
رواية عيناكِ لي المرسى الفصل السادس بقلم الكاتبه حنين احمد حصريه وجديده
شهقت من جرأته وهي تهتف ناهرة إياه:
“شامل! انت… انت…. قليل الأدب, ازاي تقول الكلام ده”
رمقها بدهشة مفتعلة وهو يقول:”ايه يابنتي مالك؟
علّقتي وال ايه؟ وبعدين مش فاهم ايه اللي انا قولته قليل
الأدب؟!”
ثم تظاهر بالإدراك ثم الصدمة وهو يهتف بعدم تصديق
مصطنع:”لا يا شروق أنا مكنتش فاكرك قليلة الأدب
كده.. ايه الدماغ الشِمال دي؟ انا بقول الكنبة مريحة
عشان نقعد ونتعشى بس ياللا نصلي الأول انتي على وضوء
وال عايزة تتوضي؟!
لم تنتبه لعبثه وشعرت بالإحراج فقالت:”متوضية”
“طيب حلو اوي”
قادها للمكان المفروش به سجادة الصلاة من قبل
ثم صلّى بها بخشوع وبعد انتهائهما وضع يده على
رأسها وتمتم بالدعاء ثم نهض وقادها للغرفة بصمت وهي
تشعر بالرهبة ..
“ياللا ادخلي غيّري هدومك عشان نتعشا, احسن انا همـ,ـوت
من الجوع”
أومأت وهي تزفر براحة ثم دلفت للغرفة وخرجت بعد
قليل وقد أبدلت ملابسها بعباءة منزلية رقيقة وتركت
شعرها منسدلا ليتجمد مكانه ما إن رآها ويزدرد ريقه
ببطء هو يتنفس بخشونة مفكرا أنها أصبحت زوجته
وأخيرا بعد سنوات تمناها له.. ابتسم لها بحب وهو ينفض
رأسه ويأخذ نفسا عميقا حتى لا تهرب منه فهو يعرفها
مجنونة وربما تفضحه إن فعل ما يريد بهذه اللحظة.
“انتي طلعتي بسرعة كده ليه؟ ده انا كنت لسه هخبّط
عليكي واسالك مش عايزة مساعدة ولا حاجة!”
قالها شامل بمرح ثم عقد حاجبيه متظاهرا بالغضب وهو
يقول:”ايه ده ياشروق؟ فين حجابك؟ ازاي تطلعي قدامي
بالشكل ده؟!”
رمقته بصدمة تقول بتلعثم وهي تفكر أين ذهب لسانها
اللاذع!:”آ.آ.. الدنيا حر”
ضحك عاليا وهو يقول:”يعني الحجاب هيحررك والخيمة
اللي انتي لابساها دي لا! طيب ما علينا ياللا ناكل”
أجلسها بجانبه وهو يُطعمها مرة تلو الأخرى ويشعر
بالسعادة لأنها لم ترفض على الرغم من خجلها ووجهها
الذي يشتعل خجلا.. ابتسم قائلا بمرح:
“يعني انا بقالي ساعة قاعد أزغّطك وانتي مفيش مرة
تغلطي وتحطيلي حاجة في بقّي!”
شعرت بالإحراج فقالت بتهور:”محدّش قالك أكّلني,
وبعدين انت مش مدّيني فرصة اعمل حاجة”
همس مشاغبا:”انتي مستعجلة على ايه؟ هخليكي تعملي
كل اللي نفسك فيه بس نخلّص أكل”
شهقت فوق الطعام بحلقها لتسعل بشكل متلاحق غير
قادرة على التقاط أنفاسها فانتابه الهلع وهو ينتفض
مرتبا على ظهرها برفق حتى هدأ السعال واستكانت.
“خلّصتي أكل؟!”
أومأت بهدوء وقلبها يقرع بقوة فوقف يتظاهر بحملها
وهو ينحني قائلا:”ياللا استعنا على الشقا بالله”
ارتدت للخلف وهي تقول:”انت هتعمل ايه؟!”
رمقها بعبث:”هو انا لسه هقول نظري! احنا نخش على
العملي على طول”
رمقته بغضب وهي تنهض:”انت بقيت قليل الأدب كده
ليه يا شامل؟ انت.. انت….”
غادرت وتركته يضحك بقوة ثم تبعها وهو يقول بمرح:
“برضه هتقولي قليل الأدب.. لو مكنتش قليل الأدب
يوم فرحي مع مراتي هبقى قليل الأدب امتى طيب؟!
وعلى فكرة بقى انتي ال دماغك شمال.. انا كان قصدي
شريف”
لم ترد عليه فدلف خلفها وهو يغمزها بعبث قائلا:
“والله انتي جدعة وفّرتي عليا الشيل والحط والواحد
صحته على ادّه.. ندخل في المهم على طول” .
****
جالسة بالمكتبة التابعة للنادي الذي تذهب إليه تقرأ
كعادتها أحد الكتب أو رواية رومانسية بهدوء..
تذهب للنادي بانتظام منذ زواج نضال فلم يعد هناك أحد
يملأ أيامها كما كان يفعل معها.. دمعة وحيدة فلتت من
حصارها الذي تفرضه على عينيها منذ فترة, تحديدا منذ
علمت بمرض نوال وحالتها المتأخرة..
حزينة على تلك الفتاة التي هدّها المرض بريعان شبابها
وحزينة على حبيبها الذي يعيش معها الألم يوميا
منذ شهور ولكن ماذا بيدها أن تفعل؟!
هي ابتعدت عنه تماما بعد زواجه, لم تحاول أن يلتقي
طريقهما وفعل هو المثل.. تحاشى التواجد بمكان تتواجد
هي فيه وعلى الرغم من الألم بقلبها إلا أنها لم تستطع
أن تنساه أو تكرهه مهما حاولت.
كيف تكره نضال؟ بل كيف يستطيع أحد كرهه؟!
ابتسمت بحزن وهي تتذكر أن صديقاتها بالمدرسة كن
يحسدنها عليه وعلى اهتمامه وتدليله لها وكل منهن
تتمنى لو كانت مكانها..
نضال ليس فقط ابن عمتها أو شخص أحبته بل هو حياتها
بأكملها.. هو والدها الذي عوّضها عن عدم وجود
أب لها, هو والدتها التي تهتم بكل شئونها حتى الأنثوية
منها, هو أخ لو تمنته لم تكن لتتمنى أفضل منه,
هو الحبيب الذي لو رسمته بخيالها لم تكن لتصل لصفاته
الكاملة بنظرها, هو الصديق والرفيق الذي تأتمنه على
كل شيء إلا مشاعرها له والتي اكتشفتها بالصدفة وهي
على أعتاب الأنوثة.. هو نضال وكفى!
تنهيدة طويلة فلتت منها وهي تهمس لنفسها:
“هنساه ازاي وكل حياتي كانت معاه؟ هنساه ازاي ومفيش
ذكرى ليا هو مش موجود بيها؟ هو بابا وماما واخواتي
وعيلتي وحبيبي وكل حاجة ليا في الدنيا.. انا ماتيتّمتش
وانا عندي خمس سنين لا.. انا اتيتّمت يوم ما بعد عن
حياتي ولقيتني مجبورة أنساه لأنه بقى لواحدة تانية..
انا مش زعلانة منه, مش ذنبه اني حبيته اوي كده,
مش ذنبه اني بتعذب لأني مش قادرة أنساه”
أغمضت عينيها وهي تدعو الله أن يريح قلبه ويشفي
زوجته ويحصل على السعادة التي يستحقها.
قاطع تفكيرها جلوس أحدهم بجوارها ودون أن تفتح
عينيها علمت من هو!
فهو يلاحقها منذ فترة بل منذ شهور إن أردنا الدقة..
لم يفعل ما يسيء فقط.. يظهر بكل مكان تتواجد به
ويحضر بمواعيد حضورها للمكتبة وهي حتى لا تعلم
كيف يعلم بحضورها من عدمه!
لا تنكر أنها معجبة به كرجل فكل الصفات الجيدة
تتوافر به.. وسامته ورجولته ومركزه ولكن…
أجل هذه ال لكن هي ما تنمعها من رؤية أي رجل آخر
سوى نضال.. حبيبها الأوحد .
“حلوة!”
فتحت عينيها ببطء ثم سألته:”هي ايه؟”
رمقها بنظرة ذات مغزى وهو يقول:”الرواية اللي بتقريها
حلوة كتير”
“انت قريتها؟!”
سألته بعدم تصديق ليضحك وهو يقول:”وايه الغريب
في ده؟”
“يعني معظم الرجالة مابيحبوش الروايات الرومانسية”
أجابت بمنطقية فابتسم قائلا:”لكن انا بحبها, بحب اقرا
عموما ومن وقت للتاني باخد رواية رومانسية كتغيير
يعني عن الحاجات ال بقراها.. ايه ماشوفتيش راجل بيقرا
قبل كده”
ابتسمت بحنين وهي تشرد متمتمة وكأنها تحدّث نفسها:
“نضال كان بيقرا, هو اللي كان بيجيبلي الروايات كمان
ويقرا معايا, كان بيشاركني بكل حاجة”
“كان؟!!”
تساءل على الرغم من علمه أنه تزوج ولكنه كان يريد
معرفة مدى العلاقة بينهما حتى لا تحدث مشكلة
بالمستقبل إذا تم ما يريده لتجيبه بهدوء لا ينم عما
يعتمل داخلها:”أيوة اتجوز بقى وانشغل, الله يعينه”
أومأ وهمّ بالحديث ليقاطعه رنين هاتفها التقطته مجيبة
إياه لتجدها عمتها:”أيوة يا عمتو فيه حاجة؟”
انتفضت بقوة من مقعدها وهي تهتف:”ايه؟!”