
أسئلة سيف فضلت متعلقة بدون إجابات، والصمت مسيطر على الكل، صمت قاتل. سيف قطع الصمت ده: “قولت هتجاوبني، فاتفضل.”
عز أخد نفس طويل قبل ما يقدر يرفع راسه يبص لسيف: “كل اللي هقدر أقولهولك إنك ابني البكري، مش ابن حرام، وأي حاجة تانية مش مهمة.”
سيف بصله كتير منتظر باقي كلامه، لكن عز سكت، فبص لسلوى اللي غمضت عينيها ودموعها نازلة وباصة للأرض. بعدها بص لهوليا اللي برضه هربت من نظراته. سيف حرك دماغه بتفهم لحالهم، بعدها وجه كلامه لعز: “ده بس اللي هتقوله؟”
عز ابتسم بحزن: “خليل انسان مش كويس، انسى مقابلتك له، والشركة هنأمنها ومش هيقدر يعمل حاجة، واقفل حواره تمامًا.”
سيف وقف وبصرامة كرر: “ده بس اللي عندك هتقوله؟”
عز رفع راسه بحدة: “ده اللي عندي يا سيف.”
سيف وقف وهيسيبهم ويتحرك، فعز سأله بفضول: “انت رايح فين؟ إحنا مخلصناش كلامنا.”
سيف بهدوء مزيف: “هطلع أقول لهمس تلم كتبها علشان نروح شقتنا.”
عز وقف وزعق: “بطل تستعمل أسلوب التهديد ده معايا.”
سيف بصله وزعق زيه: “مش بهدد، بس صراحة اكتفيت من اللف والدوران والكذب. خليل قالي خد مراتك وامشي وهخرجك بره الحوار ده، وصراحة قررت أصدقه هو، بما إن أقرب الناس ليا مش مبطلين كذب وخداع.”
عز زعق: “أنا ما بكذبش عليك.”
سيف زعق زيه: “بتخبي الحقيقة، وبالنسبالي ده ما يفرقش عن الكذب.”
عز تراجع في حدته: “مش لازم كل حاجة تعرفها، انت ابني وده اللي يفرق معاك، وكفاية تعرف إن خليل إنسان كذاب وملاوع.”
سيف بإصرار: “لا مش كفاية، مش كفاية أبدًا إنك تقولي أنصاف حقايق وفي المقابل أضحي بحياتي كلها.”
عز بدفاع واهن: “ما طلبتش منك تضحي بحياتك.”
سيف زعق بغضب: “لما طلبت مني أتجوز شذى كنت بتضحي بحياتي، لما كنت بتتخانق معايا كل يوم كنت بتضحي بحياتي، لما خلتني أرتبط بشذى كنت بتضحي بحياتي، لما رفضت أسيبها كنت بتضحي بحياتي، لما كنت بتحاربني في كل لحظة كنت بتضحي بحياتي. إنتو حتى بعد ما عرفتوا بحبي لواحدة تانية برضه كنتوا بتضحوا بحياتي. لما عصام حاول يقتلني وبعدها بنته حاولت تقتل همس، ده كنت بتسميه إيه؟ هاه؟ فما تجيش دلوقتي تقولي ما طلبتش منك. خليل طلبك صراحة، فيا أسلمك له يعمل فيك ما بدا له، يا أقف في وشه، بس قبل ما أقف في وشه لازم أعرف أنا بقف في وش مين؟”
عز باستسلام: “سلمني له، أنا سبق وقلتلك سيبني آخد جزاتي واتحبس، ودلوقتي هقولها تاني: سلمني له لو دي نهاية الحرب بتاعته. سلمني لخليل.”
سيف بص للسقف بغضب بيحاول يسيطر عليه، وبعدها بصلهم: “مش عايز أحلف ومش عايز أعلي صوتي عليكم، ولا أخرج بره البيت ده، لأني بجد المرة دي مش هرجعه، فأرجوكم بلاش تعملوا ده فيا.”
سيف راح قصاد سلوى، قعد على ركبته في الأرض، وحط إيديه على الكرسي حواليها وحاصرها: “قوليلي، أنا ابن حرام؟ اتجوزتي أبويا علشان بتحبيه ولا علشان حملك فيا؟”
سلوى بعياط: ” انت ازاي قادر تسألني سؤال زي ده؟”
سيف بقهر ابتسم: “لأن محدش بيروح لحد يقوله ‘انت ابن حرام من فراغ. مفيش دخان من غير نار. قوليلي الحقيقة.”
سلوى بعياط: “لو سألتني ألف مرة، إجابتي مش هتتغير.”
سيف قام من قدامها وراح لهوليا: “عمرك ما كذبتي عليا. أخدتي فترة طويلة جدًا ما بتكلميناش ومقاطعانا، لدرجة تخيلتك مش عايشة أصلًا. وبعدها لما سافرنا أول مرة لعندك في تركيا، استغربت ليه أبويا أخدني أنا وآية بس وأمي لأ. بس فاكر كويس أوي إنك كنتِ بتهربي دايمًا من أسئلتي. اتحججتي باللغة وعملتي نفسك ما بتفهميش عربي علشان ما تتكلميش معايا ولا تردي عليا، مع إني كنت بسمعك بتتكلمي عادي مع أبويا ومع آية. بعدها سيبتك تمثلي الدور إنك ما بتفهميش عربي. اتكلمتي مع إبنك بالإنجليزي، بس هو حذرك ساعتها إني بعرف إنجليزي كويس. ولأن أبويا ما بيعرفش تركي كويس ، اتكلمتوا ساعتها بالفرنش. وبعد ما نزلنا مصر غيرت دراستي للألماني واخترت الفرنش واتعلمته علشانك. بس أبويا مكررش زيارتنا تاني لعندك غير بعد كذا سنة، ساعتها ما عرفتيش تعملي نفسك مش فهماني، واضطريتي تتعاملي وتتكلمي معايا. بس برضه فضلتي تهربي من كل أسئلتي. بعدها بدأتي تصديني علشان أبطل أسئلة وأبطل أحاول أقنعك ترجعي معانا لمصر. وتقريبًا ما اتصاحبناش غير بعد ما سافرت بره مصر الفترة اللي قعدناها أنا وانتِ بره وأنا في كليتي. عاملتيني كصاحب، واعتبرتك صاحبة ليا. عودت نفسي أقولك هوليا.”
سكتوا والكل فضل ساكت، محدش بيعلق ولا بيتكلم. سيف بصلهم كلهم، الكل باصص للأرض، الكل مغمض عينيه. سلوى بتعيط باستمرار، وعز ساند وشه على إيديه بتهالك.
سيف رجع لهوليا بنظرة: “ليه سيبتي بيتك؟ ليه سيبتي ابنك الوحيد وأحفادك؟ أمي حبت ابنك ولا حبت خليل وحملت منه؟”
هوليا ابتسمت بقهر وسمحت لدموعها المتحجرة تنزل، مدت إيدها براحة ولمست وشه: “انت مختلف، في كل حاجة مختلف. انت ذكي… لا، مش ذكي، انت عبقري، منظم، شاطر من الأوائل. إنسان بسيط وبتحب البساطة، رفضت تدخل جامعة خاصة وأصريت تدخل حكومية، وصاحبت ناس عادية، وذاكرت واجتهدت علشان تتعين معيد. سافرت بره، اشتغلت وأصريت تصرف على نفسك، ما أخدتش جنيه واحد من ملايين أبوك. ولما رجعت…” (ابتسمت أكتر) “حبيت بنت عادية شبهك، بنفس طموحك. انت فخر لأي أب وأم. ما تقولش ابن حرام دي وما تفكرش فيها. أنا من البداية ما حبتش سلوى ولا حبيت علاقتها بعز وخليل. كنت بكره صحوبيتهم المفتوحة أوي دي. حاولت أبعدها عن بيتي وعيلتي، بس أبوك حبها، واتفاجئت بيه عايز يتجوزها. ولما خطبها غصب عني، خليل جه لعندي وقالي إنه بيحبها وهي بتحبه، ومش عارف ليه عملوا كده؟ وليه مصرين يتجوزوا بسرعة بالرغم من إنهم لسه في الجامعة؟ حاولت أقنع أبوك ينتظر بس رفض، وبمجرد ما اتجوزوا أعلنوا عن الحمل فيك. وساعتها خليل قال إن ده سبب سرعة جوازهم. حاولت أقبل سلوى، بس فضلت علاقتها مستمرة بخليل، وده خلاني مش قادرة أقبلها. خليل سافر بعدها فترة والدنيا كانت مستقرة نوعًا ما، بس بعدها بكام سنة رجع من تاني ، ساعتها قرروا يسافروا فسحة لوحدهم. سابوك إنت وأختك معايا وسافروا. بس بعدها اتصدمت لما عرفت إن خليل معاهم، وأبوك اللي رجع. قضوا رحلتهم ورجعت حامل تاني، لكن الحمل سقط، وخليل قالي إنها كانت حامل في إبنه وهي اللي سقطت نفسها.”
سكتت لوهلة ومسحت دموعها وكملت: “مكنش بايدي حاجة اعملها ، ابوك ومتمسك بيها وأنا سبتلهم البيت ورجعت بلدي لحد ما انت كبرت واتخرجت وبقيت راجل يعتمد عليه ، ساعتها سافرتلك بره مخصوص لما عرفت إنك بتشتغل وبتصرف على نفسك. كنت جاية أقولك حقيقة والدتك وخيانتها المستمرة لأبوك، بس عملت حادثة وتعبت ورجلي اتكسرت. فاكر يا سيف؟”
سيف قعد على الأرض وساند بإيديه على ركبته ضامم نفسه وباصص للأرض، وهي كملت: “كنت جاية أقولك حقيقة سلوى، وإنها خاينة، وإن ده سبب إني سيبت بيتي. بس عملت الحادثة ولقيتك جاي تجري عليا، أخدتني شقتك وشلتني حرفيًا من على الأرض. كنت بتشيلني تخرجني، وتشيلني تمشيني في الجنينة، وتشيلني تطلعني البلكونة. ولقيتني غصب عني مش عايزة أجرحك، ولا أقولك أي حاجة تزعلك أو تخليك تفكر ما ترجعش مصر تاني، لأنك ساعتها كنت بتشتغل في الجامعة ومستقل بحياتك ماديًا. فسكت.”
بصتله بحب وأضافت: “إنت بتحب عيلتك، وراجل يعتمد عليه، وهتشيل أبوك لو وقع زي ما شلتني. وعز ما خلفش غيرك انت وآية. فقولت خلاص، خليه بيحب عيلته وخليه يرجع بيته، وبلاش يعرف حقايق هتدمره وتكرهه في أهله. ولو أبوك وقع، تشيله وتكون سنده، وتشيل العيلة كلها.”
سلوى أخيرًا وقفت ومسحت دموعها ونطقت: “شالها لأنه إبن عز الصياد. شالها لأنه اتربى صح. اتربى بين أب وأم بيحبوا بعض. من زمان بتتهميني، ومن زمان بقولك إن خليل كداب، بس انتِ على طول بتصدقيه. فكفاية بقى، وإلا…”
هوليا وقفت: “وإلا إيه؟ هتطرديني تاني من بيتي؟”
سلوى زعقت: “ما طردتِكيش أولاني علشان أطردك تاني. انتِ اللي مشيتي، انتِ اللي خيرتي ابنك ومشيتي.”
هوليا بتهكم: “شُفتِك في حضنه. مكنتيش بتفارقيه. في النادي، في خروجاتكم، في حفلاتكم. والقاضية لما شُفتِك هنا في أوضة نومك في حضنه.”
سلوى صرخت: “مكنتش في حضنه! انتِ شُفتِ اللي انتِ عايزة تشوفيه.”
سلوى قعدت قصاد سيف في الأرض، مسكت إيديه، بعدتهم ورفعت وشه. مسكته بإيديها الاتنين وبإصرار: “مفيش راجل في الكون ده كله لمسني غير أبوك. انت مش ابن حرام، انت فاهم؟ أوعى تسمح لحد يكسرِك ويحط وشك في الأرض. عمري ما حبيت حد غير أبوك. هي غلطانة، وأبوك سبق وصدقني زمان.”
سيف مكنش عارف يفكر: “خليل، علاقتك بيه إيه بالظبط؟”
سلوى أخدت نفس طويل: “كان صاحب مقرب ليا. كنا أصحاب أنا وهو وأبوك في الجامعة. حبيت عز وهو حبني. يوم خطوبتنا خليل جه واعترف بحبه ليا، بس رفضته وقلتله إني بحب عز وهرتبط بيه. جه تاني يوم واعتذر وقال إنه كان شارب وما يقصدش أي حاجة من الكلام اللي قاله وطلب نفضل أصحاب، وصدقته. مكنتش أعرف إنه راح لهوليا وقالها هي كمان إنه بيحبني وأنا بحبه. وعلشان كده فضلنا أصحاب إحنا الثلاثة. اتجوزنا وإحنا لسه في الجامعة، وحملت فيك على طول بعد جوازنا، وخليل فضل صاحب للعيلة. عز بعد ما اتخرج استلم شغل أبوه وبدأ يكبر الشركة، وخليل كمان كان عنده شركة أبوه واشتغلوا مع بعض. وطلعنا مرة سفرية فسحة في باخرة مع بعض، حجزنا فيها أنا وأبوك، وكنت متواعدة أنا وصحباتي نطلع الرحلة دي مع بعض كلنا. الباخرة كانت هتاخد أربع أيام في المية، وكان مخططين لبروجرام الرحلة كله. وقتها أبوك حصلت مشكلة في الشغل واتصل بيا وقال لي إنه مش هينفع يسافر ولازم نأجل الرحلة، بس رفضت وقلتله إني هطلع الرحلة وهو يتصرف وييجي. مفكرتش غير إني عايزة أروحها مع شلتي وأصحابي. تخيلت إنه لما أصر عليها هيجي معايا، لأنه دايمًا بيتحجج بالشغل في كل حاجة. لكن اتصدمت لما الباخرة اتحركت وهو مش فيها، واتصدمت أكتر لما لقيت خليل على الباخرة معانا. قال إنه مكنش يعرف إني في الباخرة دي وإنها مجرد صدفة. معرفتش أعمل إيه، والباخرة كانت اتحركت.”
هوليا كملت: “ورجعتي بعد السفرية دي وقلتي إنك حامل، وجوزك مكنش معاكي أصلًا.”
عز بص لأمه: “روحتلها وكملت الإجازة معاها. لما رفضت تنزل من الباخرة زعلت منها وكنت قررت إني مش هسافرلها، بس بعدها عرفت إن خليل سافر على نفس الباخرة، فاتجننت ومكنتش عارف أعمل إيه. أخدت أول طيارة وقابلتهم في أقرب ميناء هتوقف فيه الباخرة. مش هنكر إن الشك دخل في قلبي ناحيتهم، بس كانت فترة وعدت، لأن سلوى طول عمرها بتهتم بأصحابها ورحلاتها واللبس والموضة والمنظرة أكتر من أي حاجة تانية، غير إن الخيانة مش في طبعها. آه اختلفنا لفترة، بس بعدها كان لازم أحافظ على مراتي وبيتي وعيالي.” (بص لهوليا) “كان لازم أحافظ على بيتي، وده اللي خلاني سافرتلها ساعتها طيران.”