
ميار بدأت تتحرك قدام نبيل، عينها بتراقب كل خطوة وكل حركة حوالينهم، وقلبها بيدق بسرعة من الحماس والخوف في نفس الوقت.
وأثناء ما كانوا بيجروا في الممر الضيق، طلع عليهم واحد من رجال العصابة فجأة. ميار من غير تفكير، انقضت عليه وضـ ـربته بكل قوتها، واستطاعت تخطف المسـ ـدس منه.
ميار بصوت حازم: امشي ورايا يا بابا! أنا هحميك.
نبيل كان عاوز يتكلم، لكن ميار كانت سريعة، أخدت المسدس وحركت قدامه، عيونها مليانة إصرار.
نبيل بخوف: ميار، الناس دي خطيـ ـرة! لازم نكون حذرين!
ميار بتحدي: مفيش وقت للحذر يا بابا! لازم نخرج من هنا قبل ما يجمعوا تاني!
ركضوا لحد ما شافوا شخص تاني من العصابة جاي ناحيتهم. ميار، اللي كانت متأهبة، وجهت المسـ ـدس تجاهه وضغطت على الزناد، وأطلقت رصـ ـاصة. الصوت كان مدوي، وسمعت صـ ـرخته وهو بيقع على الأرض.
ميار وهي تنظر لنبيل: بابا، امشي بسرعة! هيتجمعوا دلوقتي!
يوسف كان واقف على بعد شوية، شاف اللي حصل وعينيه مليانة صـ ـدمة. جري ناحيتهم وابتسم لنفسه وهو يلاحظ شجاعة ميار.بنبرة متعجبة: أنا لسه مش مصدق إنك ممكن تقتلـ ـي.
ميار نظرت له، عيونها مليانة تحدي وقالت: لو ده هو الحل، فأنا مستعدة. وأي حد منكم هيقابلني هتبقى نهايته رصـ ـاصة في دماغه، وبرضو مش هسيب لكم أبويا.
وقفوا في مواجهة بعض، ميار توجه مسـ ـدسها على يوسف، ويوسف بنفس التحدي يصوب مسـ ـدسه عليها. الجو مشحون بين الحذر والغضب، وكل واحد مستعد يضغط على الزناد في أي لحظة.
يوسف بتحدي: نزلي المسـ ـدس ده يا ميار، ولا صدقيني هتموتي قبل ما تعرفي تتحركي.
ميار بثبات وعيونها ثابتة: انصحك أنت اللي تنزل سلاحـ ـك، لأني مش هتراجع.
مفاجأة صوت طلقات نـ ـارية يملأ المكان. كل واحد منهم أطلق رصـ ـاصة بسرعة على حد من رجال العصابة اللي كانوا على وشك ضـ ـربهم؛ يوسف
قتـ ـل اللي كان هيضـ ـرب ميار، وميار قتلـ ـت اللي كان هيضـ ـرب يوسف.
يوسف نظر لها بصدمه، عيونه مليانة تساؤل وذهول: إيه اللي عملتيه ده؟ كان ممكن تسيبيني أمـ ـوت وتاخدي أبوكي وتهربي.
ميار تنفست بعمق، ونظرتها كانت ثابتة، لكن فيها حزن خفيف: أنا مش زيك يا يوسف… المـ ـوت مش حل بالنسبة لي. بغض النظر عن اللي بينا، مش هقف أتفرج عليك وانت بتمـ ـوت.
يوسف بصوت مليان حيرة، كأنه لأول مرة بيشوف جانب مختلف منها: ليه يا ميار؟ ليه تهتمي أصلا؟
ميار ابتسمت ابتسامة هادية، عينيها مليانة إصرار: يمكن علشان عرفت إن جواك حاجة تستاهل الفرصة، حتى لو إنت مش شايفها.
يوسف ابتسم ابتسامة خفيفة، متفاجئ برد فعلها: إزاي تشوفي فيا حاجة كويسة؟ أنا أصلا مش شايفها وإحنا في الموقف ده؟ أنا اللي خطفـ ـت أبوكي وحطيتك في المصيبـ ـة دي.
ميار بثقة: أنت أعمى يا يوسف، قادر تشوف كل اللي حواليك لكن عاجز تشوف اللي جواك. أنت أعمى في النور يا يوسف… أنا مش هغفر لك اللي عملته، بس مش هحكم عليك بالإعـ ـدام، وبالذات لما أعرف إنك ممكن تكون تستاهل الفرصة، فرصة تخليك إنسان جديد، إنسان حقيقي مش الإنسان المزيف اللي بتحاول تخدع نفسك بيه طول الوقت.
يوسف سكت لحظة، وبدأت ملامح القسوة تخف من على وجهه، كأنه لأول مرة بيفكر في كلامها: يمكن… يمكن اللي بتقوليه صح. بس ده ما يغيرش إن الوضع هنا خطـ ـر.
ميار بحزم: طالما إحنا هنا، لازم نخرج سوا… وأنت هتساعدني أخرج أبويا.
يوسف نظر لها بعزيمة جديدة، كأنه أخيرًا لقى دافع جديد: تمام، لو كده هنمشي سوا… بس خليكي ورايا، هيقابلنا ناس أكتر من اللي وقعناهم.
ابتسمت ميار ابتسامة سريعة وقالت: اتفقنا.
بدأوا يتحركوا سوا بخطوات حذرة، يوسف قدام وميار وراه، كل واحد منهم جاهز لأي حركة مفاجئة. كانوا بيسمعوا أصوات رجال العصابة وهي بتقرب منهم، وميار نظراتها دايمًا على أبوها اللي ماشي جنبها، بتطمن إنه بخير، وبتحاول تركز في كل تفصيلة حواليها.
يوسف بصوت واطي وهو بيشاور لها على ممر جانبي: من هنا، ده المخرج الخلفي… بس فيه حراسة، لازم نتحرك بسرعة قبل ما يوصلوا باقي العصابة.
ميار بنظرة مصممة: ما تقلقش، أنا جاهزة.
فجأة، طلع قدامهم ثلاثة من رجال العصابة، واقفين في انتظارهم، أسلـ ـحتهم موجهة نحوهم. ميار شدّت إيد والدها عشان يقف وراها، ويوسف بص على الرجال بنظرة متحدية.
أحد رجال العصابة بابتسامة ساخرة:تفتكروا فعلا إنكم هتطلعوا من هنا سالمين؟
يوسف رفع حاجبه بتحدي وقال: وأنا اللي كنت فاكر إنكم خلاص استسلمتوا… بس واضح إني هضطر أديكم درس.
قبل ما حد من رجال العصابة يلحق يتحرك، تبادل يوسف وميار نظرات سريعة، واتفقوا بدون كلام. يوسف أطلـ ـق النـ ـار على أول رجل، وميار انقضت على الثاني بحركة سريعة مستغلة انشغاله بيوسف، وخدت منه سلاحـ ـه ووجهته على الثالث.
نبيل اللي كان واقف يتابع بنظرة إعجاب ما قدرش يمنع نفسه من الفخر:والله يا بنتي، طلعتِ أشطر من اللي توقعت.
يوسف بابتسامة خفيفة وهو بيلتفت لميار:بنتك شجاعة يا عم نبيل… بس دي لسه ما شافتش اللي جاي.
ميار بتحدي:خلينا نخرج من هنا الأول، وبعدها نشوف مين اللي هيكسب في الآخر.
يوسف ابتسم وبدأ يتحرك معاها:اتفقنا، بس خليكي ورايا… أنا عارف طريق الأمان.
بدأوا يتحركوا سوا، وكل واحد منهم حاسس بتغير في نظرة التاني. يوسف شاف فيها جانب مختلف، وميار بدأت تتساءل لو فيه فعلاً جزء طيب جواه، جزء يستحق فرصة.
**************************
يتبع…
______________
بقلم/ حور طه
______________
صلي على الحبيب