
**مساء اليوم التالي:**
كانت رانيا جالسة تشاهد التلفاز وتتناول بعض المكسرات، عندما دخل عليها راجح ملقيًا السلام. لم تعر التلفاز أي اهتمام، وجلس بجوارها ليأخذ نفسًا عميقًا ثم أشار إليها قائلاً: “فريدة رجعت من المستشفى ولَّا لسة؟”. أغلقت التلفاز وبدأت ترمقه بنظرات مشوبة بالقلق: “هوَّ إيه كلِّ شوية تتصل وتسأل على فريدة؟! أوعى يكون شيطانك بيلعب بعقلك.”
هبَّ راجح من مكانه وأطبق على ذراعها، متعجبًا: “اتجننتي!.. دي زي أختِك ومرات أخويا.” ولكن رانيا، بتمثيلٍ مُبالغ فيه، فارتمت على صدره تبكي: “آسفة ياراجح، بغير عليك. كل ما أشوف حد منكم بيشكر فيها بتجنن. يعني سبت بيت أبويا وهنا برضو. عجباكم شوية السهوقات اللي بتعملهُم، محدش فاهمها أدِّ إيه…”
مسَّدَ على خصلاتها وضمَّها، مهدئًا: “متزعليش، حقِّك عليَّ. أنا بسأل عادي علشان منكنشِ قصَّرنا معاها ويجي جمال يزعل.”
خرجت رانيا من أحضانه، قائلة: “زمانها جاية تلاقيها خرجت من المستشفى وراحت تشتري حاجات. أصلها مابتبطَّلشِ إغراء في جمال. إنت مش شايف راحت حملت تاني علشان تربطُه بيها.”
تلاعبت بزرِّ قميصه وأردفت بغنج: “قولِّي هتجبلي إيه في عيد ميلادي؟”
غمزَ بطرفِ عينه: “حسب ماتقدِّمي ياروحي.” أطلقت ضحكة رنانة وهتفت بدلال: “متنساش إنِّي حامل.” بعد فترة اعتدل متحركًا للخارج يدندن، ثم صاح بصوته: “رينو تعالي حطِّي الأكل أنا جعان.”
خرجت رانيا وهي تجذب روبها ترتديهِ ثم هتفت: “معملتِش أكل ياراجح، كنت تعبانة ونمت.”
“وليه مخلتيش البنت الشغالة تعمل الأكل؟ طلبتي زيادة علشان هتغيَريها وتجيبي واحدة أحسن منها، إيه اللي حصل؟” سألها.
“يوووه هوَّ تحقيق، البنت مرضيتشِ تيجي قالت الفلوس مش مكفِّية.”
“يعني إيه الفلوس مش مكفِّية، أومال ليه اتَّصلتي بمكتبِ الخدم، وفين الفلوس اللي المفروض تجدِّدي بيها البيت؟”
طالعت البيت وأردفت بتهكُّم: “بيت إيه ياأبو بيت، أنا عايزة بيت زي طليقتَك. ماليش دعوة، أنا مش أقَّل منها ولو هي معاها الولد أنا كمان حامل وهجبلك الولد.”
ألقى مابيدهِ واقتربَ منها غاضبًا: “وبعدهالك يارانيا، قولتلِك الشقَّة دي مش أنا اللي جبتهالها. هيَّ أخدت النفقة وكمِّلت واشترتها. وبعدين البيت مالُه ماهو حلو زيُّه زي بيت جمال، بس عايز اهتمام منِّك شوية.”
نفخت بضجرٍ وجلست تحدجهُ: “قولِّ بقى الستِّ فريدة هيَّ اللي عجباك مش بيت جمال.”
تأفَّفَ وثارت جيوشُ غضبه: “وبعدين معاكي، كلِّ ما نحاول ننسى ترجعي بينا لنقطةِ الصفر. مابقتشِ عيشة دي.” قالها وهمَّ بالمغادرة.
هبَّت متَّجهةً إليهِ سريعًا: “رايح لها ياراجح، الجو خليلَك وعايز ترُوحلها. للدرجادي مقدرتِش تنساها حتى بعدِ ما اتجوَّزتِ اتنين!”
دفعها صارخًا: “إنتِ بتقولي إيه يامجنونة؟!” قالها وهو يلطمُها على وجهها.
برقت عينيها متسمِّرة لأولِ مرة، يصفعُها، هل حقًا ذاكَ الرجلَ الذي تنازلت وتزوَّجته، يهاتُفُها بتلكَ الطريقة؟ اقتربت منهُ وكأنَّها أصابها الجنون: “بتضربني ياراجح! طيِّب طلَّقني، أنا لازم أسبلَك البيت وأمشي. أنا غلطانة رضيت أتجوِّز واحد زيك. واللهِ لأفضحَك وورِّيني هتعمل إيه ياحضرة الظابط.”
دنى منها وعيناها كالهيب من قاع جهنم. قاطعَ تشاجرهُم رنينَ هاتفِه، استمعَ إلى بكائها: “إلحقني ياراجح، مش لاقية يوسف في أوضتُه ابني اتخطف ياراجح، وجمال لسة مرجعِش.”
تسمَّرَ جسدهِ وشعرَ بدورانِ الأرضِ به، ليُردد: “يعني إيه يوسف مش في أوضتُه!.. اسألي الدكاترة، أنا جاي في الطَّريق.”
رمقتُهُ الأخرى بنظرةٍ خبيثةٍ مقتربةً منه: “إيه اللي حصل ياراجح؟” لم يُعرها اهتمام وتوجَّهَ إلى سيارتهِ وغادرَ المكان…
هوت على المقعدِ وابتسامةِ الانتصار تزيِّنُ وجهها تهمسُ بفحيح: “أخيرًا هعرف آخد حقِّي منِّك يافريدة. خلِّيهم يعرفوا إهمالِك، نفسي أشوف جمال لمَّا يرجع ويعرَف إنِّ ابنُه اتخطف… تؤتؤ ياحرام ياجيمي، الستِّ اللي رفضتِني علشانها ضيَّعِت ابنك اللي بتموت فيه.”
رفعت الهاتف: “عملت إيه ياعطوة؟” توقَّفَ على جانبِ الطريق: “كلُّه تمام وزيِّ الفُل ياستِّ الكل، الولد واخده ملجأ في القاهرة، يعني مهما يدَّوروا عليه مش هيعرفوا يوصلولُه.”
– “القاهرة!! ليه القاهرة مش اتَّفقنا على إنَّك تسفَّرُه برَّة مع الناس اللي بيشتروا العيال؟!”
تلفَّتَ حولهِ وقامَ بإشعالِ سيجارة: “صعب حاليًا، المهمِّ إنِّك اتخلصتي منُّه. لازم اتحرك قبل الحكومة ماتشم خبر.”
أجابتهُ على الجانبِ الآخر: “عندَك حق، بكرة هتلاقي حقَّك وصلَّك وزيادة كمان علشان تعرف أنا حقَّانية.” قالتها وأغلقت الهاتف.
نهضت من مكانِها وتوقَّفت أمامَ المرآةِ تنظرُ إلى نفسِها بالمرآة: “يادي النيلة على الحملِ وسنينُه، وشِّي انطفى غير جسمي اللي بقى يقرِف.”
اتَّجهت إلى خزانتها وأخرجت عباءتها السوداء: “لازم احتفِل بأوَّل انتصار ليَّا. واللهِ شكلَها هتلعب معاكي يارانيا.”
وصلت بعدَ قليل إلى إحدى صالوناتِ التجميل، جلست إلى أن توجَّهت إليها إحدى العاملات، نظرت لنفسها بالمرآة تشيرُ على وجهها وشعرها: “عايزة نيولوك كأنِّي واحدة جديدة، تعرفي ولَّا أشوف غيركم…”
أمسكت الفتاةُ بعضَ المجلَّاتِ الخاصَّةِ بقصةِ الشعرِ وتجميلاتِ الوجه: “اختاري يامدام وإحنا في الخدمة.”
بعد عدَّةِ ساعات عادت إلى منزلها، قابلتها فريدة التي تهبطُ من سيارةِ راجح ووجهها لوحةً من الألمِ والحزن.
توقفت رانيا ترمقه، عينيها متورِّمة من كثرةِ بكاؤها، يحاوطها راجح، يشيرُ إليها. اقتربت رانيا وتصنَّعت الدهشة: “مالِك يافريدة وفين الولد؟”
رفعت فريدة عينيها المنتفخة تحاوطُها بنظراتها من أسفلها لأعلاها ثم همست بتقطُّع: “رانيا إيه اللي إنتِ عملتيه في نفسك دا، اتجننتي! خلعتِ حجابك!!”
ألقى نظرة على زوجها ثم مسَّدَت على خصلاتِها القصيرة: “إيه رأيَك ياراجح، حلو؟”
رمقَ فريدة بنظرةٍ وصمَت، اقتربت فريدة