روايات

رواية بإسم الحب الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم الكاتبه هدير ممدوح حصريه وجديده

رواية بإسم الحب الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم الكاتبه هدير ممدوح حصريه وجديده

 

وقفا عز و أبرار خلف الحائط ينظرون إلى حارس العمارة الذي كان يقطن بها خالد، وجدوه يتحدث مع احدهم، فوقفا بعيداً ينتظرون مغادرته…

كادت أبرار ان تسقط أرضاً، بعدما ضغط عز على فستانها دون قصد، فامسك بها سريعاً، وقال بتهكم:
_ ياستي تعالي هنا، وانتِ مسخوطة كده طالعة شبه الكتكوت المبلول، في هدوم فاطمة

رفعت أبرار سبابتها بوجه قائلة:
_احترم نفسك ياصابع البرمبة انت، أنا مكنتش هقبل البس من لبس اختك الظروف هي اللي خلتني كده.

قال عز بتهكم:
_لا بس أختي أجمد منك شوية.

لكمته أبرار في كتفه قائلة:
_وبتقولها كده فوشي يا قليل الادب

رد عز مندهشاً:
_انتِ فهمتي إيه ياغبية، أجمد اقصد انها اتخن شوية، يا ام مخ اتخين.

اردفت أبرار بجدية:
_اسكت، اسكت الراجل مشي اهو، خلينا نروحله.

وهمت ان تخطو للأمام فقبض على يدها قائلة:
_اومال بيقولوا القصيرين اذكياء ليه، دول أهبل مننا بكتير.

حاولت أبرار كظم غيظها، وقالت بحنق:
_هتخليني اغلط فالساعة اللي جيت معاك فيها.

قال عز بجدية:
_اصبري بس هفهمك، هنقول لراجل إيه.

عقدت هي ساعديها، وتمتمت بخفوت:
_يلا اطربني.

زفر عز بضجر، وسرعان ما عاد لجديته قائلاً:
_اسمعي هتكلم على أساس إني صحبه وانك مراتي وجايين نقعد عنده كام بوم، حلو كده.

غمغمت أبرار بتريث:
_حلو.

بخطوات سريعة اقتربا عز وأبرار من ذاك الرجل، الذي كان يجلس أمام البناية،ألقى عز السلام أولاً:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رد الرجل السلام متسائلاً:
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، خير يا بلدينا.

تسائل عز بنبرة تجلى بها التوتر، خوفاً من كشفه،وانقلاب الأمور ضده:
_انا ابقى صديق خالد، هو ساكن هنا، وبرن عليه مش بيرد، كنت عاوز اعرف هو فالشقة الكام.

تمتم الرجل بصوت خفيض:
_لا حول الله يارب.

نظر عز لأبرار، وبدل نظره للرجل وتسائل:
_خير، في حاجة؟!.

قال الحارس بشفقة:
_الأستاذ خالد لقوه مقتول في شقته.

صاحت أبرار بصدمة:
_خالد مات!.

نفى الرجل، وهو يهز رأسه قائلاً:
_لا، لا، ياست، كل اللي حصل واحد من سكان العمارة شافه وهو غرقان في دمه، وبلغ على طول.

تسائل عز في دهشة:
_غرقان في دمه ازاي يعني؟!.

قال الحارس بهدوء:
_في حد طعنه بسكينة والدنيا كانت مقلوبة.

نظر عز لـ أبرار الشاردة، تتسائل بين نفسها..
هل كذبت شقيقتها عليهم؟

اخرجها من شرودها سؤال عز:
وهو في مستشفى إيه دلوقتي؟.

رد الحارس في برود:
_مش عارف، بس سمعتهم بيقولوا مستشفى الـ***

هتف عز في لهفة:
_أيوة تمام عرفتها، متشكرين ياحج، يلا يا أبرار خلينا نمشي.

غمغم الرجل بصوتٍ خفيض:
_العفو يا سيدي.

🌺صلي على محمد 🌺

حاولت ان اكتب لك الكثير من الرسائل؛ ولكني مزقتها عند أول سطر، فكان عنوانها هل العودة طريقنا، ام الفراق ومن ثم الألم.

وتمددتُ فوق فراشي وتذكرت كم من مرة ارتميت باكية على وسادتي، وانا اتذكر لحظاتنا سوياً ولم أجد من يواسيني سوى الوسادة ودمع العين.

مازلت نوال وملاذ ومصطفى بشقة السيدة صباح خوفاً من عودة الشرطة بحثاً عنهم، ولقد تركتهم السيدة صباح وتوجهت لفتح بقالتها.

كانت نوال في ذاك الحين تنظر إلى ابنتها ملاذ، من خلف باب غرفة فاطمة أبنة السيدة صباح فكان مفتوحاً قليلاً، رأتها تمسك دفتراً وتدون شئ، ومن ثم مزقت الورقة بعنف وألقتها بسلة القمامة، وارتمت على فراشها تبكي واقعها المرير، لحظات من الألم مرت كان يتمزق معها نياط قلب نوال.

تعالى صوت طرقات على الباب، فارتجف قلبها، وتقدم منها مصطفى يقول:
_ماما الباب بيخبط، وطنط قالت محدش يفتح مهما حصل، نعمل إيه؟.

اجابت نوال حائرة وهي تمسح الدموع العالقة على وجنتيها:
_والله يابني ما انا عارفة اعمل إيه ، أمك تعبت أوي يا مصطفى.

أصبح الطارق يقرع الباب في عنف، فانتفض جسد نوال تقول:
_لا مش هينفع كده.
وتقدمت من الباب بخطوات سريعة، واطمئن قلبها وهي تستمع لكلمات الطارق، والتي لم تكن سوى فاطمة تقول بتذمر:
_مليون مرة قلت هتطلعوا نخلي المفتاح تحت السجادة عشان اجي وافتح على طول، مش اقف ساعة برة، أو أنزل ادور عليكم.

فتحت نوال الباب فوراً، وقد همت فاطمة بقول شي، ولكنها قالت ذاهلة عندما رأت نوال:
_هما أهلي نقلوا ولا إيه؟!.

