روايات

الفصل الخمسون

سيف رد بابتسامة عملية:
حضرتك تعرف عني كده برضه؟
ممدوح رد بنفس الهزار:
ده إنت كده وأبو كده كمان.
العميد تدخل بجدية:
المهم… خلونا في المهم. دكتور سيف، ليه رفضت تيجي لما دكتور مكرم طلب منك تيجي؟ وليه غلطت فيه؟ وكمان فين الباشمهندسة همس خاطر، زوجة حضرتك؟ اعتقد إني طلبتها؟ ولا حضرتك فوق القانون؟
سيف رد بهدوء:
دكتور محمد، لحظة… واحدة واحدة عليا.
العميد سكت، وسيف كمل:
دكتور مكرم دخل المحاضرة عندي بإسلوب مش ظريف وبيتكلم بصيغة – سكت لحظة يدور على لفظ مناسب – صيغة أمر معجبتنيش، وطلب أجي لحضرتك هنا. بكل هدوء رديت عليه وقلتله بعد المحاضرة هطلع مباشرة. المفروض الحوار كان يخلص هنا.
مكرم قاطعه بنبرة مستفزة:
طلبت همس.
سيف رد بصرامة:
باشمهندسة لو سمحت.
الموضوع كان هيشتعل أكتر، لكن ممدوح تدخل:
طيب يا سيف، ليه مجبتش معاك الباشمهندسة؟
سيف رد بثقة:
مش أفهم الأول في إيه؟ ولا أنا مش كفاية؟ أنا قلتلها تنتظر تحت. أفهم اللي بيحصل الأول، وبعدها لو عايزينها هنا، هجيبها. فهموني بقى، في إيه لكل اللي بيحصل ده؟
محمد رد بلهجة فيها أسف:
في إننا طلبناك تيجي من ساعة كاملة. كان ممكن أتصرف من ساعة وأعمل أي حاجة، لكن تأخيرك خلى القرار بقى رسمي.
سيف استغرب وسأل:
قرار إيه؟
محمد رد بأسف واضح:
إيقافك عن العمل وفصل همس خاطر لحين انتهاء التحقيق في الشكوى المقدمة ضدكم.
مكرم كان مبتسم بشماتة واضحة، وسيف فكر إنه ممكن يضربه في وشه علشان يمسح الابتسامة دي. مكرم زادها و بسخرية:
إيه رأيك لو تقدم طلب… مش عارف تقدمه لمين، بس اشتري الجامعة لمراتك واشتري الدكاترة كمان؟
ممدوح حذره:
دكتور مكرم؟
مكرم بص لـممدوح وزعق:
هو اللي قال مش أنا. هيشتري لمراته الجامعة بكل اللي فيها، فاكر إن كل حاجة للبيع؟
محمد زعق بحدة:
خلاص بقى. مش ده موضوعنا. دكتور سيف، هتعمل إيه؟ أنا آسف جدًا، بس هضطر أسحب الكارنيه منها وأمنعها من دخول الجامعة. حتى إنت هتتمنع من دخول أي محاضرات، ودكتور ممدوح هيكمل مكانك لحد ما التحقيق ده ينتهي.
مكرم أضاف بشماتة واضحة:
والله أعلم ممكن ينتهي إمتى؟
سيف بصله كتير قبل ما يرد بهدوء ينافي الغضب اللي جواه:
من زمان أوي وأنا نفسي أعرف سر كرهك ليا. من وأنا طالب وحضرتك الدكتور الوحيد اللي ما بيحبنيش. لحد ما عرفت إن والدي رفض إن شركتك تدخل ضمن مجموعة الصياد. ومن ساعتها، وإنت بتكرهه وبتكره إبنه. تخيلتك تخطيت الحوار ده، بس شكلك لسه جواه. حاليًا، بقيت أنا المدير التنفيذي لمجموعة الصياد. ومين عارف، كان ممكن أضم شركتك لمجموعتي… – عنيه لمعت وكان هيقول حاجة، لكنه كمل – بس مش أي حد يستاهل يدخل الكيان ده.
مكرم فهم إن سيف بيلعب بيه، وابتسامته اختفت. كان هيرد، لكن ممدوح تدخل:
دكتور مكرم، دكتور سيف، لو سمحتوا خلونا نركز في المشكلة الأهم. الخطوة الجاية إيه؟
مكرم رد بسرعة:
يتصل بمراته تطلع، ويتسحب منها الكارنيه، وتطلع بره الكلية.
سيف بص لـمحمد وممدوح و بحدة:
قسمًا بالله، لولا إنّي عامل احترام لحضراتكم، كنت علمته إزاي يتكلم. – بص لـمكرم وأكد – وهعلمه، بس لما دماغي تروق.
مكرم رد بابتسامة مستفزة:
مش هتروق. قولتلك جوه المحاضرة، إنت مش هتفضل هنا. ما تخليهاش مسنودة عليك.
سيف بص له باحتقار :
ردي عليك هتشوفه بعينك، ما تقلقش. – التفت لـمحمد وسأل بهدوء:
هو وجوده هنا معانا له أهمية؟ حضرتك عميد الكلية، وحضرتك رئيس القسم. هو موجود بصفته إيه؟
محمد بص لـمكرم :
سيبنا يا مكرم دلوقتي.
مكرم رد بغضب:
حضرتك بتسمعله؟ و…
محمد خبط المكتب بإيده بغضب:
قولتلك سيبنا!
تابعوه لحد ما قفل الباب وراه، بعدها سيف اتكلم:
شكوى إيه اللي متقدمة ضدي أنا ومراتي؟
محمد أخد نفس طويل قبل ما يشرح لـسيف طبيعة الشكوى.
سيف سمعه بهدوء تام لحد ما خلص كلامه:
أنا مش هنكر إني حبيت طالبة عندي لأني اتجوزتها، بس همس ماحبتهاش بأي طريقة غير اللي مفروض أعمله كدكتور. إلا لو هتعتبروا إنها لما تطلع تسألني سؤال وأنا أجاوبها دي محاباة.
ممدوح علق بإقرار:
همس طالبة ممتازة وذكية، وكانت بتيجي مكتبي لما كنت بدرسلها تسأل في اللي مش عارفاه وتمشي. وصراحة أنا فخور إنها طالبتي المفضلة. – بص لـسيف وأضاف – أنا سبق وقلتلك الكلام ده، صح؟
سيف رد:
كل دكاترتها قالولي الكلام ده، وبناءً عليه كانت بتيجي مكتبي تسأل وتمشي.
محمد سأله بفضول:
طيب الحب ده بدأ إزاي؟ إيه اللي خلاك تحبها طالما كنت شايفها طالبة ممتازة فقط؟
سيف بص للسقف وكأنه بيفكر، بعدها رد:
بداية كلامي معاها كان مجرد خلاف بين اتنين، وبناءً عليه كان في شخصيتين: شخصية الدكتور والطالبة، وبعيد عن الكلية والمحاضرات كانت في شخصية مختلفة.
محمد سأله:
في ناس قالوا إنك إديتها الامتحان و…
ممدوح قاطعه:
سيف طلب مني أنا أحط الامتحان ورفض تمامًا إنه يحطه.
محمد بص لـسيف اللي وضح:
الترم الأول كانت علاقتنا عادية، لا كلمتها ولا كلمتني، وكنا دكتور وطالبة. لكن الترم الثاني كنا بنحب بعض، فمقدرتش أظلمها أو أظلم باقي طلبتي، وطلبت من دكتور ممدوح يحط الامتحان بدلًا مني.
محمد سند ظهره على الكرسي وبص لـسيف:
أنا مصدقك. بس في شكوى رسمية وهيكون في تحقيق شامل لأن في أطراف كتير دخلت في الموضوع. البنات اللي رفدتهم؟ البنت اللي نقلتها في المدينة الجامعية؟ في أطراف كتير. فاعذرني، أنا مش في إيدي أي حاجة دلوقتي. استأذنك تنادي الباشمهندسة.
سيف طلع موبيله واتصل بـهمس وطلب منها تطلع لعنده. وخلال كام دقيقة، الباب خبط والسكرتير دخل:
باشمهندسة همس بره.
سمح لها تدخل، دخلت متوترة، رمت السلام وبصت لـممدوح اللي رحب بيها، بعدها بصت لـسيف وللعميد بتوتر وهي ساكتة تمامًا.
العميد بص لها:
كان نفسي أتعرف عليكِ في ظروف أحسن من كده، بس زي ما فهمت سيف، أنا مضطر.
همس بصت لـسيف بتساؤل، وبعدها بصت للعميد مش فاهمة حاجة.
