسيتها. مش عارف، فهماني ولا لأ؟ في حاجات ما بتحسيش إنها ناقصاكِ غير لما تلاقيها. أنا كنت مفتقد الراحة اللي في عينيكِ…” أضاف بابتسامة حزينة: “كنت مفتقد عينيكِ يا أمل.”
بصت للأرض، وبعدها رفعت عينيها عليه، فسأل السؤال اللي كان بيهرب منه: “شكيتي فيا، صح؟ اتمسكتِ بجوزك وأبو إبنك، ووقفتي جنبي علشان المركب تمشي؟ قومتي بدورك على أكمل وجه، صح؟”
قربت أكتر، وسابت الغطا يقع منها، وتحديدًا دي كانت أول مرة ما تهتمش إنها تغطي جسمها قدامه. قعدت قصاده، ومسكت وشه بإيديها، وعنيهم كانوا متعلقين ببعض: “أيوة، حسيت براحة كبيرة فوق ما تتخيل.”
كريم مسك إيديها براحة عشان يبعدهم، لكنها ما سمحتلوش يتحرك. سألته: “إنت مكنتش محتاج تعرف اللي حصل ده حصل إزاي؟”
كريم حاول يبرر: “كنت هتجنن، لأني عارف إني ما لمستش واحدة في الكون غير مراتي. فكنت عايز الحقيقة تظهر، عايز أرفع راسي في وش مراتي، وعيلتي، وحتى موظفيني. كان لازم أفهم اللي حصل ده حصل إزاي. بعدين، يا أمل، أنا مش بلومك أصلًا، وزي ما قلت، إنتِ قومتي بدورك بمثالية شديدة.”
حاول يبعد تاني، لكنها فضلت ماسكة وشه بإصرار: “سمعتك، فتسمعني. أنا ما قومتش بدوري بمثالية زي ما بتقول، ومكنش سهل، بس المقابل كان مستحيل. أنا قبلت كريم بكل ما فيه، بتهوره، بمشاكله، بعيوبه، بعصبيته، بحنيته، وبحبه. فهنا، إنت واجهت مصيبة، وكان لازم نواجهها مع بعض. يا إما كنت هبعد وأسيبك، وكنت هتوصل للحقيقة، بس أي حبيبة هكونها لو اتخليت عن حبيبي؟
فأنا ما قومتش بدوري كزوجة، لأني لو زوجة، كان تصرفي اختلف تمامًا. قومت بدوري كحبيبة. وكحبيبة، يا كريم، كنت عايزة أعرف إزاي واحدة حامل منك؟ أنا كنت واثقة تمام الثقة إن ده حصل وإنت مش في وعيك. كريم في وعيه لا يمكن يخوني. مكنش عندي شك ولو واحد في المية في أخلاقك. كنت واثقة فيك، بس قلت أكيد خدروك، أكيد مش في وعيك. افترضت أي افتراض غير إنك تكون لمست واحدة غيري. بس من جوايا، كان ده واجعني. حتى لو مش في وعيك، فكرة إن واحدة شاركتني فيك #لاني. فلما عرفت الحقيقة، وعرفت إن ده كله شغل دكاترة، وإن حبيبي ليا أنا لوحدي، حسيت براحة لا يمكن تتخيليها. فلا، يا كريم، أنا ما شكيتش فيك للحظة، بس ارتحت نفسيًا، وغروري وصل لحد السما لما عرفت الطريقة اللي حصل بيها الحمل. جوزي، حبيبي، ملكي أنا وبس، ومفيش واحدة قدرت تشاركني فيه، سواء في وعيه أو غير وعيه. إنت ملكي أنا وبس. كنت بدعي ربنا وأقوله: يارب، اظهرلي الحقيقة وخليني أقبلها كحبيبة قبل كزوجة. فربنا حفظك ليا، وحفظ طهر علاقتنا، وحفظك في عنيا. فآه، عنيا فيها راحة غير طبيعية. أي حاجة تحصل بعد كده مش مهمة، مش فارق معايا. المهم، إنت حبيبي وبس.”
أخذها في حضنه وفضل حاضنها كتير وهمسلها: “كنت خايف فعلًا يكون حد خدرني وعملت حاجة معاها، ومع الشخصية دي بالذات. لدرجة فكرت أ#ها مهما تكون العواقب. بس الحمد لله، إنتِ وبس في حضني. إنتِ وبس، يا أمل، ومش عايز غيرك أصلًا.”
بعدت عنه، واتقابلت نظراتهم. ابتسم وعلق: “تعرفي إن دي أول مرة تفضلي قدامي كده وتتكلمي معايا كده؟”
أمل كانت مبتسمة ومغيبة عن الواقع. فضلت للحظات تحاول تفهم هو بيتكلم عن إيه، ولما لاحظت نظرات عينيه، صرخت وشدت الغطا عليها. فضحك جامد، وأخذها كلها في حضنه: “بحبك يا أمل يا بنت عبدالله. بحبك، يا مراتي، ياللي بعد كل السنين دي بتتكسفي لسه مني.”

انت في الصفحة 2 من 6 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل