
سيف بعد اجتماعه مع المحامين رجع البيت مباشرة وطلع لهمس. كانت قاعدة على مكتبها، رفعت عينيها وبصتله نظرة عابرة ورجعت لكتبها.
سيف دخل وشاف موبايلها على الكومود، راحله وفتحه، لكنه كان مغلق. سألها: “قافلة موبايلك ليه؟”
ردت بدون ما ترفع دماغها: “مش عايزاه يزعجني وأنا بذاكر، ولا دي كمان عندك مانع فيها؟”
حط الموبايل من إيده وقرب منها: “هتفضلي تعانديني كتير؟”
همس سابت القلم من إيدها وقامت وقفت في وشه بتحدي: “هو كل ما هتنفس نفس بدون إذنك هتعمل اللي عملته ده؟ وتقولي بعاندك؟ بعاندك في إيه، هاه؟ أنا تقبلت حاجات لا يمكن حد يقبلها، فبطل تيجي عليا أنا! قال بعاندك قال؟ ده أقرب شيء قلتلك معاديه ليه رفضت تجاوبني.”
زعق قصادها: “قلتلك بعد امتحاناتك، محتاج أفوق شوية! السفر والمشاكل والشركة والخناقات وامتحاناتك ودلوقتي محاكمة شذى. كل اللي طلبته شوية وقت أعرف فيهم راسي من رجليا، بس شوية وقت.”
همس ردت ببساطة: “ما عارضتش، قلتلك خد الوقت اللي يناسبك، بس ما تقفش تحاسبني على النفس اللي بتنفسه. اتكلمت مع أستاذي كلمتين أو هو سألني في حاجة مش هتقف تعلقلي المشنقة.”
رد باستنكار: “أنا مش بعلقلك المشنقة.”
أكدت له: “لا، بتعلقها يا سيف. أسلوبك وكلامك وخناقك بيقولوا إنك بتعلقها. ولما أقولك اقفل الكلام طالما متعصب يبقى سيادتك تقفل الكلام ونتكلم لما نهدى. لكن تقف في وشي وتتخانق معايا وبعدها تيجي تقولي بعاندك؟ أي عناد ده؟ ومين بيعاند مين؟”
رفع راسه للسقف وزفر بضيق، بعدها قال: “طيب، ينفع نقفل كل المواضيع دي دلوقتي لحد ما يعدي امتحانك ويعدي كتب كتاب آية؟ بعدها نقعد أنا وإنتِ قعدة طويلة، اسألي كل أسئلتك وهجاوبك عليها كلها، ينفع؟”
بصتله للحظات، بعدها لفت تبعد عنه ورجعت لمكتبها بدون أي تعليق. مسك دراعها: “على فكرة، أنا بتكلم.”
ردت بتهكم: “وأنا سمعتك، وهنفذ اقتراحك، وهرجع لمذاكرتي. فسيادتك معترض ليه دلوقتي؟”
كان عايز يزعق، وبالفعل فتح بوقه علشان يزعق لكنه سكت. أخد كذا نفس يهدى علشان يتكلم بهدوء، لكنه قال بنبرة فيها تهديد: “بطلي تنرفزيني بالشكل ده وتعانديني لو سمحتي.”
بصتله بذهول: “برضه بنرفزك وبعاندك؟ ماشي، تمام، هبطل. ينفع تسيبني إذاكر وتطلع بره؟”
ردد بذهول: “أطلع بره؟”
أكدت: “أيوه، أطلع بره. لأنك بصراحة بتطلعني عن شعوري وبتحرق دمي لدرجة مش هتتخيلها، فلو سمحت.”
كان هيعترض تاني لكنه تراجع، وخرج بدون أي كلمة. قبل ما يقفل الباب سألها: “مش عايزة أي مساعدة في المادة اللي عندك؟”
ردت بدون ما تبصله: “عندي machine وإنت بتكرهها، فشكرًا.”
قفل الباب وفضل واقف بره شوية. لمحته هوليا فقربت منه: “صالحتها ولا كملت عليها؟”
رد بغيظ: “كملت عليها.”
ابتسمت وربتت على كتفه: “تعال نتمشى شوية في الجنينة، ولا وراك شغل؟”
سيف باس راسها بحب: “وراي مشوار الأول، خليني أخلصه وبعدها نقعد مع بعض. بس سبيدو منتظرني.”
مؤمن راجع البيت بالليل، ومتعود يرجع متأخر علشان يسيب الكل على راحتهم. وهو داخل لمح حد واقف جنب البيسين، فراح ناحيته لأنه افتكرها ناهد، بس لما قرب شاف إنها سما. حاول ينسحب بهدوء، لكنها أخدت بالها منه ورحبت: “أهلًا يا باشمهندس.”
مؤمن اضطر يرد: “إزيك يا دكتورة؟ إيه، بتفكري تنتحري جوه حمام السباحة ولا إيه؟”
سما استغربت: “#؟ ليه؟” وفجأة علقت بغيظ: “هي والدتي قالتلك على فسخ خطوبتي ولا إيه؟ لعلمك، أنا مش زعلانة عليه، هو كان راجل متخلف أصلًا، مكنش عنده شخصية قصاد مامته وبتمشي كلامها عليه وعليا وانا مقبلتش ده ولا يمكن كنت اقبله وكفاية كده.”
مؤمن بنفس الاستغراب: “محدش قالي حاجة، أنا بس كنت بهزر مش أكتر.”
سما اتنهدت بتراجع: “سوري يا باشمهندس، بس والدتي شايفة إن فسخ خطوبتي ده نهاية الكون، وإنه كان عريس لقطة ومش هلاقي زيه تاني، زي ما يكون ما اتخلقش غيره. مش عارفة لحد إمتى هنفضل نقيم الراجل بفلوسه ومركزه، مش بشخصيته وأخلاقه وتعليمه.”
مؤمن علّق: “والله يا دكتورة، للأسف الجواز ده أنا كنت مقتنع إنه اختيار، فلازم تختار صح. بس بعد تجربتي اكتشفت إنه رزق من ربنا ونصيب. ممكن تختاري حد محترم جدًا ومتدين ومتعلم، وبرضه ما تنجحوش سوا. فبقيت مش عارف، المفروض الاختيار يكون بناءً على إيه؟”
سما فكرت شوية: “حب، أعتقد؟ الحب هيخلينا…”
قاطعها بتهكم: “هيخلينا إيه؟ نتقبل ظروف بعض؟ نفهم بعض؟ هيعمل إيه الحب؟ بديت أحس إن حتى الحب ده أكذوبة بنضحك بيها على بعض. لا الاختيار الصح نفع، ولا الحب نفع، ولا الفلوس نفعت. مفيش حاجة نفعت. الواحد بدأ يسأل نفسه: طيب، إيه الحكمة من ده كله؟ الحب والجواز، ودلوقتي الطلاق؟”
سما بصتله كتير: “طيب، إيه؟ نرتبط ببعض بناءً على إيه؟ إنت بتسودها في وشي ليه أكتر ما هي سودا؟”
ابتسم بأسف: “سوري، بس الدنيا كلها حاليًا سودا، فمش شايف أي ألوان تانية.” سكتوا الاتنين بعدها، وهو تراجع: “هسيبك تكملي تأملاتك في الحياة، وربنا يوفقك وتصبحي على خير.”
مشي خطوة، لكنها علّقت: “أعتقد الحكمة في حالتك هي إيان. يعني أنا اللي شخص غريب بالنسبة له، بس لما بشوفه هو وإياد بيجروا ويضحكوا ضحكتهم الجميلة دي، بلاقي نفسي ببتسم. مهما أكون متضايقة أو متنرفزة، ببتسم. فما بالك إنت والده؟ فأكيد حكمتك هي إيان.”
هنا هو ابتسم والتفت لها تاني: “إيان أجمل حاجة ربنا رزقني بيها. ولو هو اللي طلعت بيه من تجربتي دي، فهو كفاية.”
انسحب بعدها وسابها، ودخل للعيال، شافهم نايمين ببراءة. قعد جنبهم شوية، بعدها راح لأوضته.
سيف مع سبيدو قعدوا يتكلموا كتير عن قضية شذى وخططوا أكتر، لكن بعدها سيطر الصمت عليهم. سيف كان غارق في أفكاره عن همس والخناق اللي حصل بينهم، وسبيدو ملاحظ ضيقه بس احترم صمته لحد ما حس هو نفسه بالضيق: “يا تتكلم يا تقوم تمشي؟”
سيف رد عليه بذهول: “نعم؟”
سبيدو ببساطة: “يا تتكلم يا تمشي، أما قعدة الندامة دي صراحة تخنق. مبعرفش أقعد ساكت كده، فيا تتكلم يا تسيبني أقلب رزقي.”
سيف بغيظ: “تقلب رزقك إزاي يعني؟”
سبيدو كشر وحاول يوضح: “أقلب رزقي في شغلي. على فكرة، ده قصدي. ولا سيادتك مش واخد بالك إني النهار كله بكون في المصنع؟”
سيف وقف: “قلب يا سيدي رزقك. سلام.”
سبيدو استوقفه: “إنتو معندكوش امتحان بكرة ولا إيه؟”
سيف استغرب: “عندنا، بس ليه؟”
سبيدو باستغراب أكتر: “يعني اللي أعرفه إنك بتساعد وبتذاكر معاها، فليه قاعد شايل طاجن ستك ومشيلني الهم معاك؟”
سيف بذهول: “إيه هو طاجن ستي اللي شيلتهولي؟”
سبيدو ضحك: “هو المثل بيتقال كده. هي دي كمان هتستفسر فيها؟ أما بيلاقوا حد قاعد حاطط إيده على خده وشايل الهم بيقولوله شايل طاجن ستك. هتقول ليه؟ هقولك معرفش.”
سيف أخد نفس طويل قبل ما يرفع إيده: “بقولك إيه، سلام. أنا مصدع وعايز أنام.”
سبيدو: “مش عايز تقولي يعني متخانقين ليه وسايبها ليه وهي عندها امتحان؟”
سيف فضل ثابت مكانه شوية قبل ما يرفع راسه يبصله: “حاتم كل ما بشوفه عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي، وخصوصًا لو بيتكلم معاها. فبلاقيني بروح أتنرفز عليها هي، وهي مش فاهمة أنا مالي ولا في إيه. بتحول لكائن غبي.”
سبيدو باستغراب: “ولما إنت عارف إنك غبي ليه مش بتسكت ولا تبعد لحد ما تهدى؟ والأهم من كل ده، ليه مخليتوش يتفصل بعد الفضيحة أياها؟ كان ممكن يتفصل بسهولة، وإنت عارف ده كويس.”
سيف بص للأرض بزعل وبعدها رد: “هتصدقني لو قلتلك مش عارف؟ بحاول أقنع نفسي بأي مبرر، بس الحقيقة إني مش عارف. ساعات بقول أنا غلطان، كنت فصلته وارتحت. وساعات أقول لا، ما يستاهلش يتفصل، يمكن يجد في الأمور أمور. لكن، مش عارف.
سابه ومشي راح البيت. قبل ما يدخل أوضته، عز وقفه وشده على المكتب: “اقفل حوار حاتم ده، وإلا هتدخل أنا وأبعده تاني زي ما بعدته زمان. بطل تخليه يلعب بيك وبمراتك ويبعدكم عن بعض. إنت أذكى من كده يا سيف.”
سيف بصله كتير قبل ما يعلق: “كنت أقدر أفصله من الجامعة، بس لقيتني اترددت. مش عارف ليه؟”
عز رد بحزم: “لأنك بتحمل نفسك ذنب مش ذنبك.” مسكه من ياقة قميصه وأضاف: “مش ذنبك اللي حصل يا سيف، ففوق قبل ما تضيع اللي في إيدك.”
سيف بحزن: “لو مش ذنبي، ذنب مين؟”
عز زعق: “اقفل القصة دي وبطل تتكلم فيها. عندي استعداد تام أبعد حاتم تمامًا من مصر كلها، مش الجامعة بس. فبطل تخليه يلعب بيك. لو مش علشانك، فعلشان همس اللي سايبها النهار كله بعد خناقك معاها بتخلف وسط امتحاناتها.”
سيف بص للأرض بصمت، فعز تنهد : “اطلع خد شاور، وخد مراتك في حضنك، واعتذر مجرد اعتذار بسيط على نرفزتك عليها، واقفل الحوار ده.”
سيف طلع أوضته. همس كانت مركزة في أوراقها اللي مالية المكتب كله، لدرجة إن في أوراق واقعة حوالين المكتب على الأرض. حمحم علشان يلفت انتباهها. بصتله للحظات، وبعدها رجعت تبص لأوراقها: “حمد لله على السلامة.”
قرب منها، وطى عليها وباس راسها: “الله يسلمك. هدخل أخد شاور، عايزة حاجة؟”
نفت بإشارة من راسها، لكنها كانت بتراقبه وهو داخل الدريسنج يقلع بدلته بإرهاق، وبعدها اختفى في الحمام. لحظات وسمعت صوت المية.
رجعت لأوراقها، بتحاول تصرف عقلها عن التفكير في أي حاجة تخص سيف أو مشاكله، لأنه مش وقته.
خرج من الحمام، لبس هدومه، وحط برفانه المميز. قرب منها، شد كرسي وقعد جنبها: “عاملة إيه في الماشين؟”
كانت عايزة تفضل متعصبة، لكن نظرة واحدة لوشه شافت مدى إرهاقه وتعبه، وحست بكمية المشاكل اللي حواليه. هي عارفة كويس إنه بيحبها وبيقدرها وبيعشقها، وعارفة بكمية الضغوط اللي عليه. فيها إيه لو اتعصب شوية عليها؟ أهو قدامها بيحاول. رجوعه العصر كان محاولة، ومحاولاته لإسعادها وإرضاءها مش بتنتهي أبدًا. هو بيحبها، وهي عارفة ده كويس، فالمفروض تعذره لما يفقد سيطرته شوية على أعصابه. لاحظ إنه منتظر إجابتها، ولما صمتها طال، كرر: “للدرجة دي المادة صعبة؟ ولا زعلانة وبتحاولي تاخدي قرار تكلميني ولا تفضلي زعلانة؟”
مكنش غريب عليها إنه يفهم أفكارها، فردت وهي بتبص لأوراقها: “مش زعلانة أوي يعني، أو زعلانة بس مش لدرجة أقاطعك. غير إن المادة رخمة ومش بحبها.”
قرب بكرسيه أكتر: “أساعدك إزاي؟ أنا بكرهها آه، بس بفهم فيها كويس.”
تمتمت بتهكم: “دلوقتي بتقول؟”