
الفصل الخامس
عندما قررت ليلى أن تقف لتمسك بفوزي وتضفي غضبها عليه، لم تكن تعلم أنها ستسقط؛ لأنها غير مدركة انها لم تقف على أقدامها منذ أكثر من ثلاثة أشهر وهذا من الطبيعي؛ لأنها لم تستعد كامل قوتها وصحتها الجسدية بعد.
سقطت ليلى وأمسك بها فوزي بين احضانه، عندما التقت عيناهما هناك لغة لا يفهمها سواهم عتـ,ـاب يصدر من عيونها وندم يجيب من اعينه، غضب تخبر به أنفاسها ومحاولة احتواء تنادي بها ضربات قلبه وانفاسه معا، لغة العشق التي لا مثيل لها ولا يفهمها سوى عاشق ومعشوق.
حملها فوزي بين يديه واعادها إلى فراشها قائلاً:
-من فضلك اهدي دلوقتي وبعدين اعملي اللي انتي عايزاه.
قامت بدفعه بيديها وصرخت في وجهه:
-جبان ندل أخرج برا مش عايزه اشوفك قدامي، أخرج برا.
تراجع فوزي خوفاً من أن يصيبها مكروه مرة أخرى وهو يشير إليها بيديه أن تهدأ وهو يتراجع إلى الباب قائلاً:
-حاضر حاضر هخرج بس اهدي انا خارج اهو خلاص اهدي اهدي.
قال السيد فارس وهو يحمل الصغير ويمسك بيدها:
-اهدي يا ليلى يا بنتي خلاص علشان خاطر ابنك، الواد مرعوب من الصبح من اللي شافه.
نظرت إليه وسيطرت على غضبها ثم قامت بحمله وضمته إليها وهي تقول:
-معلش يا ماما حقك عليا انا اسفة، انا مش هسيبك تاني ابدا ولا حد هايقدر ياخدك مني تاني ابدا.
بعد مرور ثلاثة أيام في المشفى وبعد أن استطاعت ليلى أن تقف على قدميها بخطوات متعسرة قليلاً، قررت الخروج والعودة إلى المنزل على ضمانتها، في تلك الفترة لم يتمكن السيد فارس أن يخبرها بوفاة والدتها، وأخبرها في كل مرة سألت عنها انها مريضة لأجلها ولم تستطع القدوم.
خرجت ليلى برفقة والدها وابنها إلى المنزل حيث استقبلتهم جارتهم السيدة “زينب” صديقة والدتها على باب المنزل، ترجلت ليلى من السيارة وهي تستند على يد السيدة زينب:
-حمد الله على سلامتك يا ليلى يا بنتي والله الدنيا ماكان ليها طعم من غيرك يا حبيبتي، الحمد لله انك بخير، تعالي على مهلك.
-الله يسلمك يا خالتي زينب تعبتك معايا، ربنا يخليكي.
-لأ يا حبيبتي ولا تعب ولا حاجة على مهلك ادخلي بقا برجلك اليمين علشان ربنا يبعد عنك كل شر يا بنتي، استني بقا أما ابخرك، بسم الله الرحمن الرحيم، قل اعوذ برب الفلق، من شر ما خلق، ومن شر غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد، صدق الله العظيم.
-بس يا طنط والنبي كفاية علشان ماما وصدرها والدخان.
تعجبت الخالة زينب وسرعان ما ادركت انها لم تعلم بعد، نظرت إلى السيد فارس اومأ إليها بأنها لا تعلم، فقالت:
-اه يا حبيبتي حاضر حاضر، تعالي بقا ارتاحي في اوضتك، أما أنا بقا عملتلك حبة شوربة خضار وفرحة بلدي كده ترمي بيها عضمك هاتاكلي صوابعك وراهم.
-ههههههه ارم ايه بس يا خالتي، تسلم ايدك يا حبيبتي امال فين ماما هي ماتعرفش إن انا جايه انهارده والا إيه دي وحشتني اوي.
قال والدها وبتر كلام الخالة زينب قائلاً:
-لأ يا حبيبتي هي ماتعرفش كان تعبانه شوية من امبارح ولسه نايمة، ماحبيتش اصحيها انتي عارفه قلت اسيبها ترتاح علشان بتصحى بدري.
-اه يا بابا حبيبتي يا ماما اكيد تعبت اوي في غيابي، انا هقوم أشوفها من بعيد وابوسها لحد ماتصحى.
-لأ يا ليلى خليها بعدين يا بنتي ارتاحي انتي دلوقتي.
-ماتخافش يا بابا مش هصحيها انا هبوسها واطلع انت ماتعرفش وحشاني اد ايه.
غضب السيد فارس وصرخ بوجه ليلى قائلاً:
-قلتلك لأ، خلاص بقا.
تعجبت ليلى من ردة فعله وانتابها القلق أنه يخفي عنها شيئاً، زادها ذلك إصرار على رؤية والدتها:
-هو في ايه يا بابا انتو مش عايزيني اشوف ماما ليه؟ ماما مالها؟ ماما فيها حاجة مش كده؟ هي تعبانه صح؟
خرجت من الغرفة بخطوات متعسرة قليلاً تستند على الجدران والأثاث تتجه إلى غرفة والدتها وهي تنادي:
-مامااااا، ماماااااا .
خلفها الخالة زينب والسيد فارس يحاولون منـ,ـعها، حتى فتحت بابا الغرفة ولم تجد والدتها، صدمت عندما رأت فراشها فارغاً، دخلت الغرفة وظلت تنادي عليها، فتحت خزانة ملابسـ,ـها فلم تجد بها شيئاً:
-ايه ده؟! هي ماما فين؟ بابا انت زعلتها؟ ماما سابت البيت؟ لأ دي عمرها ماعملتها، ماما فين؟
صمت الجميع وفجأة نظرت إلى الحائط فوجدت صورتها تعلوها شريطة سوداء، ظلت تقترب وتنظر إليها وتزرف عيناها دمعاً في صمت وصدمة وهي تهز رأسها يمينا ويسارا بالرفض إلى أن وضع والدها يده على كتفها برفق قائلاً:
-وحدي الله يا بنتي، البقاء لله.
أردفت تنظر إليه بسرعة ثم انهارت من البكاء وارتمت بين احضانه صارخة:
-مامااااااااا، مامااااااااا، لااااااااااا.