اجابت نوال بابتسامة بشوشة:
لا يابنتي، احنا بس ضيوف عند الست صباح.

وتنحت جانباً، مسترسلة:
_ادخلي يا بنتي بيتك.

دلفت فاطمة للداخل، وهي متعجبة من الأمر وقالت وهي تتفحص المكان:
_وهي ماما سابت الضيوف ونزلت؟.

ردت نوال قائلة:
_هي راحت بس تشوف شغلها وزمانها راجعة.

هزت فاطمة رأسها بتفهم، واردفت:
_تمام هدخل اغير.

اسرعت نوال القول:
_خدي راحتك يابنتي بس معلش ملاذ بنتي نايمة جوة.

هتفت فاطمة بتعجب وضيق في آن واحد:
_نايمة! طيب تمام، عن اذنك.

مرت فاطمة من أمامها، وقد أحست نوال الضيق البادي على صوتها فقالت بتضرع:
_يارب ماليش غيرك انا وبناتي، عدي الأيام دي على خير يا كريم.

🤍لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم 🤍

دلفت فاطمة إلى غرفتها، ووقع بصرها على ملاذ المستلقية على فراشها، فرمقتها بضيق، وتقدمت تفتح ضلفتيّ خزانتها الخاصة بالملابس، أخرجت ما يناسبها وتوجهت إلى المرحاض الذي كان خارج الغرفة، وتحت أنظار نوال عادت مرة أخرى للداخل..

استمعت إلى صوت أنين مكتوب، وكان مصدره ملاذ، فتوجهت تنظر إليها بتمعن، ووضعت يدها على كتفها وقالت بصوت خفيض:
_انتِ كويسة بتبكي ليه؟.

اعتدلت ملاذ تبصر فاطمة، وازاحت دموعها، وقالت بصوت متحشرج:
_تحبي تسمعي نصيحة يمكن تفيدك.

هزت فاطمة رأسها دون ان تنبس ببنت شفة، ولكن بداخلها قد اشفقت عليها، وتسلل الفضول وهي تتسائل بينها وبين نفسها..
ياترى ما الذي حدث معها جعلها تتهاوى كلياً هكذا؟!

اخرجتها ملاذ من شرودها وهي تقول:
_سيبي كل امور حياتك تمشي زي ما ربنا عايز، و اوعك فيوم تزعلي على حاجة مش من نصيبك، لأنه ده خير كل الخير صدقيني.

واجهشت في بكاء مرير مرة أخرى، فقطبت فاطمة جبينها تقول في حيرة:
_إيه اللي خلاكي تقولي كده؟!.

ردت ملاذ تقول وسط عبراتها:
_لأنه اللي محدش يعرفه اني حبيته من يوم ما شوفته، واتمنيت ربنا يكون نصيبي، قلت يارب مش عاوزة إلا هو وكنت فاكرة في بعده هموت، ودلوقتي انا بتمنى لو ان ربنا ماستجابش.

طرق قلب فاطمة فزعاً، أهل من الممكن سيأتي يوماً وتندم على ما اقترفته نفسها؟!..
هل سيأتي اليوم الذي ستبكي فيه بحرقه؛ لأن كل هذا شر؟!

انفرج الباب عليهن فجأة ودلف عز وخلفه أبرار والباقية وصباح التي جائت تواً..
وتسائل عز فجأة تحت دهشتهم:
_هو سؤال ومحتاج اجابته، انتي ضربتي اللي اسمه خالد ده بالسكينة!.

احتلت الدهشة ملامح ملاذ، وحدقت به قائلة بصدمة:
_انت بتقول إيه؟ انت اتجننت!

༺༺༺لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ༻༻༻

دلفت سميرة إلى غرفة ابنها دون استئذان، فانتفض الآخر وهو جالس على فراشه، وهتف بعصبية:
_في اي يا أمي، هما عملوا الباب ليه؟.

اجابته سميرة بفظاظة:
_عشان ادخل منه يا قلب امك.

واقتربت تجلس بجانبه على طرف الفراش، واردفت بجدية:
_مالك منزلتش ليه، قاعد شايل طاجن ستك كده ليه.

غمغم عمرو بضيق:
_مفيش حاجة عاوز اقعد مع نفسي شوية.

ردت سميرة بحنق:
_انت أهبل يا واد، بقا كل ده علشان ست زفتة بتاعتك.

تمتم عمرو بحدة:
_ماما.
اشاحت سميرة بيدها، وقالت بفتور:
_انت خليت فيها ماما، بقا حتة بنت شبر ونص تقلب كيانك كله.

اردف عمرو قائلاً:
_آه ياستي، أبرار دي حب حياتي افهمي.

رفعت سميرة حاجبيها بنصر وابتسمت قائلة:
_والست إيه اللي يقهرها غير ست زيها.

ضيق عمرو عينيه بتسائل، وقال:
_يعني إيه؟!.

تحدثت سميرة قائلة بهدوء:
_زي مافهمت كده، اخطب وهي هترجعلك حافية على رجليها.

و شرد عمرو يفكر في الأمر.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد 🌺

حدقت أبرار في عز، وقالت بصرامة:
_عز الكلام براحة، انا أختي مش مجرمة عشان تتعامل كده.

رد عز بحدة:
_خليكِ انتي ساكتة.

ارتفع صوت أبرار وهي تقول بعصبية:
_يعني إيه أخليني ساكتة، انت بتستهبل.

قاطعهم صوت ملاذ الذي كان أشبه بالصراخ، قائلة:
_بس انتو الاتنين بقا، حد يفهمني ايه اللي حصل،  إيه أنا مش فاهمة حاجة.

اقتربوا صباح ونوال في نفس الوقت من ملاذ، وهتفت صباح أولاً:
_بس يابنتي اقعدي كده و ارتاحي.

جلست ملاذ وهي تشعر بالوهن، وجلست نوال بجانبها تربت على ظهرها بحنان.

التفتت صباح لأبنها تعاتبه وقالت بغضب:
_في إيه طايح فالكل زي الطور ليه؟.

