
رواية أرواح معلّقة البارت الأول بقلم زيد عبد الرحمن حصريه وجديده
في زوايا الحي القديم، حيث كل حجر يحمل قصة، وكل زاوية تخفي سرًا، كانت نغم جالسة خلف نافذتها الصغيرة، عينها تتنقل بين التفاصيل المألوفة التي كانت تراقبها يوميًا. اليوم كان مختلفًا، كان هناك شيء في الهواء، شيء يزعج صمتها الذي اعتادت عليه.
كانت الشمس قد غابت، والظلام بدأ يلتهم الأزقة الضيقة، لكن نغم لم تكن بحاجة للضوء لتراهن على التفاصيل التي يتجاهلها الجميع. هي التي تراها. ولكن، اليوم… كان هناك شيء آخر.
نغم (بصوت خافت):
“شيء ما… شيء غريب، أنا متأكدة. هذا الصمت… لا يوحي بالراحة اليوم.”
وفي الأسفل، كان سكان الحي يتجمعون أمام أحد المنازل. نغم لم تكن بحاجة لأن تقترب لتعرف ما يجري. كانت تعرف أن الطفل “محمود” قد اختفى، وكان يعرف أن هذا الاختفاء ليس عاديًا.
أم محمود (صوتها مرتجف):
“محمود! أين أنت يا بني؟ لماذا لا ترد؟”
نغم (وهي تراقب من النافذة، تتمتم لنفسها):
“لماذا يظنون أن الاختفاء مجرد حادث؟ لا، هذا ليس مجرد حادث. هناك شيء أعمق من ذلك.”
لم تستطع أن تمنع نفسها من النزول إلى الشارع، رغم أنها كانت تفضل العزلة. لكن هذا المرة كانت هناك حاجة لشيء ما، شعور غريب جعلها تتحرك. وبينما كانت تمشي في زحام الحي، لفت انتباهها شيء ما… كانت ترى نظرات الناس، نظرات مشبعة بالخوف، بالكذب، وكأنهم جميعًا يخفيون شيئًا.
رجل مسن (وهو يهمس لأحد الجيران):
“الطفل اختفى فجأة، لا أحد يعرف كيف، لكنني متأكد أن هناك شيئًا آخر وراء ذلك.”
نغم (تقترب منه بخطوات هادئة، وتقول بصوت خافت):
“هل تتحدث عن شيء آخر؟ هل تعرف شيئًا؟”
الرجل (يفحصها بحذر):
“أنتِ… أنتِ نغم، أليس كذلك؟ منذ الحادث، وأنتِ تغيرت. لكنكِ… هل تشعرين بما أشعر به؟ هذا الاختفاء ليس طبيعيًا.”
نغم (تستدرك وهي تقفز نحو فكرة، بخوف وتردد):
“ما الذي تقصده؟ هل تشعر أنني أعرف شيئًا؟ أنا… أنا لا أستطيع التحدث، لكنني أرى… أرى أكثر من ما يجب أن أراه.”
الرجل المسن ابتسم بحذر، وكأنما فهم مغزى كلماتها، لكن قبل أن يتمكن من الرد، شعروا جميعًا بشيء غريب، صمت عميق يلف الأجواء. كان الوقت قد حان للحقائق المخبأة أن تخرج، وتبدأ نغم في رسم مشهد آخر من الذاكرة… مشهد قد يكشف عن أسرار كانت عميقة جدًا لتكتشفها.
لكن أحدًا لن يصدقها.
نغم (تحدث نفسها):
“هل حقًا أنا الوحيدة التي ترى؟ هل يمكنني أن أكون سببًا في كشف ما خفي وراء هذا الاختفاء؟”
رجل آخر (يقول بنبرة غاضبة):
“نغم، توقفِ عن التفكير في كل شيء بهذه الطريقة. لستِ طبيبة نفسية، لستِ قادرة على حل الألغاز.”
ولكن نغم كانت تعرف في أعماقها أن هذا ليس مجرد لغز عادي. كانت هذه بداية شيء آخر، بداية لحقيقة مدفونة تحت طبقات من الصمت الذي تحاول الجميع إخفاءه.
يتبع.