
-فارس خايف يا ليلى قومي هديه.
تكررت تلك الكلمة في اذني ليلى، وبدأت ضربات قلبها تذداد وفجأة شهقت ليلى بصوت مرتفع ورفعت رأسها وفتحت عيناها، ثم عادت إلى الفراش مرة اخرى، حالة تعجب لها الاطباء بعد مرور بضع دقائق استقرت حالة ليلى الصحية، وعادت إلى طبيعتها ولكنها لم تفقد بعد.
~~~
هناك أشخاص يصارعون الموت وهنا أشخاص لا يستطيعون التوقف عن الضحك، بينما تصارع ليلى الموت بسبب فراق ابنها، تعلو ضحكات السيد ضاهر في منزل ظافر بيه صديقه المقرب؛ والذي ذهب إليه ليطلب منه ابنته الوحيدة التي تدعى “سلمى” للزواج من إبنه فوزي، لم يكن يعلم فوزي بخطة والده لإبقاءه بجواره أنه سيرغمه على الزواج.
جلس السيد ضاهر وتناول القهوة برفقة صديقه المقرب، دخلت ابنته “سلمى” المدللة والتي تبلغ من العمر ثمانية وعشرون عاما، كانت تحب فوزي من صغرها إلى أن تعرف على ليلى برحلة عمل إلى مصر وتزوج بها من بعد ذلك، لم تشأ سلمى أن تتزوج بالرغم من جمالها وأناقتها، لكنها مغرورة بعض الشيء.
تحدث السيد ضاهر عند رويته إياها:
-اها وعروستنا وصلت أهي.
دخلت سلمى من بابا المنزل واتجهت إلى والدها تقبله من خده، ثم إلى السيد ضاهر تقبله أيضا من خديها:
-ايه ده معقول ايه المفاجأة دي عمو ضاهر عندنا، ازيك يا بابا.
-اهلا يا حبيبتي حمد الله ع السلامة.
-الله يسلمك، عمو ضاهر حبيبي، عامل ايه وحشاني جدا فينك كده؟
-اهلا بعروستنا الحلوة.
-ايه حكاية عروستنا دي شكل الزيارة دي وراها حاجة، مش عادتك كده، جايبلي عريس والا ايه؟
ضحك السد ضاهر ثم قال:
-بصراحة اه عندك حق يا سلمى فعلاً الزيارة دي وراها حاجة، انا فعلا جايبلك عريس ومش اي عريس.
-اوووو يا بابا شكل الموضوع كبير وعمو ضاهر ناويهالي المرادي، طيب حيث كده بقا انا هطلع اغير هدومي واجيلكم.
وقف السيد ضاهر وهو يقول:
-لأ استني يا سلمى انا مش مطول يابنتي بعد اذنك؛ لأن الوقت مش في صالحنا.
استغربت سلمى ووالدها من حديثه تقدمت إليه سلمى تمسك بيده بقلق:
-عمو ضاهر انت كويس في ايه مالك قلقتني؟ اتفضل اقعد طيب انا سـ,ـامعة حضرتك.
جلس السيد ضاهر ممسكاً بعصاه، ثم قال:
-بصراحة ومن غير مقدمات انا جاي اطلب ايد بنتك سلمى يا ظافر، لابني.
تعجب السيد ظافر وتساءل مازحاً:
-ابنك مين يا ضاهر انت عندك ولاد تاني وانا معرفش والا إيه؟
-ابني فوزي رجع وهايستقر معايا هنا.
غضب منه ظافر لكنه حاول تمالك غضبه، وقال:
-انت نسيت أن فوزي متجوز من مصر يا ضاهر، لولا أنك صديقي المقرب انا كنت اعتبرت دي إهانة ليا ولبنتي؛ لانك عارف ان سلمى بنتي اي راجل ف الدنيا يتمناها.
-انا عارف يا ظافر واللي خلاني اجي هنا واطلب الطلب ده هو العشم اللي بينا، انت عارف اني من زمان نفسي اخد سلمى لفوزي، يمكن الوقت متأخر بس هكون ممنون لو وافقت على طلبي، انا همشي واسيبكم تفكروا بس رجاءا ماتتاخروش عليا.
-اعتبر أن ردي جاهز يا ضاهر وهو..
بترت كلماته سلمى قائلة:
-بابا من فضلك، شرفتنا يا عموا ضاهر ومجيتك على راسنا، حضرتك بقا لازم تقعد تتعدى معانا الاول.
-ربنا يخليكي يا بنتي، انا هاروح علشان ارتاح، سلام.
-مع السلامة.
خرجت سلمى إلى باب المنزل مع السيد ضاهر توصله وتودعه، عادت إلى والدها تعاتبه:
-في ايه يا بابا ليه كلمت عمو ضاهر بالطريقة دي؟
-يعني ايه ليه؟ انتي مش شايفة جاي يطلب مني ايه هو فاكر بعد كل السنين دي وبعد ما ابنه رفض جوازه منك انا هرجع ايامك ليه باديا، هو مايعرفش انتي مين وبنت مين؟
-بابا من فضلك أهدى الموضوع مايتاخدش بالطريقة دي، وعمو ضاهر اكيد مايقصدش حاجة وحشة انت تعرفه اكتر مني.
-تعالي هنا هو انتي ايه حكايتك بالظبط؟! من وقت ماسمعتي أن فوزي رجع وهايستقر هنا وانتي مش على بعضك، رجعتي تحنيله تاني يا سلمى بعد اللي عمله فيكي؟!
وقفت سلمى وأعطته ظهرها تداري دموع عينيها:
-بابا من فضلك مالوش لزمة الكلام ده دلوقتي بعد اذنك انا طالعة اوضتي.
-سلمى سلمى؟
ركضت سلمى إلى غرفتها وهي تبكي، اخر همها مادارا بحياة فوزي وماضيه، فقط عادت إليها الحياة بعودته، حب من طرف واحد وعذاب للطرفين، أحدهما قلبه معلق بالآخر، والآخر قلبه معلق بغيره.
وقفت سلمى على تراسها تلتقط أنفاسها وهي تغمض عينيها تستعيد زكريات الطفولة بينها وبين فوزي، عندما كانت طفلة صغيرة سقطت وهي تركض فجرحت ركبتها، جلس فوزي جوارها وهو ينفخ بجرحها ويقول:
-ماتخافيش يا سلمى انا هنفخلك فيها علشان ماتوجعكيش، ها خفت؟ يلا تعالى اسندي عليا اوصلك البيت.
-لسه بتوجعني يا فوزي، مش قادرة امشي.
-معلش اسندي عليا واحده واحده.
شهقت تلك الجميلة أعلى تراسها وكأنها تتنفس للمرة الأولى.
~~~
بكى السيد فارس وهو يحتضن حفيده بعدما اخبره الاطباء ان حالة ابنته على مايرام، خرج الجميع من الغرفة بعد الاطمئنان على حالة ليلى وجلس فوزي على الاريكة المقابلة لمخدعها، وجلس السيد فارس على الكرسي المجاور لها وهو يضع فارس الصغير على فراشها.
بدأ الطفل يتصرف على طبيعته ويصدر اصواتا للعب والضحك، وهو ينادي ماما، يتسلق عليها وهو يضـ,ـرب بكفه حتى يوقظها إلى أن صعد عند وجهها، وبدأ يمسك بهديها وهي فاقدة للوعي ويضع فمه على ذقنها ويعض عليه، حاول القيام فسـ,ـقط على وجهها وارتطمت انفه بانفعال فصرخ الطفل من الالم.
افرجت تلك الجميلة واخيرا عن اهدابها بسرعة البرق وتلقائيا ضمت يداها هذا الصغير؛ لتهدئه وتربت على ظهره برفق وهي تقول:
-بس يا ماما بس.