
رواية: باسم الحب بقلمي: هدير ممدوح
الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس حصريه وجديده
اندفعت سيارة بهذا الزقاق الذي اكتظّ ببائعيه، ومرت بداخله حتى توقفت بمنتصفه، فُتح باب السيارة من الجهتين وترجل منها إمرأة وفتاتان بربيع عمرهما وطفل بالثانية عشر من عمره، ومن الأمام هبط رجل، أعطى السائق أجره..
جابت أبصارهم في أنحاء المكان، نساء مفترشة الأرض بالخضار وبأخر الطريق مقهى شعبي ..
غادرت السيارة أمام أنظارهم، واقترب منهم الرجل الذي كان بجانب السائق، قائلاً في وجل:
_أنا عارف ان الحارة مش ولا بد يا هانم، بس الجو هنا غير و هتعجبك.
اجابت المرأة بإبتسامة بسيطة زينت وجهها البشوش:
_هانم إيه بقا يا عبد الفتاح، أنا زيي زيك، وانت كتر خيرك جمعتلنا مكان نعيش فيه.
طالعها عبد الفتاح بشفقة على حالهم قائلاً:
_منهم لله ياهانم، ربنا المنتقم.
قالت المرأة بلطف:
_ربنا يسامحهم بقا..
واستطردت بحدة طفيفة:
_وقولتلك متقولش هانم دي تاني، اندهلي بأي حاجة..
تحدثت إحدى الفتيات بندفاع وضيق:
_هي الستات دي على طول فارشة في الأرض كده، و إيه الزحمة اللي على أول الشارع دي.
رد عبد الفتاح مبتسماً:
_النهاردة سوق الأربع يا أستاذة أبرار بس باقي الأيام أهدى.
هزت الفتاة رأسها بلا مبالاة.
فأشار عبدالفتاح إلى عمارة سكنية على بعد قليل منهم، ونظراً لضيق المساحة لم تسطع السيارة ان تكمل للداخل، فتقدموا هم للأمام، وقال عبد الفتاح ما ان أصبحوا أمام العمارة:
_اتفضلوا معايا.
فتقدم عبد الفتاح أمامهم ودلفوا هم خلفه،
توقفوا بالطابق الثاني، وتحديداً أمام إحدى الشقق، ثم أخرج عبد الفتاح مفتاح من جيب بنطاله ومد يده للمرأة قائلاً:
_اتفضلي يا أم مصطفى، دي الشقة اللي هتقعدوا فيها وربنا يفتحها عليكم يارب.
أخذته منه المرأة بإبتسامة بشوشة وقامت بفتح الباب تحت أنظار أولادها.
انفرج الباب على عقبيه و ولجوا جميعًا وهم يحملون حقائبهم وأنظارهم تجوب تلك الشقة..
كانت ذات ألوان زيتية باهتة بها بعض التشققات، و بالمنتصف يقبع صالون بسيط وغرفتان مغلقتان بجانب بعضهما.
قاطع صوتهم الطفل “مصطفى ” متسائلًا في تذمر:
_دول اوضتين بس، أنا بقا هبات فين؟!.
تحدث عبدالفتاح بحرج:
_حاجة مش قد مقامكم ياست هانم بس اهي تقضي غرض، أنا هنزل اجيب لكم شوية حاجات للمطبخ عن إذنكم.
غمغمت المرأة “نوال” بتنهيدة:
_ كتر خيرك معانا و إذنك معاك يا عبد الفتاح.
ابتسم عبد الفتاح بحرج و غادر من أمامهم، فقالت نوال:
_أبرار و ملاذ في أوضة و انا و أنت يا مصطفى في التانية.
تحدثت أبرار بتأفف:
_أوف، أنا مش عارفه إزاي هنعيش في الحارة دي، و ازاي هنقعد في أوضة وحدة أنا وملاذ مش هبقا واخدة راحتي .
مرت المدعوة “ملاذ ” بهدوء وقالت وهي تتوجه لـ إحدى الغرف:
_هاتلي شنطتي يا مصطفى.
اردفت نوال على عجل:
_ساعد اختك ياحبيبي.
هز الصغير رأسه واتجه خلف شقيقته حاملاً الحقيبة..
و بدلت الأم، أنظارها لأبنتها الأخرى، قائلة:
_أحمدي ربنا ان لقينا سقف يأوينا يابنتي بعد الرمية السودة دي، يلا خدي شنطتك وادخلي شوفي اختك وخليكِ واقفة جمبها، أنتي عارفة اللي بتمر بيه مش قليل.
تبسمت أبرار برضا،وغمغمت :
_حاضر يا نونو..
و ارتفع صوت رنين جرس الباب، فتقدمت نوال منه وفتحته لتجد عبدالفتاح حاملاً عدة أكياس بين يديه قائلاً :
_اتفضلي يا ست هانم دول شوية حاجات بسيطة.
قالت نوال ببسمة زينت ثغرها :
_تسلم ايدك يا عبدالفتاح، بس قولي يا أم مصطفى بلاش هانم دي.
ابتسم عبدالفتاح قائلاً:
_معلش بقا اللسان لسة متعودش، أنا همشي لو احتجتم حاجة انا تحت أمركم.
اندفعت نوال قائلة:
_الأمر لله ياحج عبدالفتاح تسلم، تعبناك معانا.
غمغم عبدالفتاح بتريث:
_ولا تعب ولا حاجة، عن اذنكم.
غادر الرجل واغلقت نوال خلفه الباب، واستدارت لتجد مصطفى أمامها، والذي صاح قائلاً:
_انا ميت من الجوع يا ماما.
إيدته أبرار قائلة وهي تجلس على حافة الأريكة:
_أه ياست الكل الحقينا بأي حاجة لوجه الله.
حملت نوال الأكياس وقالت وهي تمر من امامهم متوجهة للمطبخ:
_غيروا هدومكم وانا هجهزلكم حاجة خفيفة. .
مضت ساعة من الوقت، كانت تضع نوال الأطباق على المائدة البسيطة المحاطة بأربع مقاعد،وهي تنادي بصوت عال:
_مصطفى، أبرار، ملاذ، تعالوا يلا الأكل جاهز.
خرج مصطفى أولاً وجلس دون ان ينبس ببنت شفة، وأتت أبرار سريعاً وعلى وجهها إبتسامة بسيطة زينت ثغرها، وسرعان ما اختفت وهي تنظر إلى الأطباق قائلة بشمئزاز:
_فول و طعمية و بتنجان، بتهزري ياماما ده غدا ولا فطار.
اجابت نوال بنفاذ صبر:
_في إيه يعني مش نعمة ربنا دي، إيه اللي قلب حالك ما انتي كنتي بتاكلي من غير ما تتكلمي
جرالك إيه دلوقتي.
خيم الحزن على نبرة أبرار قائلة:
_انا أسفة يا ماما، أنا لسة مش متعودة على العيشة دي.
احتدت نبرة نوال وهي تقول:
_الكلام للكل انسوا حياتنا الأولى، من النهاردة دي حياتنا هنمشي على قد اللي معانا واللي يتحط قدامكم تحمدوا ربنا عليه فاهمين.
قال مصطفى وهو يمضغ الطعام بفمه:
_انا باكل من سكات اهو يا ماما.
تحدثت أبرار بضيق قائلة:
_انا آسفه عشان اتكلمت عن الأكل، بس حياتنا الأولي وحقنا اللي اتسلب منا بعد موت بابا مش هنساه وهرجعه.
طالعتها نوال بضيق قائلة:
_بعدين نتكلم فالموضوع ده، بعدين..
وصمتت قليلاً قائلة بتعجب:
_هي ملاذ مجتش ليه!.
جائهم صوت ملاذ من خلفهم تقول بهدوء:
_انا جيت..
رمقت نوال ابنتها بشفقة وهي تنظر إلى ملامحها الباهتة التي خيم عليها الحزن، كانت ذات بشرة خمرية شاحبة و أعين بنية واسعة شفاه صغيرة مشققة من أثر حالتها النفسية، وشعرها الأسود المسترسل تلمه على هيئة كعكة، جلست الفتاة بهدوء، و جلس الكل من حولها، وتناولوا الطعام بصمت..
وبعد دقائق قاطعت ملاذ هذا الصمت، قائلة:
_الحمدلله أنا شبعت، هدخل الأوضة.
تحدثت نوال سريعاً:
_يابنتي في إيه، انتِ لحقتي تاكلي، حرام عليكي العيل اللي في بطنك.
تحولت ملامح ملاذ الى أخرى مقتضبة وهي تقول بحدة:
_مش عاوزة افتكر، مش عايزة حد يفكرني بيه، ده مجرد غلطة، لولا خوفي من ربنا كنت نزلته و ارتحت.
ترك الجميع كل ما بيده ينظرون إلى إنفعالها، و اقتربت منها والدتها وضمتها في عناق، وقالت وهي تربت على ظهرها بحنو:
_سامحيني يا نور عيني مش قصدي ازعلك بس ده الواقع ولازم تتقبليه ده ابنك يابنتي.
انهمرت الدموع على وجنتي ملاذ وقالت بصوت ممزوج ببكائها :
_انا ليه يحصل معايا ده كله، أنا إيه اللي عملته، هو أنا وحشة طيب؟!.
ربتت نوال على ظهرها بحنو، وقالت وهي تشهق باكية على فلذة كبدها:
_ ده اختبار من ربنا يابنتي، يجوز صعب شوية بس هيعدي…
قاطعتها ملاذ وهي تبتعد عنها هاتفة بحدة:
_مفيش حاجة بتعدي، روحي هي اللي بتطلع.
تحدثت أبرار والحزن بدا على ملامحها؛ بسبب ما تمر به شقيقتها:
_ما تعمليش كده في نفسك يا ملاذ أنا عمري ما شوفتك بالضعف ده.
أزاحت ملاذ دمعها وقالت وهي تمر من أمامهم:
_انا داخلة أقعد شوية لوحدي، ياريت محدش يجي ورايا.
و غادرت ملاذ من أمامهم، و زفرت نوال بعمق قائلة وهي تنظر للبقية:
_كملوا أكلكم، و اختكم هترتاح شوية وترجع أحسن من الأول.
غمغمت أبرار بضيق:
_أنا شبعت، الحمدلله..
تمتم مصطفى هو الآخر بخفوت:
_وانا كمان الحمدلله.
فقالت نوال بهدوء:
_طيب أنا هشيل الأكل وبعدها هخرج شوية اقفلوا الباب عليكم كويس، وانا مش هتأخر.
هتفت أبرار بفضول:
_رايحة فين؟..
أجابت والدتها وهي تحمل الأطباق وتدلف بهم للمطبخ:
_مشوار..
المهم خلي بالك من اخواتك و ابقي بصي على أختك.
هزت أبرار رأسها عدة مرات دليل على موافقتها.
و بعد قليل أبدلت نوال ثيابها وغادرت الشقة.
••••اللهم صلِّ على محمد ••••
كانت جالسة أبرار على الأريكة تتحدث بهاتفها وهي تقول بتذمر:
_بعد ما كنا عايشين في فيلا بقينا عايشين في حارة شعبية، أصوات الناس هنا رخمة أوي وشوارع ضيقة ولا العمارة اللي سكانين فيها قربت تقع على دماغنا.
آتاها الرد من الجهة الأخرى قائلة:
_معلش يابنتي فترة وهتعدي.
اجابت أبرار بحنق:
_هتعدي على وشنا يا وداد، شكلها مطولة.
ردت وداد قائلة:
_صحيح أنتي هتعملي إيه مع أبن عمك، حكايتكم هترسى على إيه.
زفرت أبرار بعمق، و قالت :
_حكايتنا ملهاش مرسى، واقفين فالنص، بعد اللي عمله عمي فينا وطرده لينا من البيت بعد وفاة بابا، أظن ان مفيش رجوع.
غمغمت وداد بهدوء:
_لكل شيء نهاية، وان شاء الله ربنا يصلح حالكم ياحبيبتي.
تمتمت أبرار بخفوت:
_إن شاءالله، هقفل دلوقتي و ابقا اكلمك بعدين و نتقابل .. نازلة استكشف الحارة دي.
ردت وداد بهدوء:
_تمام ياجميل، سلام.
أنهت أبرار المكالمة، و دلفت لغرفتها المشتركة مع شقيقتها، فتحت باب الغرفة دون استئذان لتجد الظلام يحاوطها من كل جانب، عقدت حاجبيها بتعجب وضغطت عدة مرات على هاتفها ليشع ذلك النور البسيط المتصل به، وتوجهت سريعاً إلى المقبس لتضغط عليه ويعود الضوء كما كان.
وقع نظرها على ملاذ النائمة على الفراش وتوليها ظهرها، فتقدمت منها ببطء تنظر لوجهها، لتجد تلك الدموع العالقة على وجنتيها..
ووضعت ملاذ يدها على وجهها تحجبه عنها؛ كي لا ترى دموعها.. وما أن اقتربت منها أبرار، قالت وهي تربت على كتفها:
_ليه مستسلمة كده يا ملاذ و مضلمة دنيتك و قعدة بتبكي أنا مش متعودة عليكي كده.
ردت ملاذ بصوت متحشرج من البكاء:
_لأن حياتي كلها هتبقا ضلمة.
احتارت أبرار فيما تقول وكيف تواسي شقيقتها فقالت مازحة:
_أنا هروح اشتري شيكولاتة لينا عشان مزاجنا يتغير شوية، هغير وانزل.
لم تعيرها ملاذ أي انتباه ولم تتفوه بحرف واحد، فحدجتها أبرار بضيق على حالها، وتوجهت لتبدل ثيابها.
بعد قليل خرجت من الحجرة وهي تعدل من حجابها… توجهت لغرفة شقيقها، دلفت للداخل لتراه جالس على الفراش يعبث بهاتفه..
وما ان رآها تطل عليه، قال:
_عاوزة حاجة يا أبرار.
ابتسمت أبرار بمحبة،واردفت :
_لا ياحبيبي، أنا بس كنت هقولك نازلة اجيب شيكولاتة لينا مش هتأخر، خد بالك من ملاذ.
استقام مصطفى واقفاً وهو يقول:
_خليكي أنتي طيب وانا هنزل أجيب.
ردت أبرار بحنق:
_لا أنا مش ناقصة، افرض تهت.. مش هسلم من لسان ماما، خليك وانا مش هتأخر يلا سلام.
استسلم مصطفى للأمر قائلاً:
_ماشي روحي بس متتأخريش.
صاحت أبرار قائلة وهي تغادر من أمامه:
_ماتقلقش سلام قبل ما ماما ما ترجع.
••لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم ••
خرجت أبرار من مدخل العمارة وتوقفت تنظر يمنى ويسرى لا تعلم إلى أين تتوجه بتلك المنطقة العجيبة بالنسبة لها، حتى مر طفل من أمامها بعمر شقيقها فـ أوقفته قائلة:
_حبيبي ممكن تقولي لو في هايبر ماركت قريب من هنا.
وقف أمامها الطفل مندهشاً وهو يقول:
_ايه الهايبر ده يا أبلة، أنتي جديدة هنا.
تأففت أبرار بضيق، وتمتمت:
_عاوزة اشتري بسكوت شيبسي كده يعني.
قال الطفل متفهماً:
_اه فهمتك، البقالة قدام امشي على طول على ايدك اليمين هتلاقي.
غمغمت أبرار بهدوء:
_تمام، شكراً.
سارت أبرار للأمام، وانفرجت أساريرها وهي ترى تلك البقالة البسيطة ثلاجة مشروبات من الأمام وكراتين التسالي مصفوفة بالمقابل لها ومن الداخل طاولة يقبع عليها بعض من علب البسكويت والكيك الجاهزة، ورأت إمرأة تبدو بعمر ولدتها تضع كرسياً وتجلس عليه فتبين لها إنها المالكة.
كادت ان تتقدم منها حتى جاء ولد صغير يحمل مسدساً لعبة معبأ بالمياه وقام بالضغط عليه حتى تناثر القليل منه واختلطت بثيابها..
فصاحت أبرار بضيق تحت أنظار المرأة:
_بس ياحبيبي..
لم تزد على قول ذلك، وتقدمت خطوة حتى ضغط الطفل عدة مرات على لعبته، فتناثرت المياه على وجهها.
فصاحت أبرار بضيق وتذمر وهي تحمي وجهها بيدها:
_أنت ياغبي، هضربك..
لم يكتفِ الطفل وظل يعبث بلعبته فتقدمت منه بغضب وهي تقبض على يده:
_ قولتلك هضربك، هات دي كده.
اخذت منه أبرار لعبته وألقتها جانباً.
فبكى الطفل بصوتاً عال.
تقدمت منها المرأة بملامح لا تنذر بالخير وقبضت على معصم أبرار ودارتها نحوها، قائلة:
_أنتي عبيطة يابت، بتعملي عقلك من عقل عيل، ده أبن بنتي يا حيلتها.
ردت أبرار بحنق وهي تسحب يدها من قبضتها بعنف:
_ايه ياست الأسلوب البيئة ده، وبعدين ما انتي شايفة الولد الغتت ده بيرخم عليا متكلمتيش ليه.
شهقت المرأة،وقالت محتدة:
_حتة عيلة زيك تقولي أسلوبك بيئة..
وتابعت وهي تدفعها للوراء:
_ده أنا افعصك يابت، اسألي الحارة كلها عن ستك صباح.
قالت أبرار بحدة:
_اسمعي ياطنط ابن بنتك الغتت هو اللي..
قاطعتها صباح وهي تهتف عالياً:
_اسمعي يا حارة صباح بقا يتقالها يا طنط..
وبدلت نظرهالـ أبرار قائلة :
_طنط اما تنططك ياحبيبتي..
تعجبت أبرار من تجمع النسوة حولهم،وتلك النوافذ التي فُتحت وخرحت رؤوس النساء منها.
فتأففت بضيق قائلة:
اسمعي ياست انتي، أنا مش عاوزة اقل أدبي عليكي خلينا نخلص بقا.
قبضت صباح على كتفيها تهزها بعنف، قائلة بحدة:
_تقلي أدبك على مين يابت، ياشبر ونص انتي.
و صدح صوت شاب من خلفهم، قائلاً:
_انا هروح انده الأسطى عز..
وركض سريعاً..
قالت صباح باقتضاب:
_ أنا بقا اللي هعلمك الأدب.
فتلك اللحظة جائت نوال، ورأت ابنتها بيد تلك المرأة والنسوة متجمهرة حولهم، فمرت من بينهم وقالت بذعر عليها وهي تبعد يد صباح المتشحة بعباءة سوداء وحجاب من نفس اللون وملامح مقتضبة، قائلة :
_في إيه بس يابنتي.
طالعت صباح مظهر نوال كان زيها عبارة عن تنورة تناسب عمرها من اللون الأسود و شميز وحجاب من نفس اللون بشرة خمرية بها بعض التجاعيد و وجهًا مستدير، أنهت صباح تفحصها قائلة بصوتً أجش:
_شكلك ست طيبة و مالكيش في اللبش، بس بنتك غلطت فيا ولازم تتحاسب، عشان محدش يقول حتة عيلة علمت عليا.
قالت نوال بتريث:
_حقك عليا أنا ياست الكل، واديكي قولتي اهو عيلة، واحنا أول يوم لينا هنا فالحارة منعرفش حاجة وبعتذرلك بالنيابة عن بنتي.
هتفت أبرار بضيق:
_ يا أمي انا مغلطش…
وكزتها والدتها وحدجتها بتمعن، فصمتت الأخرى.. و تابعت صباح:
_هسيبها المرة دي عشان خاطرك وجداد فالمنطقة بس غلطة كمان هفرج عليها أهل الحارة كلهم.
سحبت نوال يد ابنتها بعنف قائلة:
_لا ربنا ما يجيب زعل هنبقا حبايب ان شاءالله.
تمتمت صباح بهدوء:
_ماشي ياست اتكلي.
وغادرت أبرار مع والدتها تحت أنظار النسوة، التي تفرقت، ما ان غادروا.
••••••••••••••••
جاء الشاب ركضاً مع المدعو عز، الذي اقترب من والدته قائلاً وهو يحاول تنظيم أنفاسه:
_في إيه يما الواد دبور قال إنك بتتخانقي مع بنت شكلها غريب ومش من المنطقة.
ردت صباح بامتعاض:
_بنت كده شكلها مدلعة أبن اختك بيلعب معاها، مسكت منه اللعبة و رَمتها اسكتلها، كنت هديها فوق دماغها، بس جات أمها شكلها ست غلبانة ولابسة أسود فسود أظهر جوزها متوفي، قلت كبري دماغك يابت يا صباح و عديها.
مال عز بهدوء ولثم جبين والدته قائلاً:
_تسلم دماغك الكبيرة دي، بس بلاش العصبية دي يما، ده انا بقطع الخلف من الخضة وانتِ كل يوم خناقة.
ردت صباح قائلة:
_ربنا ما يقطعلك خلف يا واد، وبعدين الزمن ده لازم تدي الخلق على دماغه مش عاوزك غلبان يا ولا.
تمتم عز بخفوت:
_حاضر يما، الخلق كلها هتاخد على دماغها، هرجع الورشة انا بقا.
قالت صباح بصدق :
_روح يا ابن بطني و اطمن قلبي دعيلك.
•••••••••••••••••••
دلفت أبرار ومن خلفها نوال..و صاحت قائلة:
_يابنتي ليه كده من أول يوم بتعملي مشاكل، عايزة الناس تطردنا من الحارة طاب نروح فين نبات على الرصيف.
ردت أبرار بوجه مقتضب:
_يا ماما بقا أنا عملت إيه يعني الولد هو اللي غتت ورخم، وجدته أرخم منه.
هتفت نوال بحدة:
_لولا ما وصلت الشقة واخوكِ قالي إنك
خرجتي، كان زمانك واخدة علقة موت.
خرج مصطفى من الغرفة وهو يصيح قائلاً:
_ماما ملاذ مش في أوضتها.
صاحت نوال بذعر دب ثنايا قلبها:
_يعني إيه، اختك راحت فين؟!
قال مصطفى بقلق:
_مش عارف خرجت امتى بس بعد ما أنتِ روحتي تشوفي أبرار، دخلت أنا اوضتها كانت فاضية، ولبست اهو وقلت هنزل أشوفها.
لطمت نوال على وجنتيها وهي تصيح بقلق:
_نهارك أبيض يا نوال مش عارفة الاقيها من مين ولا مين..
وصمتت بضع ثواني ثم قالت بخوف:
_ياتكون البنت راحت تسقط نفسها ؟!
الفصل الثاني
رواية باسم الحب
بقلمي هدير ممدوح
يأتي الحب على غفلة دون موعد وكذلك الحزن، فـ تغلق جميع الأبواب في وجهك وتصبح العتمة من حولك هي مكانك الوحيد و الأوحد.
احتل الذعر ملامحهم والخوف دب ثنايا القلب، صاحت أبرار في قلق:
_إجهاض.. ازاي بس يا ماما، ملاذ اضعف من أنها تعمل كده، ده ابنها.
هتفت نوال قائلة:
_بقا اسيبكم ساعة أرجع الاقي كل واحدة واقعة في مصيبة، ليه كده بس يا بنتي.
تث مصطفى بامتعاض:
_احنا هنفضل واقفين خلينا ندور عليها.
أيدته نوال قائلة:
_خليكم هنا وانا هروح أدور عليها، مش هبقا شايلة همكم كلكم.
استدارات نوال لتخرج، وما كادت ان تخطو أولى خطواتها حتى وجدت ابنتها ملاذ قادمة..
فاقتربت منها سريعاً تضمها وقالت:
_يابنتي حرام عليكي أنا اعصابي تعبت..
وابتعدت عنها واستطردت تسألها باهتمام:
_كنتي فين؟
ظلت ملاذ مكانها ساكنة بملامح شاحبة تحاكي شحوب الأموات.
فتقدمت منهم أبرار قائلة بقلق:
_مالك يا ملاذ وشك مصفر ليه انتي تعبانة.
وكزتها والدتها في كتفها قائلة:
_مالك يابنتي إيه اللي حصل معاكي.
ارتجفت ملاذ أثر لمس والدتها وقالت في وجل والدموع تتساقط على وجنتيها :
_انا معملتش حاجة، مكنش قصدي ياماما، صدقيني.
وارتمت على صدرها تبكي بنشيج.
فتعجبت من أمرها وقالت بتريث وهي تربت على ظهرها:
_هو في أي بس يابنتي؟..
و إيه اللي حصل؟!
ابتعدت ملاذ عنها وقالت وهي تزيح دمعها:
_أنا عاوزة أقعد لوحدي.
وسارت من أمامها، دون ان تنبس ببنت شفة.
فقالت نوال بقلة حيلة والدموع تتلألأ بعنيها:
_هو في إيه بس ياولاد أنا خلاص هتجنن حرام عليكم اللي بتعملوه فيا ده.
فقال مصطفى فور مغادرتها:
_خلاص يا ماما هدي أعصابك.
وتابعت أبرار :
_دلوقتي تروق وتهدى، ونبقا نفهم منها إيه اللي…
قاطعتها نوال قائلة بحدة:
_ادخلوا يلا مش عاوزة اسمع صوت حد فيكم.
فتبادلوا الأنظار، ودلفوا على مضض.
••••••••••••••••••••
على صعيد آخر
جالسة بـ كافتريا الجامعة، تضيئ شاشة هاتفها بصورة شاب تنظر له بحالمية…
جاءت من خلفها إحدى الفتيات وضعت يدها على كتفها فألتفتت لها، وأبتسمت الأخرى قائلة:
ممكن أحكي معاكي شوية يا فاطمة .
أبتسمت فاطمة قائلة بهدوء:
_اه تفضلي.
جلست الفتاة ورواغتها بسؤالها قائلة:
_بتحبيه صح
غمغت الأخرى قائلة:
_مين؟!
تقصدي إيه يا سارة؟!
استرسلت سارة قائلة:
متقلقيش أوي كده، احنا بنات زي بعض وانتِ باين عليكي أوي الحقيقة، وانا ياستي قصدي على دكتور إسلام.
ابتسمت فاطمة بأستيحاء وشقت البسمة وجهها، سرعان ما أختفت وتبدلت ملامحها للخوف والخذلان.
فتابعت سارة النظر إليها بإبتسامة، قائلة:
_عارفة شعورك كويس، حب من طرف واحد شعور مؤلم الصراحة وخاصةً كلنا عارفين أن دكتور إسلام معجب بدكتورة ميار، يعني مستحيل يفكر فيكي.
ألتمعت الدموع داخل مقلتيها وظلت حبيسة بداخلها تأبى الخروج فهي تعلم كل العلم ان ما تتمناه صعب المنال.
“بس أنا عندي الحل ”
نطقت بها سارة بحماس.
فنظرت لها فاطمة بتمعن دون ان تتفوه بحرف.
واستطردت سارة:
_مروة زميلتنا أكيد عارفة إنها متجوزة من مروان وكل الدفعة على علم بكده، بس اللي محدش يعرفه انها كانت بتحبه جداً وهو مش معبرها لحد ما راحت لشيخ.
“شيخ”نطقتها فاطمة باستغراب
فأردفت سارة مكملة:
ايوة هو اللي خلص كل الحكاية أنه عملت جلب واتجوزته، واهو شايفة الهنا اللي هي فيه وقد إيه هي فرحانة، أنتي كمان موضوعك هيتحل على أيد الشيخ ده بس الحقيقة انه هياخد مبلغ، بس يستاهل.
ردت فاطمة بعدم رضا:
_لا، لا مش هروح مش عاوزة الكلام ده.
استقامت سارة من مكانها قائلة:
_براحتك ياحبيبتي، بس ابقي فكري ومتنسيش فأي لحظة هتلاقيه طار من أيدك وأنتي هتفضلي تندبي حظك، عن أذنك.
ألقت سارة كلامها المسموم وغادرت المكان، بينما ضاق صدر فاطمة من حديثها لتلتقط حقيبتها وتغادر الجامعة.
•••••••••••••••••••••••••••
بمقابل العمارة التي تقطن بها السيدة نوال، دلف عز للعمارة التي يقطن بها، صعد للأعلى وطرق على الباب عدة مرات، فأتت والدته على الفور، فُتح الباب ودلف عز قائلاً بمرح:
_مساء الخير ياصبوحة، ها العشا جاهز.
ردت صباح قائلة وهي تشمر جلبابها:
_عملتلك فراخ بلدي محشية من اللي قلبك يحبها، اه ما أنت شقيان.
ارتمى عز على أقرب أريكة ورد بتعب بادي على ملامحه:
_تسلم ايدك ياست الكل.
تحدثت صباح وهي تدلف للداخل:
_هدخل اسخن، رن على البت فاطمة، أنا عارفة كلية إيه اللي تقعد للعشا دي.
صاح عز عالياً:
_تلاقي المواصلات أخرتها، زمانها على وصول.
وما كاد ان ينهي جملته حتى استمع لصوت طرقات على باب الشقة، فاستقام واقفاً وهو يقول:
_اهو جبنا سيرة القط جه ينط.
فتح الباب على مصرعيه، لتظهر شقيقته من خلفه كانت سمراء البشرة، بأعين زيتونية مائلة للخضار، أنف نحيف مدبب وشفاه متناسقة مع ملامحها، متوسطة الطول، ترتدي دريس من اللون الكافية بمنتصفه حزام من لون أخر وحجاب من نفس اللون.
دلفت للداخل و أغلق عز الباب خلفها قائلاً بجدية:
_إيه مالك داخلة علينا مبوذة ليه كده؟!
ألقت فاطمة حقيبتها باهمال على الأريكة ومالت لتنزع حذائها وقالت بضيق وكلمات زميلتها سارة تتردد بأذنها:
_مفيش، شوية إرهاق من المحاضرات والمواصلات بس.
خرجت صباح وهي تحمل بيدها الأطباق قائلة بحدة:
_مليون مرة اقولك لمي حاجتك دي، دايماً مهملة محدش في اخواتك تعبني غيرك.
تأففت فاطمة بضيق وهي تحمل حقيبتها:
_أوف، حاضر هلم حاجتي، داخلة أغير وبعدين هخرج.
قال عز بملل:
_حوار كل يوم ده انا هقعد اتعشى، وبعدين انزل أشوف لقمة عيشي.
•••••••••••••••••••••••••••
في إحدى الأماكن الراقية وفي ذاك المنزل الذي يظهر ثراء مالكيه.
كانت تجلس تلك السيدة بالصالون وهي تحتسي من فنجان القهوة بتلذذ، وبجانبها رجل من نفس عمرها، ويجلس شاب بالمقابل لهم، قالت هي بسعادة:
_عمري ما حسيت بطعم الراحة غير دلوقتي، عاشوا سنين طويلة في عزنا كفياهم بقا.
هتف الشاب بحنق:
_قصدك في عز ابوهم يا سميرة هانم..
وبدل نظره لوالده واسترسل:
_ أنا مش عارف ازاي يابابا وافقت تعمل كده.
كاد الرجل ان ينطق بشئ فقاطعته زوجته قائلة بندفاع:
_وانت بتتحامى ليهم ليه دلوقتي، ما انت كنت واقف بتتفرج..
ثم تابعت بسخرية:
_وقلت لحبيبة القلب أبرار روحي انتِ دلوقتي وانا هشوف الموضوع ده.
رد عمر بعجل:
_انا قلت كده لأني مكنتش فاهم إيه اللي بيحصل.
تحدث والده بحدة:
_اسمع ياولد عمك محمد خلاص مات ونوال وعيالها اصبرنا عليهم كتير، قولنا البنات هيتجوزوا والولد هيتربى وسطنا، بس اهو البنت الكبيرة حطت راسنا فالطين ورجعالنا حامل.
قاطعه عمر بحدة:
_هي كانت ماشية فالحرام يعني، دي اضحك عليها وحالها يصعب على أي حد.
هتف محفوظ “والده”:
_البيت بيتنا وهما مالهمش حاجة عندنا، ومش عاوز حد يجيب سيرة فالموضوع ده، ويلا اطلع اوضتك.
قال عمر بغضب:
_وانا و أبرار إيه حكايتنا هتقف على كده.
ردت والدته بحدة قائلة:
_أبرار دي بنت قليلة أدب لسانها أطول منها ولا تصح تكون زوجة ولا أم ولا سيدة مجتمع راقية حتى.
قال عمر ساخراً:
_قليلة أدب عشان كانت بترد على كلامك اللي زي السم.
هتف والده محتداً:
_اخرس ياولد، أنت ازاي تكلم والدتك بالطريقة دي، يلا من غير كتر كلام أطلع على اوضتك فوراً.
وثب عمر قائماً، واندفع للأعلى بعدما حدجهم بشمئزاز.
مر باقي اليوم دون أي أحداث أخرى..
🌺اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد 🌺
وفي الصباح الباكر..
كانت تتململ أبرار في فراشها بسبب شعورها بحرارة الجو، فنظرت بجانبها لم تجد شقيقتها، فاستقامت واقفة، والتقطت الحجاب الذي كان يعلو المنضدة الصغيرة بالغرفة ووضعته بعشوائية على خصلاتها وتوجهت ناحية الشرفة المتصلة بغرفتهم، وقالت بضيق:
_يعني جو حر، و كمان ناموس.. كويس ان في بلكونة أهي أحسن من بلاش.
فتحت ضلفتي الشرفة ووقفت مغمضة العينين تستنشق نسائم الهواء المنعشة..
وفي نفس اللحظة فتح عز ضلفتيّ نافذته ليقع نظره عليها، فتبسم بهدوء وهو يرمقها بوجهاً مبتسم وقال متغزلاً:
_ياصباح الجمال والدلال، ده أنا صبوحة دعيالي بقا.
تعجبت أبرار من هذا الصوت الذي اخترق مسامعها، ففتحت مقلتيها.. لتجد أمامها عز يغمز لها بأعينه.. ويطل بملابس داخلية بيضاء.. فحدجته بضيق قائلة:
_دي أي الأشكال اللي واحد بيتصبح بيها دي.
واغلقت الشرفة بعنف في وجهه، وعادت للداخل..
وما ان اغلقتها حتى ابتسمت قائلة:
_وده إيه ده كمان…
استمعت لرنين هاتفها فاقتربت منه تلتقطه من أعلى المنضدة، رأت اسم عمر مدون على شاشته فاستقبلت المكالمة بملامح مقتضبة قائلة:
_أهلاً يا أستاذ عمر، يلا فاكر..
قاطعها عمر قائلاً :
_أبرار أنا لازم اقابلك ودلوقتي حالاً.
ردت أبرار بحنق:
_وده ليه ان شاء الله.
هدر عمر بقوة:
_اخلصي يا أبرار هستناكِ في كافيه *** متتأخريش.
زفرت أبرار بضيق قائلة:
_تمام جاية.
و أنهت المكالمة..
أبدلت أبرار ملابسها، وخرجت من الغرفة، ووقفت أمام الباب لتجد جميع الأنوار منطفئة ، تعجبت من الأمر، فـ صاحت بصوت عال:
_ماما يا ماما، انتِ فين؟!.. هو النور قاطع فالصالة بس يعني.
عادت الأضواء كما كانت، فنظرت على يمينها لتجد ولدتها واقفة بجانب المقبس.. وتقدمت نوال منها قائلة:
_يابنتي وقفتي قلبي حرام عليكي، ليه كده؟!
لوت أبرار فمها بغيظ قائلة:
_انا اللي اتخضيت، ده إيه الظلام اللي احنا عايشين فيه ده.
بررت نوال قائلة:
_انا مش عارفة مين…
وقاطعت حديثهم وهي تنظر حولها، ليقع نظرها على جسد ملاذ النائمة أعلى الأريكة.
قالت أبرار بخفوت
_سكتي ليه؟
أشارت والدتها على جسد ملاذ، فتفهمت الأخرى الأمر.
قالت نوال بحنو:
_ياحبيبتي يابنتي، ربنا ينتقم من اللي كسرك.. روحي يا أبرار هاتي غطا خفيف لاختك هي بتحب تتغطى في الصيف يابنتي.
غمغمت أبرار بخفوت:
_حاضر.
ولجت أبرار داخل الحجرة وسرعان ما عادت وهي تحمل بيدها الغطاء، أخذته منها والدتها وتقدمت من ملاذ ببطء، دنت منها ولثمت جبهتها، ودثرتها جيداً.
واستدارت للعودة لتجد خلفها أبرار فتنبهت لزيها وقالت بخفوت:
_انتِ رايحة فين كده؟!.
اذدردت أبرار لعابها وقالت بكذب:
_بصراحة، نازلة اقابل البت وداد، وبالله عليكي يا ماما ما تقولي لأ، انا مخنوقة.
عقدت نوال ساعديها أمامها وقالت بتردد:
_ماشي روحي، بس ساعة زمن وتكوني هنا.
عانقتها أبرار بحماس و أردفت :
_انتِ أحسن مامي فالكون.
ابعدتها والدتها، ورمقتها بحدة:
_بت اختك نايمة..
وابتسمت مسترسلة حديثها
:_يلا يا مجنونة من هنا..
هتفت أبرار وهي تمر من أمامها:
_هدخل الحمام الأول..
صاحت والدتها مستنكرة:
_هي البلكونة مفتوحة.. في دبان كتير داخل علينا.
ردت أبرار من داخل المرحاض:
_يمكن اتفتحت من الهوا.
لم تتفوه نوال بشيء و دلفت لداخل الغرفة توجهت إلى الشرفة، لتجد صباح أمامها فقالت مبتسمة:
_صباح الخير..
ردت صباح قائلة:
_ياصباح الفل ياحبيبتي، الواد عز قالي في ناس جداد، مكنتش أعرف أنه انتِ جيران الهنا يا عنيا.
كادت نوال ان ترد حتى قالت أبرار من خلفها:
_ماما انا ماشية.. عاوزة حاجة اجيبها وانا راجعة..
ردت نوال بخفوت:
_لا يابنتي…
صاحت صباح قائلة:
_الناس تقول صباح الخير، السلام عليكم.. إيه ياختي ده.
تنبهت أبرار لوجودها فرمقتها قائلة بضيق:
_صباح الخير ياطنط.
هتفت صباح بعصبية:
_شوفي البت برضه مصممة تعصبني، ياختي بلاش طنط دي، خليكي بنت بلد كده.
غادرت أبرار ولم تبالي
فقالت نوال بتريث :
_حقك عليا ياحبيبتي هبقا افهمها.
اردفت صباح قائلة:
_ولا حق ولا باطل ياست نوال، أصل طنط دي تتقال للناس الفرافير مش لـ صباح..
وضحكت نوال على حديثها، واخذوا يتبادلون أطراف الحديث قليلاً.
༺لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم༻
“في إحدى المطاعم البسيطة”
جالسة أبرار مقابل عمر..
وتحدثت بضيق:
_لأول مرة اكدب على أمي، وأوعك تكون جايبني هنا لحاجة تافهة يا ابن عمي.
قال عمر مستنكراً:
_علاقتنا بقت حاجة تافهة.
صاحت أبرار بحدة:
_ آه تافهة ، قولي ازاي عاوزني أثق في شريك حياة زيك.. كنت واقف تتفرج علينا وعيلتك بيطردونا من البيت اللي أبويا ليه فيه قد ما ليكم..
واستطردت قائلة:
_ بس الحق على بابا عشان وثق في عمي، و أول ما شتركوا في بيت راح كتبه بأسمه وبابا كان مأمن ان ده أخوه للأسف.
هتف عمر محتداً:
_الزمي حدودك.
تابعت أبرار قائلة بسخرية:
_الحقيقة بضايق صح..معلش.
قال عمر بامتعاض:
_اهدي كده وخلينا نتكلم زي الناس العاقلة.
اردفت أبرار بتريث:
_تمام، بس تقدر تقولي عملت ايه كلمتهم، حاولت تحارب علشان علاقتنا تستمر..
واسترسلت بسخرية :
_بس اكيد بابا وماما عقبوك كالعادة وطلعت اوضتك اتحبست فيها، عشان أنت نوتي.
وثب عمر من على مقعده وقبض على يدها قائلاً بغضب:
_لمي لسانك يا أبرار احسنلك.
ابعدت أبرار يده عنها بعنف، وهي تنظر حولها ورأت ان جميع من بالمطعم ينظر لهم.. فصاحت بوجهه قائلة:
_بحذرك أوعى ايدك دي تتمد.. ومن النهاردة اعتبر ان مفيش بينا قراية فاتحة، خلينا غرب واعداء كمان.. وحقنا هيرجع يا ابن عمي.
وغادرت المكان تاركة إياه يستشيط غضباً.
**********
صوت إنذار سيارات الشرطة تعالت بالحارة وهي تدلف…وتزامن معها صوت ضربات قلب ملاذ التي طرقت بداخلها كالطبول.. و أصبح وجهها يتصبب عرقاً.. فانتفضت من على فراشها، واستقامت واقفة وهي تفتح الشرفة ونظرت للأسفل لتجد سيارة الشرطة تقف قريباً من العمارة التي تقطن بها مع عائلتها.. خرجت سريعاً من غرفتها.. لتجد شقيقها جالس بالصالة..
فقال الصغير بتعجب:
_مالك يا ملاذ.. انتِ خايفة ليه كده.
خرجت والدتها من المطبخ لترى ابنتها بهذه الحالة..
فاقتربت منها قائلة بفزع من مظهرها:
_في إيه يا ملاذ مالك.. بتتنفسي ليه بسرعة كده.
صاحت ملاذ قائلة بغير وعي:
_جم يا خدوني.. بس انا معملتش مكنش قصدي .
عانقتها والدتها لتبث بداخلها الأمان وهي تقول:
_تلاقيه كابوس يابنتي مفيش حاجة.
دفعتها ملاذ عنها وقالت بحدة:
_لا كان حقيقة..
وتابعت ببكاء:
_بس مكنتش عاوزة ، وهما عاوزين يحبسوني.. أنا لازم أهرب بسرعة.
لاتعلم نوال ماذا أصاب أبنتها؛ ولكنها تيقنت ان البارحة عندما خرجت قد حدث معها شيء.
و اخترق أُذنها الإنذار مرة أخرى.. فعادت تقول كمن إصابه الجنون:
_انا لازم أهرب.. واسرعت خطواتها للأمام.
فوقف امامها مصطفى قائلاً:
_رايحة قين ياملاذ.
دفعته ملاذ بعنف من أمامها فسقط الصغير متأوهاً.. وركضت هي خارج الشقة.
دنت منه والدته، تعاونه على الوقوف، وقالت بعجل:
_معلش يا بني أنت عارف حالة اختك.. خليك هنا اروح اشوفها و ارجعلك.
وسحبت حجابها الذي كان على الأريكة وركضت خلفها.
ركضت ملاذ إلى الأمام بثيابها البيتية و تركت خصلاتها متحررة دون حجاب ولن تلتفت للخلف.. وخلفها والدتها تنادي عليها ولكن دون جدوى.. وقفت نوال تلقط انفاسها، والدموع تتسابق على وجنتيها..
وفي تلك اللحظة عادت أبرار وهي ترى هذا المشهد فتوجهت لوالدتها قائلة بقلق:
_في إيه يا ماما؟!
قالت نوال وهي تؤشر على ملاذ:
_الحقي اختك!.
رأت أبرار شقيقتها، فتركت والدتها راكضة إلى ملاذ التي ابتعدت عنهم.
توقفت ملاذ أمام البقالة الخاصة بـ السيدة صباح.. وهي تشعر بدوران يهاجمها، وسحابة سوداء تدور حولها.. فأغلقت أعينها وسقطت أرضاً.
استقامت صباح بفزع، وهي ترى ملاذ مفترشة الأرض بإغماء، فقالت:
_استر يارب..
ودنت منها وجلست أرضًا لتصبح في مستواها،وتلقت رأسها على قدمها،و أزاحت خصلات شعرها قائلة
_اصحي يابنتي مالك.
وصلت أبرار إليهم ودنت منها قائلة وهي تهزها:
_ملاذ، ملاذ قومي.
هتفت صباح بريبة:
_تقربلك؟.
_أختي..
قالتها أبرار بوجل على شقيقتها.
وطلت عليهم والدتها وهي تشهق باكية:
_إيه اللي جرالك يابنتي.
صاحت صباح بهم:
_بطلي نواح منك ليها، ايدكم معايا نقعدها جوة بدل قعدتنا في نص الطريق كده، البنت كويسة هي بس اُغمى عليها.
هزت نوال رأسها بنعم .. وتعاونوا على حملها،
حتى اصبحت جالسة على مقعد البقالة، ورأسها يميل على خصر والدتها.
اخرجت أبرار عطرها من الحقيبة المعلقة على كتفها وقامت بنثره على يدها ووضعتها أمام شقيقتها لتستنشقه.. وسرعان ما فتحت ملاذ مقلتيها، نظرت أولاً حولها وهي تقول:
_إيه اللي حصل..
مرت أخر ذكرى على رأسها فـ نتفضت قائلة:
_هما راحو فين، مشيوا ولا هيرجعوا ياخدوني.
قالت صباح بتعجب من أمرها:
_هما مين دول يابنتي!؟.
ردت ملاذ في عجل:
_الشرطة انا سمعت صوت العربية.
قالت صباح بريبة من أمرها:
_مشيوا هما كل أسبوع كده بيعملوا دورية عشان في لبش في المنطقه.
ضمت نوال رأسه ابنتها بكفيها ونظرت إليها بتمعن قائلة:
_ملاذ فوقي يابنتي، إيه اللي عملتيه في نفسك ده، طلعتي تجري من البيت زي المجانين بشعرك وبالبجامة، ليه؟، وعشان إيه؟!.
وضعت ملاذ يدها على شعرها تتحسسه.
واسترسلت نوال قائلة:
_خافي على اللي فبطنك يابنتي دي روح وانتِ مسئولة عنها.. ومن بكرة هاخدك تتابعي عند دكتور، ونطمن على صحة الجنين
ضيقت صباح أعينها وهي تحملق ببطنها قائلة:
_هي حامل.
هزت أبرار رأسها بنعم وهي تنظر لها..
فاستقامت ملاذ واقفة، وأخذت الدموع تتسابق على وجنتيها وقالت في خفوت:
_أنا أسفة يا ماما..
وخطت للأمام وأبرار خلفها واردفت نوال :
_متشكرين ياست صباح.
ردت صباح قائلة:
_لا العفو ياحبيبتي الجيران لبعضيها..
واستطردت بعدما ابتعدوا عنها قليلاً:
_اقطع ايدي ان ماكان الناس دول وراهم قصة، يالهوي تكون البنت قاتلة قتيل وجاية تستخبى هنا، أنا لازم أعرف إيه الحكاية.
༺لا تجعل القراءة تلهيك عن الصلاه ༻
دلفت ملاذ و والدتها تحاوطها بيدها، وأبرار خلفهم.
دنا منهم مصطفى ما ان رآهم، وقال بقلق:
_حصل إيه يا ماما ملاذ كويسة.
ردت نوال قائلة:
_نقعد الأول بس يابني..
جلسا بجانب بعضهم.
واستطردت نوال وهي تنظر لـ ملاذ:
_انتِ كنتِ فين امبارح لما خرجتي؟.
استقامت ملاذ، وكادت ان تخطو للأمام فقبضت نوال على يدها قائلة:
_مش هسمحلك تهربي زي كل مرة،فهميني إيه الحالة اللي كنتي فيها دي؟.
جلست ملاذ مرة أخرى،وغمغمت بخفوت:
_هحكي..
**صلي على محمد**
وقفت صباح أمام ورشة نجلها.. فخرج هو قائلاً وعلامات التعجب بادية على وجهه:
في إيه يا أمي، جاية لحد هنا ليه؟.
ردت صباح قائلة:
_حقك ما انت متعرفش اللي حصل..
أردف عز متعجباً:
_وإيه اللي حصل!؟..
قصت صباح عليه ما حدث مع عائلة أبرار..
فصاح هو قائلاً:
_وانا اللي افتكرت ان حصلت مصيبة معانا.
هتفت صباح قائلة:
_وده كل اللي همك يا ولا.
صمت عز لثوانِ ومن ثم قال:
_اللي النهاردة بفلوس بكرة يبقا ببلاش، وبكرة مش بعيد ياست الكل.
ضيقت صباح أعينها بشك قائلة:
_عندك حق يا ولا، بس برضه مش هسكت غير لما اعرف وراهم إيه.
اردف عز بضيق:
_طالما كده بقا، هروح اشوف شغلي أنا.
غمغمت صباح قائلة بخفوت:
_روح يا ضنايا.
“في الجامعة ”
خفق قلب فاطمة بحزن، والدموع تتسابق على وجنتيها.. مع إعلان المعيد الذي أحبته بخطبته من زميلة له.. وبعد تهنئته من قبل الطلاب.. غادر القاعة، فأزاحت فاطمة دمعها كي لا يلاحظ أحد وخرجت سريعاً،وخلفها سارة..
نادت سارة وهي تلحقها قائلة:
_ فاطمة، استني يا فاطمة..
التفتت فاطمة للوراء ودنت منها قائلة:
_نعم..
ردت سارة تبث سمها:
لسة في وقت مجرد خطوبة، فكري كويس فاللي قولتلك عليه.
اجابت فاطمة بحدة:
_انا مستحيل اعمل اللي قولتيه ده، جلب إيه.. ده اسمه سحر.
هتفت سارة بلا مبالاة:
_خلاص انتِ حرة، انا قدمتلك نصيحة، المهم الندم والحزن ما ياكلش في قلبك فـ الاخر، سلام ياقطة.
فرت دمعة من جانب مقلتي فاطمة.. وفكرت قليلاً في الأمر، وقعت عنيها على ذلك المعيد وخطيبته وهم يسيرون أمامها متشابكون الأيدي، ورددت قائلة:
_كل شيئ مباح فالحب والحرب، ولو لزم الأمر هعمل المستحيل عشان حبي ينتصر.
الفصل الثالث
رواية باسم الحب
بقلمي: هدير ممدوح
هدرت نوال قائلة بقسوة:
_يابنتي احكي، أنا خلاص هتجنن من عمايلكم السودة.
زفرت ملاذ بقوة وقالت على مهل:
_بعد ما انتِ وابرار طلعتي، جالي مكالمة من خالد..
صاحت والدتها بعنف:
_خالد، خالد تاني يا ملاذ قولنا مليون مرة بلاش تردي عليه يابنتي.
هتفت أبرار بحنق :
_استني ياماما بس خليها تكمل.
أطرقت ملاذ رأسها في حزن وتابعت:
_قالي انه عاوز يقابلني ضروري في حاجة لازم يقولها، ووعدني بعدها انه يطلع من حياتي، وقالي كمان اني لو مجتش، هيجي هو وهيعملي مشاكل..
وظهر في عينيها شرارة انتقام وهي تقول:
_كنت عاوزة انتقم منه اصرخ في وشه أعمل اي حاجة، أنا حياتي ادمرت بسببه.
ازداد نحيب نوال قائلة:
_اهو اللي خايفة منه حصل، وياترى قالك إيه؟..
عادت ملاذ بذكراتها إلى الوراء.
“بخطوات بطيئة حذرة دلفت ملاذ تلك الشقة بعدما فتح لها شاب في أواخر العشرون من عمره..
قال خالد بصوتٍ اجش:
_فاكرة شقتنا، وليالينا فيها..
ووضع كفه على كتفها يتحسسه.
فابعدته بعنف ورمقته بحدة قائلة:
_اوعك تفكر تلمسني، صدقني هيبقا اخر يوم في عمرك.
قهقه خالد وقال بفظاظة:
_إيه بس ياحبيبتي، ده انتِ حتى وحشاني موت.
وكاد ان يضمها، فدفعته.. وتلقى صفعة على وجنته.. فوضع يده مكانها ونظر إليها شزراً، وقبض على رسغها قائلاً:
_الليلة لسة في أولها ياحلوة، وهنشوف مين اللي هيكسر ايد التاني.
صوت صفعة أخرى تلقاها خالد من يدها الأخرى.. ونفضت يدها منه وصاحت قائلة بصراخ:
_بكرهك وبكره اليوم اللي شوفتك فيه، والساعة اللي وافقت عليك فيها..
وقبضت على تلابيب قميصه قائلة بعصبية مفرطة:
_سامع أنا بكرهك.
فقبض على يديها بعنف، وقال:
_ايدك لو اتمدت عليا هقطعها، انتِ فاهمة يابت.
اجابت ملاذ وهي تحاول التملص من بين يده:
_البنت دي هتخليك تندم على اليوم اللي أذيتها فيه، فاهم.
طلت بسمة ساخرة على شفتيه وقال بتهكم:
_هنشوف ياقمر.
وترك يدها وجلس على الأريكة، اخرج علبة سجائر من جيب بنطاله القطني وقام بإشعالها، ونفث دخانها قائلاً:
_تعالي يا ملاذ اقعدي و ارتاحي خلينا نحكي.
اصابت ملاذ نوبة غضب، وتقدمت منه سريعاً، والتقطت السكين الذي كان يعلو الطاولة، وهتفت بأعين تطلق شراراً وهي تدنو منه:
_مش هخليك عايش.. النهاردة هسمع خبر موتك..
وضع خالد سيجاره على الطاولة، وما كادت ان تهجم عليه حتى امسك يدها، و أردف:
_انتِ خلاص عقلك هب منك..
وقبض على يدها بأحكام واخذ منها السكين وألقاه بعشوائية، وهو يقول:
_وانا اللي قلت ارجعك، بدل ما انتِ عايشة لا طايلة سما ولا أرض.
وسحبها من يدها وهو يقول:
_يلا اطلعي برة وشك ده مش عاوز ألمحه.
دفعت يده عنها بعنف، وعلى حين غفلة قامت بدفعه بكامل قواها، واختل توازنه فسقط مصطدماً رأسه في يد الأريكة الخشبية، فصرخ متأوهاً وهو يغمض جفنيه.
فحملقت هي فيه بدهشة، ودب الرعب في ثنايا قلبها.. وفتحت باب الشقة وغادرت سريعاً. ”
وما ان انتهت ملاذ من قص ما حدث لهم، حتى سارعت نوال قائلة بتساؤل:
_يعني عايش ولا ميت؟!.
هتفت ابرار قائلة بتهكم:
_أكيد عايش يماما، مش هيموت من زقة يعني.
تنهدت ملاذ بإنهاك واجابت في حزن بدا على ملامحها:
_انا مش عارفة حاجة هو وقع وكان مغمض عينه، وانا سبته وجريت على طول، خفت أعمل إيه يعني.
تحدثت نوال بتريث قائلة:
_خلاص يابنتي ادخلي اوضتك ارتاخي شوية و متفكريش في حاجة.
هزت ملاذ رأسها إيجاباً، واستقامت واقفة، ودلفت أمامهم لداخل غرفتها.
اردفت أبرار قائلة بجدية:
_ماما انا ممكن أروح واسأل عنه هناك، عشان نعرف إيه اللي حصله.
صاحت نوال قائلة:
_اوعك، أوعك تعملي كده لو جراله حاجة هيسألوا انتي جايه ليه وهندخل في سين وجيم.
غمغمت أبرار بضيق:
_تمام، ماشي.
༺༻༺༺༺༻༻༻
في وقت غروب الشمس، توقفت سيارة أمام العمارة التي تقطن بها نوال وأولادها، ترجلت من السيارة، وعدلت ثيابها من أثر الجلوس، والتي كانت مكونة من جيبة سوداء يعلوها بليزر نسائي أبيض اللون..
دنت خطوتان للأمام وقالت للسائق الذي مازال داخل السيارة:
_خليك انت هنا يا عبد الصمد، عشر دقايق بالكتير و هنزل.
قال عبد الصمد بتريث:
_تحت أمرك يا هانم.
تركته وولجت إلى مدخل العمارة صعدت للأعلى ووقفت تحديداً أمام شقة نوال،دقت على الباب عدة مرات..
حتى استمعت لصوت نوال تصيح من الداخل:
_جاية، جاية اهو ياللي بتخبط.
فُتح الباب وتحدثت نوال بتعجب:
_سميرة، انتِ هنا بتعملي إيه.
قالت سميرة مبتسمة:
_قولي اتفضلي طيب الأول.
تنحت نوال جانباً وتمتمت بخفوت:
_اتفضلي، ادخلي.
دلفت الأخرى فور نطقها بذلك.. ودار بصرها وهي تتفحص المسكن، واستدارت قائلة لـ نوال:
_بس تصدقي العيشة هنا لايقة عليكي اكتر، شبه المتسولين اللي بيلفوا بولادهم في الشوارع .
هتفت نوال بتحذير:
_سميرة احترمي نفسك انتِ جاية هنا ضيفة.
خرجت أبرار من الغرفة على صوتهم، وقالت وهي تتقدم منها:
_يا أهلاً يا أهلاً مرات عمي عندنا، اللي بتشمت في طوب الأرض، تصدقي الشقة نورت.
وفجأة ودون سابق إنذار انقطعت الكهرباء، فقالت أبرار بسخرية، وهي تشعل ضوء هاتفها الذي كانت تحمله بيدها:
_لا بجد نورتي.
رمقتها سميرة شزراً، وجائت نوال بهاتفها كي ينير المكان أكثر وقالت ببرود:
_خطوة عزيزة يا سميرة نورتي، نبقا نشوفك مرة تانية.
هتفت سميرة بامتعاض:
_كنت لسة هقولك ربي بنتك، بس واضح هي طالعة قليلة أدب لمين.
تقدمت أبرار منها، وقالت:
_جيتي وشمتي فينا، اتفضلي يلا بقا برة من غير مطرود، مش يمكن النور يجي لما تمشي.. ولا تحبي اخدك من ايدك أوصلك للباب.
حاولت سميرة كظم غيظها، واردفت بتهديد:
_صدقيني بكرة أنا اللي هاجي اطلعك من الشقة دي، زي ما قدرت اطلعك من بيتي.
استطردت أبرار بحدة:
_هما كانوا بيقولوا إيه، آه.. الزن على الودان أمر من السحر، وانتِ شيطانة، أكيد فضلتي توسوسي في جوزك ودلوعة ماما لحد ما وافقوا.
حدقت بها سميرة بغضب قائلة:
_بنت قليلة أدب ناقصة رباية..
القت كلماتها تلك وغادرت صافعة الباب خلفها بعنف؛ وما ان خرجت حتى عادت الكهرباء…
فقالت أبرار ببهجة:
_الحمدلله غيمة سودا، واهي غارت.
ابتسمت نوال على تصرفات ابنتها التي لأول مرة تنحاز بصفها وقالت:
_لا عجبتيني المرة دي.
اجابت أبرار وهي تلاعب حاجبيها:
_تربيتك يا معلمة.
عادت ملامح نوال للجدية قائلة:
_طاب يلا ادخلي ساعديني في المطبخ.
༺سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ༻
“في الأسفل”
خرجت سميرة وهي تُتمتم بكلمات غير مفهومة من شدة غيظها، ولاحظت عودة الكهرباء فغمغمت بخفوت:
_حظ، مجرد حظ.
خرجت من باب العمارة، فوجدت أمرأة تمر من أمامها وتتحدث بتأفف قائلة:
_انا عارفة عربيات مين دي اللي بتقف في نص الشارع، ده على أساس من وسعه.
نادت سميرة قائلة بعدما خطرت ببالها إحدى الأفكار :
_لو سمحتي.
عادت المرأة تنظر لها، تتفحصها وردت بفظاظة:
_أيوة ياست، محتاجة حاجة.
اردفت سميرة مبتسمة:
_ممكن أعرف اسم حضرتك الأول.
لوت المرأة فمها بغيظ قائلة:
_يادي النيلة فينا احنا من التعارف والكلام ده..
وعقدت ساعديها واسترسلت بحنق:
_ام محمد ياستي، ها اخلصي.
استطاعت سميرة ان تخبئ ضيقتها، وقالت بهدوء:
_تعرفي سكان جم هنا جداد.
ضيقت المرأة مقلتيها بريب، وتسائلت:
_تقصدي البت اللي اتخانقت مع صباح الصبح، أمها اسمها نوال.
قالت سميرة بعجل:
_آه هي.
ردت ام محمد قائلة:
_انتِ واقفة قدام باب العمارة اللي هما فيه ، اطلعي انتِ وشوفي فالدور الكام.
و ماكادت ان تخطو حتى اوقفتها سميرة قائلة:
_ لا انا أصلاً لسة نازلة من عندهم.
قالت المرأة حائرة:
_اومال عاوزة إيه.
هتفت سميرة بأعين ملتمعة بالشر:
_أنا ابقا مرات عمهم، وجيت اديهم قرشين ينفعهم، بس أمهم بتكرهني ومش طيقاني طردتني، و قالتلي انتِ جاية تدينا حسنة..
واسترسلت تتابع:
_والبنات دي صعبانة عليا خصوصاً ملاذ، بعد ما عمها طردهم من البيت عشان الفضيحة.
تمتمت ام محمد بتعجب:
_فضيحة!.. فضيحة اي دي ياختي.
تراقص قلبها فرحاً وها قد وصلت لمبتغاها و اجابتها قائلة:
_ربنا يستر على ولايانا ياحبيبتي، البنت غلطت مع واحد وحامل منه دلوقتي.
ضربت السيدة فوق صدرها كردة فعل قائلة:
_يلهوي، يادي الفضايح يا ولاد..
واستطردت بضيق:
_وانتي دلوقتي عاوزة إيه.
ظهر على ملامحها الحيرة، وقالت بتوتر:
_كنت عايزة اشوف حد ابن حلال يجبلهم شوية خضار من غير ما يعرفوا..
وصمتت وهي تخرج فئة من المئتان كانت داخل حقيببتها المعلقة على كتفها، وقالت: خدي هاتي بيهم خضار وقولي فاعل خير، و أوعك ياحبيبتي تجيبي سيرة لحد عن اللي قلته.
نظرت أم محمد للمال الذي بيدها وقالت بحنق:
_متين ماهي حسنة بحق وحقيق، بس انا فهماكي كويس، ما احنا عايشين في بيوت وعارفين مكر السلايف، هاتي يا ولية 300 كمان وبكرة سيرتها تبقا على كل اللسان.
ابتسمت سميرة بمكر قائلة:
_برافو..
و تسائلت بتهكم:
صحيح قولتيلي اسمك كان إيه قبل ما يجي محمد؟ .
_بدرية ياحبيبتي، اسمي بدرية.
اعطتها سميرة المبلغ الذي طلبته، غافلين عن تلك الأعين التي تراقبهم كالصقر..
فكانت صباح تنظر من الأعلى وشاهدت ما حدث، بالطبع لم تسطع سماع حديثهم ولكنها علمت ان هناك أمراً جاد يجب ما عرفته.
غادرت سميرة بسيارتها الفارهة، تحت أنظار بدرية الواقفة، فصاحت صباح من الأعلى تنادى:
_بدرية، بت يا بدرية.
نظرت بدرية للأعلى قائلة:
_مش هتصدقي ياست صباح اللي عرفته.
تسائلت صباح، ولم تبالي لقولها:
مين الست اللي كنتي واقفة معاها دي.
اذدردت الاخرى لُعابها قائلة:
_طيب انزلي وانا اقولك.
_ماشي، خليكِ مكانك…
هبطت صباح للأسفل وتوجهت للمدعوة “بدرية” على الفور..
توقفوا أمام بعضهم مباشرة..
فسحبتها بدرية من يدها للداخل قليلاً وتحدثت:
_شوفتي ياختي اللي حاصل، طلعت البنت اللي فوق دي حامل من الحرام وعمها طردهم من البيت عشان الفضيحة.
شهقت صباح قائلة:
_ربنا يستر على ولايانا، تصدقي كنت حاسة ان في وراهم حاجة برضه.
اجابت بدرية على قولها، قائلة:
_ايوة ياختي، وانا بقول يمشوا من هنا، لازم أهل الحارة كلهم يعرفوا.
ضيقت صباح أعينها بريب قائلة:
_انتِ مين قالك ياختي الكلام ده، ومين صحيح الست اللي كانت واقفة معاكي دي.
ردت بدرية بتردد:
_بصراحة كده دي مرات عمهم، وجات ياعيني تساعدهم بقرشين، ونبهتني اني مقولش انها اللي قالت.
قبضت صباح على يدها بعنف وصاحت محتدة:
_انتي عبيطة يابت ولا إيه، وهي لو كويسة تفضح البنت قدام الناس، لا الحكاية مش كده..
وتركت يدها واسترسلت بتحذير:
_أوعك تقولي لحد تاني من قبل ما نتأكد، ولو طلع صحيح احنا مش هنخوض في أعراض الناس هنقولها من سكات تمشي من هنا، فاهمة.
لوت بدرية فمها قائلة:
_طيب، سلام دلوقتي عشان اتأخرت على البيت.
تمتمت صباح بخفوت:
_سكة السلامة ياحبيبتي..
وما ان توارت بدرية عن أنظارها،تحدثت صباح مع نفسها قائلة:
_اروح الأول أعمل لقمة للعيال وبعدين ابقا اشوف الموضوع ده.
༺༺༺༺༻༻༻༻
“في منزل صباح”
جلس عز وفاطمة وهي معهم حول مائدة الطعام يتناولون مما رزقهم الله…
حمد عز ربه قائلاً:
_الحمدلله أنا شبعت تسلم ايدك ياست الكل.
قالت صباح وهي ترمق فاطمة بحدة:
_بالهنا ياللي دايماً مراضيني، مش زي ناس حتى الشكر مش بيطلع من عندهم كأنه عيبه.
تأففت فاطمة بضيق، ووثبت قائمة وهي تقول:
_أوف، أنا ماشية من وشك خالص.
هم ان يستقيم عز وهو يقول بغيظ من تصرف شقيقته الفظ:
_لا أنتي كده عاوزة رباية من أول وجديد.
صاحت صباح قائلة:
_اقعد يا واد سيبها، انا هبقا اشوف مالها، عاوزة اقولك حاجة.
جلس عز مرة أخرى قائلاً بتأدب:
_تحت أمرك ياست الكل.
مدت صباح يدها تمسد على كفه بابتسامة، قائلة:
_الأمر لله وحده يابني.
قصت صباح عليه ما علمت من بدرية، ورؤية زوجة عمهم…
فقال عز فور انتهائها:
_طالما عطتها فلوس تبقا ست كدابة، مش بعيد تكون جاية تشمت فيهم.
أيدته صباح الرأي قائلة:
_وانا شايفة كده برضه، وبقول الصباح رباح وبكرة هتكلم معاهم.
اردف عز بهدوء قائلاً:
_تمام ابقي قوليلي لو حصل جديد.
༺༺༺༺༻༻༻༻
“في غرفة فاطمة ”
كانت تتحدث في هاتفها مع زميلتها سارة.
قالت فاطمة بحذر وهدوء:
_انتِ واثقة فالشيخ ده، يعني هيقدر يحل المشكلة دي في سهولة.
اجابت سارة ببهجة قائلة:
_كنت واثقة إنك هتكلميني، و مفيش اي قلق ده ثقة، بس هيحتاج شوية مصاريف بصراحة.
ردت فاطمة بتردد:
_تمام، محلولة ان شاء الله هنروح بكرة.
اردفت سارة تقول:
_لا سبيني اظبط الدنيا وناخد ميعاد معاه، و هبلغك .
غمغمت فاطمة بتريث:
_تمام، سلام.
تبسمت سارة بسعادة،وقالت وهي تنهي المكالمة:
_سلام يا روحي..
كانت تجلس سارة في ذاك الحين داخل حجرتها بمنزلها المتواضع…
هاتفت شخصاً اخر وانتظرت حتى أتاها الرد من الجهة الأخرى،وقالت بحماس ما ان استجاب لمكالمتها:
_مروان مش هتصدق اللي حصل.
قال الأخر بصوتً أجش:
_خير..
ردت بنبرة حماسية:
_الفار وقع فالمصيدة.
انفرجت أسارير المدعو مروان وهو يتسائل بتردد:
_بتتكلمي جد.
_جد الجد ياسيدي.
استطرد مروان قائلة:
_خلصانة، عاوزين نطلع بمصلحة حلوة من وراها.
قالت سارة بجدية:
_ظبط بس أنت كل حاجة وسيب الباقي عليا، اتفقنا.
قال مروان بتأكيد:
_اتفقنا.
༺༺༺༺༻༻༻༻
في وقت الظهيرة..
تجهزت نوال و الفتاتان، ووقفت فالصالون تقول:
_مصطفى خد بالك من نفسك على ما نرجع ياحبيبي.
اجاب مصطفى قائلاً:
_متقلقيش يا ماما عليا، أنا راجل.
خرجت أبرار من غرفتها بثياب خاصة بالخروج، احاطت كتفه وتمتمت قائلة:
_جدع يا صاصا.
أزاح مصطفى يدها بتذمر، قائلاً:
_وهو في راجل أسمه صاصا يا باردة.
تذكرت نوال حديث صباح وغمغمت مازحة:
_صاصا دي تتقال للناس الفرافير.
وارتفعت صوت ضحكاتها هي و أبرار، قاطعهم خروج ملاذ، فاستطردت نوال قائلة:
_وشك صفر اهو، وانتي مكنتيش عاوزة تروحي لدكتورة تتابعك.
ردت ملاذ بلا مبالاة:
_مبقاش يهمني، عشت او مت مش فارقة.
تحدثت نوال بجدية:
_انتِ يا ملاذ بتقولي كده، وحدي الله يابنتي.
جلست ملاذ على الأريكة بهدوء تام، ولم تنبس ببنت شفة؛ ولكن بداخلها كانت تدعو الله ان يطمئن قلبها، وتهدأ نفسها، وتمر هذه الفترة مرور الكرام.
رمقتها والدتها بشفقة غلى حالها،وبدلت نظرها لـ ابرار قائلة:
_أنا عاوزة ارجع للخياطة يابنتي،نعمل مشروع ناكل منه عيش هفصل اطقم سرير ومفارش وابيعهم.
قالت أبرار بهدوء:
_فكرة حلوة يا مامي،أبدئي انتِ وانا هشجعك.
استرسلت نوال بجدية:
_عشان كده هعدي على الست صباح تشوفلنا مكنة نص عمر، ناخدها بسعر حنين على قدنا، يعني هتيجوا معايا ونطلع من هناك، ولا تستنوا هنا.
احتل الضيق ملامح أبرار قائلة:
_ماشي، نعدي عليها، ونطلع من هناك بالمرة.
عادت نوال تنظر إلى ملاذ وغمغت بخفوت:
_يلا يابنتي..
༺༺༺༺༻༻༻༻
استمعت صباح إلى طرقات خافتة معتدلة على بابها، فاستقامت واقفة وهي تقول:
_خير يارب، أول مرة حد يخبط علينا باحترام كده.
وتوجهت إلى الباب لتفتحه، وما ان رأت الطارق، قالت بترحيب:
_يا أهلاً، يا أهلاً، تصدقي ياست نوال أول مرة حد يدخل حارتنا نضيف كده.
قالت نوال بلطف:
_ده من ذوقك ياست صباح..
ابتسمت صباح قائلة وهي ترمق الفتيات:
_نورتوا يا بنات..
لم تسترعى انتباه ملاذ؛ حيثُ إنها كانت شاردة، فردت أبرار قائلة:
_بنورك، تسلمي..
همت صباح ان تقول شيء، فقاطعتها نوال قائلة:
كنت جاية اطلب منك حاجة، من على الباب كده.
هتفت صباح قائلة، وهي تجذب على يدها تسحبها للداخل:
_لا باب إيه ادخلوا يا بنات كمان انا عاوزاكم في موضوع مهم.
اشارت نوال لأبنتيها ان يدخلا، وجلسا جميعاً بالصالون..
واردفت نوال بقلق:
_خير ياست صباح.
تحدثت صباح بتردد:
_بصي يا حبيبتي، انا كنت هجيلك اتأكد من الموضوع، عشان انا الحقيقة مش مصدقة، وماشاء الله باين على بناتك الأدب والأخلاق.
استطاعت صباح بحديثها، جذب انتباه الفتيات الذين حملقوا بها في انتظار، ماذا ستقول لهم؟!.
وغمغمت نوال وقد دب الرعب ثنايا قلبها وتعالت دقاته:
_في إيه ياست صباح انتي قلقتينا.
هتفت صباح قائلة:
_في كلام وصلني ان بنتك الكبيرة، حامل من الحرام..
ألجمت الصدمة ألسنتهم، وصاحت أبرار محتدة:
_انتي بتقولي إيه؟..
ومين الحيوان اللي قالك كده؟.
ردت صباح بامتعاض من ثورتها المفاجأة:
_اقعدي كده يا بنتي، واستهدي بالله، وانا مقولتش حاجة، دي الست اللي طلعت من عندكم امبارح هي اللي قالت لـ بدرية كده.
اردفت نوال بنزق:
_دي أكيد مرات محفوظ، قولي ياست صباح قالت إيه بالظبط.
جلست أبرار مكانها، وقصت صباح عليهم ما علمت به، ورؤيتها لـ سميرة وهي تعطي لبدرية المال، لنشر ما قالته، وختمت حديثها قائلة:
_اهو ده اللي حصل ياحبيبتي، وانا يشهد عليا ربنا وقفتها عند حدها وقلت اوعي تقولي لحد ولا كلمة لحد ما اتأكد انا..
ورمقت صباح ملاذ بطرف أعينها،وغمغت بهدوء:
_ آه إلا عرض الولايا.
جأرت أبرار قائلة بصوتاً عال، ووثبت قائمة:
_ورحمة ابويا ما هسيبها، وهروح دلوقتي اخنقها وأريح العالم من شرها.
جذبت نوال يد ابنتها وشدت عليها لتجلس مكانها، وقالت بحدة:
_اوعي صوتك يعلى كده مرة تانية، اتنيلي مكامك يلا.
جلست أبرار بصمت وملامح صارمة.
فعادت نوال لنبرتها اللينة تقول:
_كتر خيرك ياست صباح، وبما ان الموضوع وصلك فأنا هحكيلك على كل حاجة..
زفرت بعمق واستطردت مبتسمة وهي تنظر إلى ملاذ:
_بنتي ملاذ مفيش أجمل منها ولا في، في طيبة قلبها، بس الحمدلله يارب راضيين..
و أبدلت نظرها إلى صباح قائلة:
_انا بنتي كانت متجوزة على سنة الله ورسوله، يعني الطفل مش أبن حرام ولا حاجة..
ضيقت صباح أعينها بريب وهي تتسائل:
_جوزها اتوفى ولا طلقها…
خرجت ملاذ من صمتها قائلة بخفوت:
_طلاق غيابي.
الفصل الرابع
بقلمي: هدير ممدوح
كانت تستمع لحديثهم بإصغاء، كمن يسجل إحدى المكالمات بصمت، تشعر بأنها تريد البكاء والصراخ، تريد هدم هذا البناء بأكمله؛ لربما تخمد تلك النيران المشتعلة بقلبها..
وقررت الخروج عن صمتها قائلة بخفوت:
_طلاق غيابي..
ووثبت قائمة فجأة وقالت والدموع تنهمر من مقلتيها:
_ليه بتعملوا كده، انا ذنبي إيه يعني..
مكنتش اعرف انه هيسيبني، كنت بكره الرجالة كلهم بسبب واحد حيوان، ويوم ما جه افتكرته هو سندي وأماني، بس طلع اقذر من الكل.
اقتربت نوال من ابنتها، فسبقتها صباح تضمها في عناق انبعث بصدق، وقالت وهي تربت على ظهرها بحنو:
_يقطعني يابنتي، ويقطع اللي يجيب سيرتك، اوعك تزعلي ياحبيبتي، ده أنا اروح دلوقتي اجيبلك مرات عمك الحرباية دي من شعرها.
أما أبرار فكانت في عالم آخر عنهن، وهي شاردة تفكر في قول شقيقتها، فماذا تقصد انها تكره جميع الرجال بسبب شخص، فما الذي حدث معها ياترى؟!..
ولقد استنتجت انها بعيدة كل البعد عن شقيقتها، رغم انهم كانوا يقطنون في منزل واحد سوياً.
هدئت ملاذ قليلاً، وجلست بجانب صباح التي اخذت تمسد على كتفها بحنو، وتابعت نوال قائلة :
_ انا هحكيلك حكايتنا ياست صباح..
اصغت صباح إليها في اهتمام
واستطردت نوال قائلة:
_جوزي الله يرحمه، و أخوه محفوظ حطوا ايديهم في أيد بعض وفتحوا شركة صغيرة للأدوات المنزلية واتسجلت بأسم محفوظ لأنه الكبير، وباعوا البيت القديم، واخدوا بيت في حتى راقية وكمان اتسجل بأسم محفوظ..
قاطعتها صباح متسائلة:
_وهو ياحبيبتي حد يأمن لحد فالزمن ده.
قالت نوال بجدية:
_أخوه وكان عطيه الأمان، بس لما مات جوزي، هو ومرتوا اتغيروا ميت درجة بقا على طول مشاكل، وبعد وفاته بشهرين طردونا أنا وبناتي .
تمتمت صباح بغيظ:
_يعني طلعتوا من المولد بلا حمص.
اردفت أبرار بغضب:
_بس حقنا مش هنسيبه وهنفضل وراهم برضه..
قاطعتها نوال تقول بضيق:
_يابنتي خلاص بقا حقنا عند ربنا يمهل ولا يهمل.
قالت صباح بحنق:
_ونعمة بالله ياحبيبتي،بس الحق حق ولو ما خدتيش حقك بأيدك،هترجعي تعيطي كل مرة..
ورمقت أبرار واسترسلت:
_جدعة يابت يا أبرار تعجبيني.
رفرفت أبرار بأهدابها في حيرة من أمر تلك المرأة وغمغمت بوجه ممتقع:
_شكراً..
ردت صباح في عجل، وهي تتسائل :
_العفو ياحبيبتي، بس قوليلي يا نوال هو جوزك اتوفى ازاي.
اجابت هذه المرة ملاذ قائلة:
_هو كمان مات بسببي.
اقتربت منها أبرار وضمتها، لتضع الأخرى رأسها على كتف شقيقتها، وتحدثت نوال بشفقة على حال أبنتها:
_يابنتي حرام عليكي نفسك، ده عمره ونصبيه، مقدر ومكتوب، بلاش نحمل نفسنا فوق طاقتها.
لم تتفوه ملاذ بأي حرف، بل تساقطت عبراتها بصمت، وأبرار تربت على ظهرها بحنو.
تطلعت نوال إلى صباح قائلة:
_كان في ناس جيرانا معاهم ولد، جات أمه قالتلي انه صاحب ابنها بيدور على عروسة، هو وعيلته قعدين فالكويت بس مصري ونازل يدور واقترحوا عليه ملاذ بنتي..
صمتت تلتقط أنفاسها الهاربة وعادت تقول:
_وافقنا نشوفه، كان باين عليه انه كويس، كان يسمع الأذان ياخد محمد جوزي و ينزلوا يصلوا، وافقنا عليه اتفقنا بعد شهر هيلبس الدهب واهله هينزله…
تسائلت صباح في ريب:
_ومحدش خد رأي البنت فيه.
ردت ملاذ بخفوت ومازالت رأسها تستوطن كتف شقيقتها:
_كل كلامه وحركاته ووقفته جمبي كان تمثيل، كان بس بيضحك عليا.
رمقتها صباح بشفقة قائلة:
_ربنا ينتقم يابني..
وبدلت نظرها لـ نوال تحثها على الاستكمال
فاستطردت نوال قائلة:
_فجأة جه وقال ان فلوسه خسرها كلها في مشروع، ومش هيقدر يجيب دهب، قلنا معلش كفاية دبل وبس، قال أمي مش هتوافق شكلنا قدام الناس، واحنا عشان نلم الموضوع، جوزي عطاه مبلغ 100ألف، على وعد منه انه هيرجع الفلوس دي.
صاحت صباح قائلة:
_وكسة، ده شكله نصاب و حرامي.
تابعت نوال حديثها:
_جاب دهب وعملنا شبكة وجم أهله، وفرحنا بعدها بأسبوعين قال انه لازم يسافر بس الأول عاوز يكتب وياخد البنت معاه، وافقنا أهو خير البر عاجله محمد دفع نص تكليف الفرح وشال معاه الليلة عشان خاطر بنتنا.
قاطعتها صباح قائلة:
_ياختي هو انتو مسألتوش عليه.
ردت نوال بتريث:
_عرفنا ان شغال محاسب، و مالوش أهل عايشين هنا، وانه قاعد فالكويت..
قالت صباح بحنق:
_كملي ياحبيبتي كملي.
استرسلت نوال تقص عليها ما حدث قائلة:
_وعشان مكنش ليه مكان هنا، وكنا عاوزين نطمن على البنت محمد خدله شقة إيجار قعدوا فيها أسبوع واحد، البنت صحيت من النوم لقته واخد الدهب حتى الحلق بتاعها وكل حاجة واختفى.
وزفرت بضيق ثم تابعت بتريث:
_وعرفت من جوزي أنه طلب مبلغ 50 ألف منه وهيرجعهم ليه بعدين، وجوزي عشان غلبان عطاه، بعد شهرين…
تناولت ملاذ اطراف الحديث قائلة:
_لقيته رد عليا، ولما قولتله انزل طلقني، قالي ما انا ما طلقك، وانا دلوقتي مش عاوزة غير اطلق شرعي وزي ما اتجوزت قدام الكل اطلق قدامهم.
ربتت أبرار على ظهرها، و أزالت بيدها دموعها.
واستطردت نوال تقول:
_بعد ما دورنا فالموضوع عرفنا انه طلق بنتي طلاق غيابي، و إنها حامل، مفيش عشرين يوم وابوها اتوفى من حسرته على كل اللي حصل.
هتفت صباح قائلة:
_وهي دلوقتي فالشهر الكام.
ردت نوال قائلة:
_قربت تدخل فالرابع..
و اذدردت لعابها تقول:
_ وعمها فضل يذلنا بقا ويقول اخدته حقكم بالفلوس اللي اتنصب عليكم فيها ولفت بينا الدنيا لحد ما جينا هنا.
رمقت صباح ملاذ قائلة بحدة:
_أوعك يابنتي تزعلي ولا اشوف دمعتك واحمدي ربنا على كده، ده إنسان ما يستاهلش ضفرك حتى، وانا اللي يجيب سيرتك هقطعله لسانه
لانت ملامح نوال، وبدا عليها الاسترخاء وحمدت الله بداخلها، وثواني وانتفضت قائمة وهي تقول:
_لينا ساعة هنا ونسينا الدكتورة يلا يا بنات خلينا نمشي، عشان منتأخرش على مصطفى.
تحدثت صباح قائلة:
_طيب مقولتيش كنتم جايين ليه.
ردت نوال قائلة:
_اه صحيح، كنت عاوزاكي تشوفيلي مكنة خياطة بسعر هين شوية اشتغل عليها.
ابتسمت صباح ببشاشة قائلة:
_من عينيا ياحبيبتي، وروحي مشوارك وانتي مطمنة من ناحية مصطفى انا هبقا أعدي عليه.
ردت نوال بود قائلة:
_تسلمي ياست الكل.
وغادرت المكان هي والفتيات.
༻༻صلي على محمد ༻༻
كانت تجلس فاطمة بمطعم بسيط بجانت كليتها وامامها تماماً سارة، التي تحدثت قائلة:
_بصي ياستي الموضوع هيحتاج شوية مصاريف وصبر، مفيش حاجة بتيجي بالساهل كده.
ردت فاطمة بعزم:
_وانا مستعدة لكل حاجة المهم اللي عايزاه يحصل.
اجابتها سارة قائلة:
_انا خلاص خدتلك موعد عند الشيخ ده، واعتبري انه كشف؛ ولأنه كشف بس مش عادي شوية سعره هيكون غالي حبة.
تساءلت فاطمة بتردد:
_يعني كام؟..
غمغمت سارة بتريث:
600 بس..
ران الصمت لثوانِ، وكانت فاطمة شاردة تفكر بالأمر، والأخرى تراقبها بعينان كالصقر.
وتمتمت فاطمة ببرود:
_موافقة هدفع.
ابتسمت الأخرى بنصر، وتابعت تقول:
_اه صحيح يابنتي، مفروض تعملي شوية حركات تلفتي نظره، إيه اللي انتي فيه ده.
ردت فاطمة بتهكم:
_اتشقلب قدامه يعني.
قهقهت الأخرى لثوانِ قائلة:
_لا يابنتي مش كده، قصدي طريقة لبسك تتغير بلاش الخمار والدريسات الواسعة دي عيشي سنك، حاولي تفتحي معاه مواضيع، انتي عارفة موجودة كام طالبة أكيد مش هيركز معاكِ، إلا لو فيه حاجه جذبته ليكي.
ايدت فاطمة حديثها، تقول:
_عندك حق أنا لازم اتغير.
༺༺༺༺༻༻༻༻
عادت الطبيبة تجلس على مكتبها بعدما اتمت فحص ملاذ، وجلست أمامها نوال، وساعدت أبرار شقيقتها، ولحقوا بهم…
قالت الطبيبة بعملية:
_صحة البيبي كويسة، بس شايفة ان صحة الأم مش تمام.
قالت نوال بقلق:
_خير يا دكتورة؟
اجابت الطبيبة بإبتسامة بشوشة:
_خير ياست الكل، محتاجين نهتم بملاذ شوية، ونظبط أكلها ونبعد عن اي توتر، وانا هكتبلها شوية فيتامينات هتساعدها،وأسبوعين ونشوفها كمان هيكون ظهر نوع الجنين…
وصمتت الطبيبة لثوانِ وهي تدون أسماء الأدوية،ومن ثم رفعت رأسها تتسائل:
_اللحظات دي بتكون فارقة في حياة كل أم و أب، وخصوصاً ان كان أول طفل ليهم، وبتكون من أجمل الذكريات، بعض الأباء بتكون عندها شغل، بس يفضل ان ينزل يتعرف على طفله ويسمع دقات قلبه.
هتفت ملاذ بحدة:
_والده متوفي، يعني الولد ده يتيم.
رمقتها الطبيبة بشفقةً قائلة:
_عذراً، البقاء لله، وربنا يعينك على تربيته..
ومن أجل صحة أبنتها صمتت نوال، ولم تصحح الخطأ للطبيبة.
وناولتهم الأخرى الروشتة، وغادروا.
أمام العيادة مباشرةً، ارتفع صوت رنين هاتف أبرار يعلن عن اتصالاً فاستقبلت المكالمة تحت أنظار والدتها، وقد خطر ببالها فكرةً ما، وانتظرت لثوانِ وهي تستمع لقول الجهة الأخرى، وصاحت فجأة هاتفة:
_ لا انتي فين بالظبط وانا هجيلك حالاً.
وصمتت مرة أخرى،ثم قالت :
_لا متقلقيش ماما مش هتتكلم ربع ساعة وهكون عندك.
وانهت أبرار المكالمة..
فقالت نوال بدهشة:
_مين يابنتي؟..
هتفت أبرار على عجل:
_دي وداد يا ماما وقعت على رجلها،واتجبست وانا لازم اروح أشوفها.
صدقت نوال قولها فقالت بخفوت:
_ألف سلامة عليها،روحي يابنتي،وانا وملاذ هنجيب شوية طلبات ونروح.
غمغمت أبرار بتريث وقد نجحت خطتها:
_تمام يا أمي سلام.
و افترقوا عن بعضهم، دقائق أخرى وعاد يعلو صوت هاتف أبرار بالرنين، فـ تلقت المكالمة،وابتسمت بخفوت قائلة:
_أيوة يا وداد.
صاحت وداد ما ان استمعت لصوتها:
_ايه الكلام اللي قولتيه ده أنا بكلمك في حاجة وانتي بتردي على حاجة تاني خالص.
قاطعتها أبرار قائلة:
_ياستي براحة طيب خدي نفسك، اسمعي..
_قولي يا ستي.
استرسلت أبرار قائلة:
_أنا عملت ده كله عشان أهرب من ماما، واروح بيتنا، عاوزة أولع في مرات عمي.
تسائلت وداد في فضول:
_ليه مالها عملت ايه؟!
اردفت أبرار:
_بعدين، هكلمك بعدين واحكيلك.
تمتمت الأخرى بهدوء:
_تمام، ماشي.
و أنهت المكالمة.
༺༺༺༺༻༻༻༻
“في منزل محفوظ ”
كانت تجلس سميرة بأريحية على اثاث منزلها الناعم، ترتشف من فنجان القهوة بتلذذ، وبيدها الأخرة تحمل هاتفها تعبث به…
وانتفضت قائمة بفزع عندما استمعت لصوت أبرار، التي كانت تحاول دخول المنزل عنوة، وتقف لها العاملة بالمرصاد تحاول منعها، فتقدمت الأخرى إليها..
صاحت سميرة قائلة:
_أهلاً ببنت سلفي، ارجعي شوفي شغلك انتِ يا نجلاء.
تركتهم العاملة عائدة إلى عملها، وتقدمت سميرة من أبرار، حتى ان وقفت أمامها مباشرةً، وعقدت ساعديها أمام صدرها.
تمعنت أبرار النظر بها وصاحت قائلة:
_أوعك تفكري ان بموت أبويا ملناش حد ولا سند بالعكس، وفاته خلانا نقوى ببعض، و اي غمامة سودا هتقف في وشنا هنشيلها،فاهمة.
ابتسمت سميرة بثقة قائلة:
_بيئة،تصدقي الحارة اللي عايشين فيها دي لايقة عليكم أوي،انتو الاتنين شبه بعض.
صاحت أبرار بتهكم:
_ياما ناس عايشين في فلل، بس تربية حواري وهيفضلوا طول عمرهم كده مهما نضفهم الزمن.
اغتاظت سميرة من حديثها، وتذكرت الأمر قائلة:
_صحيح ياعيوني طمنيني على ملاذ، هي لسة عايشة هي والبيبي.
احتدت نبرة أبرار قائلة:
_اوعك تجيبي سيرة اختي على لسانك مرة تانية وألا صدقيني مش هيحصل طيب.
قالت سميرة بنفس الحدة وهي تدفعها للخلف:
_هيحصل إيه، ها..
إيه اللي هيحصل؟.
قبضت أبرار على يدها بعنف وقالت:
_صدقيني لولا إنك ست كبيرة كان زماني كسرتهالك…
وفي تلك الأثناء رأت سميرة ابنها يتقدم منهم، فقالت بتمثيل:
_بقا جاية تمدي ايدك عليا يابنت نوال، جاية تضربيني في بيتي.
قطبت أبرار جبينها بتعجب من حديثها، وقالت بحدة:
_انتي بتقولي إيه انتي خلاص اتجنيتي..
قطعها صوت عمرو الحاد قائلاً:
_أبرار، انتي بتعملي إيه…
وابعد يدها عن والدته بعنف، وصاح بوجهها:
_هي حصلت بتمدي ايدك عليها وهي في بيتها.
مطت أبرار شفتيها بسخرية قائلة:
_يا أهلا بكتكوت ماما، ابقا أسأل ماما جات تعمل إيه في حارتنا، وفهمت الجيران ان اختي حامل من الحرام.
رمق عمرو ولدته بغضب، فصاحت الأخرى قائلة:
_محصلش يابني دي كدابة.
وخطر ببال أبرار شيء، فقالت بكذب:
_وبليل هنطرد من المكان اللي كان مأوى لينا، اتمنى تكوني ارتحتي.
ألقت أبرار جملتها تلك وغادرت،بينما صاح عمرو قائلاً:
_الكلام اللي قالته أبرار ده صح،انتي فعلاً قولتي كده عن ملاذ.
صمتت سميرة، واشاحت وجهها للجهة الأخرى…
فصرخ عمرو بوجهها:
_انطقي، سكتي ليه..
رمقته سميرة قائلة بامتعاض:
_تصدق يالا تستاهل التهزيق اللي خدته منها، بقا ياواد تقولك ياكتكوت امك ونازلة إهانة فيك وكل اللي همك رُحت الحارة ولا لأ، طاب آه كنت عندهم، هخاف منك، أنا ولا هخاف .
وصمتت قليلاً تلتقط أنفاسها، واسترسلت:
_هي دي اللي بتحبها وماشي وراها، يا ميلة بختك…
ودفعته قائلة:
_أوعى كده من وشي، دي خليفة عار.
كظم عمرو غيظه، وقال محدثاً نفسه:
_ماشي يا أبرار بكرة تندمي.
༺༺༺༻༻༻
كانت تنظر نوال من النافذة إلى الأسفل، فرأت ابنتها أبرار والسيدة صباح يتبادلون أطراف الحديث، فقطبت جبينها بتعجب وقالت في دهشة:
_سبحان مغير الأحوال، من ساعة محدش فيهم كان طايق التاني، واللي يشوفهم دلوقتي يقول حبايب.
و ابتسمت في بهجة، وصمتت تطلَّع إليهم من الأعلى.
“في الأسفل”
وتحديداً أمام العمارة التي تقطن بها صباح، قالت أبرار في غموض:
_أيوة زي ما قولتلك كده، الأكيد انها مش هضيع الفرصة دي عليها.
هتفت صباح قائلة:
_يا أهلاً، يا أهلاً.. دي تنور وتشرف، واهو نخليها تشوف الفضايح اللي بجد.
همت أبرار في قول شيء، فصاحت والدتها من الأعلى:
_أبرار روحي هاتي اخوكي من الورشة عند عز أبن الست صباح.
ردت أبرار بصوتً عال؛ كي يصل إليها:
_حاضر يماما، هجيبه و جاية .
ربتت صباح على كتفها قائلة:
_يلا يابنتي روحي هاتي اخوكِ واهو بليل مش بعيد، ده احنا هنخلي اللي ما يشتري يتفرج.
🌺اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد 🌺
تفاجئت أبرار من رؤية أخيها متسخ الملابس، ووجهه أيضاً ملطخ بلون الأسود فقالت محتدة:
_يانهار مهبب أنت بتعمل إيه هنا يا مصطفى.
كان عز منشغلاً في عمله، وعندما استمع للصوت، صاح قائلاً :
_شوف الأنسة عاوزة إيه يادبور.
اقترب منها المدعو “دبور”..
كان شاب نحيف الجسد يبدو بالثامنة عشر من عمره،يعمل مع عز في ذات الورشة، تقدم منها في خفوت.
فأشارت هي بيدها لتوقفه وتقدمت للأمام، قبضت على يد مصطفى قائلة:
_استنى أنت يا بربور أما نشوف المصيبة دي.
رمقها دبور بشمئزاز قائلاً:
_إيه القرف ده بس يا آنسة، أسمي دبور مش بربور…
_فرقت يعني..
قالتها أبرار في حدة، وهي تسحب مصطفى من يده.
فقال مصطفى بتذمر:
_إيه اللي بتعمليه ده يا أبرار أنا راجل على فكرة.
حديثه استرعى انتباه عز، فتقدم منهم مبتسماً وهو يقول:
_ده يا مساء الجمال برضه.
صاحت أبرار في حنق:
_ده يا مساء الزفت على دماغك.
ضحك الأخر بتسلية وقال:
_ده احنا نهارنا فل النهاردة.
اردفت بامتعاض:
_أنت ازاي تستغل أخويا كده،وتشغله فالسن ده، هي سايبة.
قال عز بجدية، لا تخلو من المرح:
_لا كده ازعل واجيب ناس تزعل، وانا زعلي وحش.
بوجهاً عابس قالت أبرار في ضيق:
_إيه السخافة دي..
صاح الصغير قائلاً:
_بس يا أبرار، عز مكنش راضي اني اشتغل معاه، بس أنا اقنعته إني راجل البيت من بعد وفاة بابا ولازم اشتغل.
ربتت أبرار في حنو على ظهر شقيقها، واردفت بتريث:
_لا ياحبيبي أنت لسة صغير لما تكبر شوية ابقا اشتغل، وبعدين مامتك واخواتك الكبار لسة عايشين.
ورمقت عز شذراً قائلة:
_العيب على النطع اللي سايرك في كده.
جأر عز عالياً وهو يحاول كظ غيظه:
_اسمعي بقا لولا إنك بنت كنت عارفتك النطع ده يقدر يعمل إيه..
واستطرد في غضب:
_ويلا يابت من هنا مش عاوز اشوف خلقتك.
ارتجفت أبرار من نبرته العالية ونظراته الغاضبة، فقالت وهي تحاول السيطرة على تلك الرجفة الخفية:
_أنت غبي وبارد ومتخلف كمان.
وقبضت على يد مصطفى تسحبه خلفها، واردفت:
_يلا يا مصطفى من هنا.
توارت أبرار عن أنظارهم، فقال دبور لتلطيف الأجواء قليلاً:
_لسانها زفر يا معلم بس عفوية وقمر وتتاكل أكل.
حدجه عز بغضب، هاتفاً:
_ما تظبط يالا كده جرالك إيه، البنات دول يستاهلوا العين الحمرا، ويظهر إني عطيتها ريق حلو، قال نطع قال، البت دي مش هتتربي غير على أيدي، ويا انا يا هيا.
الفصل الخامس
بقلمي: هدير ممدوح
رواية: باسم الحب
كان الظلام يسود المكان، إلا من اضواء خافتة…
واقفة أبرار تنظر من الشرفة، وهي تتحدث بالهاتف قائلة بجدية:
_لا أنا متأكدة انها هتيجي، دي حاجة هتفوتها برضه.
غمغمت صباح بهمس:
_أنا واقفة اهو في مدخل العمارة، هستنى عشر دقايق كمان، وبعدين هطلع.
قالت أبرار بإصرار:
_تمام اتفقنا، بس الأكيد أنها هتيجي.
ثواني معدودة، وتناهى لهم صوت مكابح سيارة تدلف، فقالت صباح بمكر:
_اتفرجي بقا على اللي هيحصل.
وانهت المكالمة.
🌺صلي على محمد🌺
بعيون تتقد ناراً، ووجهاً ينطق بالغضب، قبضت صباح على يد سميرة فور خروجها من السيارة، وصاحت قائلة بصوتاً عال:
_تعالي ياولية يا حرامية هنا.
فزعت سميرة من أمرها، والحيرة طلت من مقلتيها، وقالت :
_في إيه ياست انتي، أنا اعرفك أصلاً.
تعالى صوت صباح وهي تقول بصوت أشبه بالصراخ:
_يا أهل الحارة يا نسوان الحقوني ياناس.
تطلِّعت سميرة ذاهلة، و ترجل السائق من السيارة على الفور قائلاً:
_جرا إيه ياست انتي هترمي بلاكي علينا ولا إيه.
تركت صباح يدها وأخذت تصرخ بشكل هستيري قائلة:
_يلهوي، يلهوي ياناس، جيبالي راجل جاي يمد ايده عليا.
تجهمر النسوة حولهم، ودلفت أبرار سريعاً تنادي والدتها من الداخل وصاحت قائلة:
_أمي في خناقة تحت، مع الست صباح.
وثبت نوال قائمة بفزع وهي تقول:
_استر يارب في إيه بس يا بنتي.
واخذت حجاب الرأس وضعته بعشوائية وهبطت للأسفل…
في تلك الأثناء خرجت ملاذ من المرحاض،
وتساءلت بخوف:
_ايه الأصوات اللي تحت دي.
جذبتها أبرار من يدها قائلة:
_تعالي معايا بس.
دلفوا إلى الغرفة وخلفهم مصطفى الذي خرج على الفور من غرفته، وتحدثت أبرار بحماس:
_اتفرجوا، واستمتعوا بالمنظر.
“في الأسفل”
تحدثت إحدى النسوة قائلة:
_في إيه ياست صباح.
هتفت صباح :
_الست اللي عاملة نفسها من البشوات دي، جاية تشتمنا في حارتنا وقالت اننا تربية حواري، و غلطت في تربية بناتنا، وبتشوه في سمعتهم اللي زي الفل، إيه نسيبها..
دفعوا النساء السائق وصاحت أخرى:
_اللي يجيب سيرة بناتنا على لسانه نقطعه ليه، ولا إيه يا نسوان.
اتسعت أعين نوال بصدمة وهي ترى سميرة بين النسوة، فدلفت من بينهن، ومالت على أُذن صباح،قائلة:
_ياست صباح ميصحش المهزلة دي برضه، وقفي الحريم دي.
قالت صباح بستهزاء:
_الطيبة متنفعش فالزمن ده، اصبري اما تتعجن، يمكن تتعدل.
من الأعلى كانت تقهقه أبرار بسعادة، وهي ترى سميرة بتلك الحالة، وقال مصطفى فرحاً:
_شايفين بتعمل ازاي، الولية عطتها روسية، رجعتها بني أدمة.
وتمتمت أبرار في بهجة:
_أحسن يمكن تفوق.
وغمغمت بعدها خفوت:
_أنا نازلة
اما ملاذ فكانت تشاهد بصمت، ولم تطل كثيراً، بل دلفت للداخل، غير مبالية لشيء.
في الأسفل…
صاحت صباح قائلة:
_كفياها كده يا نسوان، تسلم ايديكم، يلا بيتك بيتك انتو.
وضعت سميرة يدها على رأسها وعي تشعر بألم يخترقها، ودوار جعلها غير متزنة، وتقدمت منها نوال تساعدها، فدفعت سميرة يدها وهي تقول بحدة:
_ابعدي كده عني.
قالت صباح بتهكم:
_انتِ لسة فيكِ النفس، اخرسي يا ولية وانجري من قدامي.
جائت أبرار في تلك اللحظة ووقفت بالمقابل لها، واردفت بتريث:
_من حفر حفرة لأخيه وقع فيها، وانتي وقعتي في شر اعمالك، سلام يامرات عمي يا حرباية.
حملقت بها سميرة بأعين تتقد فضباً، ونادت عالياً:
_عبده، عبده..
فتقدم منها السائق، واستندت على يده، ودلفت داخل سيارتها، وانطلق بها…
وبداخلها تتوعد لـ أبرار، وبأعين دامعة قالت وهي تتحدث مع نفسها:
_بقا انا يتعمل فيا كده، وعيلة صغيرة تضحك عليا.
ووقع نظرها على مرآه السيارة، فرأت السائق ينظر إليها خلسة ويضحك، فصاحت به قائلة:
_وكاتم ضحكتك ليه انبسط واضحك، مهو الضحك ببلاش، وكان اللي ما يشتري يتفرج.
قال السائق بتأدب:
_لا العفو ياهانم، لا عاش ولا كان اللي يضحك عليكي.
_ياعم اتنيل ما ضحكوا واللي كان كان..
قالتها سميرة بعصبية مفرطة”
༺༺༻༻صلي على محمد༺༺༻༻
قبضت نوال على معصم ابنتها قائلة بحدة:
_محترمة انتِ كده على اللي عملتيه، استفدتي إيه بقا، ها انطقي.
ردت أبرار محتدة:
_تعرفي انها كانت جاية تشمت فينا، يعني تخيلي لو الست صباح صدقت الكلام اللي قالته عن أختي كنا احنا اللي هنتبهدل، و هي تستاهل.
اردفت نوال بامتعاض:
_احنا مش زيها يابنتي افهمي، وبعدين أنا بنتي تكدب عليا وتقولي هروح عند صحبتي، وترجع تتفق مع الست صباح، بحذرك أنك تعملي الحركة دي تاني فاهمة..
ودفعت يدها، تاركة أياها.
فقالت أبرار بعناد:
_غلطي الوحيد اني كدبت عليكي، غير كده لا..
ضربت نوال كفها بالآخر، وهتفت بقلة حيلة :
_عوضي على الله، اخفي الساعة دي من قدامي، احسنلك، كل ما اشوف وشك أحس الضغط هيعلى عليا.
غادرت أبرار وهي تُتمتم بكلمات غير مفهومة،فنظرت إلى مصطفى الجالس ينظر إليهم خلسة من الحين للأخر،وقالت بحدة:
_فيه أنت كمان.
استقام مصطفى قائلاً:
_انا هقوم لحسن الدور شكله عليا..
واستطرد وهو يمر من أمامها:
_بس البت أبرار طلع عليها دماغ جامدة.
ضحكت نوال عالياً وهي تضرب كفها بالاخر، وتقول:
_عليا العوض في ولادي كلهم.
“سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ”
انفلق الصباح، معلناً عن يوماً جديد..
في بناية سكانية كانت تقطن ابنة صباح الكبرى “نداء” هي وزوجها وطفليها…
استمعت لرنين هاتفها فتوجهت إليه، واستقبلت المكالمة عندما رأت اسم والدتها مدون على شاشته، ردت بابتسامة بشوشة قائلة:
_صباح الخير ياست الكل.
ردت صباح قائلة:
_صباح الفل يابنتي، إيه مش هتيجي النهاردة انتِ والعيال؟.
اجابت نداء بخفوت:
_افطر سيد، وهقعد اطبخله لقمة جبت محاشي، والنهار هيضيع.
هتفت صباح بحدة طفيفة:
_يابنتي في إيه بقينا نشوفك كل شهر مرة، المحروس جوزك مانعك يابت!.
نفت نداء بهدوء قائلة:
_لا والله يما،انا بس بحب اهتم بأكله وشربه،و اظبط شقتي مش عاوزة اسيبه كده، أخاف لا فيوم يزهق مني.
صاحت صباح بحنق:
_لا ياختي هو هيزهق من اهتمامك الزايد وانتِ الصادقة، يلا ربنا يصلح حالك ويسعدك، بس ابقي ابعتي العيال.
قالت نداء وهي تنهي المحادثة:
_يارب يا أمي، وحاضر هبعتلك العيال، سلام..
وانهت المكالمة.
وضعت الهاتف أعلى الطاولة، وتوجهت لغرفة النوم الخاصة بها، ولكنها تفاجئت عندما لم تجد أحد،فصاحت قائلة:
_سيد أنت فين؟.
فأتاها الرد من صغيرها الذي جاء ركضاً إليها:
_ماما،بابا مشي..
التمعت الدموع بعينيها، وقالت بخفوت:
_من غير ما ياخد الغدا معاه، طب استنى انت يا محمد هروح الحقه…
ووضعت حجابها سريعاً، وجائت بكيس به علبة ممتلئة من الطعام، وخرجت ركضاً للأسفل…
تنفست الصعداء وهي ترى زوجها أمامها يقف، يأشر لإحدى سيارات الأجرة، فتقدمت منه ووقفت أمامه وقالت وهي تلتقط انفاسها:
_نفسي اتقطع، بس الحمدلله إني لحقتك.
رمقها زوجها بملل قائلاً بصوتً أجش:
_خير ياستي.
مدت يدها بالحقيبة البلاستيكية قائلة:
_الغدا بتاعك نسيته.
قبض هو على رسغها بعنف، وقال:
_بطلي المعاملة الزفت دي، مش هنسى إنك جيتي المكتب، تديني الاكل، وصحابي عملوا حفلة عليا، أنا شخص ناضج وواعي، مش طفل.
حزن قلب نداء من الداخل، وهي تتلقى خيبة الأمل هذه من زوجها، فهي تعشقه، وتخاف خسارته، ولا يمكنها السيطرة على هذا الشعور الذي يروادها، لذلك تهتم به بعناية.
استطرد سيد حديثه بقسوة:
_هيجي يوم واسيبك بسبب التصرفات الهبلة دي..
انتفضت نداء خوفاً وتساقطت الدموع من مقلتيها، وغمغمت:
_لا يا سيد مقدرش أعيش من غيرك.
نظر سيد حوله بحرج، وقال:
_هاتي الكيس ده، واتنيلي اطلعي فوق، أنتي لسة هتقفي تبكي فالشارع.
وسحب منها الكيس، وابتعد عنها..
ووقفت هي تنظر له حتى توارى عن أنظارها.
༺لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ༻
“في الجامعة”
كانت سارة وفاطمة يسيران معاً..
تمتمت سارة بخفوت:
_يابنتي انتي خايفة من إيه، ما انا ومروان هنيجي معاكي.
قالت فاطمة بشيء من الندم:
_أنا عمري ما عملت كده،ولا فوت محاضرة، أنا حاسة قلبي مقبوض ومش مرتاحة.
هتفت سارة محتدة:
_لا بقا مش بعد ما عملنا اللي عملناه واخدنا ميعاد من الراجل تقولي ندمت.
ردت فاطمة بضيق:
_ياستي خايفة مش أكتر بس هروح و أمري لله.
قالت سارة باطمئنان:
_ايوة كده ريحتي قلبي.
ظهر مروان من العدم فجأة، قائلاً:
_أهلاً بالخلوين مش يلا بينا.
قبضت سارة على يد فاطمة، وغمغمت بهدوء:
_يلا يا باشا.
غادروا الجامعة متوجهين إلى ذلك المصير المجهول.
وبعد نصف ساعة تماماً، توقفت سيارة الأجرة أمام إحدى المنازل، أعطى مروان السائق أجره، وتمتم بخشونة:
_المصاريف دي هتترد يا فطوم اتفقنا .
تمتمت فاطمة بهمس:
_اتفقنا.
توجها إلى منزل مكون من طابق واحد، باب خشبي ذو مساحة صغيرة…
طرق مروان على الباب لفترة وجيزة، حتى انفرج، وطل من خلفه رجل في أواخر الثلاثين من عمره بجلباب أبيض، وطاقية بيضاء ولحية زينت ملامحه الخشنة، تفحصته فاطمة جيداً،وقد انقبض قلبها من رؤيته؛ ولكنها اقنعت نفسها بأنها تتوهم وهذا من التوتر.
صافحه مروان قائلاً:
_سيدنا الشيخ جاد الكريم، أخبارك إيه يا شيخنا.
رد الشيخ جاد بصوتاً أجش:
_بخير، بخير، اتفضلوا ياجماعة.
دلفوا الثلاثة خلف بعضهم، كان المكان كالغرفة ضيق المساحة به ثلاث أرائك، وطاولة صغيرة بالمنتصف رائحة البخورو المسك الفواح تملأ المكان..
جلس الشيخ فالمنتصف، وعلى يمينه مروان، وجلست سارة وفاطمة على الأريكة الأخرى.
تمتم “جاد” بهدوء:
_طلباتكم؟!.
قال مروان:
_اكيد فاكرني يا شيخنا.
ابتسم الرجل قائلاً:
_ودي حاجة تتنسي، أخبارك انت و مراتك إيه.
أجاب مروان بهدوء:
_بفضلك امورنا تمام، و النهاردة جينا ومعانا الأخت فاطمة، فاطمة بتحب معيد عندنا و…
رفع المدعو “جاد” يده بوجهه يحثه على الصمت واستكمل هو:
_فهمت يابني، محتاج صورته.
هتفت فاطمة قائلة:
_بس انا معنديش أي صور ليه.
نظر لها جاد بتمعن، فقال مروان :
_أنا عامل حسابي وجايب صورة ليه.
واخرجها من جيب بنطاله، ومد يده بها، وأخذها منه جاد.
قال جاد وهو يعيد النظر لفاطمة:
_وصورة ليكِ ياست البنات.
ردت فاطمة بتريث:
_بس انا مش عاملة حسابي لكده.
هتف جاد بامتعاض:
_وليه التعطيل بس، محلولة..
سيبي رقم تليفونك، وابقي ابعتيلي صورة عليه، ولا تحبي مروان يبعتلي.
انقبض قلب فاطمة ولم يروق لها كل هذا، فقالت بتردد:
_ليه الصورة؟!.
وكزتها سارة قائلة:
_بلاش نعارض أمر الشيخ يافاطمة..
ومالت على أذنها تقول بهمس:
_بطلي الهبل ده، هيعمل إيه يعني، مهو لازم يقربكم لبعض بالصور دي، افهمي.
اومأت فاطمة بهدوء، قائلة:
_تمام هبقا ابعت صورة لحضرتك.
استقام مروان قائماً وهو يقول:
_نستأذن احنا يا مولانا.
رد الرجل قائلاً:
_الحساب يا مروان قبل ما تمشي.
اخرجت فاطمة المبلغ المطلوب من حقيبتها فور سماع جملته الأخيرة، واقترب منها مروان يقول:
_هاتي 700.
غمغمت فاطمة بخفوت:
_انت قلت 600.
رد مروان بضيق:
_ الـ100التانية مواصلات.
اجابت هي بحنق:
_المواصلات 50 بس.
حدجها مروان شزراً، وقال:
_في إيه يا ستي الخمسين التانية حلاوتي.
رمقته فاطمة بغضب، ولم تكثر فالكلام، واعطته المال، وخرجوا.
༺༺صلي على محمد ༻༻
كانت تفترش بعض النساء الأرض بالخضروات، وصباح تتجول بينهن؛ لشراء ما يلزمها..
حتى رأت سيارة خاصة بالشرطة تقف أمام إحدى العمارات السكانية، وقد هبط منها الضابط المسئول وسأل بحدة:
_ملاذ محمد ساكنة هنا ياست.
ردت المرأة بقلق :
_لا والله يا بيه مش عارفة..
انسحبت صباح بهدوء وابتعدت عنهم سريعاً، واخرجت هاتفها، وجائت برقم أبرار وقامت بـ الإتصال بها، و سرعان ما استجابت لها أبرار وردت بمرح:
_صباح الفل يا صبوحة.
هتفت أبرار في عجل:
_اطلعي انتِ، واهلك من العمارة بسرعة، روحوا على شقتي يلا.
انتفضت أبرار بقلق، وقد دب الرعب ثنايا القلب فقالت:
_في إيه بس؟!.
ردت صباح قائلة:
_اخلصي يابت، انتي لسة هتسألي البوليس قالب الدنيا على اختك.
ختمت صباح جملتها بإنهاء المكالمة.
“في منزل نوال ”
كانت تقف أبرار فالشرفة، عندما أتاها الإتصال من السيدة صباح، ولجت إلى الداخل ركضاً، وهي تقف أمام باقي عائلتها، الذين تواجدوا بالصالون.
قالت أبرار وهي تلتقط أنفاسها الهاربة:
_يلا بسرعة خلينا نمشي من هنا.
وثبت نوال قائمةوهي تقول بقلق:
_في إيه يابنتي.
هتفت أبرار على عجل:
_الست صباح رنت عليا وقالت ان البوليس قالب الدنيا على ملاذ، ويلا نستخبى عندها.
ضربت نوال كفها على صدرها، كردة فعل طبيعية منها، وقالت:
_يا لهوي، اهو ده اللي كنت خايفة منه.
ووقفت ملاذ بأعين دامعة تقول:
_يا ماما انا معملتش حاجة واللهِ.
اقترب منهم مصطفى وربت على يد شقيقته وقال:
_متقلقيش يا ملاذ هقولهم يا خدوني بدالك.
صاحت أبرار بهم :
_انتو لسة هتتكلموا يلا بينا خلينا نخلص.
تحدثت نوال، وهي تقبض على يد ملاذ:
_طاب يلا، وهاتي يا أبرار الإسدال بتاع اختك.
امتثلت أبرار لأمر والدتها ، و ابدلت ثيابها هي وملاذ، وخرجت والدتها بعباءة منزلية سوداء ملائمة لعمرها، وخلفهم مصطفى، متوجهين إلى منزل السيدة صباح.
🌺أستغفر الله العظيم و اتوب إليه 🌺
فالشقة التي تقطن بها السيدة صباح..
كان عز يغلق الباب، بعدما عاد لياخذ هاتفه؛ الذي غفل عنه وخرج من دونه، وما كاد ان يلتفت خلفه حتى أحس بوجودهم و أصوات اقدامهم، فقال متعجباً وهو يرى أبرار:
_اهلاً بسليطة اللسان.
زفرت نوال بعمق، وتحدثت قائلة:
_فين الست صباح يابني.
هم عز ان يرد، ولكن اتاهم صوت السيدة صباح تقول:
_افتح يا عز الباب بسرعة.
حملق عز بهم لثوانِ، وشعر بأن هناك امراً ما.
هتفت صباح مرة أخرى:
_يلا ياواد أنت هتقف متنح كده.
فتح عز باب الشقة، ودلفوا جميعهم للداخل.
جلسوا بالمقابل لبعضهم، وقالت صباح:
_وصلوا عمارتكم على فكرة.
قطب عز حاجبيه بتعجب قائلاً:
_هما مين؟..
حد يفهمني في أيه؟!.
قالت صباح بريب:
_اللي هيفهمنا الست صباح وهتقولنا البوليس قالب الحارة على ملاذ ليه؟.
ردت نوال بتريث:
_هقولك ياست صباح.
وقصت عليهم، ما سردته ملاذ، وختمت حديثها قائلة:
_ده كل اللي حصل بالظبط ياست صباح.
قال عز متسائلاً:
_أستاذة ملاذ انتِ شوفتي دم حواليه ولا حاجة.
اجابت ملاذ بتوتر و أعين زائغة:
_آه، لأ، مش فاكرة، أنا خوفت و جريت على طول.
ربتت نوال على ظهرها بحنو، وقالت:
_هعمل إيه أسلم بنتي، ولا اخبيها.
تعالت شهقات ملاذ قائلة:
_لا يماما، أنا مش عاوزة أروح اي مكان
نفسي صدقيني انا معملتش حاجة.
بكت نوال لبكاء ابنتها وقالت بخفوت:
_عديها على خير يارب .
ضيق عز عينه قائلاً:
_قبل كل حاجه، لازم نعرف إيه اللي حصل بعد ما ملاذ ما مشيت، عشان كده انا بنفسي هروح ادور فالموضوع.
صاحت أبرار قائلة:
_وانا معاك، مش هسيبك.
اردفت نوال بحدة:
_هي ناقصة اقعدوا انتو الاتنين، وانت ياعز يابني مش عاوزين ندخلكم فالموضوع..
قاطعتها صباح قائلة:
_ياختي هنقعد ساكتين كده، روح ياواد وخد البت أبرار في ايدك دعبس فالموضوع، تلاقي البوليس دلوقتي مشي، يلا سكة السلامة.
يتبع.
دمتم بخير 💗