روايات

عمار البيوت  بقلم فاتن علي راشد حصريه وجديده وكامله جميع الفصول 

عمار البيوت  بقلم فاتن علي راشد حصريه وجديده وكامله جميع الفصول 

دخلت نور غرفتها بعد أن بذلت جهدًا طوال اليوم، لكنها لم تستطع النوم فقررت أن تراجع محاضرتها على اللابتوب، فتحت أغنية لفيروز وبدأت تركز في المراجعة، كانت في حالة تركيز عالية حتى أن صوت الخبط المتكرر لم يلفت انتباهها في البداية، لكن مع تكراره، خرجت من تركيزها للحظة.

_إيه ده؟
قالتها لنفسها، وترددت قليلاً، ثم قررت أن تصعد إلى الروف لتكتشف مصدر الخبط.

أخذت الكشاف وصعدت، لكنها لم تجد شيئًا، ثم توجهت بنظرها نحو الأوضة المقفلة على السطح، فشاهدت خيالًا ضخمًا داخلها، ظنت في البداية أنه ربما يكون شخصًا مختبئًا داخل الأوضة.

“يبقى استخب في الأوضة”.
فكرت في نفسها، وتقدمت بخطى هادئة نحو الباب، وأخذت تفتحه برفق وهي تحمل الكشاف في يدها.

لكن الكشاف توقف عن العمل فجأة، حاولت تشغيله مجددًا، لكنه لم يشتغل حينها، نظرت داخل الأوضة فوجدت شيئًا ضخمًا يتحرك، تجمدت في مكانها، وقد شعرت بشيء ثقيل في قلبها، وأصبحت قدميها غير قادرتين على الحركة، لم تتمكن من إصدار أي صوت، فيما كان هواء ساخن يضر,ب وجهها وكأنها محاصرة، كانت عينيها تتابع الكائن أمامها: أظافر طويلة وعين حمراء كالدم.

في تلك اللحظة، سمعت صوت والدها ينادي عليها: _نور، إنتِ طلعتي ليه دلوقتي هنا؟

نظرت إليه سريعًا ثم عادت بنظرها إلى الأوضة، لكنها لم تستطع الرد عليه.
_ طب يلا ننزل، الوقت متأخر والجو برد عليكِ.
-حاضر يا بابا.

نزلت عن السطح وعينيها لازالت معلقة بالأوضة، كان هناك الكثير من الأسئلة في ذهنها، تتساءل: هل ما رأته حقيقي؟ أم أنه مجرد خيال؟
دخلت الشقة، لكنها لم تتمكن من التركيز على أي شيء آخر، ودخلت إلى غرفتها دون أن تنطق بكلمة واحدة، ورغم ذلك، كانت هناك أسئلة كثيرة تدور في ذهنها، دون إجابات واضحة. اضطجعت على سريرها وهي عازمة على معرفة الحقيقة في اليوم التالي. “في الصباح، سأصعد مجددًا لأكتشف ما في الأمر”.

في الصباح الباكر، استيقظت نور وهي تشعر بثقل غريب في جسدها، وكأنها لم تنم على الإطلاق. جلست على سريرها، تتذكر ما حدث الليلة الماضية الصوت، الأوضة، الكائن الغريب!

“هل كان حقيقة أم مجرد وهم”؟

نهضت من سريرها ببطء، قررت أنها لن تبقى حائرة، عليها مواجهة مخاوفها، توجهت إلى المطبخ حيث كان والدها يُعدّ القهوة.

_صباح الخير يا بابا.

_صباح النور، شكلك مش نايمة كويس، مالك؟

_لا عادي، يمكن بس مجهدة شوية.

أخذت كوبًا من الماء وشربته بسرعة، ثم وضعت الكوب على الطاولة بعزم لن تتراجع ستصعد إلى الروف الآن، في وضح النهار، حيث لا مجال للأوهام.

خرجت إلى السلم المؤدي للسطح، خطواتها كانت ثابتة، لكن قلبها كان ينبض بقوة، دفعت الباب ببطء، نظرت إلى المكان الذي كانت تقف فيه الليلة الماضية. كل شيء يبدو عاديًا، هادئًا أكثر مما يجب!

✨ مواجهة الحقيقة ✨

التفتت إلى الأوضة، وقفت أمام بابها للحظات، ثم مدت يدها ببطء لتفتح الباب… لكن الباب كان مفتوحًا بالفعل!

شهقت، لم تكن تتذكر أنها تركته مفتوحًا. أمسكت بالكشاف هذه المرة جيدًا، تأكدت من أنه يعمل، ثم خطت إلى الداخل.

داخل الأوضة، كان الجو أكثر برودة مما توقعت رائحة غريبة ملأت المكان، مزيج من الرطوبة والعطن وكأنها لم تُفتح منذ سنوات!

أخذت نفسًا عميقًا، ووجهت ضوء الكشاف في أرجاء المكان، كان هناك سرير قديم مغطى بملاءة ممزقة، وخزانة خشبية مهترئة، ومكتب صغير تملؤه الأتربة. لكن لم يكن هذا ما لفت انتباهها… بل تلك العلامات المحفورة على الجدران!

اقتربت ببطء، مرت بأصابعها على الخطوط العميقة المحفورة في الحائط… لم تكن مجرد خدوش، بل كلمات!

“لا تفتحي الباب، لا توقظيه هو ينتظر في الظلام”.

شهقت نور وسحبت يدها بسرعة، تراجعت خطوة للوراء، وقلبها يكاد يخرج من صدرها، لكن قبل أن تلتقط أنفاسها…

انغلق الباب خلفها بعنف!

صرخت، اندفعت إليه تحاول فتحه لكنه كان مغلقًا بإحكام وكأن قوة غير مرئية تمنعها من الخروج!

والآن هل ستبقى نور حبيسة الأوضة المسكونة؟ أم ستكتشف سرًّا لا يجب أن تعرفه؟

سمع والدها صوت صراخها، فركض إليها بسرعة وفتح الباب، فوجدها تصبب عرقًا، فبادرها بسؤال شديد القلق:

_مالك يا حبيبتي؟ إيه اللي دخلك الأوضة دي؟ ومين او قفل عليكِ الباب؟

في البداية حاولت نور أن تُخفي عن والدها ما جرى، لكنها في النهاية قررت أن تروي له ما حدث، فحكت له عن تحذيرات الست حكمت:

_ ليه ما قولتيش من الأول؟ على العموم، مش وقت الكلام ده، الجن موجود حوالينا يا نور، مش لأننا مش بنشوفه يبقى مش موجود.

_يا بابا، إنت عارف إني مش بصدق الكلام ده، أنا عارفة إن الجن موجود ومذكور في القرآن، بس هيسكن معانا؟!

_ماشي يا نور، المهم خلي بالك، وبلاش تطلعي فوق لحد ما أكلم الحاجه حكمت، وأتكلم مع صاحب الشقة.

_حاضر.

في اليوم التالي كانت نور بمفردها بالمنزل
وسمعت نفس الخبط مرة أخرى، وأخذها فضولها للخروج، فخرجت دون أن تخبر والدها، هذه المرة كان الأمر مختلفًا، دخلت الأوضة ووجدت كيانًا أسود في هيئة إنسان تحدثت بصوت مرتجف:

أأاا.. أنت مين وعايز مني إيه؟

صوته كان يشبه فحيح الأفاعي، وقال:

_أنا مارد ساكن في المكان، وإنتِ بتزعجيني بالأغاني بتاعتك.

تشجعت قليلاً وقالت:

_بزعجك إزاي؟!

_أنا مارد مسلم عايش في المكان٠ عمري ما أذيت حد، وطول ما إنتِ في حالك وبتشغلي القرآن، أنا مش هأذيك.

لكن قبل أن تكمل حديثها، قال بصوت مرتفع لدرجة أنها شعرت أن الأوضة تهتز:

أنا…!!

فزعَت نور، ونزلت مسرعة لا تدري كيف وصلت إلى غرفتها. أغلقت الباب، وشغلت سورة البقرة، ثم نامت وهي لا تزال في حالة من الرعب والقلق.
صحِيت نور في الصباح وقررت أن تُخبر والدها بما حدث، بدأت تروي له القصة بتفاصيلها، فسارَع والدها في الاستماع إليها، لكنه كان غاضبًا جدًا لأنه لم يسمع نصيحته، وبدلاً من أن تبقى في أمان، خرجت في الليل مرةً أخرى.

ثم نزلت الحاجه حكمت، وأتى والد نور للحديث معها:

_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إزايك يا حَجَّة حكمت؟ أنا أستاذ عامر اللي سكنت فوق مع بنتي نور، وبصراحة هي حكَت لي اللي حصل معاكِ مختلف عن اللي حصل معاها.

_وعليكم السلام يا بني، أهلاً وسهلاً، أنا قلت لها تبعد عن الروف، بلاش تطلع فوق، لكن هي ما سمِعتش الكلام.

_يعني فعلاً الروف مسكون بمارد مسلم؟!

_أيوة يا بني، هو مش بيأذي حد طول ما مافيش حد بيأذيه.

_متشكرين يا حاجَة حكمت، بس أنا هسيب الشقة أنا وبنتي، وهتصرف مع صاحب الشقة، لأن ده كذب عليا.
واستأذنها ومشى.

اتصل والد نور بصاحب الشقة، وقرر أن يتركها مع ابنته، وبعدما غادروا اكتشفت نور أنه لا يوجد أحد سكن في الشقة، وبقي المارد يعيش هناك بمفرده.

وتعلمت نور أنه في الحقيقة، الناس لا يعيشون بمفردهم، بل هناك كائنات تُسمى “عمار البيوت”. إذا كنت تتشارك نفس الدين معهم، فلا تواجه أي مشاكل، لكن إذا كنت مختلفًا عنهم، فقد تواجه صعوبات وعكوسات، وكان حظ نور جيدًا لأنها على نفس الديانة، لكن العكوسات التي مرت بها كانت بسبب الأغاني التي كانت تشغلها طوال الوقت.

وبعد كل ما حدث، أدركت
” نور” أن الحياة ليست كما نراها دائمًا، وأن العالم من حولنا مليء بالأسرار والكيانات التي لا يمكننا تفسيرها، ورغم خوفها، إلا أنها شعرت بنوع من السلام الداخلي بعد تلك التجربة الغريبة، وكأنها أصبحت أقوى وأشد استعدادًا لمواجهة ما قد يأتي.
في النهاية، لا شيء يبقى في مكانه؛ كل شيء يتغير، والأرواح التي تسكن بيننا قد تكون أكثر حيلة مما نتخيل.

أما والدها، فقد شعر بالندم لأنه لم يتخذ احتياطاته منذ البداية، لكنه قرر أن يبدأ صفحة جديدة مع ابنته في مكان بعيد عن كل هذا، حيث يعم السلام والأمان.

لكن، هل غادر المارد حقًا؟ أم أن هناك ما زال خيطًا غير مرئي يربطه بالأماكن التي مر بها؟ سؤال يبقى عالقًا في الأذهان، ينتظر الإجابة في يومٍ ما، ربما.

تمت
اهداء
الي صديقي الكاتب/ احمد فايز.
اهدي لك هذا العمل لانك انت من امنت بي حين رفضني الجميع وانت من له الفضل ان يخرج بهذا الشكل
كل الشكر والتقدير.
إهداء

إلى أولئك الذين يجرؤون على مواجهة المجهول، ويؤمنون أن هناك دائمًا ما هو أبعد من أعيننا، إلى من يبحثون في الظلال عن الحقيقة، أقدم هذا العمل، عسى أن يفتح أمامكم أبوابًا جديدة للفهم.

انت في الصفحة 3 من 3 صفحاتالتالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل