تدور أفكار سيلا في دوامة من الماضي المؤلم الذي يعصف بها. لا تستطيع النوم براحة بينما يطارده عقلها باستمرار. كانت تحاول التظاهر بأنها تعافت، لكن الألم لا يزال ينهش في قلبها. تلك الذكريات التي لا تُمحى، خاصة الحادث الذي وقع يوم تخرجها، كانت محورية في حياتها، إذ عاشت في معاناة دامت سنتين. على الرغم من أنها كانت قد أظهرت للآخرين أنها تعافت تمامًا، إلا أن جروحها الداخلية كانت لا تزال تنزف.
في تلك الأيام، قررت مع صديقاتها مي ورودي إقامة حفلة للاحتفال بتخرجهن. اتفقن على اختيار مكان قريب من الجامعة، وتولت سيلا ومي حجز المكان بينما كانت رودي مسؤولة عن جمع باقي الصديقات. مي كانت نشيطة للغاية ومتحمسة لتزيين المكان، بينما كانت سيلا تفضل البساطة ولا تهتم بالتفاصيل الزائدة. رودي كانت مشغولة أيضًا بمواعيد أخيها الذي كان حريصًا على أن تلتزم بمواعيد معينة.
بعد أن اتفقوا على الحجز، دارت محادثة خفيفة بينهن. سيلا أعربت عن عدم اهتمامها بزينة الحفل المبالغ فيها، بينما حاولت مي أن تضيف المزيد من المرح والتفاصيل. كان كل شيء يمر بسلاسة حتى بدأ الحوار يتحول إلى جدال حول ترتيب الأمور. انتهى الحديث بتوزيع المهام، سيلا ومي سيتفقان مع الكافيه، بينما رودي ستجمع باقي الفتيات لتأتي إلى الحفل بعد الترتيبات.
بينما كانت سيلا ومي تسيران في الشارع، اقترحت سيلا اختصار الطريق عبر الشارع الذي يقع خلف الجامعة. مي أمسكت يد سيلا فجأة، مرعوبة وقالت: “استني، الشارع ده، لا بلاش!” وأضافت: “أنا خايفة، ده شارع مقطوع ومحدش بيمشي فيه، أنا قلقت. تعالي نرجع ولفي مش مشكلة، بس بلاش من هنا.”
لكن سيلا حاولت تهدئتها قائلة: “يا بنتي، إحنا في عز النهار، وفي ناس ماشيه هنا، تعالي بلاش جبن، يلا.” رغم أن الشارع كان معروفًا بين الطلاب بالهدوء والأمان خلال النهار، إلا أن هناك قصصًا عن سـ،ـرقات تحدث فيه ليلاً، مما جعل مي أكثر خوفًا.
واصلتا السير حتى منتصف الطريق، ولم يحدث شيء. مي كانت ما زالت متوترة، بينما حاولت سيلا تهدئتها: “يا بنتي خلاص، قربنا نوصل، بدل ما نلف كل ده. معندناش وقت كتير، البنات حيتجمعوا وأنا لازم أكلمهم عن المكان اللي هنروح له.” ولم تكمل كلامها حينما توقفت سيارة فجأة أمامهما. السيارة كانت تسير عكس الاتجاه، وتوقفت بجانب الطريق بينما كانت تُسمع أصوات عالية جدًا من داخلها.
أصوات استغاثة من فتاة داخل السيارة: “اللحقوووني!” مع محاولاتها الفاشلة لفتح الباب، في حين كان أحد الأشخاص في السيارة يغلق الباب بقوة، والفتاة تواصل الصراخ: “اللحقووووني!”
توقفت مي، وعينيها مليئة بالفزع، وتمسكت بسيلا وهي تقول: “اللحقيني، مش قولتلك بلاش؟ يلا بسرعة، نجري، شايفة اللي أنا شايفاه؟ يلا بسرعة!” كانت مي في حالة من الرعب، لكن سيلا كانت تفكر بسرعة في كيفية إنقاذ الفتاة.
وقالت سيلا بهدوء: “اهدي، لازم نتصرف بسرعة، لازم نلحقها قبل ما يعملولها حاجة وحـ،ـشة.”
لكن مي كانت على وشك الانهيار، وقالت وهي تبكي: “هنلحقها، هنلحقها، بس يلا بسرعة! أنا خايفة أوي، دول شكلهم مرعب، وممكن يكونوا خطفنها. يلا نرجع ونكلم حد يروح لهم ويمسكهم.”
سيلا تحدثت بسرعة، وأخذت تدفع مي بعيدًا عنها قائلة: “طيب، ارجعي بسرعة وجيبي حد، أنا هلهيهم عنها قبل ما يحصل لها حاجة.” مي كانت ما تزال مصدومة، وقالت: “لا، لا، تعالي معايا، مش قادرة أسيبك، أنا خايفة عليكِ.”
لكن سيلا دفعتها مرة أخرى وقالت: “مفيش وقت للكلام، إنتِ لازم تروحي بسرعة، وأنا هكون بخير، بس مفيش وقت.” وركضت باتجاه السيارة.
اللحظات كانت حـ،ـرجة، حيث كانت سيلا تدرك أنه لا يوجد وقت لتضيعه.
يتبع