
انه لا بيحبك ولا يستاهلك)
كانت هذه هي الرسالة المُرفَقة للصور وجميع الصور
ملتقطة له مع فتاة ينظر لها نظرات لم ترها أبدا بعينيه
ويبدوان حقا مقربان كما ذُكِرَ بالرسالة ..
أغلقت الهاتف ووضعته مكانه وهي تشعر بالخواء يحيط
بقلبها الذي منحته له دون مقابل.. وماذا كانت النتيجة؟
هي ليست غاضبة بسبب الفتاة.. هي غاضبة لكذبه
عليها وخداعه لها, يتظاهر بالقيم والمبادئ وهو أبعد ما
يكون عنها.. تذكرت كيف جرحها عندما أحضرت له
هدية بيوم مولده وامتنعت عن الاحتفال فكما أخبرها
قبلا أنه لا يحب الاحتفالات..
“ايه ده؟!”
سألها فأجابت بدهشة:”هدية ليك”
“مانا فاهم انها هدية أقصد بمناسبة ايه؟!”
ابتسمت له قائلة:”عيد ميلادك بكرة انت ناسي!
كل سنة وانت معايا”
انمحت ابتسامتها على الفور وهو يهتف بها بغلظة:
“أنا مش قولتلك مابحبش الهبل ده؟ عيد ميلاد ايه
وكلام فارغ ايه؟ تجيبي هدية ماشي عادي.. لكن عيد
ميلاد وكلام فارغ من ده لا خالص مش هاخدها”
ارتعشت شفتاها وهي تحاول النطق دون جدوى.. مصدومة
من هجومه الغريب عليها دون وجه حق!
“انا جيبتلك هدية بس ماعملتش احتفال ولا حاجة من
اللي بتكرههم يا أسامة.. أنت ليه بتعاملني كده؟
يعني الحق عليا اني جيتلك مخصوص لحد مكان
شغلك وقعدت ألف على الهدية يجي أسبوع عشان ألاقي
حاجة تناسب ذوقك.. عموما أنا آسفة اني جيت او
جيبتلك حاجة وادي الهدية هاخدها معايا عشان
ماتضيقكش”
وقتها انصرفت غاضبة, حزينة, تشعر أنها قلّلت من نفسها
كثيرا خاصة أن والدتها أخبرتها أن تمنحه الهدية عندما
يزورهم ولكنها لم توافق بل أصرّت على الذهاب..
وما النتيجة؟!
جرح آخر لكرامتها منه!
احتدت عيناها وهي تتذكر أنه هاتفها يومها يطلب منها
مسامحته فقد كان غاضبا من شيء بالعمل فاحتد عليها
وظلّ يمزح معها إلى أن أخبرته بمسامحته فأخبرها أنه
سيحضر باليوم التالي حتى يأخذ هديته وهي كالعادة
سامحته ما إن اعتذر .
والآن وهي مستلقية على الفراش تفكر كم كان
اعتذاره واهيا وكم كانت مخدوعة به!
يفرض عليها أشياءا ويفعلها هو.. يرفض اختلاطها بزملائها
حتى لو في حدود الدراسة ويذهب هو لحفل زميلته!
يرفض حضور حفل مولدها ويرفض هديتها ويتلقى الهدايا
والاحتفالات من زميلته.. سخرت بقوة وهي تنهر نفسها على
الدموع التي تسللت لوجنتها مغافلة إياها:
“وياترى هي زميلتك بس وال حاجة تانية؟! وانا اكون
ايه في حياتك يا أسامة؟!” .
****
هذه القطة الشرسة أتعبت قلبه العاشق!
فتارة تلاوعه.. وتارة تخضع له!
تارة تقترب حد الالتحام.. وتارة أخرى تبتعد هاربة
منه وكأن شياطين الجحيم تطاردها!
دلفت إلى الشقة وهي تشعر بقلبها سيقفز من مكانه
من التوتر.. حاولت الظهور بمظهر هادئ وهي تتجول
بعينيها بأرجاء الشقة وارتسمت ابتسامة سعيدة على
شفتيها دون إرادة منها.. الشقة التي أمضت أيامها السابقة
بها مع دارين حتى تجهزها لاستقبالها.
ربما لم تكن شقة فاخرة أو فخمة فقد تم تجهيزها
حسب إمكانياتهما ولكنها تمتعت بكل لحظة جهّزتها
فيها وهي تشعر أنها تجهّز مملكتها.. منزلها مع حبيبها
الذي احتملها وصانها طوال حياتهما.. فشامل بالنسبة لها
لم يكن محض عريس مناسب أو حتى حبيب, هو صديق
طفولتها ورفيقها.. يفهمها ربما أكثر مما تفهم نفسها,
يحبها ويصونها ويقوّمها ولكن بحنو ورفق جعلها تغرق
بحبه دون أي إرادة منها وهي التي ظنّت يوما أنه تستطيع
الابتعاد عنه ومعاملته كصديق فقط ولكن الأيام أثبتت
لها أنها تعشقه ولا تتمنى.. بل لا ترى زوجا سواه .
أجفلت على همسة بجانب أذنها:”نورتي شقتك ياحبيبتي”
عضّت شفتيها بخجل لتسمع ضحكته الخافتة ثم
نبرته العابثة وهي تقول:”مابلاش الحركة دي احسن
العواقب مش هتبقى كويسة أبدا ولسه فيه حاجات
هنعملها الأول”
رمقته غاضبة وهي تقول:”ماتحترم نفسك يا شامل!”
رمقها بصدمة مفتعلة وهو يقول:”انتي بتقولي ايه؟
ينفع تقولي كده لجوزك يا شروق؟ وفي ليلة فرحنا؟”
ظهر على وجهها الندم وهي تقول:”أنا أسفة يا شامل مش
قصدي أنا بس…”
قاطعها ضاحكا:”طبعا مش قصدك.. قال احترم نفسي
قال.. لو احترمت نفسي النهاردة امّال هقل أدبي امتى؟!
ده النهاردة يوم قلة الأدب العالمي”
نهرته وهي تكاد تختفي من الإحراج:”شامل!”
“عيون شامل اللي طلّعتيها, قلب شامل اللي بيمـ,ـوت فيكي
روح شامل اللي تروح فداكي”
ابتسمت بخجل وهي تقول:”ربنا يخليك ليا يا شامل
ومايحرمنيش منك أبدا”
اتسعت ابتسامته وهو يهتف:”يابركة دعاكي يا أمي,
طب مش يالّا بقى”
تبعها بغمزة ذات مغزى لترمقه بصدمة وهي تقول:
“يالّا ايه؟”
تابع بنفس النبرة العابثة المصحوبة بالغمزة:
“يالّا ندخل جوه هنفضل واقفين في الصالة كده؟”
ارتبكت وتلعثمت بالحديث:”ايه؟ ندخل جوه ليه؟!
لا.. لا هنا حلو خلينا هنا”
رفع ذراعيه وكأنه يهم بحملها قائلا:”معنديش أي
مشكلة, أنا الحمد لله عامل حسابي وجايب كنبة
مريحة وزي الفل هتحبيها اوي” .
يتبع