روايات

رواية رحيل المقدمة والفصل الأول بقلم منار الشريف حصريه وجديده 

رواية رحيل المقدمة والفصل الأول بقلم منار الشريف حصريه وجديده 

رواية رحيل المقدمة والفصل الأول بقلم منار الشريف حصريه وجديده

في الحياة حيث تتشابك الأيام وتلتقي اللحظات الجميلة مع القاسية، يكتشف الإنسان أن الحب ليس دائمًا سهلًا، لكن هو معركة مستمرة بين القلوب، وبين دروب الأمل والألم هناك دومًا لحظة فارقة تغير مجرى الحياة، لحظة يكتشف فيها المرء أن الجروح لا تُشفى إلا عندما يتعلم العشاق كيف يفتح كل منهم قلبه للآخر. هذه قصة عن حب يأتي في الوقت الخطأ، وآلام الذي ينجح في تشكيل لحظات لا تُنسى، وعلاقات تتطور رغم ما يحاول القدر فرضه من مسافات.

الفصل الأول

كانت الأجواء داخل أحد المكاتب في مديرية الأمن مشحونة بهدوء متحفز. الضوء الأبيض البارد يلقي بظلاله على المكتب المرتب بعناية، وصوت خافت لأوراق تُقلب هنا وهناك، وهسيس جهاز لوحي يعمل في الخلفية. خلف مكتب ضخم من الخشب الداكن، جلس الرائد عابد الوكيل وعيناه مسمرة على الملف المفتوح أمامه، ناظره ينفذ إلى الأوراق كأنما يقرأ ما وراء الكلمات.

دخل أحد الضباط بخطوات مترددة، ووقف على مسافة محسوبة وقال بصوت خافت:
تمام يا باشا التقرير إللي حضرتك طلبته عن تحركات سراج شاهين وصل، بس فيه حاجة غريبة.

لم يرفع عابد رأسه فورًا، لكن ظل يحدق في الورقة التي بين يديه. ويده القوية الآخرى تمسك بالقلم بخفة، لكن بحزم وطرفه يطرق سطح المكتب بإيقاع منتظم، وأخيرًا بعد وقت ليس بقليل رفع نظره ببطء ليقابل عيون الضابط بنظرة ثابتة
إيه إللي غريب يا سيادة النقيب؟

بلع الضابط ريقه؛ ثم تقدم بخطوتين ووضع ملف أمامه:
فيه تحركات مش مفهومة. الراجل بقاله شهر ونص ساكت. لا فيه تهريب، ولا بيع، ولا أي نشاط واضح كأنه مختفي.

رفع عابد حاجبه قليلًا؛ ثم مال للأمام. أصابعه تقلب الصفحات بسرعة، نظراته تقرأ كل كلمة كأنها تلتهم المعلومات؛ ثم توقف عند سطر معين واستقام في جلسته، وألقى الملف على المكتب
مستحيل. سراج شاهين عمره ما كان من النوع إللي يختفي.

حركة غير ملحوظة من زاوية فمه توحي بتفكير عميق، وعينيه تضيقان قليلًا، كأنه يحاول الربط بين التفاصيل المتناثرة. وقف عابد فجأة فحركته السريعة جعلت الكرسي ينزلق للخلف والتفت نحو الضابط
مراقبة على مدار الساعة يا أيمن مش عايز نفس يتنفسه إلا وأنا عارفه. مفهوم؟

هز أيمن رأسه بقوة:
تمام يا فندم هنعمل اللازم.

عابد لم يعد يسمعه، كان غارقًا في أفكاره “سراج شاهين” لم يكن مجرد تاجر مخدرات، بل كان لاعبًا كبيرًا في عالم الجريمة مخدرات، سلاح، اعضاء وما خفيا كان أعظم. رجل لا يعرف السكون دائم التحرك كأفعى تبحث عن فريستها التالية. لا يترك ورائه غلطه حتى لو صغيرة، وإن كان ساكنًا الآن فهذا يعني شيئًا واحدًا….. أنه يستعد لضربة كبيرة.

عاد للجلوس وأنامله تنقر سطح المكتب بإيقاع مدروس؛ ثم التقط الهاتف وضغط على أزراره بسرعة
حازم جهز الفريق بتاعك عايز كل تفصيلة عن سراج شاهين خلال الـ٤٨ ساعة إللي فاتت.

أنهى المكالمة قبل أن يسمع ردًا ووضع الهاتف جانبًا؛ ثم مال للخلف في كرسيه، أصابعه مشتبكة أمامه، عيناه متصلبتان على نقطة غير مرئية في الفراغ وهمس لنفسه بصوت بالكاد يُسمع:
العبة لسه ما خلصتش يا سراج يا ابن الـ …….

_____

في الطرف الآخر ومن قلب المدينة؛ حيث كانت ناطحة السحاب تلامس السماء الزرقاء وفي أحد شركات المعمار الكبرى شركة رضوان المالكي وبالأخص بداخل مكتب رئيس مجلس الأدارة المهندس آسر رضوان الذي كان غارقًا في بحر من الأوراق والملفات. الوقت كان قد بلغ الساعة السابعة مساءً، ولكن ضوء النهار كان لا يزال يسطع عبر النوافذ الزجاجية الكبيرة للمكتب يكسر صمت المكان ويضفي عليه حالة من التباين بين ظلام الداخل وأضواء الخارج. كانت الأرقام تتراقص أمامه، لا تقوى على جذب انتباهه كما كانت تفعل في الماضي. كانت يده تتحرك على الأوراق بشكل آلي، ولكن ذهنه كان تائهًا بعيدًا عن كل ما حوله.
مرت دقائق؛ ثم ساعات وهو لا يشعر بشيء سوى الفراغ الذي يملأ قلبه. كان الزمان يمر ببطء كما لو أن الساعات تحاول أن تتنقل عبر طبقات من ثقل الماضي الذي ما زال يطارده. منذ وفاة زوجته اثناء الولادة، ومن بعد ذلك فقدان ابنه الذي لم يُكتب له الحياة وقد تغير كل شيء في عالمه. أصبح لديه هوس بالأرقام، وإدمان على العمل الذي يهرب فيه من نفسه، ومن مشاعره، ومن الماضي الذي يعصف به كلما حاول التوقف للحظة. كان في تلك اللحظة بعيدًا عن الحياة التي كان يتمناها لنفسه، عاجزًا عن العيش في الحاضر، مشغولًا بما حدث في الماضي، مغلقًا قلبه عن كل ما قد يأتي من بعد. فشبح الذكريات كان يلاحقه أينما ذهب.
وفي وسط هذا الصمت دخلت عليه مساعدته فجأة تعلن عن وصول أحد التقارير الجديدة. أخرجته من شروده، وحركت رأسه ليعود إلى الواقع الذي كان يحاول الهروب منه. قالت بصوت هادئ، لكن آسر لم يجب على الفور كان يكتفي بالنظر إليها؛ ثم يهز رأسه بتعب
بشمهندس آسر التقارير بتاعت الشركات الأجنبية جاهزة يافندم.
رد بصوت منخفض، وكان من الواضح أنه لم يكن مهتمًا بما تقوله؛ ثم تابع نظره نحو الملفات دون أن يحرك أي ساكن في جسده
تمام يا سالي خليني شوية وهبقى أراجع الأوراق دي.

الوقت مرَ ببطء وأصبحت الساعات في تلك الغرفة لا تعني شيئًا بالنسبة له. كانت الأضواء في المكتب تتغير تدريجيًا مع اقتراب المساء تذكره بأن العالم لا يزال يدور بينما هو عالق في مكانه. فكر للحظة في حياته، في تلك اللحظة التي قرر فيها أن يصبح شخصًا آخر. شخصًا يهرب من الماضي، من الحزن، من الألم. وقف فجأة وأخذ خطوة صغيرة بإتجاه النافذة الزجاجية التي تطل على المدينة. نظراته كانت مشوشة، كأنه يتأمل حياة لم تعد تخصه؛ ثم أغمض عينيه للحظة وكأنما يحاول أن يمحو الصور التي تراود ذهنه
يا ترى لسه في حاجة تانية هتحصل؟

همس بها لنفسه ورفع سماعة الهاتف وقام بالإتصال بأحد شركائه في العمل. في أثناء المكالمة كانت أنامله تتحرك ببطء فوق أوراق مكتوبة؛ ثم ألقى بنظرة على الساعة التي تشير إلى الساعة الثامنة والنصف. تنهد في صمت فالحياة تستمر كما لو أنها غير مكترثة بشخصه أو بتجربته المؤلمة. حياته أصبحت سلسلة من اللحظات العابرة يحاول أن يملأها بقرارات وأرقام لا حصر لها عله ينسى، لكنه لا يستطيع.

كل شيء بقى زي بعضه شغل، شغل، شغل.
قالها بصوت هادئ؛ ثم أغلق الهاتف ليعود مجددًا إلى مكتبه. أخذ نفسًا عميقًا وهو يتأمل في الأوراق التي أمامه وشعور داخلي بالفراغ يسكن قلبه. في تلك اللحظة شعر بتثاقل الأوقات، وبأن الزمن قد توقف له وحده.

الليل بدأ يلف المدينة بأكمامه السوداء، وكان آسر لا يزال في مكتبه يكتب الأرقام نفسها، يطالع التقارير نفسها بينما عقله يسبح في ذكريات الماضي التي لن يمحوها الزمن. لم يكن الوقت هنا ليعطيه فرصة للتفكير، وإنما ليزيد من شعوره بالعزلة التي أصبح يشعر بها، كما لو أن العالم كله يدور حوله بينما هو عالق في نقطة ثابتة، لا يستطيع الخروج منها.

_____

في منزل يعج بالبساطة والأناقة جلست رحيل أمام مرآتها في غرفتها الفسيحة؛ حيث انعكست في الزجاج ملامحها الهادئة، لكن عينيها كانتا تومضان بقلق خفي. انسدل شعرها الكستنائي الطويل بانسيابية على كتفيها مضيفًا لمسة من الرقة على حضورها الملكي. نشأت رحيل في عائلة راقية، لكنها رغم ذلك حملت في قلبها بساطة وعفوية نادرة.
اليوم ومع اقتراب موعد حفل الزفاف المدعوة إليه مع عائلتها، كانت دقات قلبها تتسارع بلا سبب واضح، إحساس غامض يلفها، كأن شيئًا كبيرًا يوشك أن يحدث. بينما كانت غارقة في أفكارها انفتح باب الغرفة برفق ودخلت شقيقتها الصغرى التي لا تقل عنها جمال ورقة بخطوات مرحة. جلست حياء بجوارها وابتسمت قائلة:
رحيل أنتِ لسه بتلبسي لازم تجهزي بسرعة مش عايزين نتأخر الفرح قرب يبدأ.

ابتسمت رحيل ابتسامة باهتة، شاحبة كضوء قمر يلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يبتلعه سواد الليل. حاولت جاهدة أن تُخفي توترها إلا أن رعشة خفيفة تسللت إلى صوتها وهي تقول:
قربت أخلص، بس مش قادرة أركز. حاسة بقالى يومين إن في حاجة مش مظبوطة هتحصل النهاردة.

رفعت حياء حاجبيها في قلق، وعيناها تبحثان في ملامح شقيقتها عن تفسير لهذا الشعور الغامض الذي ألقى بظلاله على ملامحها :
إيه الحاجة إللي مش مظبوطة يعني؟!

تنهدت رحيل بعمق، وكأنها تستجدي الكلمات من فراغ الغرفة لتمنحها تفسيرًا لهذا الإحساس الغريب الذي ينهش صدرها منذ أيام. حدقت في الفراغ للحظات قبل أن تهمس بصوت منخفض، كأنها تخشى أن تنطق بالحقيقة فتتحقق:
مش عارفة، لكن حاسة أن الليلة دي هتغير حاجات كتير في حياتي.

ساد الصمت للحظات، كأن الزمن نفسه توقف عند تلك الجملة الأخيرة. كانت كلمات رحيل أشبه بتميمة خفية تحمل نبوءة مبهمة لا تدري إن كانت تبشرها أو تهددها. أما حياء فقد ابتلعت ريقها في قلق ولم تستطيع كبح ارتجافة طفيفة في صوتها وهي تقول:
أنتِ بتخوفيني يا رحيل. أنتِ عارفة إنك ساعات بتحسي بالحاجات قبل ما تحصل!

ضحكت رحيل ضحكة خافتة، لكنها كانت خالية من المرح أقرب إلى محاولة يائسة لتبديد الغيوم التي احتشدت في صدرها. مررت يدها في شعرها بأنامل مرتجفة قليلًا؛ ثم زفرت ببطء كأنها تحاول طرد ذلك الشعور الغريب العالق في أحشائها.

ممكن أكون متهيألي أو يمكن بس تعبانة من كتر التفكير. وجايز تكون حاجة حلوة إللي هتحصل ولا إيه؟!

لكن حياء لم تقتنع. حدقت في شقيقتها مطولًا، وكأنها تحاول قراءة ملامحها وهزت رأسها ببطء قائلة بصوت خافت، لكنه مشحون باليقين:
رحيل أنا حاسة إن في حاجة مش طبيعية. أنتِ طول عمرك لما تحسي بحاجة بتطلع صح.

ارتعشت يد رحيل لا إراديًا فأسرعت بإخفائها في طيات ثوبها، كأنها تخشى أن تفضحها أصابعها المرتجفة. لم ترد فهي لا تجد ما تقول فقط أطلقت زفرة أخرى، بينما عينها تتعلقان بشيء غير مرئي، كأنها تراه يقف على أعتاب هذا المساء…. يترصدها.

بعد قليل كانت الغرفة تفيض بعبق العطور الفاخرة، بينما انشغلت الفتاتان في تجهيز نفسيهما. ارتدت رحيل فستانًا حريريًا بلون ناعم يعكس رقتها، وحددت خصرها بحزام رفيع، وانساب القماش برقة حول قدميها. أما حياء فاختارت فستانًا ورديًا فاتحًا بدا كأنه يعكس شخصيتها المفعمة بالحياة، وصففت شعرها في تموجات خفيفة، بينما وضعت رحيل لمسات بسيطة من الزينة مما زادها سحرًا دون تكلف.
سمعت الفتاتان صوت طرقات على الباب واستأذن الطارق للدخول؛ثم انفتح باب الغرفة ليظهر عز الدين الألفي والدهما الحبيب بابتسامته الدافئة وصوته المليء بالحب:
هو إحنا هنفضل مستنيين البنات القمرات بتوعنا لحد الفجر ولا إيه؟

قفزت حياء نحوه بمرح واحتضنته قائلة بدلع:
بابي حبيبي ما إحنا بنجهز أهو بس البنات الحلوين بياخدوا وقتهم.

ضحك عز الدين وربت على شعرها برفق، بينما نظر إلى رحيل بعينين تحملان كل الحنان وقال:
وأنتِ يا روحي شكلك زي القمر الليلة.

ابتسمت رحيل، لكن ابتسامتها ظلت مترددة على شفتاها فاقتربت والدتها منها ومسحت على وجنتها برقة:
مالك يا حبيبتي قلبي حاسس إن في حاجة مضايقاكِ؟

هزت رحيل رأسها سريعًا وقالت محاولة طمأنتهم:
لأ خالص كله تمام يا مامي بس يمكن توتر عادي.

لكن فريال لم تقتنع تمامًا فتبادلت نظرة سريعة مع عز الدين الذي ضم ابنتيه بحنان وقال ممازحًا:
ما تخافيش يافريال على البنات أنا هنا ولو في أي حاجة مش تمام هنحلها سوا زي ما بنعمل دايمًا.

ضحكت حياء وقالت بمرح:
آه طبعًا أنت دايمًا بتحل كل حاجة يا بابي في غمضة عين.

ابتسم عز الدين وربت على رأسها بحب:
ولو يا شقية هو في أغلى منكم؟

بينما كان الجو يزداد دفئًا داخل الغرفة، لم تستطيع رحيل طرد الشعور الغامض الذي ظل يتسلل داخلها. شيء ما على وشك الحدوث… بعد قليل انطلقت السيارة تشق طريقها عبر الشوارع المضاءة، حتى وصلت إلى قاعة الحفل التي اكتست بهالة من الفخامة. دخلت رحيل برفقة شقيقتها ووالدايها وجدتها السيدة كاميليا الألفي تلك السيدة السبعينيه الارستقراطية القاسية. وبينما كانت رحيل تحاول أن تستوعب روعة المكان التقت عيناها بشخص ما. كان يقف في زاوية بعيدة بثبات مثير للرهبة. بطوله المهيب، وجسده القوي ذو البنيان الرياضي، يرتدي بدلة رسمية سوداء تزيده مهابة. عيناه السوداوان كانتا كالليل الحالك تحملان نظرة فاحصة لا يفوتها تفصيل، ذو ملامح صارمة، لكن وسيم بدرجة كافية أن تسرق قلوب الفتيات، كانت عيناه تخترقان الأجواء كأنهما تزن النوايا قبل الأفعال. سقطت نظراته عليها للحظة فتجمدت في مكانها.

همست حياء وهي تتابع المشهد بدهشة:
مش ده عابد الوكيل؟!

التفتت رحيل نحوها ببطء وعيناها تحملان خليطًا من الحيرة والانجذاب:
مين عابد الوكيل؟!

ابتسمت حياء ابتسامة ماكرة:
يابنتي ده رائد شرطة معروف قوي ومسيطر بيقولوا عنه إنه لما يدخل أي مكان الكل يحس بحضوره من غير ما ينطق بكلمة، والكل بيخاف منه.

ردت رحيل بإستغراب شديد:
وأنتِ عرفتي عنه كل ده منين؟

نظرت لها حياء بفخر واهي:
من النادي طبعًا. دي البنات هتموت عليه يا بنتي.

ابتلعت رحيل ريقها نظراتها لازالت معلقة بالرجل المهيب، بينما في قلبها بدأ الإحساس الغامض الذي راودها منذ الصباح يتجلى أكثر.. كأن الليلة تحمل شيئًا أكبر مما كانت تتوقع.

_____

كانت القاعة تضج بأضواء الثريات المتلألئة، والموسيقى الكلاسيكية تعزف بخفوت، كأنها تنسج إيقاعًا خفيًا لحكايات لم تُكتب بعد. الأجواء تعكس فخامة المناسبة الراقية؛ حيث يتجمع النخبة في دوائر من الأحاديث الجادة، والمجاملات الاجتماعية المتقنة. الجدران المزينة بنقوش ذهبية تعكس ألق الأضواء في حين كانت الأرضية الرخامية تعكس ظلال الحضور المتحركين.

وسط هذا الصخب المتزن، كانت رحيل تقف بجوار إحدى الطاولات المستديرة تمسك بكأس عصير بارد، وعيناها تتنقلان بين الحضور بترقب خفي. لم يكن جو الحفل يتماشى مع طبيعتها الهادئة، وعيناها العسلية كانت تحمل بريقًا حائرًا، وكأنها في انتظار شيء مجهول.

