روايات

أرض المنهاوا الفصل الاول بقلم الكاتب/جاسر شريف شوقي السحلي حصريه وجديده 

أرض المنهاوا الفصل الاول بقلم الكاتب/جاسر شريف شوقي السحلي حصريه وجديده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الأول: العبور عبر البوابة

كان الليل في القاهرة مختلفًا هذه الليلة. ثقيلًا، خانقًا، كأن الهواء نفسه مُحمل بشيء غير مرئي، لكنه محسوس. في حي شبرا، حيث الشوارع تضيق بأهلها، وحيث الضوضاء لا تنام أبدًا، كان يامن جالسًا في شقته الصغيرة، يحدّق عبر النافذة بشرود.

كوب الشاي أمامه برد منذ فترة، لكنه لم يلمسه. كانت هناك غصة غير مفهومة في صدره، إحساسٌ بالترقب، وكأن شيئًا رهيبًا على وشك الحدوث.

رنّ الهاتف فجأة، فانتفض يامن من أفكاره. نظر إلى الشاشة… سهيلة.

تنهد وهو يرفع الهاتف إلى أذنه:

— “ألو؟”

—جاء صوتها قلقًا: “يامن… انت صاحي؟” .

— “أيوه، في إيه؟”

— “حلمت بحاجة غريبة… حاجة تخوف.”

شعر بقشعريرة تسري في جسده. ليست المرة الأولى التي تخبره فيها عن كوابيسها، لكنها هذه المرة كانت مختلفة… كان في صوتها رعبٌ حقيقي.

— “حلمتي بإيه؟”

— “بمنى… شُفتها واقفة في مكان غريب، كله ضلمة… وكان في باب، باب أسود كأنه دخان بيتحرك.”

انقبض صدر يامن.

قبل ساعات فقط، رأى نفس الشيء في حلمه. بابٌ أسود، كأنه يتلوّى مثل دخانٍ حيّ، وصوتٌ غامض ينادي اسمًا مألوفًا… “منى”. لكنه لم يخبر أحدًا بذلك.

— “يامن… انت سامعني؟”

— “أيوه… كمّلي.”

— “الباب ده كان بيتفتح، ومنى كانت داخله… وسمعت صوت حد بيناديها، بس مش صوت بني آدم… كان صوت مرعب، صوت كأنه طالع من جوه الأرض.”

ساد الصمت لثوانٍ. شعر يامن بعرقٍ بارد يتجمّع على جبينه. لم يكن الأمر مجرد حلمٍ عابر… كان شيئًا أكثر من ذلك، شيئًا حقيقيًا.

وفجأة، رنّ الهاتف مرة أخرى. هذه المرة، كان اسم المتصل يعقوب، شقيقه الأكبر.

شعر قلبه ينكمش في صدره. ضغط على زر الإجابة بسرعة:

— “ألو؟”

— “يامن… منى اختفت!”

كاد الهاتف يسقط من يد يامن.

— “إيه؟ اختفت إزاي؟!”

— “ماكنتش في أوضتها! الباب مقفول، والشبابيك زي ما هي، بس هي مش موجودة!”

كان يسمع صوت يسرى، زوجة يعقوب، تبكي في الخلفية، بينما يحاول يعقوب التماسك. لم يكن الأمر منطقيًا. منى طفلة صغيرة، لم تتجاوز العاشرة، كيف تختفي هكذا من غرفة مغلقة؟

نهض يامن بسرعة وهو يلتقط مفاتيحه.

— “أنا جاي حالًا!”

ألقى نظرة سريعة إلى كوب الشاي البارد، ثم خرج من شقته، قلبه يضرب صدره كطبل حرب.

*******

الطريق إلى منزل يعقوب لم يكن بعيدًا، لكنه شعر وكأنه أطول طريق قطعه في حياته. كل شيء في تلك الليلة كان ثقيلاً… الشوارع، الهواء، حتى الأضواء بدت باهتة أكثر من المعتاد.

عندما وصل، وجد يعقوب واقفًا أمام باب العمارة، وجهه شاحبٌ وعيناه غائرتان، كأنه لم يرمش منذ ساعة.

—سأل يامن مباشرة. “منى فين؟”

لم يرد يعقوب، بل أشار له بالدخول.

كانت غرفة منى كما هي. السرير مرتب، دُماها في أماكنها، النافذة مغلقة… لكن منى لم تكن هناك.

يامن تفحص الغرفة جيدًا. شيءٌ ما لم يكن عاديا. كان هناك إحساسٌ بارد في الجو، إحساس يشبه الوجود في مكان لا ينتمي لهذا العالم بيئه متغيره ليسوا معتادين عليها

ثم لاحظ شيئًا…

على الجدار بجانب السرير، كانت هناك نقوشٌ غريبة محفورة في الحائط. لم تكن موجودة من قبل. رموزٌ غامضة، ملتوية، وكأن يدًا غير مرئية قد حفرتها بمخالب ذئب

—همس يامن وهو يقترب: “إيه ده؟”

يعقوب نظر بدهشة:

— “ده ماكنش هنا الصبح!”

يامن لمس الجدار بأطراف أصابعه، وعندها… شعر بشيءٍ يتحرك!

سحب يده بسرعة، لكن النقوش بدأت تتغير، كأنها تنبض بالحياة.

— “يامن… إذاي ده زي حكيتهولي سهيلة عن الحلم إليشافتو…”

— “عارف، نفس الباب، نفس الرموز.”

كان هناك شيءٌ أكبر من مجرد اختفاء يحدث هنا.

وفجأة، دوى صوت خبطات عنيفة على الباب!

نظر يامن ويعقوب إلى بعضهما برعب، قبل أن يندفع يعقوب لفتح الباب.

في الخارج، وقف رجلٌ غريب. كان طويلًا بشكل غير طبيعي، يرتدي معطفًا أسود، وعيناه تلمعان بلونٍ غريب في الظلام.

— سأل يعقوب بأستعجاب وحذر : خير؟

تقدّم الرجل خطوة، ثم قال بصوتٍ منخفض:

— “منى… عندنا.”

انقبض قلب يامن، بينما أمسك يعقوب بالرجل من ياقة معطفه:

بتقول إيه؟!”
— “فين بنتي؟!

ابتسم الرجل ابتسامة عريضة وقال بهدوء:

— “البوابة قد فُتحت وبنتك دخلت فيها.”

ثم، في لحظة، اختفى الرجل وسط الظلام، كأنه لم يكن موجودًا من الأساس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقف يامن ويعقوب مصدومين، بينما دخلت يسرى في نوبة بكاء هستيري.

البوابة؟ ما الذي يعنيه ذلك الكيان

لكن يامن كان يعرف…

كان يعرف أن هذه ليست مجرد “حالة اختفاء” عادية.

منى لم تختطف بل عبرت إلى عالمٍ آخر عالم مجهول

————————————————————————

وقف يامن في وسط الغرفة، يحدق في الفراغ حيث كان يقف الرجل الغريب قبل أن يتلاشى. كان قلبه يضرب في صدره بعنف، والمشهد لا يزال حياً أمام عينيه.

“منى… عندنا.”

كلماته كانت تطن في أذنيه، بينما كان يعقوب جالس على الأرض، وجهه شاحب وعيناه متجهتان بالفراغ. كانت يسرى تبكي بصمت، بينما سهيلة، التي وصلت منذ دقائق قليلة، تحاول تهدئتها دون فائدة.

لم يكن هناك مجال للشك بعد الآن. منى لم تختطف… بل سُحبت إلى مكان آخر.

لكن أين؟ وكيف يصلون إليها؟

يامن اقترب من الحائط حيث ظهرت الرموز الغريبة، ثم التفت إلى يعقوب:

— “الحلم اللي شُفته واللي شافته سهيلة كان حقيقي.”

يعقوب رفع رأسه ببطء، عينيه محمرتان من التوتر:

— “تقصد إيه؟”

— “الباب اللي ظهر في أحلامنا… هو اللي سحب منى.”

سهيلة وضعت يدها على فمها، بينما هز يعقوب رأسه بعنف:

— “كلامك مش منطقي! ده كابوس ده لازم يكون مجرد كابوس!”

لكن يامن لم يكن مقتنعًا.
شيء ما في داخله كان يخبره أن كل هذا حقيقي.

قبل أن يرد، تحركت الرموز المنحوتة على الجدار مرة أخرى. بدأت تلمع بضوء أحمر خافت، ثم فجأة… ظهر الباب.

لم يكن بابًا عاديًا. كان عبارة عن ثقب أسود ملتوي، كأن الدخان نفسه تشكل على هيئة مدخل إلى مكان آخر.

هواء بارد اندفع خارجًا من البوابة، محملاً برائحة ترابٍ قديم، رائحة العفن والرماد.

يسرى أطلقت صرخة خافتة، بينما تراجع يعقوب إلى الخلف.

يامن كان الوحيد الذي تقدم ببطء، عيناه معلقتان بالسواد المتحرك أمامه.

— “ده الباب اللي شوفته في حلمي

صوت سهيلة كان مرتعشًا:

— “أنا كمان…”

يعقوب تمتم:

— “وده… معناه إن منى دخلت منه؟”

لم يكن هناك شك. لكن السؤال كان… كيف يعيدونها وهم لا يعرفون شيئاً عن هذا الباب ؟

القرار الخطير

نظر يامن إلى يعقوب مباشرة:

— “إحنا لازم ندخل.”

يعقوب صدمته الكلمات، بينما نظرت سهيلة إليه برعب:

— “انت اتجننت؟!” انت عايز تخوض مغامره مجهول امرها

— “منى هناك، يعقوب! لو فيه فرصة لإنقاذها، يبقى لازم ناخدها.”ان منى هي روح قلبي وآميرة عمري

لكن يعقوب لم يتحرك. كان الخوف واضحًا على وجهه.

عندها، تقدم يامن خطوة أخرى، مد يده إلى السواد الملتوي

وفجأة، سُحب بقوة داخل البواب وهو يسقط

إلى المجهول

شعر يامن كأنه يسقط في فراغٍ لا نهائي. كان كل شيء من حوله ظلامًا حالكًا، وبرودةً قارسة، وأصواتًا هامسة غير مفهومة كأنها طلاسم.

لم يكن هناك أرض تحت قدميه، ولا سماء فوقه. مجرد دوامة من العدم.

ثم فجأة، اصطدم بشيء صلب!

فتح عينيه ببطء، يلهث من الألم.

كان مستلقيًا على أرض سوداء، تبدو وكأنها رمـ،ـاد محـ،ـترق.

رفع رأسه ببطء، ورأى شيئًا جعل الدم يتجمد في عروقه…

سماءٌ بلا شمس، مغطاة بسحب سوداء كثيفة، وأطلال مبانٍ مدمرة، وأشخاص يسيرون ببطء، عيونهم فارغة كأنهم د..مى بلا روح.

كانت هذه

أرض المنهاوا.

همس يامن إلى نفسه

ما هو السر الذي تخفيه هذه الأرض الملعـ،ـونة؟

يتبع

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل