روايات

رواية حين اختفى القمر بقلم سالم الخطيب حصريه وجديده 

رواية حين اختفى القمر بقلم سالم الخطيب حصريه وجديده 

رواية حين اختفى القمر بقلم سالم الخطيب حصريه وجديده

كان الحي هادئًا في تلك الليلة، لا يُسمع سوى صوت المطر الخفيف يتساقط على أسطح المنازل القديمة. جلست رُبى في زاوية الورشة، تمسك قطعة خشب صغيرة، تحاول أن تنحتها بمهارة اعتادت عليها منذ سنوات.

في عينيها حزن دفين لا يعلمه أحد، فقد اعتادت أن تكون الفتاة التي تحمل مسؤولية عائلتها بعد وفاة والدها، وتواجه نظرات الاستهزاء من رجال الحي الذين يرون أن النجارة مهنة لا تليق بفتاة. لكنها لم تهتم، فقد كان حبها لهذا العمل أقوى من كل الكلمات الجارحة.

دق باب الورشة بخفة، رفعت رأسها لتجد أمامها شابًا غريب الملامح، طويل القامة، عيناه مليئتان بالغموض والحزن.

“ممكن أشتغل معكِ هنا؟” قال بصوت هادئ.
نظرت إليه رُبى باستغراب، فمن هذا الذي يطلب العمل في ورشة صغيرة وسط هذا الحي البسيط؟

“أنت من وين؟” سألت بحذر.

“أنا اسمي آدم… جاي من مكان بعيد، وبس بدور على فرصة.”

شيء ما في عينيه جعلها تشعر أنه لا يكذب. ترددت قليلًا، لكنها في النهاية أشارت له بالدخول.

بدأ آدم العمل بصمت، وكان بارعًا بشكل لافت، وكأنه يحمل خبرة سنوات في هذه المهنة. ومع مرور الأيام، بدأ أهل الحي يتهامسون عن هذا الغريب الذي جاء من العدم، لكن رُبى لم تكن تهتم، فقد شعرت بشيء مختلف تجاهه… ربما تعاطف، وربما أكثر من ذلك.

لكن في الليلة التي كان القمر فيها مكتملًا، اختفى آدم فجأة دون أثر. لا رسالة، لا وداع… فقط اختفى كما جاء.

بدأت الشائعات تنتشر بأن آدم هارب من ماضٍ مظلم، لكن قلب رُبى كان يرفض التصديق. شعرت أن هناك سرًا أكبر وراء اختفائه، وقررت أن تبحث عنه مهما كلفها الأمر.

لم تكن تعلم أن رحلتها للبحث عن الحقيقة… ستكشف أسرارًا قد تقلب حياتها رأسًا على عقب.

رواية: حين اختفى القمر
الجزء الثاني قبل الأخير

وقفت رُبى أمام باب الورشة المغلق، تتأمل المكان الذي كان شاهدًا على وجود آدم، ذلك الغريب الذي دخل حياتها بهدوء واختفى في ليلة مظلمة دون أثر.

كانت الشائعات تزداد يومًا بعد يوم، البعض يقول إنه هارب من جريمة قديمة، وآخرون يدّعون أنه كان يتخفى عن أشخاص يلاحقونه. لكن قلب رُبى كان يصرخ بحقيقة مختلفة، حقيقة لا يعرفها سواها… آدم لم يكن شخصًا سيئًا، كان يحمل وجعًا أعمق من أن يفهمه الآخرون.

قررت أن تبدأ بحثها من المكان الوحيد الذي كان آدم يذهب إليه دائمًا، المقهى الصغير في نهاية الحي.

دخلت وجلست في الزاوية ذاتها التي اعتاد الجلوس فيها، وسألت النادل بحذر:

“آدم… الشاب اللي كان يجي لهون، بتعرف عنه شي؟”

تردد النادل قليلًا قبل أن يقول:

“آدم ما كان غريبًا عن هالمكان… هو ابن رجل كان يشتغل بالحدادة هون قبل سنين، لكن أبوه قُتل بجريمة غامضة، ووقتها آدم اختفى مع أمه وسافروا بعيد. لما رجع لهون، كان عم يدور على الحقيقة.”

شعرت رُبى بصدمة تخترق قلبها… إذن، آدم كان يبحث عن قاتل والده طوال الوقت!

بدأت تربط الأحداث ببعضها، وبدأت تشك في رجل كان يعمل مع والد آدم في الماضي، شخص معروف بسمعته السيئة، وكان الوحيد الذي استفاد من موت والد آدم.

في تلك الليلة، قررت رُبى أن تواجه هذا الرجل وتكشف الحقيقة… لكنها لم تكن تعلم أن هناك من يراقب خطواتها، وأن دخولها لهذا العالم المظلم سيكشف لها أسرارًا أخطر مما كانت تتوقع.

خرجت رُبى من المقهى، تسابق نبضات قلبها خطواتها. كانت الحقيقة التي اكتشفتها كفيلة بأن تغيّر كل شيء.

توجهت إلى الورشة القديمة التي كان يعمل فيها والد آدم، والتي تحوّلت الآن إلى مستودع مهجور. الجو كان مظلمًا، والرائحة القديمة تملأ المكان. تقدمت بخطوات حذرة، تشعر أن هناك من يراقبها.

وفجأة، سمعت صوت خطوات خلفها… استدارت بسرعة لتجد رجلاً عجوزًا يقف في الظلام، تتطاير من عينيه نظرات الحقد والخوف. كان هذا الرجل هو سالم، شريك والد آدم القديم، والوحيد الذي استفاد من موته.

نظرت إليه رُبى بشجاعة وقالت:

“أنا عرفت كل شيء… إنت اللي قتلت والد آدم، مشان تستولي على الورشة، صح؟”

ضحك سالم ضحكة باردة، وقال بسخرية:

“وإنتِ، شو بدك تعملي؟ آدم حاول يعرف الحقيقة، وكنت السبب باختفائه… ورُبى، لو بتكملي بطريقك، رح يصير فيك نفس الشي!”

تراجعت رُبى بخطوات بطيئة، لكن قبل أن يتمكن سالم من الاقتراب منها، ظهر شخص من خلف الظلام…

إنه آدم.

كان يقف هناك، بعينين يملؤهما الألم والغضب. قال بصوت حاد:

“وأخيرًا… وجهًا لوجه.”

تفاجأت رُبى بوجوده، ودموع الفرح امتزجت بالخوف. كيف عاد؟ وكيف كان يراقب كل شيء بصمت طوال هذا الوقت؟

تقدم آدم نحو سالم وقال:

“أنت قتلت والدي، وضيّعت طفولتي، وهربتني من المكان اللي بحبه… بس اليوم، العدالة رح تتحقق.”

حاول سالم الفرار، لكن رجال الشرطة الذين كان آدم قد أخبرهم مسبقًا كانوا يحيطون بالمكان، ليتم القبض عليه أخيرًا.

نظرت رُبى إلى آدم ودموعها تلمع تحت ضوء القمر الذي بدأ يظهر من خلف الغيوم.

قالت له بهدوء:

“كنت واثقة إنك ما رح تتركني بدون سبب… كنت عم تحارب بطريقتك.”

ابتسم آدم ابتسامة حزينة وقال:

“أنا ما اختفيت… كنت عم أدور على الحقيقة، واليوم رجعت مشان آخد حقي وأبدأ حياة جديدة.”

في تلك اللحظة، أدركت رُبى أن آدم لم يكن بحاجة للانتقام فقط… بل كان بحاجة لمن يصدّق به.

والآن، تحت ضوء القمر الذي عاد ليُضيء، بدأت قصتهما الحقيقية.

السابقانت في الصفحة 1 من 2 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل