
غادر بعد أن ألقى السلام وخصّها بنظراته الدافئة لتنتبه
على صوت والدها:”مش كفاية كده, ده زمانه وصل الحي
اللي جنبنا وانتي لسه واقفة تبصي عليه”
عضّت على شفتيها بخجل وهي تستدير عائدة من حيث أتت
ووالدها يشيّعها بنظره بحب فهي بكريّته التي يفخر بها
دوما ولم تخيّب أمله قط .
***
وقفت أمام باب المنزل بحزن, لا تريد دخول المنزل ونضال
ليس به.. امتلأت عيناها بالدموع على الرغم أنه لم يغب
عن المنزل سوى بضعة أشعر إلا أنها مرّت عليها كأنها
بضعة سنوات.. فلأول مرة يبتعد عنها هذه الفترة الطويلة
فمنذ كانت بالخامسة من عمرها وهي معه لا تفارقه
ولا يفارقها حتى عند النوم.. فقط منذ التحقت بالمدرسة
الثانوية بدأت تنام بمفردها بغرفتها خجلا منه وطالما
شاكسها بسبب ذلك أنها مهما كبرت بنظره فتاته
الصغيرة المدللة.
تنهدت بقوة وفتحت باب المنزل وهي تفكر كم
اشتاقت له؟! اشتاقت لحـ,ـضنه والأمان الذي تشعر به معه..
ما إن فتحت الباب حتى سُحِبَت للداخل وأُغلِقَ الباب خلفها
فشهقت بقوة ثم تحولت شهقتها لابتسامة واسعة وهي ترى
محور أفكارها أمامها فاندست بحـ,ـضنه بقوة تستنشق
رائحته بحب, رائحة تمثّل لها الأمان والطمأنينة.
“نضال وحشتني اوي اوي, ماتغيبش عني كده تاني أبدا”
قالتها وهي تضم نفسها إليه بقوة ويداه تضمانها بحب
وحنوّ وهو يربت على ظهرها قائلا:
“وانتي كمان وحشتيني اوي يا جويرية, عاملة ايه يا
بنّوتّي؟”
أجابته لا تشعر بسواه:”وحشة.. طول مانت بعيد عني ببقى
وحشة اوي.. ماتبعدش عني تاني خالص ابدا”
ضحك بخفة وهو يقول:”بعد كده هاخدك معايا لما
أسافر انا مكنتش على بعضي وكل شوية أقولهم عايزين
نخلّص الشغل عشان ارجع بسرعة وماصدّقت خلّصت
وحجزت الطيارة على طول مع ان فيه منهم قعد يغيّر جو
بس انا مقدرتش ابعد عنك أكتر”
أفاقت على نحنحة رجولية خلفها تهتف بمزاح:
“وأنا ايه؟ هوا! مش شايفاني وال الترحيب كله ل نضال؟”
رمقته بتعالي مصطنع وهي تقول:”مانت في وشّي 24 ساعة
يا أنس خلاص زهقت منك بقى, ابقى سافر انت وسيب
نضال معايا”
“أوووتش, قلبي انجرح وكرامتي اتبعترت ولازم انزل اشوف
حد يلمها معايا”
تعالت ضحكاتهم ثم قالت عمتها:”ايوة يا ستي ومين
أدّك؟ جالك اللي بيدلّعك وبيعملّك كل ال تعوزيه..
احنا بقى لنا الله”
ابتسمت بخجل وهي تخرج من بين أحضانه على مضض
وتذهب لعمتها تقبّل يدها وجبهتها قائلة:”ازاي بقى يا
عمتو؟ ده حضرتك الخير والبركة.. ربنا يخليكي
لينا”
“ماشي يا بكّاشة (مخادعة) ولو اني متأكدة ان
غلاوتي مش هتوصل لغلاوة نضال عندك”
قالتها عمتها وهي تغمزها بمرح فاحترقت وجنتيها من
الخجل وهي تقول:”لا ازاي يا عمتو! كل واحد فيكم له
مكانة في قلبي, ربنا يخليكوا ليا” .
يتبع