
سيف خلص مكالمته وطلع لمروان اللي كان قاعد مستنيه، وبعد ما دخل وقف وسأله: “كل دي مكالمة؟”
سيف قعد قصاده ورد بمغزى: “بعيد عنك في ناس عندها مشاكل حقيقية، مش وهمية.”
مروان بغيظ: “وسيادتك بقى اللي حددت إن مشاكل غيرك وهمية؟”
سيف بغيظ مماثل: “إيه مشاكلك؟ ها؟ جوز أختك مات؟ الله يرحمه، بس فين مشكلتك؟ مش قادر أفهم إيه علاقة ظروف أختك بانفصالك عن هالة؟”
مروان بتهكم: “يعني إيه علاقتها؟ مش أختي؟ راجعة بعيالها؟ هتعيش معانا، والعيال دول أبوهم مات، تقدر تقولي مين مسؤول عنهم؟”
سيف رافض يفهم المعنى اللي وصله: “يعني إيه مين مسؤول عنهم؟ إنت ووالدتك هتساعدوا أختك على قد ما تقدروا، بس ده ما يمنعش يكون عندك حياة خاصة.”
مروان قام، بص من البلكونة وقال بزهق: “إنت مش هتفهم.”
سيف قام وقف جنبه بهدوء: “طيب فهمني، من إمتى كنت الغبي المقفل اللي ما بفهمش؟”
مروان برر بسرعة: “ما قلتش إنك غبي مقفل.”
سيف استنكر: “مش بتقول مش هفهم؟ ليه مش هفهم؟”
مروان جاوب بهدوء: “علشان إنت بتشوف الأمور من منظور تاني، وممكن ما تفهمش ظروفي علشان ظروفنا المادية مختلفة، فإنت مش هتفهم مشكلتي.”
سيف بصله لوهلة بذهول وبعدها رد باستنكار: “إنت عايز تفهمني إن مشكلتك مادية؟ ده بجد؟ مسؤوليتك عن ولاد أختك هتعملك مشكلة مادية، فروحت زي المتخلف بدل ما تشوف حل وتتكلم، تدمر حبيبتك وتدمر نفسك معاها؟ صح؟ ده الحل العبقري اللي وصلتله؟”
مروان اتنهد بقلة حيلة: “ما عنديش حلول، ومش حابب أظلم هالة معايا. إيه اللي يجبرها تعيش في بيت زي ده؟ ولا تتحمل أختي بعيالها؟”
سيف باستنكار: “إيه اللي يجبرها؟ يجبرها حبك، يجبرها رغبتها إنها تفضل مع حبيبها. وبعدين ليه إجبار؟ ليه ما تسميهوش بمسماه الأصلي؟ حب مش إجبار. اللي بيحب حد مستعد يعيش معاه على الأرض ويأكل لقمة عيش يحمد ربنا عليها. إنت من إمتى تفكيرك مادي؟”
مروان بضياع: “تفكيري مش مادي، بس زي ما قلت، طبقتك مختلفة، فمش هتفهم.”
سيف ضرب كف بكف بنزق: “شوف تاني هيقول طبقتي! مروان، أنا عشت خمس سنين برا مصر، ما أخدتش من أبويا وفلوسه مليم واحد، وحبيت أعتمد على نفسي، واشتغلت بجانب دراستي، وإنت عارف الكلام ده كويس.”
مروان بتوضيح: “اشتغلت تصرف على نفسك، مش على أسرة كاملة في رقبتك. غير كده كنت عارف إنك مسنود لو وقعت.”
سيف اتنهد بغيظ وردد: “عارف إني مسنود؟ وإنت؟ مش مسنود؟ مش شغال في شركة من أكبر شركات الشرق الأوسط؟ مرتبك فيها مش كفاية؟ لو طلبت…”
قاطعه مروان بحزم: “مش عايز أطلب مساعدة منك، وعلشان كده ما عرفتكش أي حاجة من زمان. بس نزول منار غير كل الخطط. أنا بقالي سنة كاملة ببعت فلوس لمنار علشان مرض جوزها، وتقريبًا صرفت معظم فلوسي.”
سيف ببديهية: “هي مش منار جوزها كان شغال؟ يعني أكيد نازلة بفلوس، ده غير إن ليها تعويض نهاية خدمة وتأمين وحاجات كتيرة لواحدة في ظروفها.”
وضح بحرج: “جوزها تعب بقاله أكتر من سنة وشبه صرف كل اللي وراه واللي قدامه في المستشفيات. ومنار راجعة يادوب معاها حاجات بسيطة. ده غير إني طول السنة اللي فاتت كنت على تواصل بيها وببعتلها كل شوية فلوس. لما خطبت هالة قلتلها مش هقدر أبعت أكتر من كده ومحتاج أفوق لنفسي ومستقبلي. ولا يمكن تتخيل أنا حاليًا كاره نفسي إزاي لأني قلتلها الكلام ده! يمكن لو ما كنتش اتخليت عنها وكنت أناني كان ممكن جوزها يفضل عايش. نصيبي كده أعيش لأهلي، هالة كانت حلم حلو وصحيت منه. بتمنى بس هي تقدر تسامحني وتكمل.”
سيف قاطعه باستنكار: “تكمل حياتها من غيرك؟ ده اللي إنت متخيله؟ دي حلولك لمشاكلك؟”
بصله بتأكيد: “أيوة، ده اللي في إيدي أعمله.”
سيف برفض قاطع: “لا طبعًا، دي مش حلول. دي تضحية فارغة مالهاش تلاتين لازمة، يا إما إحساس جواك إنك عايز تعيش دور الضحية، اللي هو شمعة تحترق من أجل إسعاد الآخرين.”
مروان بصله بغيظ: “دور الضحية؟ ده بجد؟ إنت رخم وبايخ وما بتحسش بغيرك. إنت جاي ليه يا سيف؟ ما تروح تشوف وراك إيه؟”
سيف بغيظ: “جاي لواحد عنده تخلف عقلي.”
قبل ما يرد الباب خبط ودخلت وداد شايلة صينية، حطتها قدامهم بابتسامة: “أنا قلت تتعشوا مع بعض، الواد حابس نفسه من الصبح في أوضته، يمكن إنت تخليه يتعشى. ده ما اتغداش حتى.”
سيف بص للصينية اللي عليها محشي بأنواعه، مد إيده وأخد صباع ورق عنب وهو بيقول بمرح: “حتى لو هو ما اتعشاش، أنا هتعشى. أيوة هتعلق لما أروح لما تعرف إني بعتها، بس المحشي ما يتقالهوش لا.”
وداد ربتت على كتفه بحنان: “بالهنا يا حبيبي، وهمس هبعتلها عشاها. المهم، يلا اتعشوا.”
سيف بص لمروان: “يلا يا بطل، اتعشى، ونكمل الغباء بتاعك بعد الأكل.”
مروان رد بغيظ: “اتعشى إنت وروح لمراتك.”
وداد بصت لإبنها بعتاب: “إنت بقيت قليل الذوق كده من إمتى؟ الراجل جاي يطمن عليك ويشوفك، وإنت تقوله كده؟ في إيه يا مروان؟”
سيف بصله يغيظه: “أيوة في إيه يا مروان؟”
مروان بصلهم بضيق: “هتتفقوا عليا؟ عايزين مني إيه دلوقتي؟ أتعشى؟ حاضر، هتعشى.”
قعد قصاد سيف وهو بيجز على أسنانه: “اتفضل يلا نتعشى.”
سيف أخد نفس طويل وقال بهدوء: “إيه وجهة نظرك إنك تسيب هالة؟ مش قادر أربط الأمور ببعض.”
مروان رد بنرفزة: “مش قادر تربطهم بعد كل اللي قلته؟”
سيف وضح بجديّة: “فهمت كل كلامك، بس ليه دلوقتي تفكيرك اتغير؟ شغلك زي ما هو، ظروفك زي ما هي، إيه اللي اتغير؟”
مروان وقف بغيظ وقال: “إزاي شايف إن أموري زي ما هي؟ والبنتين اللي برا دول؟ مين هيصرف عليهم؟ بلاش نتكلم عن منار ولا عيالها. تخيل دلوقتي أطلب من هالة تيجي تعيش معانا هنا؟ بقينا بيت عيلة، وأنا مش…”
سكت وما كملش، ووداد قعدت على السرير وغمضت عينيها بحزن، بينما سيف رد بتهكم: “مش إيه؟ متخلف ولا غبي؟ قول اللي عندك.”
مروان رد بسخرية: “طيب اتفضل، يا سيف بيه، حرك عصايتك السحرية وقولي هتعمل إيه؟ هتديني مرتب زيادة؟ ولا سلفة؟ ولا تعتبرني حالة خيرية زي الحالات اللي بتتكفل بيها؟”
سيف بصله بتركيز وقال بجدية: “لو شايف إني ممكن أبصلك كحالة خيرية، يبقى همشي من البيت ده وما هدخلهوش تاني.”
وداد وقفت بسرعة تهدي الموقف: “طول عمره بيعتبرك أخ!”
سيف رد بهدوء: “واضح فعلًا إنه بيعتبرني أخ، بدليل إنه ما فكرش مرة يقولي عن مشكلة جوز أخته، ولا إنه محتاج مساعدة، ولا حتى ينقلوا لمستشفى أحسن. ده أكيد تصرف واحد بيعتبرني أخوه.”
مروان بنفس التهكم: “هتساعد إزاي؟ أديك عرفت اللي فيها، قولي هتعمل إيه؟ لو مش هتعتبرني حالة خيرية، هتساعد إزاي؟”
سيف بلوم: “بغض النظر عن نبرة التهكم اللي بتتكلم بيها، أنا لسه مش عارف برضه إنت فسخت خطوبتك بناء على إيه؟”
مروان ضرب كف بكف وحوقل، بعدها قال: “إيه الحل؟ مش هتهكم، كلي آذان صاغية، نورني.”
سيف رد بهدوء: “بدر كنت عايزه يشتغل معايا. طيب إيه اللي عملته معاه؟ هل اللي عملته ده معناه إني اعتبرته حالة خيرية؟ ولا الشركة كانت محتاجاه فزي أي شركة تغري حد يشتغل فيها، قدمنا مميزات ما يقدرش يرفضها؟”
وداد انتبهت وهي بتدعي من قلبها إن إبنها يقبل إيد سيف الممدودة.
مروان رد بنبرة مغزى: “هنضحك على بعض يا سيف؟ على ٱساس إني مش عارف إنك قلت كده لبدر علشان يوافق؟ وإننا ما بنوفرش سكن إلا للناس اللي بيجوا من بره البلد وعايزين نستفيد من شغلهم، ودول قلة أصلًا؟”
رد سيف ببساطة: “وفيها إيه؟ وتفتكر دورك أقل من اللي بيجوا من بره دول؟ إنت أحسن منهم كمان. إنت فرد أساسي في الشركة دي يا مروان، وإن كنت عملت كده مع بدر علشان أقنعه، فإنت مش محتاج أتحايل عليك علشان دورك كبير فعلًا.”
مروان سكت، فواصل سيف بعتاب: “طيب حضرتك، يا اللي تعتبر دراعي اليمين، لا مش هقول دراعي اليمين، إنت في الشركة أنا، إنت مكاني. عمري ما وثقت في حد أسلمه مكاني غيرك. ما بثقش في أبويا ولا أختي، لكن بثق فيك إنت. فإزاي تخيلت إني لو قدمتلك مكان تقعد فيه أو عربية أو رفعت مرتبك، إنه هيبقى كأنك حالة خيرية؟ إزاي بتفكر؟ فهمني لأني مش فاهم. قبل ما تاخد قرار وتروح للبنت اللي بتحبها وتقولها ما تلزمنيش، فكرت في إيه؟ بلاش، إزاي ما اتكلمتش مع صاحبك؟ مش هقول أخوك، هعتبر نفسي مجرد صاحب. إزاي ما اتكلمتش معايا قبل ما تعمل كده؟”
مروان بص للأرض بإحراج: “إزاي عايزني أتكلم معاك في حاجات زي دي؟”
سيف رد بذهول: “يعني إيه إزاي؟ مروان، إنت بجد ما بتعتبرنيش أخوك؟”
بصله ووضح: “ولو إنت أخويا إبن أمي وأبويا، رد فعلي ما كانش هيتغير. إنت من ساعة ما رجعت في حرب، بتعافر. في رقبتك آلاف، وبدون مبالغة، إنت مسؤول عنهم. إنت نفسك ضحيت بحب عمرك علشان ديون الشركة ولسه بتسد الديون دي. إنت لسه بتحارب يا سيف، إزاي عايزني أكون أناني وأقولك إديني؟ إزاي بالله عليك؟”
سيف حرك راسه بذهول: “إنت بجد ده تفكيرك؟ يعني لو ما كنتش عارف البير وغطاه، وعارف إن الديون دي حجمها قد إيه، كنت قلت إيه؟”
مروان بعصبية: “ما هو علشان عارف الديون دي حجمها قد إيه، ما كانش ينفع أتكلم.”
سيف بعصبية مماثلة: “ده بالضبط اللي كان المفروض يخليك تتكلم. إنك عارف إن شقة أو فيلا الأمور دي كلام فاضي. لو إنت مش شايف نفسك مميز، فالصراحة مش عارف مين ممكن نعتبره مميز. إنت اللي مسؤول عن الأمور دي، إزاي ما فكرتش في حل من دول؟ لو موظف في الشركة وقع في ورطة أو أزمة، إنت اللي بتحلها مش أنا. إزاي وقعت إنت؟”
مروان لف وشه بعيد، متجنب مواجهته: “أنا برضه مش عارف إنت كنت متوقع مني أعمل إيه؟”
سيف رد بغيظ: “تاخد شقة تقعد فيها إنت ومراتك، وأعتقد بمرتبك تقدر تفتح بيتين وتطلب زيادة، الموضوع بسيط جدًا.”
مروان بتردد: “أصلًا مش هسيب أمي و…”
وداد قاطعته بغضب: “قسمًا بالله لو كملت الجملة دي يا مروان لأخرج من البيت ده وما أرجعلوش لحد ما أموت. هو أي سبب وخلاص! ولا على رأي الواد عايز أي حاجة تضحي فيها وخلاص؟ ماكنتش عايز تسيبني لوحدي؟ أختك رجعت هي وعيالها ماليين عليا البيت، امشي واتجوز وبطل حجج فارغة، ولو ينفع فعلًا تاخد شقة وافق.”
سيف أكد: “ينفع طبعًا.”
الباب خبط، والتلاتة بصوا ناحيته، فدخلت منار اللي سمعت كلامهم من صوتهم. استأذنت بحرج: “بعد إذنكم، باشمهندس سيف، لو حضرتك تقدر تساعدني أنا محتاجة أشتغل و…”
مروان قاطعها بغضب: “إنتِ مش هتنزلي تشتغلي، فاقفلي…”
وداد استنكرت: “تقفل ليه؟ خليها تنزل تشتغل! إنت عايزها تفضل قاعدة لابسالي أسود تعيط ليل نهار على جوزها الله يرحمه؟ إنت المفروض فكرت في الشغل ليها. أهي تحس إنها عايشة، تطلع وتخرج وتشوف ناس، وتربي بناتها بالشكل اللي هي عايزاه.”
مروان رد بغيظ: “يا أمي…”
وداد قاطعته: “بلا أمك بلا زفت!” (بصت لسيف) “لو قدرت تشوفلها شغل في أي مكان أو تتوسطلها يا ابني يبقى كتر خيرك ألف مرة.”
سيف بص لمروان بتهكم : “مش عايز أقولك إن الغبي ده هو المسؤول عن توظيف الناس عندي. يعني يقدر يشغلها ببساطة جدًا، ومش بس كده، يقدر يحطلها المرتب اللي يعجبه. الأمور دي تبعه.”
وداد بصت لمروان بعتاب: “يعني عاجبك حالها وهي قاعدة حزينة كده بدل ما تحاول تساعدها إنها تخرج من حزنها؟”
مروان رفع صوته: “يا أمي! جوزها لسه متوفي، يعني على الأقل تستنى شهور عدتها.”
سيف علق بهدوء: “بصي يا ست الكل، شغل منار محفوظ. وقت ما تيجي الشركة، هتشتغل. خليها تكمل شهور عدتها، لأن شغلها مش ضرورة حاليًا. لو عندها إخواتها الاتنين ومش هيسدوا معاها، فساعتها بس تخرج. أنا وافقت إنها تشتغل علشان الحياة تستمر.” (بص لمنار وكمل) “لكن دلوقتي ده وقت حداد على زوجك. فخدي وقتك، إنتِ مش محتاجة تشتغلي لا النهارده ولا بكرا. لكن أخوكِ يرجع للبنت اللي امتحانها بعد بكرا ويبوس إيديها ورجليها ويعتذرلها علشان ترجع لجامعتها.”
مروان تساءل باهتمام: “هي لسه ما رجعتش؟”
سيف رد بتهكم: “لا يا أخويا ما رجعتش. همس عملت زيها السنة اللي فاتت وماكانتش هتنجح في امتحان لولا ستر ربنا، فبلاش تكون إنت سبب في حاجة زي دي.”
وداد سألت بقلق: “طيب وهو هيصالحها إزاي يا سيف؟ هترضى تصالحه؟ طيب أبوها؟”
منار اقترحت: “أنا ممكن أروحلهم و…”
سيف قاطعها: “ماينفعش تخرجي إلا للضرورة. أخوكِ مش ضرورة، ده نتيجة غبائه. سيبولي أنا الموضوع ده. بكرا نروح لأبوها أنا وهو ونحاول نجيبها ونصلح الأمور.”
مروان بتردد: “طيب ولو ما وافقتش نتصالح؟”
سيف علق بتهكم: “برضه هترجع للامتحان، لأن ساعتها هتبقى عارفة إنك غبي بس بتحبها ولسه عايزها. فحتى لو ما رجعتش، يبقى بتتقل عليك شوية تأدبك، لكن هتركز في امتحاناتها.”
سكتوا كلهم، وسيف ختم: “طيب، أنا كده أقولكم تصبحوا على خير، ونكمل كلامنا بكرا في الشركة أنا والأخ ده.”
وداد شاورته على الأكل: “اقعد اتعشى الأول.”
ابتسم: “تسلميلي يا ست الكل، بس مش هقدر. بعدين همس زمانها مستنياني.”
وداد أصرت عليه، ولما فضل رافض، راحت بسرعة جهزت علبة وحطت فيها أكل ليهم هما الاتنين وصممت إنه ياخدها معاه.
سيف رجع البيت، وأول ما دخل لقى عز وسلوى مستنيينه، والمرادي مصرين يعرفوا إيه اللي حصل معاه وليه بيتجاهلهم