
****
فتحت عينيها لتجد دارين تجلس بجانبها وهي تربت
على شعرها بدعم ودموعها تتساقط على وجنتها لتزدرد
ر يقها ببطء وهي تعاود إغلاق عينيها بإرهاق لتشعر بربتة
حنونة على كتفها وصوت دارين يقول:”واخيرا قومتي
يا شروق, ده انا كنت همـ,ـوت عليكي من الخضّة, والراجل
الغلبان اللي بره ده كان هيحصله حاجة بسببك, اما أروح
اطمّنه بقى احسن على أعصابه من إمبارح”
همّت بمنعها وهي لا تستوعب ما تقوله صديقتها ولكن
دارين كانت قد خرجت وانتهى الأمر..
وما هي إلا لحظات حتى كان شامل يقتحم الغرفة وعلى
وجهه علامات القلق الشديد وما إن رآها مستيقظة تنظر
له بعدم استيعاب حتى هدأت أنفاسه وارتسمت بسمة
خفيفة على وجهه وهو يقترب من الفراش المستلقية عليه
وهو يهمس:”الحمد لله.. الحمد لله”
رمقته بذهول وهي تقول:”هو انا نايمة من زمان اوي كده؟”
“من امبارح”
أجابها ثم عقد حاجبيه وهو يسألها:”انتي مش فاكره اللي
حصل إمبارح؟!”
صمتت للحظات قبل أن تقول:”فاكرة إن أغمى عليا, هو ده
كان إمبارح؟!”
أومأ:”أيوة وقّعتي قلبي ومكنتيش راضية تفوقي ولولا
الدكتورة علا كانت هنا وطمنتنا عليكي”
أومأت دون قدرة على الحديث فجلس بجوارها على الفراش
وهو يقول:”عاملة ايه دلوقتي؟ فيه حاجة بتوجعك؟”
“قلبي!”
همستها بتحشرج ليضمها بقوة وهو يهمس لها:
“سلامة قلبك.. فداه انا وفداكي الدنيا كلها”
تمسّكت به بقوة وانهمرت دموعها تلقائيا وكأن قربه
يسمح لها بإظهار ضعفها والانهيار وهي على يقين أنها ستجد
به السند.
***
بعد شهرين
طرقات قوية على باب المنزل جعلتها تهرع لفتحها وهي
تضع يدها على قلبها تخشى القادم لتجده شامل وقبل أن
تقول كلمة واحدة هتف بغضب عارم:
“انتي ازاي تحوّلي من الكلية من غير ماتقوليلي؟ شايفاني
ايه انا مش فاهم؟! وتحوّلي من الكلية ليه أصلا؟
مش ده حلمك؟! ليه تتخلي عن حلمك؟!”
رمقته بصدمة قبل أن تتحول لغضب وهي تهتف:
“بسم الله الرحمن الرحيم, ايه يابني داخل بزعابيبك
كده ليه؟! برّاحة شوية واهدا كده.. ثم أنا حوّلت من
كلية لكلية ايه اللي مضايقك انت؟!”
“ايه اللي يخليكي تسيبي طب وتحوّلي تمريض يا شروق؟
انتي طول عمرك بتحلمي بالطب ايه اللي اتغيّر عشان
تعملي كده وتسيبي حلمك؟ فهميني”
زفرت بحزن وهي تهتف:”اللي اتغيّر ان ابويا مات يا شامل,
سندي وعزوتي مات وسابلي أسرة لازم اكون جنبها.. لازم
انسى كل حاجة إلا هم.. ورغم كده ماروحتش بعيد
صحيح سيبت كلية الطب بس كلية التمريض
برضه كويسة ولها مستقبل وهشتغل على طول وسنينها
أخف من الطب.. لازم اكبر وابطّل انانية يا شامل.. مين
ال هيشوف طلبات امي واخواتي؟ مين ال هيقف في المحل
بدل أبويا؟ اخواتي لسه صغيرين ولسه قدامهم سنين على
مايكبروا ويعتمدوا على نفسهم, واني اسيب كلية وادخل
واحدة تانية اخف شوية ده مش بشوفه حتى تضحية
زي ما الكل شايفه”
هتف بغضب:”وانتي شايفاني ايه قدامك؟ سوسن!
مانا موجود واللي يحتاجوه اخواتك ووالدتك فوق راسي,
ومحل ايه اللي هتقفي في ده لوحدك؟ اكيد مش
هيحصل واي حاجة تعوزيها انا هنا وكليتك هترجعيها
يا شروق وتبطلي الهبل اللي بتفكري فيه ده”
واجهته بعنفوان:”لا يا شامل, امي واخواتي مسؤلين مني انا
مش من اي حد تاني, وانت كتّر خيرك كفاية الفترة
اللي فاتت ماسيبتناش لكن اللي بعد كده انا ال هقوم
بيه.. ابويا ساب راجل مكانه وانت عارف كويس اني
ب100 راجل مش راجل واحد, انت عندك شغلك ولازم
تهتم بيه انت داخل على ترقية, وصدقني انا مش زعلانة
اني حوّلت من طب.. كل ده خير ليا وانا متاكدة من ده”
صمت للحظات قبل أن يقول بوجه مغلق وهدوء أخافها
أكثر من غضبه:”يعني شيلتيني من حساباتك خالص؟!”
رمقته بعدم فهم قبل أن تقول:”انت عمرك ماهتكون
خارج حساباتي يا شامل.. انت ….”
صمتت بخجل قبل أن تهمس:”انت في قلبي قبل عقلي
وعمري ما اقدر ابعدك عن حياتي.. لكن أنا محتاجة
أني ابقى قوية, مـ,ـوت ابويا كسرني اوي وانت اكتر واحد
عارف ابويا كان عندي ايه! مش عايزة الناس تقول
معرفش يربي, مالوش خَلَف بعده.. مش عايزة امي تحس
انها عالة وعبء على حد مهما كان الحد ده قريب”
ظلّ على صمته فاقتربت منه ربما لأول مرة هي واعية على
ما تفعله.. أمسكت بكفه بأناملها ووجهها يحترق من
الخجل وهي تقول:”أنا عمري ما هقدر اعمل اي حاجة من
دي لوحدي يا شامل, وجودك جنبي هو اللي مطمني
ومقويني.. خليك جنبي عشان خاطري وماتسيبنيش”
ضغط على يدها بقوة وهو يقول بخفوت:
“عمري ما هسيبك يا شروق, وانتي عارفة ده كويس
وبتستغليه ضدي.. لكن يكون في علمك مش هقدر
أصبر كتير.. اخواتك هم اخواتي وده بقى مش عشانك
لا ده عشان المرحوم والدك اللي كان ليا اكتر من اب”
قالت بمرح غاب عنها في الفترة الأخيرة وهي تغمزه:
“بس لو اخواتي هم اخواتك كده يبقى جوازنا باطل”
ابتسم بخفة وهو يقرّبها منه أكثر حتى كادت تلتصق
به:”جوازنا هو الحاجة الوحيدة الصح في الموضوع ده”
انتفضت عندما وجدت نفسها قريبة منه لتدفعه بقوة وهي
تقول:”خلاص يا شامل شطّبنا.. روح شوف شغلك يالّلا”
عضّ على شفته قوة ثم هتف:”فصيلة!” .
****يتبع