روايات

عمار البيوت  بقلم فاتن علي راشد حصريه وجديده وكامله جميع الفصول 

عمار البيوت  بقلم فاتن علي راشد حصريه وجديده وكامله جميع الفصول 

عمار البيوت  بقلم فاتن علي راشد حصريه وجديده وكامله جميع الفصول

نحن حقًا وحدنا في هذا العالم؟ أم أن هناك من يسكن بيننا دون أن نراه؟

تابعوا معنا رحلة نور، التي تصطدم بعالم من المجهول، لتكتشف أن “الوجود” ليس كما يبدو.

أنا “نور عامر”، فتاةٌ بلغتُ الثانية والعشرين، طالبةٌ في كلية التجارة.

أحيا مع والدي، لا أنيس لي سواه منذ أن اختطف المو,تُ أمي، وهو أيضًا لا ملجأ له إلاي، قد توثقت بيننا العُرى، فغدونا رفاقًا قبل أن نكون أهلًا، نُفضي إلى بعضنا بما تُسِرُّ به النفوس، ونتقاسم تفاصيل الأيام كأنما نحن شريكان في رحلة الحياة.

حين انتقلنا إلى دارنا الجديدة، أبهجني فيها أمرٌ عظيم، إذ كانت تعلوها السطحُ الفسيح، ذلك المكان الذي بدا لي كسماءٍ خاصة، ملكٌ لي وحدي، راودتني فكرةٌ أن أجعله روضًا نضيرًا، أُغرِسه بنفسي وأهبه من روحي ليصير مأوىً يُريح القلب من عناء الأيام.

وافَقَ والدي، غير أنّ السطح كان يضمُّ غرفةً موصدةً زاخرةً بالكراكيب، فقمنا بجمعها وأغلقنا الباب عليها. وما إن انتهى الترتيب حتى بدا المكان كقطعةٍ من جنان الأرض، يُظلله الأفق الفسيح، ويتنفس من عبير الريح، فكان مجلسي الذي لا يُضاهى، موئلي الذي أنشد فيه #.
لكن… ثمة ما يُريب.
أشياءُ صغيرةٌ، لربما بدت عبثًا من بنات الأوهام، غير أنها مع تواليها أيقظت في النفسِ وساوسًا لا تُسكَت.

ما إن أنقل شجيرة الورد وأضعها على السور حتى أجدها في اليوم التالي وقد زحفت نحو الغرفة المغلقة، كأنّ يدًا خفيةً قد حركتها.
أهبط إلى الشقة لأحضر شيئًا، وحين أعود، أجد الحاسوب مطفأً، رغم أنني تركته يعمل.

كنت أُمنّي النفس بالتماس العذر، أُرجع الأمر إلى غفلةٍ أو نسيانٍ، حتى كان ذاك اليوم الذي جعل الشكَّ يقينًا، وأجبرني أن أُقرَّ بأنني لستُ وحدي هاهنا.
ذات الليلة هادئة، يلفها سكونٌ غريب، والسماء تعكس أضواء المدينة المتناثرة كحبات لؤلؤ مبعثرة فوق صفحة الماء. وقفتُ على السطح، مستغرقةً في صوت الأغاني القديمة، تُداعب النسمات وجهي بخفة، وتتمايل أزهاري الصغيرة مع الريح، وكأنها ترقص على نغمات وردة. كنتُ غارقة في عالمي حتى قطع صوتُ أبي تأملاتي.

_نور، انتي فين يا نور؟

رفعتُ صوتي وأنا ألتفتُ ناحية الباب:
_أنا هنا يا بابا، فوق.

صعد بخطواتٍ هادئة، وبمجرد أن التقت أعيننا، شعرتُ بدفء وجوده يغمرني.
_حبيبتي، عاملة إيه؟

ابتسمتُ قائلةً:
_الحمد لله، رجعت من الشغل إمتى؟

_دلوقتي حالًا.

_طيب، يلا ننزل نحضر الغدا ونطلع نتغدى هنا، الجو حلو النهاردة.

_يلا، فكرة حلوة.

هبطنا معًا، وبدأتُ في إعداد الطعام بحماس، رتبته بعنايةٍ فوق الصينية، ثم صعدتُ مرة أخرى لأجهز المكان، وشغّلتُ أغنية “أكذب عليك” لوردة، فغمرت الأجواء بنغمةٍ دافئة تشبه ليالي الماضي الجميلة.

ولكن فجأة، تذكرتُ أنني نسيتُ العصير الذي يُفضّله أبي، فأسرعتُ نحو المطبخ، متعجلةً إنهاء الأمر قبل أن يصعد.

وعندما عدتُ إلى السطح، توقفتُ عند العتبة، وشعرتُ بقشعريرةٍ باردةٍ تسري في جسدي.

اللابتوب كان مُغلقًا.
والأغنية صامتة.

حدّقتُ حولي، بحثًا عن أي تفسيرٍ منطقي، كنتُ متأكدة أنني تركته مفتوحًا! هل انطفأ وحده؟ أم أن هناك خللًا ما؟

لم أستطع الحراك، حتى صعد أبي بعد لحظات، ورآني واقفةً في مكاني، شاردةً، فسألني بقلق:
_مالك يا نور؟ واقفة كده ليه؟

لم أجب، كنتُ ما زلتُ أحاول استيعاب الأمر. اقترب أكثر، وناداني بصوتٍ أعلى قليلًا:
_نور، بكلمك!

انتبهتُ إليه أخيرًا، والتفتُ نحوه ببطء، وقلتُ بصوتٍ متردد:
_هو… أنا كنت سايبة اللاب توب مفتوح، مش كده؟

أومأ برأسه مؤكدًا:
_آه، وإيه يعني؟

_لقيته مقفول لما طلعت، والأغنية كمان وقفت!

نظر إليّ للحظة، ثم ابتسم وربت على كتفي ليطمئنني:
_يا بنتي، يمكن انتي قفلتيه ونسيتِ، بلاش الأوهام دي، يلا بقى، نشوف الغدا.

حاولتُ إقناع نفسي بذلك، لكن إحساسًا غامضًا ظل يهمس في داخلي…

“أنا واثقة أنني تركته يعمل.
هناك من أوقفه.
ولكن… من؟”
مرّ اليومُ هادئًا دون أي أحداثٍ تُذكر، حتى انتهى كلٌّ منهما من طقوس يومه المعتادة، فاستلقت نور في غرفتها، تُنهي بحثًا جامعيًا، بينما تُطرب أذنيها بصوت أم كلثوم، ذلك الصوت الذي يحملها إلى عوالمَ أخرى، حيث لا ضجيجَ ولا توتر.

لكن فجأة، اخترق السكون صوتُ خبطٍ وتكسيرٍ شديد، وكأنّ البيت ينهار فوق رأسها، انتفضت جالسةً، وقلبها يدق بعنف، ثم أسرعت تخرج من غرفتها وهي تصيح بقلق:
_بابا! إيه الصوت الجامد ده؟

خرج أبوها من غرفته بهدوء، ناظرًا إليها بنظرة مطمئنة:
_اهدي يا نور، مفيش حاجة، يمكن حد بيوضّب شقته أو بيبني، متقلقيش يا حبيبتي، ارجعي كملّي اللي كنتي بتعمليه.

رغم أنه بدا واثقًا، إلا أن قلبها لم يهدأ تمامًا، عادت إلى غرفتها بخطواتٍ مترددة، ولكن ما إن جلست حتى فوجئت بالأمر ذاته يتكرر، اللابتوب كان مغلقًا والأغنية صامتة.

هذه المرة، لم تكن متأكدة هل أغلقته بالفعل أم لا؟ أم أن هناك من يعبث بأشيائها دون أن تدري؟

لم تشأ أن تفكر كثيرًا، فطردت تلك الهواجس من رأسها، وخلدت إلى النوم.

*الفجر يُضيء الظلام*

مع أذان الفجر، استيقظت نور على صوتٍ خافتٍ يتسلل إلى مسامعها، كأنه صدى بعيدٌ يأتي من اللامكان، نهضت سريعًا، توضأت، ثم أيقظت والدها للصلاة، وبعد انتهائهما، اتجهت إلى المطبخ لتحضير الإفطار.

_يلا يا بابا، الفطار جاهز!

دخل والدها إلى المطبخ وهو يبتسم:
_أنا اهو يا نوري.

ناولته كوب العصير الذي يُفضّله قائلةً برقة:
_اتفضل يا حبيبي، العصير المفضل بتاعك.

ضحك وهو يهز رأسه:
_حبيبتي تسلم إيدك، بس برضو قهوة على الصبح يا نور؟!

ضحكت قائلةً:
_بابا، زيّ ما انت بتحب العصير، أنا القهوة المشروب المفضل بتاعي.

_ماشي يا أستاذة نور، عندك جامعة النهارده؟

_آه، هخلص بدري واشتري شوية حاجات، وراجع قبل الغدا.

_ماشي يا حبيبتي، خلي بالك من نفسك.

السابقانت في الصفحة 1 من 3 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل