
قفل وبص لحماه: “أنا لازم أنزل يا عمي، علشان زي ما أكيد فهمت إبن مؤمن مختفي ومحدش عارف حاجة عنه، وكلنا بندور عليه. هتفضلوا هنا كلكم تمام؟ لو لأي سبب هتخرجوا، كلموني، وهبعت حد يوصلكم.”
همس مسكت دراعه: “إبن مؤمن ماله؟ وفي إيه لكل ده؟”
شد دراعه منها بغيظ وبصلها: “مختفي، جراله إيه؟ محدش عارف. تاه؟ اتخطف؟ هو فين؟ إيه اللي حصل؟ محدش عارف.”
مشى خطوة ووقف يفكر للحظات، بعدها رجع وقف في وشها وبتحذير لأول مرة يتكلم بيه معاها: “لو خرجتي برا بيتي تاني لأي سبب، يا همس، مهما كان، مش هترجعيه تاني.”
بصتله بصدمة وعينين واسعة مش مستوعبة اللي هو قاله. قبل ما تنطق أو تتكلم، فاقت على صوت الباب بيترزع. بصت لأبوها: “هو بجد قال لو خرجت ما ارجعش؟ ولا أنا اتهيألي؟”
خاطر قعد بتهالك: “هو قال، وعنده حق في اللي قاله. ماهو لو كل يوم هيدور عليكي بالشكل ده وتجننيه، يبقى بلاها منك خالص. ليه خرجتي من غير ما تعرفيه؟ هيجرالك إيه لو قولتي له رايحة أعمل كذا؟ نازلة لكذا؟ يعني وسط كل المصايب اللي هو فيها، إنتِ ليه أكبر مصايبه دي؟”
همس بغضب: “أنا أكبر مصايبه؟ أنا ممكن أخلصكم مني خالص، ومن بكرة هنزل أدور على شغل وأشتغل، ومش عايزة لا من حضرتك ولا منه أي حاجة.”
خاطر وقف: “إنتِ بتقولي إيه؟”
همس موجوعة وعنيها مليانة دموع: “إنت بتبعتلي فلوس وتيجي تقوله عليها؟ بعتها ليه لما هتقوله؟”
خاطر قرب، لكنها بعدت: “يا متخلفة، كان هيتجنن عليكِ. بيقول إنك اتخطفتي طالما موبيلك وفلوسك هنا. الرعب اللي هو كان فيه خلاني أحاول أطمنه وأقوله إن في فلوس تانية معاكِ. ده اللي فكرت فيه، مش التخلف اللي بتقوليه ده.”
همس مسحت دموعها: “برضه هنزل أشتغل، ومش عايزة لا منك ولا منه.”
فاتن بصتلها بغيظ: “وكليتك ودراستك؟ هاه؟”
همس بصتلها بضياع: “سحبوا الكارنيه مني، وشبه فصلوني، وهيحققوا معانا، وممنوعة أدخل الجامعة لحد ما التحقيق يخلص. امتحانات الميدتيرم قربت، ولو ما دخلتهاش فخلاص مش فارقة.”
أبوها وأمها بصوا لها بصدمة وقعدوا حواليها. حكت لهم بالتفصيل كل اللي حصل.
بعد ما سكتت، أبوها عاتبها: “وإنتِ وسط كل المصايب اللي هو فيها رايحة تخرجي من غير ما تعرفيه، تخليه يتجنن؟ اتخطفتي إنتِ كمان ولا جرالك إيه؟”
همس بررت: “ما كنتش أعرف حاجة عن موضوع إيان. جوعت، قولت أنزل أشتري أي حاجة وأطلع. ما جاش في بالي إن في حد هيتخطف وسيف هيتصل والدنيا هتتقلب. بعدين موبايلي كان فاصل، وحطيته على الشحن ونسيته.”
فاتن مسكت إيديها: “طيب قومي كلي اللي جبتيه، واتصلي بعدها بجوزك. طيبي خاطره. إحنا جينا لقيناه زي المجنون، مش عارف يعمل إيه، وصاحبه جنبه بيحاول يطمنه. سيف كان مجنون ومش عارف يتحرك ولا يتنفس ولا يفكر.”
همس وقفت: “هقوم أغير هدومي.”
سابتهم ودخلت. خاطر بص لمراته: “شيلي الحاجات اللي بنتك حطتهم في الأرض، وشوفي هي جايبة حاجة جاهزة تاكلها ولا هتعملها لسه؟ و تلاقي المسكين ده ما داقش الأكل من الصبح لو ده يومه زي ما هي قالت.”
فاتن وقفت: “والله الواد ده مش عارفة حد عامله عمل على رجل نملة ولا إيه؟”
خاطر بتريقة: “يا ولية عمل إيه وكلام فاضي إيه؟ قومي شوفي الحاجة دي.”
همس دخلت أوضتها، فضلت واقفة في نص الأوضة مش عارفة تعمل إيه؟ بصت لموبيلها، شالته من على الشحن، وشافت كمية المكالمات اللي فاتتها من سيف. حاولت تتخيل إحساسه وهو بيفكر إنها ممكن تكون اتخطفت زي إبن مؤمن. غمضت عنيها وقعدت على السرير مش قادرة تفهم كل اللي بيحصل حواليها ده ليه؟ عمرها ما تخيلت إنها تعيش حياة معقدة بالشكل ده. معقول حياة رجال الأعمال دايمًا كده؟ وقتهم مش ملكهم؟ مش حاسين بالأمان ولا الاستقرار؟
فضلت تبص لموبيلها كتير وأخيرًا قررت تتصل بيه.
سيف كان قاعد جنب سبيدو اللي اتحرك بالعربية علشان يرجعوا لمؤمن بسرعة، وحالة صمت مسيطرة على الاتنين.
سبيدو قطع الصمت: “وبعدين؟”
سيف بصله بحيرة: “بعدين إيه؟”
سبيدو بيحاول يفتح أي كلام: “فكها، البت كويسة، نزلت ونسيت الموبيل. الدنيا ما اتهدتش يا سيف علشان تزعل منها ولا تحلف عليها بالشكل ده.”
سيف علق بهدوء: “أنا محلفتش عليها، وبعدين تخرج براحتها. أنا اعترضت على حتة إنها تخرج من غير ما تبلغني، لا أكتر ولا أقل.”
سبيدو حاول يبرر أو يتكلم بلسانها: “يعني أعتقد إنها قالت هانزل أشتري حاجة من تحت واطلع بسرعة. الموضوع مش مستاهل إذن…”
سيف بصله بغيظ فسكت ومكملش، بس شوية وسأله بفضول: “إيه قصة الفيزا؟”
سيف بصله بغيظ: “ما تخليك في حالك، إيه رأيك؟”
سبيدو بتهكم: “يا راجل؟ أخليني في حالي؟ ما أنا كنت في حالي، وإنتو اللي جيتو تقولوا ‘الحقنا يا سبيدو، الحقنا يا سبيدو’.”
سيف بص حواليه ومفيش غير علبة المناديل، فأخذها وحدفها في وشه: “نقطني بسكاتك.”
رن موبيله، طلعه من جيبه. كانت همس. بيفكر يرد ولا يسيبها ترن شويتين؟
سبيدو لمح الاسم وبيقراه بصوت مسموع: “همستي؟ ما ترد على همستك.”
سيف زعق: “يا الله يا سبيدو، يا إبني اهدى عليا شوية. الله لا يسيئك، اهدى شوية لو سمحت.”
سبيدو بضيق: “ماهو إنتو موتريني، حاسس إن في حاجة دايمًا هتحصل. لازم تكون مستعد لأي حاجة. وبعدين كنت من لحظة عايز تبوس الأرض بس ترد عليك. دلوقتي بتتقل؟ مش ممكن يكون في مصيبة عندها؟”
سيف ضرب كف بكف: “لا حول ولا قوة إلا بالله، طيب أعمل إيه فيك؟”
سبيدو بص لموبيله: “رد.”
سيف رد عليها: “أيوه يا همس، خير؟ في حاجة؟”
همس ما عجبهاش طريقة رده، بس ده المتوقع وهو زعلان منها. مكنتش عارفة تقول إيه؟ تعتذر؟ تزعل منه؟ تفكر هي بتتصل أصلًا ليه؟
سيف اتوتر لأنها اتصلت وما بتتكلمش. هل ممكن يكون في حاجة حصلت زي ما سبيدو قال؟ اتكلم بقلق: “همس، ردي عليا. في حاجة؟ أرجع البيت؟”
سبيدو بصله، لكن همس ردت بسرعة: “لا، لا، كله تمام. أنا بس…”
اطمن لما سمع صوتها، وبص ناحية سبيدو، ضربه بإيده على كتفه لأنه قدر يخوفه في لحظة.
سبيدو ضحك وبص للطريق قدامه.
سيف لما لقاها ساكتة: “همس؟”
ردت بضيق: “مش عايزة حاجة، بس عايزة أكلمك. متضايقة منك ومن نرفزتك عليا، بس في نفس الوقت متضايقة من نفسي لأني رعبتك وضايقتك. بس مفكرتش إن كل ده ممكن يحصل في النص ساعة اللي هنزل فيها واطلع. موبايلي فاصل، فسيبته على الشحن، وصراحة مجاش في بالي أكلمك. ماهو مش رايحة مكان، ده هشتري حاجة واطلع. وبقالي سنين عايشة هنا، بستأذن أه، بس لما أكون خارجة بجد مش نازلة أشتري حاجة وارجع. فأنا آسفة إني قلقتك، بس في نفس الوقت زعلانة منك.” سكتت شوية: “بس قولت اللي عندي. خلاص، عايز تقفل اقفل.”
سيف بطرف عينه بص لسبيدو اللي كان مركز في الطريق، أو بيديله المجال يتكلم براحته: “أوك يا همس، سمعتك. نتكلم لما أرجع. سلام.”
قفل من غير ما يديها فرصة ترد. بصت للموبيل في إيدها مش مصدقة إنه قفل بالشكل البارد ده. حست إنها عايزة تتصل بيه تاني تتخانق معاه. فكرت تكتب رسالة وفتحت الواتس، بس مش عارفة تقوله إيه؟ طيب هل لو قالت حاجة في ظروفه دي يبقى معاها حق؟
سابت الموبيل من إيدها وفضلت مكانها عايزة تقوم تخرج لأبوها وأمها بس منهكة.
موبيلها أعلن عن وصول رسالة. بصتله بفتور، لكنها لما شافت إنها منه فتحتها بسرعة. قرأتها بعينيها وبقلبها:
(حقك عليا لو اتنرفزت عليكِ. همس، وإنتِ بره قلبي كان بيوجعني لدرجة كنت بضرب بإيدي عليه، يمكن يبطل وجع بالشكل ده. وللأسف مكنش في إيدي حاجة أعملها. إحساس بالعجز بشع. أرجوكِ بطلي تعيشيني الإحساس ده. لو بتحبيني زي ما بحبك، قلبك مش هيقدر يعيش قلبي الإحساس ده. بطلي ترعبي قلبي عليكِ.)
قرأتها كذا مرة وعينيها دمعت. جواها كلام كتير عايزة تقوله، بس مش عارفة تصيغه في حروف. وصلت رسالة تانية منه:
(سبيدو معايا، فمش عارف أكلمك. علشان كده قفلت معاكِ بسرعة، لأننا جايين بعربية واحدة. دعواتك اليوم ده يخلص على خير ونلاقي إيان ويرجع لحضن أبوه.)
دعت من قلبها إنهم يلاقوه، وكتبت: (بإذن الله يا حبيبي هتلاقوه، وهيرجع لحضن أبوه.)
سبيدو وصل عند بيت نور، كان في عربيات بوليس كتير ورجالة سبيدو كمان منتشرين. نزلوا من العربية، سبيدو راح لرجالته، وسيف راح لمؤمن وكريم ومعاهم كذا ظابط بيستفسروا عن ظروف اختفاء إيان، ونور منهارة وجنبها نادر أخوها.
مروان أول ما شاف سيف راح لعنده وعاتبه: “ليه مكلمتنيش من بدري؟ بقى أعرف من هالة كل اللي بيحصل ده؟”
سيف ربت على كتفه: “إنت طول الوقت معايا، وما بتصدق يجي اليوم تطلعوا فيه مع بعض. وبعدين هي المشاكل بتخلص يا مروان، ملحوقة.”
مروان باهتمام: “إن شاء الله هتخلص يا سيف، هتفرج بإذن الله.”
عدت ساعات، والكل بيلف في دواير مغلقة. مؤمن حاسس إنه نايم ودخل كابوس مش عارف يخرج منه. عايز حد يصحيه، عايز يسمع صوت إيان بيناديه: “بابا، اصحى، يلا بينا.”
مستعد يدفع عمره كله ويسمع صوته بيناديه تاني. وسط كل المشاكل اللي كان ناقم عليها، كان حاسس إنه خسر كل حاجة بخسارته لنور وانهيار جوازه، ونسي إنه عنده أكبر نعمة وهي إيان. بيتخانق هو ونور عليه لمجرد عناد أجوف، فربنا أخده منهم هما الاتنين. رفع راسه للسما وغمض عينيه، بيحاول يسيطر على دموعه. دعاء صامت جواه: “يا رب، رجعه لحضني تاني. ما تحرمنيش منه يا رب. لو ده قضاؤك، فيا رب رد القضاء ده عني. رجعه، يا رب، ورجعلي إبني لحضني. يا رب إنت قلت: لا يُكلِّف الله نفسًا إلا وسعها فما تكلفنيش فوق طاقتي. إيان فوق طاقتي. إيان هو روحي اللي عايش بيها.”
كان ماشي على الرصيف رايح جاي بلا هدف وبشرود، وبيدعي بقلبه، لكنه لا سامع ولا شايف أي حد حواليه.
كريم كان مراقبه وعايز يروح له، بس حاسس إنه متربط في الأرض. إيان إبنه الثاني، قسم قلبه نصين بالظبط، نص لأياد ونص لإيان. مش عارف يتنفس، فما بالك بمؤمن؟ غمض عينيه بوجع ودعا بقلبه: “يا رب، إنت زرعت الحب في قلوبنا، خليتهم اتولدوا مع بعض في ليلة واحدة زي التوأم، فخليك حنين علينا يا رب، وما تحرمهمش من بعض.”
انتبه على سيف جنبه: “بقولك، الرجالة هتتحرك ونسأل في المستشفيات والأقسام اللي في المنطقة كلها، ونوسع نطاق البحث عنه. ودوريات الشرطة هتساعد معانا. إنت قلت هتفرغوا الكاميرات، ما وصلتوش لحاجة منها؟”
كريم بأسف: “الكاميرات منظر بس يا سيف، لسه محدش شغلها. العمارة جديدة، وزي ما إنت شايف، مفيش كاميرات قصاد العمارة، والموجودة في الشارع مش كاشفة المدخل، فما أفادتش بأي حاجة قصة الكاميرات.”
سيف اقترح: “طيب، نوسع النطاق يمكن…”
قاطعه كريم: “وسعنا. وفي ناس بيدوروا في كل الكاميرات القريبة، يمكن حد يشوفه ماشي في الشارع أو مع حد، نوصل لأي حاجة. بس يا سيف، لو حد أخده من هنا وركب عربية، مش هيبان في أي كاميرا.”
سيف رافض يفقد الأمل: “محدش عارف يا كريم، هنعمل اللي علينا وندور. المهم، خد مؤمن وروحوا إنتو، وأنا هتابع هنا مع سبيدو ومروان.”
كريم ابتسم بتهكم موجوع: “إنت متخيل إنه ممكن يدخل البيت من غيره؟”
دموعه لمعت، وبص لسيف: “سيف، إحنا أول ما بندخل البيت، العيال دي بتجري تتعلق في رقبتنا. فمتخيل إزاي ممكن ندخل وفي واحد فيهم مش هيجي يجري؟ إنت مستوعب ده؟”
سيف بص للأرض وبص له: “أنا عارف إن الإبن هو أغلى حاجة، ولا يمكن حاجة تعوضه. بس يا كريم، عندي أمل ويقين إننا هنلاقيه، هيرجع وهنلاقيه. ازاي؟ مش عارف، بس هنلاقيه.”
كريم ابتسم بتمني: “يا رب… يا رب… يا رب.” بص ناحية مؤمن: “روح له. أنا لأول مرة ما عنديش كلام ممكن أقوله له. ولأول مرة أشوفه كده وأقف أتفرج عليه، بس مش عارف ايه ممكن يتعمل أو ايه ممكن يتقال.”
سيف ربت على كتفه وراح لمؤمن، مسك دراعه: “مؤمن.”
وقف وبص له بتوهان: “وصلتوا لحاجة؟”
سيف بزعل: “للأسف لسه. كريم هياخدك وتروحوا.”
مؤمن بص له باستنكار: “إنت عايزني أسيب إبني في الشارع وأروح ؟ طيب أعمل إيه في البيت؟ أحط إيدي على خدي؟ أدخل إزاي أصلًا من غيره؟ إبني مش عارف هو فين؟ مش عارف إذا كان ساكت أو بيعيط؟ إذا كان شبعان أو جعان؟ كويس ولا جراله حاجة؟ عايش أصلًا ولا…”
مقدرش يكمل الجملة، وبص لسيف: “إيااان…”
معرفش يقول إيه، وسيف مسك إيده: “عارف من غير ما تقول، عارف يا مؤمن.”
مؤمن بيبص حواليه وبياخد أنفاس كتير ورا بعض علشان يتماسك: “كنت متخيل إن وجع نور لما بعدت ده وجع بجد. كنت فاكر إن حياتي وقفت. كنت متخيل إن دي نهاية الكون بالنسبة ليّ، بس طلعت موهوم. ده مكنش وجع. حياتي كانت ماشية وزي الفل، والكون ما وقفش. كنت بصحى وبنام وبضحك مع إبني. حياتي ما وقفتش. لكن دلوقتي، بالوجع اللي جوايا ده، أنا بموووت. الكون هينتهي لو مرجعش. مفيش أنا من غيره. مفيش حياة أصلًا من غيره. أنا عمال أفكر في أي حاجة، بس مش عارف أفكر. مش عارف أتنفس. مش عارف أعمل أي حاجة. أنا اتربطت هنا.”
سيف مكنش عارف ممكن يقوله إيه: “هندور عليه كلنا لحد ما نلاقيه.”
مؤمن قعد على الرصيف: “طيب، أديني قاعد. أنا عايز أقوم أركب العربية وأدور عليه، بس…” بص له لفوق: “مش فاكر العربيات بيسوقوها إزاي؟ مش فاكر حتى أنا عربيتي فين؟ أنا جيت أصلًا بعربية ولا جيت إزاي هنا؟ سيف، هو أنا صاحي وده بيحصل بجد؟ ولا ده كابوس وهصحى منه بعد شوية؟”
سيف قعد قصاده: “مؤمن، قوم مع كريم. وصدقني، محدش فينا هيرتاح غير لما نرجعه.”
مؤمن زق إيد سيف بعيد: “سيبني يا سيف لو سمحت. أنا قاعد أستريح شوية. سيبني هنا.”
سيف قام ورجع لكريم اللي كان متابعهم: “معرفتش أقوله حاجة.”
كريم هز دماغه بتفهم: “أصلًا مفيش حاجة ممكن تتقال يا سيف. مفيش حاجة.”
مؤمن كان قاعد على الأرض، عاجز ومش عارف يعمل أي حاجة. طلع موبيله واتصل بأبوه. عاصم رد عليه بسرعة: “مؤمن، ابن حلال والله. أمك عمالة تزن: كلم مؤمن، كلم مؤمن. سمعها صوتك خليها تطمن.”
مؤمن بصوت مخنوق من الدموع المكتومة: “بابا.”
عاصم وقف: “فيك إيه يا مؤمن؟ صوتك ماله؟”
مؤمن بيجاهد علشان يعرف يتكلم: “إيان مش لاقيه.”
عاصم حط إيده على قلبه، ومراته جنبه وقفت مرعوبة: “يعني إيه مش لاقيه يا مؤمن؟ يا إبني يعني إيه؟”
مؤمن صوته مهزوز: “مش لاقيه. تاه؟ اتخطف؟ معرفش هو فين. مش لاقيه يا أبويا، وحاسس إني بموت. أنا مش عارف إبني عايش ولا ميت. مش عارف.”
عاصم قعد على الأرض، وسناء بإيديها بتدلك قلبها اللي حاسة إنه هيقف. محدش فيهم نطق.
مؤمن كمل: “ينفع تيجي؟ تعال. لأني قاعد في الأرض مش عارف أعمل إيه. مش عارف أروح فين. أنا… أنا…”
سكت، وعاصم حاول صوته ما يخونوش: “هجيلك يا ولدي. هاجي. مسافة الطريق، مسافة الطريق.”
قفل وفضل مكانه.
عربية وقفت، ونزل منها حسن وخالد. راحوا مباشرة لمؤمن. حسن قعد قصاده على ركبته: “إنت قاعد كده ليه؟ إيان هيرجع. هتلاقيه وهيجي لحد عندنا. إنت فاهم؟ مش عايزك تقعد في الأرض كده. قوم، اقف على رجليك. هندور عليه مع بعض.”
مؤمن بص لحسن: “مش عارف أدور فين.”
حسن مسك دراعه وقفه: “إنت مش لوحدك. بص حواليك. عيلتك وأصحابك وأهلك كلهم حواليك. محدش فينا هيرتاح غير لما إبنك يرجع لحضنك.”
كلهم اتجمعوا حواليه، وكلهم وعدوا محدش فيهم هيرتاح غير لما إيان يظهر.