لم يكن عابد بعيدًا فقد كان يقف بثبات مع والده اللواء رأفت الوكيل وسط مجموعة من رجال الأعمال والسياسية يتحدث بنبرة تبدو واثقة تفرض حضورًا قويًا. بينما كانت رحيل غارقة في أفكارها شعرت بنظرة حادة تخترق حاجز التردد الذي يحيط بها. التفتت ببطء لتجد عابد يرمقها باهتمام. للحظة شعرت بقلبها يختل إيقاعه، لكنها تماسكت سريعًا.
اقترب منهاعابد بخطوات ثابتة، ووقف أمامها مباشرة. صوته العميق يحمل نغمة هادئة لكنها نافذة:
أنتِ مش متعودة على الحفلات الكبيرة زي دي؟

رفعت رحيل نظرها إليه بإستغراب تحاول قراءة ما وراء سؤاله، وردت بصوت خافت لكنه ثابت:
لأ عادي بس المكان هنا مختلف شوية.

ابتسم عابد ابتسامة بالكاد لامست شفتيه وقال وهو يميل برأسه قليلاً:
كل حاجة هنا ممكن تكون مختلفة، بس في الآخر إحنا كلنا بنعيش في نفس العالم.

تأملت رحيل كلماته، وكأنها تحاول تفكيك معانيها الخفية. لم يكن مجرد حديث عابر، بل شعرت أنه اختبار من نوع ما.
حرك عابد يده مشيرًا للنادل ليحضر مشروبًا؛ ثم عاد بنظره إليها متسائلًا بنبرة أكثر هدوءًا:
مش مرتاحة؟

ارتبكت قليلًا، لكنها أجابت بصراحة غير متوقعة:
الحقيقة لأ مش بحب الأماكن إللي كلها ضوضاء، وزحمة، وكلام كتير.

ضحك عابد بخفوت وقال وهو يرفع حاجبًا ساخرًا:
أمال إيه اللي جابك هنا؟

أخفضت رحيل عينيها للحظة قالت بصوت منخفض:
بابا أصر إني أجي مع العيلة.

أومأ عابد برأسه متفهمًا، لكنه لم يُبعد نظراته عنها بل زاد اهتمامه بما تحمله هذه الفتاة من هدوء مختلف عن الصخب المحيط بهم. صمت للحظة قال بصوت أقرب إلى التفكير بصوت عالٍ:
غريبة أنا بحكم شغلي شفت ناس كتير، بس مفيش حد فيهم وقف بعيد عن كل الناس دي بنفس الطريقة إللي واقفة بيها.

رفعت رحيل عينيها إليه سريعًا تلتقط نبرته الغامضة وردت بابتسامة خفيفة:
يمكن علشان أنا مختلفة؟

تلاقت أعينهما لثوانٍ، وكأنهما يختبران بعضهما في هذه اللحظة العابرة قبل أن يقطعهما صوت من بعيد ينادي رحيل باسمها. التفتت بسرعة فرأت والدها يتحدث مع بعض أصدقائه ويلوح لها للحضور. تنهدت؛ ثم نظرت إلى عابد وقالت بنبرة هادئة:
عن إذنك بابا بيشارولي لازم أروح دلوقتي.

أومأ عابد برأسه ببطء وهو يقترب منها ويهمس لها بصوت يحمل شيئًا من الغموض:
ممكن تكون دي أول مرة نشوف بعض، بس أكيد مش هتكون الأخيرة.

شعرت رحيل برعشة خفيفة تسري في أوصالها دون أن تفهم سببها. ابتسمت له بإيجاز واستدارت لتلحق بعائلتها، لكن إحساسًا غريبًا ظل يرافقها وهي تبتعد. إحساس بأن هذه الليلة لن تكن مجرد ليلة عادية.

~~~~~~~~~

دي كانت نهاية الفصل، لكن القصة لسه مخلصتش. إيه رأيكم في الأحداث لحد دلوقتي؟ متحمسين تعرفوا هيحصل إيه في الفصل الجاي؟ متنسوش تسيبوا تعليقاتكم وآرائكم، وتحطوا ‘ لايك’ لو عجبتكم الرواية. تعليقاتكم هي إللي هتخليني أكمل الرواية. أشوفكم في الفصل الجاي، واستعدوا للمفاجآت ✨😍
ومتابعه الصفحه فضلاً قصص وروايات حصريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل