
نظرت ليان إلى سليم بعيون مليئة بالشك والخوف، لكن في أعماقها كانت تشعر أن ما سيقوله سيغير حياتها للأبد.
تنهد ببطء ثم قال: “انتي طول عمرك مفكرة إنك بتعرفي الحقيقة… بس الحقيقة مو متل ما بتتخيلي.”
ضاقت عيناها بتوتر: “وضح أكتر، لا تلف وتدور!”
وضع سليم يديه على الطاولة وقال بصوت خافت: “اللي قتل أبوك مو مجرد حادث، وما كان صدفة… والأخطر من هيك، هو إنه الشخص المسؤول عن كل هاد أقرب مما بتتصوري.”
شهقت ليان بصدمة، وكأن الهواء خرج من رئتيها دفعة واحدة. شعرت بدوار، لكنها تماسكت:
“شو قصدك؟ مين المسؤول؟”
تردد للحظة، ثم همس: “الشخص اللي وثقتي فيه أكتر من أي حدا بحياتك… هو نفسه اللي كان مخبي عنك الحقيقة طول الوقت.”
خرجت ليان من المقهى وهي تشعر أن عقلها سينفجر. لم تستطع استيعاب ما قاله سليم، لكن شعورًا داخليًا جعلها تتجه مباشرة إلى المنزل.
حين دخلت، وجدت والدتها تجلس بصمت، وعينيها مليئتين بشيء لم تفهمه. تقدمت نحوها وقالت بصوت مرتجف:
“ماما… بدي أعرف الحقيقة، كلها بدون لف ودوران.”
نظرت إليها والدتها بحزن، ثم همست بصوت مكسور:
“كنت خايفة يجي هاد اليوم… بس صار لازم تعرفي.”
جلست ليان على الكرسي، وقلبها يدق بجنون، بينما قالت والدتها بصوت مخنوق:
“أبوك ما مات بحادث، كان مستهدف… واللي كان مسؤول عن كل شي، هو…”
توقفت، ثم نظرت إليها نظرة مليئة بالألم قبل أن تهمس باسم لم تكن تتوقعه.
ليان شعرت أن الأرض تدور من تحتها… الشخص الذي كانت تثق به أكثر من أي أحد آخر… هو من خانها؟
مرت أيام لم تنطق فيها ليان بأي كلمة، كانت تحاول استيعاب الحقيقة. كان عليها أن تختار… هل ستواجه الشخص الذي خانها؟ أم ستبقى صامتة وتحمل السر معها؟
لكنها أدركت شيئًا واحدًا… الصمت لم يكن خيارًا.
وقفت أمام المرآة، نظرت إلى نفسها بعيون تحمل الحزن والقوة في آن واحد، ثم همست لنفسها:
“إذا كان الماضي هو اللي رسم هاد الطريق… فأنا اللي رح أقرر كيف رح ينتهي.”
استدارت، أخذت نفسًا عميقًا، وخرجت لمواجهة قدرها.
خرجت ليان من المنزل، وقلبها يدق بجنون، كانت تعلم أن هذه الليلة لن تمر بسلام. مشاعر الغضب، الخيانة، والخوف كانت تتصارع داخلها، لكنها كانت مصممة على إنهاء هذه القصة بطريقتها الخاصة.
اتجهت نحو المكان الذي كانت تعلم أنه سيكون فيه… هناك، في ذلك المكتب الفخم حيث تُحاك الأسرار.
دفعت الباب بقوة، وقفت عند المدخل، وعينيها مثبتة على الرجل الذي وثقت به طوال حياتها، الشخص الذي ظنته عائلتها، وسندها، لكنه كان السبب في كل الألم الذي عانته.
نظر إليها بهدوء، وكأن قدومها لم يكن مفاجئًا له، ثم قال بصوت بارد: “كنت عارف إنك رح تجي لهون.”
شعرت بدمها يغلي، قبضت يديها بقوة قبل أن تقول: “ليش؟ بس قُلّي ليش؟ كيف قدرت تخدعني كل هالسنين؟”
وقف من مكانه، تقدم نحوها خطوة، وقال بصوت هادئ لكنه يحمل تهديدًا خفيًا: “لأنك ما كنتي جاهزة تعرفي الحقيقة… ولأن بعض الأسرار، لازم تبقى أسرار.”
لكنها لم تعد تخاف، هذه المرة هي من تسيطر على المشهد. نظرت إليه نظرة لم يرها منها من قبل، ثم همست: “وأنا كمان عندي سر… بس هاد السر، رح ينهي لعبتك للأبد.”
أخرجت هاتفها، وضغطت زر الإرسال… في ثوانٍ، ملأت أصوات سيارات الشرطة المكان، وتحولت نظرات الرجل إلى مزيج من الذهول والغضب.
“شو عملتي؟!” قال بصوت مرتجف للمرة الأولى.
ابتسمت ابتسامة خفيفة، لكنها كانت تحمل سنوات من الألم والانتقام: “عملت الشي اللي لازم ينعمل من زمان… سلمتك بعدل رب العالمين.”
تم القبض عليه وسط صراخ وتهديدات، لكن ليان لم تعد تسمع شيئًا. كانت تنظر إلى السماء، وكأنها تحاول أن تجد في النجوم روح والدها، تشعر أنه يبتسم لها أخيرًا، بفخر.
اقترب سليم منها، نظر إليها بصمت قبل أن يقول: “هيك بتنتهي القصة؟”
نظرت إليه بعينين تحملان شيئًا من الراحة، لكنها قالت بصوت حزين: “القصص ما بتنتهي، نحنا اللي منختار كيف نكتب آخر سطر فيها.”
ابتسم بخفة وقال: “وإنتي كتبتيه بقوة.”
تنهدت وهي تنظر إلى الأفق، ثم همست: “يمكن هاي النهاية… بس بالنسبة إلي، هاد كان مجرد بداية جديدة.”
تمت