سيف وقف وقرب منها:
معاكِ الكارنيه بتاعك؟
بصتله بعنين مرعوبة، كأنها بتسأله لو في حاجة غلط، وهو كره الوضع ده من نظرتها، شاورلها بـ”آه” وهو يكمل:
هاتيه.
فتحت شنطتها بتحاول تتماسك، طلعت الكارنيه من محفظتها وإدتهوله. مد إيده ياخده، لكنها ما سابتهوش. بصوا لبعض، شاور لها تسيبه، أخده وحطه على مكتب العميد:
الكارنيه بتاعها. حاجة تانية؟
العميد بص لـهمس وشاور لها تقعد:
اقعدي يا باشمهندسة، عندي كام سؤال ليكِ.
قعدت وهي بتحاول تظهر قوية زي سيف، لكن أعصابها كانت بتخونها.
محمد سألها:
ليه حبيتي أستاذك يا همس؟ إزاي كان بيحبك وبيعاملك زي باقي الطلبة؟ الشيتات اللي بيطلبها؟ الدرجات الأوفر اللي بيديها للطلبة المتميزيين؟ الميدتيرم؟ إيه المعاملات الخاصة اللي عملها ليكِ تحت بند الحبيبة مش الطالبة؟
سيف غمض عينيه بإحباط، لو دي أسئلة محمد اللي في صفه، فالتحقيق معاها هيبقى أصعب بكتير.
همس ردت بصوت متماسك رغم التوتر:
حبي ليه خلاني أحاول أثبت للكل إني أستاهله، وأستاهل أكون معاه. اهتمامي بأني أكون معيدة زاد بعد ما حبيته. كنت بطلع مكتبه بسؤال، وهو بيجاوبني زي أي طالب.
محمد رد بضيق:
أنا بتكلم عن معاملته كحبيب، مش كدكتور.
همس بصت لـسيف، لكن العميد نطق بنبرة غاضبة:
بصيلي أنا مش هو، عمل إيه ليكِ كحبيب؟ ما سلمتيش شيتات وتغاضى عنها؟ واخدتي الدرجة كاملة بعدها؟ عرفك مسألة صعبة في الامتحان؟
همس ردت مدافعة:
لا، محصلش أبدًا.
محمد بتشكيك:
يعني محصلش إنك رفضتي تسلمي شيت بنفسك له، ورغم كده أخدتي الدرجة كاملة؟
سيف تدخل:
الموضوع محصلش كده.
محمد بص له:
سيف، أنا في صفك إنت وهي، لكن في التحقيق مش أنا اللي هسأل، ولا أنا اللي هحقق معاها. هتسمعوا أسئلة أغبى من كده بكتير. فأنا محتاج أفهم أنا بدافع عن إيه وعن مين؟ – بص لـهمس – الشيت رفضتي تسلميه ليه؟
همس حاولت تسترجع الموقف:
كنت تعبانة وغبت ٣ أيام من الجامعة، ولما رجعت ما عرفتش أوصل للدكتور. عامل البوفيه قاللي أسيبه معاه وهو هيوصله، وما وصلوش الشيت بعدها. ده اللي حصل.
محمد سألها بفضول:
طيب ليه أخدتي بعدها الدرجة كاملة طالما ما وصلوش الشيت؟
همس حكت اللي حصل، وممدوح تدخل:
وقتها سيف طلب مني أحط شوية مسائل صعبة زي تحدي للطلبة. جهزتله مسائل وإدتهاله.
سيف كمل:
إدتهالي قبل المحاضرة لو تفتكر. خليت كل أوائل الدفعة يمتحنوا معاها، علشان الكل يتأكد إن الامتحان مش سهل. ولو هي حلته يبقى تستاهل كل درجة أخدتها. – بص للعميد بعينيه مباشرة – همس بنت ممتازة، ذكية، وشعلة نشاط. هي أولى دفعتها وتستاهل تكون معيدة.
محمد ابتسم:
وده رأي حبيبها؟
سيف بتأكيد:
حبيبها أو زوجها أو دكتورها، كلهم وقعوا في غرامها. بس ده ما يمنعش إني مستعد أتحدى الكون بيها. مفيش طالب في دفعتها كلها يستحق مكانها زيها.
محمد بص لـهمس:
برضه مقولتليش يا باشمهندسة. معاملته كحبيب كانت في إيه؟ إيه اللي عمله كحبيب يؤخذ عليكم؟ بره الجامعة يا سيف؟ إيه اللي ممكن يمسكوه عليكم؟
سيف بهدوء:
مفيش أي حاجة ممكن حد يمسكها علينا.
محمد بص لـهمس بشك:
مفيش أي معاملة مميزة؟ بيحبك بالنظرات في الجامعة؟ ما بتتقابلوش بره؟ مش بيوصلك المدينة؟ ما نقلش طالبة ضايقتك في الأوضة لمكان تاني؟
همس كانت مش عارفة ترد وتجمع كلماتها، حاولت تشرح:
معاملته المميزة إنه كان موجود جنبي دايمًا، في أي وقت أكلمه أبعتله مسألة مش فهماها، حتى لو في مادة غير مادته. كنت ممكن أصحيه من النوم الفجر في ليالي الامتحانات يشرحلي نقطة وقفت قصادي، أو حتى يقول لي إني ذكية وإن الامتحان هيبقى سهل عليا، وإن عنده ثقة فيا. ده دوره كحبيب، إنه يدعمني.
محمد بص لـسيف بنظرة تحقيق:
والبنت اللي نقلتها؟ استغليت منصبك كدكتور جامعي؟
سيف ابتسم بتهكم، ونبرته كانت واضحة:
مع احترامي الشديد، منصبي كدكتور جامعي ما يعملش حاجة كبيرة. آه، نقلت البنت دي لأنها قلت أدبها وكانت محتاجة تتربى، بس اسمح لي أوضحلك إن النفوذ اللي استخدمته كان اسم الصياد، مش وظيفتي هنا. يمكن حضرتك مش مستوعب اسم الصياد نفوذه واصل لفين. مثال بسيط، دكتور مكرم اللي بره، لو وافقت أضم شركته لمجموعتي، هتلاقيه بيتحول لحمل وديع ويدافع عني كمان. فما تخلطش بين نفوذ اسمي ووظيفتي.
اتكلموا كتير جدًا لحد ما سيف بص على ساعته وموبيله اللي كان بيرن كل شوية، بعدها قال للعميد:
أعتقد حضرتك سألت كل الأسئلة الممكنة، مش كفاية ولا إيه؟ أنا مقدر اهتمامك وخوفك علينا، بس أحب أطمنك، ما تقلقش. أنا أعرف أحمي نفسي ومراتي كويس. ده غير إني ورايا محامين هيعرفوا يتعاملوا كويس مع أي حاجة قانونية.
انهوا الاجتماع، وسيف مسك إيد همس وهم خارجين. هي مسكت دراعه وهي بتسأله:
الكارنيه بتاعي؟
لبس نظارته بهدوء:
سيبيه، يلا.
ضغطت على دراعه بعناد وعنيها بتلمع من الحزن، فبصلها وحذرها:
إياكِ تعيطي وإحنا جوه الكلية، إياكِ يا همس تخليهم يشوفوا ضعفك. هسيبك تعيطي بس بره، مش هنا، فاهمة؟
أخدها وكملوا الطرقة الطويلة، لكن فجأة وقفهم مكرم وهو مبتسم بشماتة، بص لـهمس :
قولتلك، ما تتسنديش عليه.
سيف لف حواليه ببصة سريعة، تأكد إن مفيش حد، ووراه باب الحمام الرجالي اللي كان مكرم خارج منه. فجأة، ساب إيد همس، زقه جوه الحمام، ومسكه من رقبته بقوة:
زودتها أوي، بس خدها كلمة مني. أفوق بس من التحقيق ده، وأأمن مراتي، وبعدها أقسم بالله لأمحيك إنت واللي وراك من على وش الأرض. شركتك اللي بتتبجح بيها؟ بدأت العد التنازلي لدمارها. ومنصبك هنا، اللي إنت فرحان بيه؟ مش هتطوله تاني. وده وعد من سيف الصياد. نصيحة، لو تعرف تهرب بره مصر، اهرب من دلوقتي، لأني مش هارحمك.
سيف بيتكلم وبيضغط على رقبته بدراعه، ومكرم بيحاول يفك نفسه ويتنفس بصعوبة. فجأة، سيف سابه، وقع على الأرض وفضل يكح، وسيف خرج بره الحمام.
همس بصت وراه بقلق، لكنها ما شافتش حد طالع. سألت برعب:
عملت فيه إيه؟

انت في الصفحة 3 من 5 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل