
مع والدها الذي كاد يحل كل شيء ولكنها توسلته ألّا
يفعل وهي نقطة ضعف والدها الوحيدة.
رمقت نفسها بتأمل.. عينان داكنتان وشعر يماثلهما
لونا.. ليس حريريا كبطلات الروايات التي تقرأها
ولكنه أيضا ليس كالأسلاك, بشرة حنطية خالية من
العيوب, شفاة وردية مكتنزة, وجسد ممتلئ ولكنه ليس
بدينا.. فتاة عادية بملامح عادية هكذا ترى نفسها
ولكنها أملت أن يراها أسامة فاتنة ومميزة ..
أفاقت من شرودها على صوت شروق صديقتها وهي تهتف:
“قمر يا اخواتي قمر.. ألف مبروك يا دارين برغم اني مش
طايقة العريس بس فرحانة عشانك انتي واتمنى انك
ماتندميش في يوم”
ابتسمت لها دارين بحب وهي لاتزال على حالها تتأمل نفسها
بالمرآة هامسة بشرود:”تفتكري هعجبه؟!”
انتفضت على صوت شروق الذي أصدر صيحة أشبه بال
(ردح) وهي تقول:”نعععم ياختي؟ هو كان يطول! يحمد
ربنا أصلا انك وافقتي عليه.. انا مش فاهمة ايه اللي
عاجبك فيه! ده…”
قاطعتها دارين وهي تضحك:”خلاص.. خلاص أنا آسفة,
انتي ما بتصدقي اي حاجة عشان تشتمي فيه!”
لوت شفتيها بعدم رضا ثم تأملت صديقتها بحب وهي
تقول:”والله خسارة فيه وتستاهلي سيد سيده بوشه العكر
ده اللي يقطع اللي خميرة من البيت”
ضحكت دارين بقوة وهي لا تفهم لِمَ تكرهه صديقتها
لهذا الحد! ثم قالت بمشاغبة:”لازم تتقبليه يا شوشو
عشان نفضل مع بعض حتى بعد الجواز.. لاحسن لو فضلتي
كده شامل مش هيطيقه.. طبعا ماهو مش نازل للأميرة
شروق من زور فالأمير شامل مايقدرش يعمل حاجة
تضايقها”
وكما توقعت احمّرت وجنتا صديقتها بخجل لذيذ من
ذِكر شامل (زوجها) وهي تقول:”هعمل ايه هحاول اتقبله
واعصر على نفسي كيلو لمون عشان خاطرك بس”
وداخلها يفكر أن شامل لم يتقبّله أبدا بالمرة التي
تقابلا فيها وهي لا تلومه أبدا.. فقد كان (الزفت) كما
تسمّيه يصيح ب دارين كعادته وشامل وقتها كاد يتدخل
ويعرّفه قدره إلا أنها منعته وهي تخبره أنه خطيبها وقتها
رمقها بصدمة قبل أن يقول:”وايه اللي غاصبها على واحد
زي ده؟ ده لو استمرت معاه شوية كمان هيدمرها خالص”
زفرت بحزن وهي تجيبه:”عارفة يا شامل وقولتلها كتير
لكن هي شايفة فيه البطل بتاع الروايات اللي بتقراها..
شايفة انه بيعمل كل ده من حبه ليها وغيرته عليها
وغلبت افهمها ان ده مش حب ولكن لا حياة لمن تنادي!”
ابتسم وهو يقول غامزا مغيّرا الموضوع:”يا واد انت يا بتاع
لا حياة لمن تنادي.. في تمريض انتي وال ف آداب
لغة عربية!”
انتفضت على صوت دارين التي تقول بمرح:
“مش وقت سرحان بحبيب القلب يا قطة, زمان أسامة وأهله
جم وهو مابيحبش يستنى”
كادت تهتف بلفظ لا يصح لفتاة أبدا ولكنها صرّت على
أسنانها بقوة حتى لا يفلت منه ثم قالت:
“طب ياللا ياختي بدل ماطلع اقول لابوكي يفضّها
سيرة وانا متأكدة انه نفسه يعملها لكن انتي ال موقّفاه”
***
جلست بجانبه بخجل وهي تنتظر منه كلمة واحدة
تعبيرا عن إعجابه بها وبثوبها الراقي لكن البسيط ولكن
الصمت هو مل ما حصلت عليه منه حتى بادرته:
“مالك يا أسامة؟!”
التفتت لها وكأنه انتبه أنها تجاوره للتوّ! ثم تململ وهو
يقول:”لا أبدا مفيش..”
رمقته بتساؤل وهي تقول:”لا فيه.. واضح ان فيه حاجة
مضايقاك! مالك قولّي!”
زفر بخفوت وهو يقول:”أصل ماما متضايقة وبتقولي
استعجلت, انت يادوب لسه مستلم الشغل بقالك شهر..
والحقيقة انا برضه حاسس بكده, كان المفروض نستنى
شوية على الخطوبة لحد ما اتثبّت في الشغل لكن انتي
سربعتيني واهو دي النتيجة.. ماما متضايقة ومكنتش
حتى راضية تيجي الخطوبة لولا انا اترجّيتها”
هل صُدِمَت؟! لا تظن.. فحماتها العزيزة لم تتقبلها حتى
حينما كانت محض جارة لهم ولا تفهم السبب أبدا!
ازدردت ريقها ببطء ولم تتحدث.. فبِمَ ستجيبه وهو من
يتهمها أنه بعد عام كامل من قراءة الفاتحة والصمت
التام من جهته وأهله تعجّلته بالخطبة!!
لحظات وكانت شروق بجانبها تخبرها أن تبتسم حتى
لا يظن الناس أنها مُجبَرة على الخطبة.. ثم وجّهت
كلامها لأسامة وهي تقول بابتسامة باردة:
“ياريت تبتسم شوية يا عريس انت ف خطوبتك
مش في عزا!”
رمقها بغيظ ثم ابتسم ببرود وهو يقول:”كده كويس!”
بادلته ابتسامته بأخرى ثلجية وهي تقول:”مش بطّال”
همست لدارين لفترة حتى جعلتها تبتسم بمرح ثم غادرت
وعادت لمكانها بجوار شامل الذي هتف قائلا بمرح:
“كنت حاسّك تدّيه بوكس في وشه”
هتفت من بين أسنانها:”والله شكلي هعملها في يوم..
شخص سمج حقيقي, ربنا يسامحك يا دارين على الوقعة
السودة اللي وقعتي نفسك فيها”
أمسك كفها بدعم وهو يقول:”مسيرها هتفوق يا شروق
من وهم الحب ال عايشة فيه ده.. وواجبك وقتها انك
تدعميها وتبقي جنبها وماتخليهاش تفقد ثقتها بنفسها
ولا حتى بالحب.. صدقيني هتفوق انا متأكد”
فلتت منها تنهيدة طويلة قبل أن تقول:”يارب تفوق بس
قبل فوات الأوان!” .
***
كانت تبكي بفراشها منذ سمعت الخبر.. لم يغمض لها
جفن طوال الليل بل في الواقع لقد تورّم جفنيها من كثرة
البكاء ولا تعلم حتى كيف ستخفيها عن عيني عمتها
الثاقبتين!
حزن غريب يملأ قلبها, حتى نبضاتها أصبحت رتيبة,
مملة حتى شعرت أنها على شفا الموـ,ـت!
هل يمكن أن يموـ,ـت الإنسان حزنا؟!
تساءلت وهي تحاول إقناع عينيها أن تَكُفّا عن البكاء
فلن يفيدها بشيء أبدا..
لقد كان هناك بعض الأمل أن يشعر بها ويراها يوما
ولكن ذهب الأمل بلا عودة منذ سمعت نبأ خِطبته!
طرقة خافتة على باب غرفتها تبعها صوت الباب يُفتَح
لتدلف عمّتها وهي تقول بدهشة:”جويرية! مش معقول
انتي لسه نايمة؟! مش هتروحي الجامعة وال ايه؟”
مسحت دموعها وهي مازالت على حالها قائلة بصوت خافت:
“لا يا عمتو مش قادرة, تعبانة”
شعرت بعمتها تجلس على طرف الفراش خلفها وهي
تمسح على شعرها بحب قائلة:”ألف سلامة عليكي يا
حبيبتي, حاسة بايه؟! أنا برضه لما نمتي امبارح بدري
حسّيت إن فيكي حاجة مش مزبوطة”
“شكلي داخلة على دور برد”
قالتها بصوت بالكاد استطاعت أن تخرجه لتهتف عمتها:
“ماهو صوتك باين عليه.. ارتاحي شوية وانا هعملك