لوى عز فمه وقال بحنق:
_طيب يا ستي هسأل براحة اهو، أستاذة ملاذ حضرتك مخبية عننا حاجة تاني، يعني ممكن طعنتيه بسكينة قبل ما تمشي.

رمقته أبرار بأعين تتقد ناراً، قائلة بتهكم :
_صدق اللي قال رجالة كلهم صنف واحد، واللي فاضل دلوقتي أشباه رجال.

بوجهاً ينطق بالغضب صاح عز:
_بت انتي احترمي نفسك، لأما قسماً بالله…

وماكاد ان ينهي حديثه حتى صاحت والدته بامتعاض قائلة:
_بس، في إيه مالكم انتو الاتنين زي الزيت والمية جرالكم إيه، اخرسوا بقا وحد يشرح اللي حصل بالتفصيل.

اشاح عز وجهه للجهة الأخرى، فقالت أبرار بهدوء:
_انا هحكي..
وقصت لهم ما حدث بالتفصيل.

فصاحت ملاذ تقول بغصة باكية:
_كدب كله كدب أنا معملتش حاجة، انا زقيته وبس..
ونظرت لوالدتها تقول:
_انتي مصدقة بنتك يا ماما صح.

بكت نوال لبكاءها وقالت:
_أيوة ياضي عيوني.

تحدثت أبرار تقول بجدية:
_انا أختي مش مجرمة، ملاذ رحيمة القلب والروح، طول عمرها في حالها، ومع نفسها…
ورمقت عز واستطردت بحدة:
_ولا يمكن تأذي نملة حتى.

أحس عز بالندم، و استشعر منها الصدق، فقال بتريث:
_كلنا جمبك، والحقيقة هتضح لما نعرف إيه اللي حصل بعد ما مشيتي.

اردفت نوال حائرة:
_هنعمل إيه دلوقتي؟.

ردت أبرار بحماس:
_انا عندي خطة.

غمغمت صباح بخفوت:
_قولي يابنتي.

سردت أبرار خطتها، فوقعت أبصارهم جميعا على مصطفى الذي كان يقف جانباً، واستمع لكل شيء، فقال بهدوء:
_ماشي هعمل اللي عاوزينه.

قال عز مبتسماً:
_حلو أوى بلاش نضيع وقت خلينا نروح يلا…

أمسكت أبرار بيد مصطفى وخرج عز خلفهم، تحت أنظار البقية.

هتفت نوال بخرج:
_معلش ياست صباح اتعطل شغلك انتي وعز بسببنا.

ردت صباح بود:
_ياختي اوعك تقولي كده،الجيران لبعضيها وعيالك زي عيالي.

قالت ملاذ بصوت خفيض:
_ماما خلينا نمشي.

استمعت إليها نوال فهتفت بعجل:
_تمشوا إيه مش هيحصل غير لما تتغدوا معانا.

خرجت فاطمة عن صمتها تقول بلهفة:
_لا خليكم، أنا لسة عاوزة اتعرف على البنات أنا معنديش صحاب.

استقامت نوال قائمة ومعها ملاذ واجابت بهدوء:
_الله يكرم أصلكم، بس صدقيني محدش ليه نفس للأكل، ربنا يجزيكم كل خير يارب.

غمغمت صباح بتريث:
طيب ياستي خليكم قعدين طيب.

ردت نوال بإرهاق:
_معلش بقا مرة تانية، عن اذنكم.

مالت فاطمة على أُذن والدتها تقول ما ان توارت نوال وابنتها عن الأنظار:
_ماما تعالي بسرعة احكيلي اللي حاصل، إيه حكاية البنت دي..

🌺 لا إله إلا الله 🌺

في منزل نداء ابنة السيدة صباح..
استمعت إلى صوت طرقات على بابها، فاقتربت من الباب لتفتحه، فوجدت أمامها فتاة بنفس عمرها، رحبت بها نداء ببهجة، وقالت وهي تعانقها:
_منال حبيبتي، وحشتيني اتفضلي تعالي.

دلفت المدعوة منال للداخل وقالت وهي تنزع حجابها:
_عاملة إيه، والعيال عاملين إيه؟

ردت نداء بضيق من تصرفها:
_سيد جوة رجع من الشغل بدري غطي شعرك ليطلع.

جلست منال على الأريكة، وقالت بلا مبالاة:
_ياستي، فيها إيه ما يشوف شعري هو انا قرعة.

جلست نداء بالمقابل لها وقالت محتدة:
_هو يقربلك وانا معرفش، دي انتِ صحبتي انا.

لوت الأخرى فمها تقول بحنق:
_بس يانداء أنا جاية وانا مش طايقة نفسي.

قالت نداء بجدية:
_خير في حاجة معاكي.

هتفت منال تقول:
_اهو كلام الناس اللي مش بيخلص من يوم ما طلقت وانا شاربة المر في كاسات.

ربتت نداء على يدها و اردفت:
متزعليش ش كلام الناس لا بيقدم ولا بيأخر.

_بت يا نداء اعمليلي فنجان قهوة، راسي هتنفجر، وسكتي العيال دي… ولم يكد ان ينهي حديثه حتى رأى منال فالتف للجهة الأخرى يقول:
_لا مؤاخذة مكنتش عارف ان عندنا ضيوف.

غمغمت نداء بتريث:
_ادخل أنت جوة وانا هعمل القهوة.

استقامت منال واقفة، وتحدثت:
_روحي انتي شوفي العيال يا نداء وانا هعمل القهوة لسيد.

ابتسمت نداء تقول :
_تسلم ايدك واللهِ يا منال أحياناً بنشغل مع العيال و بنسى اعمل.

توجهت منال إلى المطبخ واردفت وهي تمر من أمامها:
_ولا يهمك ياحبيبتي.

بعد دقائق معدودة، كانت تسكب منال القهوة بفنجانها، ودلفت نداء تقول:
_معلش يامنال نسيت اقولك تشربي إيه.

ردت منال تقول بنظرات ذات معنى:
_وهو أنا غريبة ده بيتي برضه.

احست نداء بمكر في حديثها، فقالت بتريث:
_انا بقول ان مشاكلك كلها هتتحل لو اتجوزتي، حتى لو جالك واحد مع عيال وافقي.

غمغمت منال بضيق اخفته:
_وماله، اروح اودي القهوة ولا هتخديها انتِ.

ردت نداء بلهفة:
_لا طبعاً هدخلها انا لجوزي…

🌺 لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم 🌺

عادوا عز و أبرار ومعهم مصطفى، إلى تلك العمارة مرة أخرى، وقفا جانباً كي لا يراهم الرجل، وقال عز:
_يلا يا بطل أعمل زي ما اتفقنا بالظبط.

وتناولت أبرار أطراف الحديث تقول:
_واحنا هنفضل واقفين هنا متقلقش من حاجة، وأنت طفل مش هيشك فيك، اتفقنا.

هز مصطفى رأسه وغمغم :
_اتفقنا..
وذهب إلى الجهة الأخرى، وقف أمام الرجل وقال:
_عمو..

رد الحارس بدهشة قائلاً:
_ايوة يابني انت تايه ولا إيه.

بملامح دلت بأن الصغير على وشك البكاء، وبصوت ضعيف قال مصطفى:
_أختي الكبيرة يوم الخميس كانت هنا، جينا انا وهي، انا وقفت على جمب وهي طلعت فوق فالعمارة دي و منزلتش تاني.

قطب الرجل جبينه بتعجب، وأردف بستغراب:
_ازاي يعني يابني؟!.

قال مصطفى:
_بابا قالب الدنيا عليها، وانا خايف أقوله انها جات هنا؛ لأنها قالتلي يا يوسف اوعي تقول لحد إني جيت هنا، دلوقتي انت شوفتها لما طلعت.

شرد الرجل وبدا عليه التفكير، ثم قال:
_يوم الخميس، دخلوا بنتين أغراب، وحدة نزلت باكية، والتانية نزلت وكان باين عليها الفرحة، دي نزلت من هنا، والتانية طلعت بعدها على طول.

أردف الصغير بحماس:
_طيب في كاميرات هنا يا عمو.

قال الرجل بأسف:
_لا يابني بس السوبر ماركت اللي هناك دي مركبة كاميرات وهيظهر اللي دخل واللي نزل، انا مش هقدر اسيب العمارة كنت جيت معاك، بس انت روح وقوله، وهو هيشوفلك اختك نزلت ولا لأ.

صاحت إمرأة من خلفهم:
_فتحي تعالى طلع معايا الحاجة دي.

ذهب إليها الحارس سريعاً، ورد بلهفة:
_أمرك ياست هانم.

وتوجه مصطفى إلى أبرار وعز يقول:
_قالي ان في بنتين، وحدة نزلت معيطة والتانية جات بعدها ونزلت فرحانة..
وتابع حديثه وهو يؤشر على السوبر ماركت الذي يقبع مقابل العمارة على الجهة الأخرى تماماً، واردف:
_أروح عند عمو اللي هناك واخليه يشغلي الكاميرات.

خطرت فكرة على ذهن عز فقال مقترحاً:
_حتى لو شوفنا، مش هنعرف نثبت حاجة، بس في طريقة هتكشف كل ده.

تساءلت أبرار في دهشة:
_هي إيه؟!

_نروح المستشفى..

الفصل السابع

جثم الليل على الأرض منذُ وقت..

صوت طرقات عالية حادة على باب شقة نوال، اثارت الرعب فالقلوب، كانت بجانبها ملاذ، الذي انتفض جسدها.. وقالت نوال بهلع:
_استر يارب، أبرار وعز قالوا هيتأخروا، اومال مين ده.

ازداد القرع على الباب، فتقدمت نوال منه لتفتحه، وشخصت أبصارها فجأة، وهي ترى الشرطة أمامها، ومن خلفهم جائت السيدة صباح التي صاحت قائلة:
_مين، عاوزين مين؟

رد الضابط بحدة:
_مالكيش دعوة ياست، وانت يابني روح فتش الشقة ده بسرعة.

دفع العسكري نوال وولج للداخل، وجد ملاذ جالسة تحتضن نفسها بخوف، وجسدها يرتجف، فصاح عالياً:
_موجودة يباشا.

هتفت نوال في هلع ورجاء:
_لا يابني أبوس ايدك بنتي معملتش حاجة.

قال الضابط غير مبالياً بها:
_تبقى هي دي ملاذ، هاتها يابني..

ركضت نوال لابنتها تعانقها، وتعلقت بها ملاذ كأنها طوق نجاتها، دلف الضابط ومن معه، وخلفهم صباح، وقال بتريث:
_ابعدي ياست عنها ولو بنتك معملتش حاجة هترجعلك متقلقيش.

تعلقت بها ملاذ أكثر وتعالت شهقاتها،فقال الضابط محتداً:
_متخلنيش استخدم معاكم العنف، ابعدي يلا.

اقتربت منها صباح وقالت بشفقة:
_ابعدي يانوال عن البنت ليها رب كريم.

وتمسكت بها صباح تفصلهم عن بعض، وتمتمت بخفوت:
_سامحيني ياختي ابعدك أنا أحسن ما يبعدوكي هما عنها..

تركت نوال ابنتها، فأمسكت ملاذ بيدها،
ومقلتيها تذرف الدموع قائلة برجاء:
_يا ماما خليكي معايا..

بكت نوال قائلة:
_يابني خدوني أنا بدالها.

رد الضابط بضيق:
_مينفعش الكلام ده ياستي..

وبدل بصره لـ ملاذ يقول:
_وانتِ امشي معانا من غير شوشرة احسنلك.

صاحت صباح محتدة:
_ما براحة يا خويا في ايه البنت حامل، وخايفة..

_خليكي في حالك انتِ ياست.

اقتربت منه نوال وامسكت بكفه وما كادت ان تقبله، حتى قال الضابط بشفقة:
_لا حول الله يارب، ابعدي يا أمي مينفعش كده.

بنبرة تثير الشفقة فالقلوب قالت نوال:
_ابوس ايدك يابني، اتعاملوا معاها كويس لوجه الله، واللهِ بنتي ما عملت حاجة يا ناس.

رأف الضابط لحالها وقال بخفوت:
_هنتعامل بما يرضي الله يا أمي، بس خلينا نشوف شغلنا..

ووجه حديثه للعسكري، واستطرد:
_يلا يابني.

فقبض العسكري على عضدها بحذر، وقال بصوتً أجش:
_أمشي معانا يلا..

سارت معهم ملاذ بهدوء، ناكسة الرأس، خائفة القلب، تخشى الحياة ومن بها، وغدرها.

هبطا للأسفل، وصعدت بالسيارة تحت أنظار النسوة التي اجتمعت أسفل الحارة ما ان علمت بالأمر، ظلوا محدقين بها حتى توارت السيارة عنهم..

وهدرت صباح بهم :
_جرا أيه يا نسوان، سوء فهم البنت جه اسمها فمحضر بالغلط، يلا كل واحد يروح لحاله.

غادرت النسوة وهم ينظرون إليها بغيظ مكظوم، رفعت صباح رأسها للأعلى لتجد فاطمة تشاهد ما حدث، فرفعت صوتها تقول:
_نزلي يابت عبايتين سود وشنطتي من عندك، يلا اخلصي.

غمغمت فاطمة بهدوء:
_حاضر يا ماما.

ربتت صباح على ظهر نوال تساندها في محنتها، وقالت بجدية:
_امسحي دموعك دي ياحبيبتي، وخلينا نلحق البنت المنهارة .

اخرجتها كلمات صباح من شرودها، فكانت تشعر بنياط قلبها تتمزق على ابنتها، فلذة كبدها.

🌺صلي على محمد 🌺

في المستشفى المتواجد بها خالد..

وقفا عز وأبرار ومصطفى بالقرب من الغرفة المتواجد بها، تحدث عز قائلاً:
_هتعملي زي ما اتفقنا، أهم حاجة تسجلي، وانا هقفلك برة أنا ومصطفى، أول ما نحس بحد جاي هنبلغك…

واسترسل بمرح:
_يلا انطلقي يا غزالة.

حدجته أبرار بغضب، وقالت:
_لولا ان مش وقته،كنت هوريك هعمل إيه.
وغادرت من أمامه قبل ان يرد عليها.

بخطواتً حذرة دلفت أبرار إلى الحجرة، رأته مستلقي على الفراش جزعه العلوى عاري، والتف على خصره الشاش الطبي، ولا توجد أي خدوش على رأسه، فألقت السباب عليه وتقدمت منه حتى وقفت بجانبه..

وعندما شعر خالد بأحد معه بالغرفة، فتح مقلتيه بفزع، فوجهت أبرار نصل صغير على رقبته، فكانت تواري سكينٌ حاد بين طيات كمها، فقال الآخر بخوف:
_انتي هتعملي ايه، ابعدي عني.

ردت ملاذ بحدة:
_اخرس، صوتك ميطلعش، لأنه حركة كده أو كده همشي السكينة الصغننة دي على رقبتك.

غمغم خالد بـ ارتياع:
_انتي إيه اللي جابك عاوزة إيه؟.

اجابت أبرار بامتعاض:
_ليه قلت ان ملاذ هي اللي طعنتك،وانا وانت عارفين كويس ان مش هي ،وفي بنت تانية طلعت بعدها هي اللي عملت كده..

عقد حاجبيبه بدهشة وقال بعجل:
_مقولتش ،أنا أصلاً لسة فايق من شوية،و أكيد هما قربوا يجوا ياخدوا إفادتي.

تحدثت أبرار بلهفة:
_حلو، يعني أختي معملتش حاجة؟

صمت خالد لثوانِ يفكر بشيء ومن ثم قال:
_لا هي اللي عملت فيا كده،بس..

ردت أبرار بحدة:
_بس ايه انطق..

التعمت عينيه بنظرة ماكرة، وقال:
_خمسين ألف واختك هتبعد عن الموضوع خالص.

تركت أبرار الهاتف جانباً، والنصل، وقبضت على عنقه بيدها، قائلة بوجهاً مكفهر:
_لا أنا ممكن حالاً اخنقك واخلص منك، من غير ما حد يحس.

ذعر خالد من فعلتها، وكاد ان يختنق، فأبعد يدها بقوة، قائلاً وهو يسعل بشدة وقد أحمر وجهه وعنفه:
_تمام هقول، هقول..

_اخلص..
قالتها ملاذ بحدة، وهي تعود لأخذ السكين مرة أخرى..

تنفس خالد بعمق وراحة، وقال بلهفة:
_مش ملاذ اللي عملت كده، دي رجاء هي اللي ضربتني بالسكينة…

استمعت أبرار لصوت طرقات على الباب،فالتفت للخلف وعلمت إنه عز؛ فقد اتفقت معه على إنه سيقف بالقرب من الغرفة و ان أتى شخص سيدق الباب.

اخذت أبرار هاتفها، وقالت في برود:
_نتقابل مرة تانية يا عسل..
وخرجت سريعاً من الباب بعدما نظرت على يمينها، ورأت عز يؤشر لها..

فتوجهت إليهم سريعاً، و قال عز بلهفة:
_ها عملتي إيه..

ردت أبرار قائلة:
_خلينا نطلع من هنا الأول وبعدين اقولك،يلا.
هز عز رأسه بنعم وغادرا، ومعهم مصطفى.

🌺لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم 🌺

جالسة فاطمة في شقتهم، بعدما رحلت والدتها مع السيدة نوال، جلست على الأريكة تنتظر اي خبر عن الأمر، كان بيدها هاتفها تعبث به، حتى فوجئت برسالة من رقم مجهول على تطبيق الواتساب، قامت بفتح الرسالة لتقرأ مضمونها…
“كيف حالك فاطمة معك الشيخ جاد، لقد حصلت على الرقم من صديقك مروان، ارسلي لي الصورة ليتم الأمر سريعاً”

سبت مروان بداخلها، و ضغطت على شاشتها وقد نوت على حظره..
ولكن بإسم الحب يصبح المستحيل ممكن،والقلب وما يهوى كم يقولون.

فانتظرت لثوانِ تفكر بالأمر..
ان لم ترسل الصورة ستنتهي قصتها قبل البداية، وسيصبح “إسلام” ذكرى حزينة بحياتها، وربما لم تنساه للأبد، وسيكون عائق في مستقبلها.

كان هذا تفكيرها، وبعد صمت دام لدقائق، استقبلت رسالة أخرى من المدعو “جاد”
“لا تقلقي الأمر عندي محلول، انتظري يومان وستري بنفسك تأثيرك على هذا الشاب، هذا وعداً مني”

ابتهج قلبها وهي تقرأ كلماته، أحقاً سيبدأ بالتفكير بها مثلما تفعل هي، هل سيحبها وربما أكثر منها؟!.

عند هذه النقطة، وقد تحرك اصبعها ينقش حروفاً هشة من العدم، كان مضمون رسالتها..

“بجد يعني يومين وهيحبني..
واخذت تكتب بتردد وقلق:
_أنا الحقيقة خايفة ابعت الصورة.

فأتى الرد سريعاً منه..
” لازم صورة ليه وليكي، وفي خطوات تانية عشان يعجب بيكي هنعملها لقدام، بس خلينا فالخطوة دي، الصورة دي يدوب زي طرف الخيط، ومتقلقيش أنا عندي هنا كم صور هائل مش بتطلع من التليفون، ولو مش عاوزة تكملي انتِ حرة”.

دون تردد أو وعي ارسلت فاطمة صورة لها مقترنة بجملتها هذه..
“اتمنى أشوف صدق حضرتك على أرض الواقع..

رد الأخر مؤكداً:
_هو يوم، يوم واحد بس وهتشوفي العجب.

ضمت فاطمة الهاتف لصدرها بعد أخر رسالة قرأتها ورددت :
_يارب،يارب بقا.

༺༻استغفر الله العظيم واتوب إليه ༺༻

كانت نوال في سيارة الأجرة وبجانبها نوال التي جفت أعينها من كثرة البكاء، والصمت سيد الموقف، فتعالى صوت رنين هاتف السيدة صباح، فاستقبلت المكالمة سريعاً تقول:
_أنت فين ياعز البوليس قبض على ملاذ.

صاح عز بتعجب قائلا:
وده حصل ازاي!؟.
واستكمل يقول بلهفة:
_متقلقيش احنا خلاص هنجيلكم على هناك.

غمغمت صباح بهدوء:
_ماشي يابني خير ان شاءالله.

” في مركز الشرطة”

خطت ملاذ أولى خطواتها للداخل؛ فكانت تسير معهم كالمتغيبة، ارهقتها الحياة فاصبحت كالجسد بلا روح، لاشي يمكنه ان يرمم شتات قلبها سوى الموت..

خذلتها قدميها، وشعرت بأن روحها تنسحب رويداً رويداً، ولم تشعر بنفسها سوى وهي تتهاوى أرضاً…

صرخ الضابط قائلاً:
_شوف دكتور يابني بسرعة.

وهبط لمستواها، وحملها على ذراعيه، ودلف إلى مكتبه.
أنزل جسدها الضعيف على أريكة صغيرة منزوية داخل المكتب، وعاد يأخذ كوباً من الماء كان أعلى طاولة مكتبه، نثر القليل على وجهها، ولكن دون جدوى؛ لم تستيقظ..

أمسك رسغها، ونظر لساعته ليحسب عدد نبضات قلبها فوجدها أقل من ال٦٠ علم حينها انها تعاني من إنخفاض في ضعط الدم..

هم بأن ان يرفع قدمها لتصبح في مستوى رأسها ويتحسن وضعها قليلاً؛ ولكنه وقف حائراً وهو ينظر لثيابها يخشى ان يظهر جسدها عاري..

فعاد لمكتبه، يبحث في إدراجه عن رائحة نفاذة، ووجد بالفعل عطراً..
فقام بنثر القليل لتستنشقه..
انتظر لثوانِ، وراءها ترفرف بأهدابها، دنا منها يقول بصدق:
_انتِ كويسة يامدام، نطلب دكتور نوديكي المستشفى.

وقبل ان تهم بالرد، دلف عسكري للداخل وصاح قائلاً:
_إسماعيل بيه في اتنين ستات جم من شوية تبع المتهمة وعاملين شوشرة.

جأر إسماعيل بحدة:
_خليك معاهم برة لحد ما نشوف الموضوع إيه.

خرج العسكري،فبدل الضابط نظره لـ ملاذ، وجدها اعتدلت في جلستها، فجاء بكأس الماء وقال بنبرة لينة:
_اتفضلي اشربي..

نظرت ملاذ إلى يده،فتناولت منه الكأس ترتشف منه بيداً مرتجفة، من ثم أخذ منها الكأس بعدما انتهت.

وسحب مقعد وجلس يقول بهدوء:
_صدقيني لو حكيتي كل اللي حصل معاكي بالتفصيل هساعدك.

نظرت له ملاذ بأعين دامعة،وردت بِخفوت :
_هقول كل اللي حصل اليوم ده.
هز الضابط رأسه بتريث، دون ان ينبس ببنت شفة.

“في الخارج”
أتى عز وأبرار ومعهم مصطفى، وجدوا صباح تتجادل مع العسكري ونوال في إنهيار تام.

ركضت أبرار لوالدتها تتسائل في خوف:
_ماما إيه اللي حصل؟.

وقال مصطفى وهو يجهش في البكاء:
_بلاش عياط ياماما،ملاذ دلوقتي هتتطلع.

صاحت صباح بحدة:
_عاوزين نشوف بنتنا ياجدع في إيه؟.

رد العسكري بملل:
_من الصبح بقول ممنوع ياست.

صاح عز عالياً:
_خلي كلامك معايا انا، بقولك معايا دليل من المرحوم نفسه ان البنت اللي جوة بريئة، وانه هو واطي.

هتف العسكري بغضب:
_أنت جاي تهزر يا جدع ولا إيه، يلا كلكم برة.

وعلى صوتهم خرج الضابط إسماعيل وهدر بحدة:
_إيه الدوشة اللي هنا دي.

تقدمت أبرار منه سريعاً وقالت بلهفة وهي تؤشر على هاتفها:
_ عندي تسجيل هيحال القضية كلها، أدينا فرصة واسمعه، صدقني أختي بريئة.

بدل الضابط نظره بينها وبين نوال وقال بتريث:
_تعالي، ووالدة البنت تيجي، الباقي خليه مكانه، ومن غير ما اسمع صوت.

دلفت نوال خلف ابنتها سريعاً، وظل مصطفى مع صباح وعز التي تمتمت بحزن:
_يموت الأب وتكتر البلايا، ربنا يعين ويساعد.

“سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ”

“في الداخل ”

سارعت نوال في عناق ابنتها، وجلست تمسد على ظهرها..

جلس الضابط خلف طاولة مكتبه، وقال بجدية:
_هاتي التسجيل اللي معاكي.

ناولته الهاتف ليستمع لمقطع الصوت الذي دار بينها وبين خالد في المستشفى وما ان فرغ منه، صاحت نوال تقول:
_سمعت اهو يابني، بنتي بريئة هي طليقة الزفت ده اه، وراحت الشقة مش هننكر، بس مش هي اللي ضربته لأ، أبوس ايدك يابني خلينا نمشي بنتي مش حمل انها تبات هنا.

صمت الضابط لثوانِ وبدا عليه التفكير،واجاب بتريث ورأفةً بحالهم:
_تمام هتاخدي بنتك دلوقتي وتمشي، وبكرة الصبح تعدي عليا من غير مشاكل ولا شوشرة تيجي بنفسك لحد هنا في كام ورقة هتمضي عليها، والباقي علينا.

ابتهج فؤاد نوال وازاحت دموعها، وقالت بدعاء:
_الله يكرمك يابني ويجعلك في كل خطوة سلامة، وينصرك على كل عدو .

نقل الضابط التسجيل إلى هاتفه، وأعطى أبرار هاتفها، أخذته أبرار وخرجت خلفهم، توجهت صباح إليهم سريعاً ما إن رأتهم يحرجون، وتسائلت بحدية:
_عملتوا إيه طمنوني.

غمغمت نوال بخفوت:
_عدت على خير ياحبيبتي، الحمدلله.

ركض مصطفى إلى ملاذ يعانقها، ولم تبادله هي، ولم تتفاعل معهم كنت شاردة الفكر..

صاحت صباح مرة أخرى:
_عز وقف تاكسي يابني خلينا نمشي البنت ياحبة عيني وشها أصفر، كأنها رايحة من الدنيا..

وعند ذكر الرحيل، طرق ذهن ملاذ بتلك الفكرة، ووسوس لها شيطانها بأن هذا هو الحل لتتخلص من مشقة الحياة، فأصبحت تلك الكلمة تتردد بذهنها “الانتحار”
هذا ما نوت فعله بعدما تعود لمنزلها.

الفصل الثامن
باسم الحب
هدير ممدوح

دقت الساعة الثانية عشر منتصف الليل..
كانت تقف أبرار مع والدتها بالمطبخ تجلي نوال الأواني بمساعدتها..
وقالت هي بتريث:
_الحمدلله يابنتي عدت على خير، وجميل ست صباح وابنها عمري ما انساه.

حمدت أبرار ربها وشردت قليلاً وهي تتذكر لحظاتها مع عز ، وحديثه المرح وتحدثت قائلة بجدية:
_لما ربنا يفرجها بقا عاوزين نبقا ناخدلهم حاجة ونروح نشكرهم.

غمغمت نوال في ضيق:
_منين يابنتي ما الحال زي ما انتي شايفة اهو، اختك عندها إعادة كشف مش عارفه أعمل إيه فيها، والولد اللي في بطنها لو اتولد تبقا معجزة بحالتها دي.

انتهت أبرار من رص الأطباق وتمتمت بيقين:
_اللي دبر لنا أمر النهاردة بكرة هيدبر لنا الأمر برضه يا أمي، وربنا هيصلح الحال.

دعت نوال بتضرع:
_يارب، يارب أصلح الحال يارب.

تحدثت أبرار وهي تمر من أمامها:
_هروح اطمن على ملاذ وادخل انام جمبها، تصبحي على خير.

_وانتِ بخير يابنتي.

🌺 صلي على محمد 🌺

أليس من المؤلم ان يطعن شخصًا، من شخص أحبه وكان له الوطن، ثم هاجره.
ففي طرفة عين وجدت نفسها تحمل لقب “مطلقة”، وهي في ربيع عمرها، وتحمل طفلاً لا تعلم كيف سيكون له حياة، ومن أحبته غدر بها، فقد كانت تشعر انها منبوذة من الجميع، ووتتسائل أي ذنب هذا الذي قد اقترفته
ولماذا ابت السعادة ان تزورها، فهل انتهى نصببها منها؟!

حدقت أبرار في شقيقتها بصدمة وهي ترى ملاذ بيدها نصل حاد، تجرح يدها بها.. تقدمت إليها سريعاً وهي تأخذ النصل منها وتقول في هلع:
_هاتي ده هنا أنتِ بتعملي إيه.

ردت ملاذ بحدة قائلة:
_رجعي السكينة يلا، هاتيها..

تركتها أبرار غير مبالية بها، وتوجهت إلى الشرفة ألقت السكين فوراً و دلفت، لتجد ملاذ بالمرصاد لها.. بوجهاً غاضب وأعين تتقد ناراً، تحدثت ملاذ:
_انتِ ازاي تاخديها مني كده، هتنزلي تجيبها حالاً..

ألقت أبرار بحديثها عرض الحائط، وقبضت تنظر على يدها وهي ترى تلك الخدوش في محاولةً منها لقطع شرايين يدها، وتحدثت بعصبية :
_ليه كده، تقدري تقوليلي انتي استفدتي إيه، مفكرتيش دقيقة واحدة، فالروح اللي في بطنك، طاب سيبك من دي، ما فكرتيش في عقاب ربنا و ظلمة القبر، الأمر مش هين يا ملاذ انتِ مش عارفة إيه مصيرك، ياجنة يا نار الموضوع مش اختيار.

نزعت ملاذ يدها عنها بعنف، وتحدثت بغضب، وقد هبطت عبراتها على وجنتيها:
_انا محدش حاسس بيا، انا في نار جوايا وقلبي بيتقطع، انا بس عاوزة ارتاخ.

ردت أبرار بهدوء:
_مش بالطريقة دي، الدنيا دار شقاء يا ملاذ ولازم نستحمل.

وزفرت أبرا بعمق واستطردت:
_ملاذ انا جمبك، وهفضل موجودة معاكِ سندك وامانك، احكيلي كل اللي جواكِ …

واجهشت أبرار في بكاء واسترسلت:
_بس إني أصحى فيوم والاقي اختى اتمحت من الدنيا، صعبة، صعبة أوي ياملاذ.

انهارت ملاذ أرضًا وهي تبكي، فجثت أبرار امامها وعانقتها.. لتستمع للأخرى تقول:
_انا تعبت، تعبت يارب.

ظلوا هكذا لبضع دقائق، وبعد حيناً من الوقت، ساعدت أبرار ملاذ على النهوض، وقالت بصوت خفيض:
_تعالي يلا اغسلي وشك ونرجع ننام.

هزت ملاذ رأسها دون ان تتفوه بحرف، وغادرت مع شقيقتها خارج الغرفة، فتحت أبرار الباب بحذر خوفاً من ان تراهم والدتها وتفزع على أختها، و أمام باب المرحاض دلفت ملاذ وأغلقت أبرار الباب خلفها بحذر، بعد قليل وخطوا بتؤدة إلى داخل الغرفة،دثرت شقيقتها جيداً،واستلقت بجانبها تنظر لها بين الحين والآخر حتى انتظمت انفاسها وغفت.
وهكذا مضى الليل عليهن.

༺༻لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ༺༻

وحين يطرق الحب باب المرء يستسلم، وتستكين روحه، ابتسامة بلهاء مقترنة بشفتيه طوال الوقت، وبقلبً خافق يتمنى ان يدوم هذا الشعود للأبد.
ولكن هل حقاً يدوم؟!.

في الصباح.. توسطت الشمس عِنان السماء، وخيوط دفئها تحي أمالاً جديدة بقلوب الجميع.

كانت فاطمة في الجامعة، والمدعو إسلام أمامها تماماً، تفكر هل سينتبه لها اليوم،من بين كل تلك الطالبات، هل يجوز ان تقترب منه ام هو شيئاً محرم عليها، وسيبقى هكذا للأبد..

مؤلم على المرء ان تكون أحلامه أمامه؛ ولكنها محرمة عليه…

ولا تعلم متى انتهى من حديثه وهي شاردة، ولاحظت ذلك عندما انفض الجميع من حولها، فلم يبقى سوى هي.. وهو على طاولته يلملم أشيائه، وقفت لتأخذ حقيبتها، وهمت بأن ترفع يدها لتحجب صدرها بخمارها، ولوهلة توقفت وهي تتذكر هذا الحجاب القصير الذي بالكاد يدثر عنقها، وتابعت فحص نفسها، كانت ثيابها عبارة عن بنطال ضيق، وتيشرت بالكاد يواري جزعها العلوى..
لم تكن تتوقع ان تصل لهذه المرحلة يوماً، فمن تلك الآن؟!.
وهي التي كانت تتسم بالعفاف، والألتزام بخمارها وثيابها الفضفاضة..
واليوم بثياب أظهرت مفاتنها..

قامت بسحب التيشرت للأسفل، وهي تنظر بخجل حولها، وماهمت ان تخرج من باب القاعة، حتى استمعت إلى هذا الصوت:
_فاطمة..
خفق قلبها بشدة، وكذبت أُذنيها، ولكنها استدارت للوراء، لتراه يقترب منها..
وكم ودت ان تلقي نفسها بين يديه، لترتاح من عبء الأيام والتفكير.

قال إسلام مبتسماً:
_فاطمة لو محتاجة اي حاجة تعالي اطلبي من غير كسوف، وبلاش نبعت مرسال، أنا موجود هنا عشان مساعدتكم، ودلوقتي انا هكون فالمكتب عن إذنك.

غادر طيفه من أمامها، وأحست بأن قدميها لم تعد قادرة على حملها.

جائت سارة من خلفها ضمت كتفها واردفت بمرخ:
_اوه اللبس طالع فيكِ يجنن.

لم يأتيها الرد، فوقفت أمامها وضيقت أعينها تتسائل بمكر:
_إيه اللي حصل معاكِ، مالك؟.

أمسكت فاطمة يدها وقالت ببهجة:
_حصل يا سارة حصل، إسلام كلمني.

هتفت سارة بلهفة قائلة:
_مش مصدقه، قولتلك الشيخ ده ثقة، قوليلي يلا بسرعة قالك إيه؟.

ردت فاطمة ببلاهة :
_مش فاكرة غير وقفته قدامي.

قالت سارة بتهكم:
_عيني ياعيني أهل الحب صحيح مساكين.

وسحبتها من يدها تقول:
_لا تعالي نشرب حاجة، وافتكري قالك إيه؟!.

༺༻استغفر الله العظيم واتوب إليه ༺༻

خرجت نوال وابنتيها للذهاب إلى مركز الشرطة باكراً، وبعدما انتهوا من بعض الإجراءات القانونية وفي طريق العودة، قالت أبرار بهدوء:
_ماما انا لازم اروح اقابل وداد، احنا عندنا تدريب هيبدأ، وكمان ضيعت محاضرات كتير، انا في أخر سنة.

رمقتها نوال بعدم تصديق وقالت في ريب:
_وداد برضه.

ردت أبرار في صدق:
_واللهِ ياماما ما بكدب، تقدري ترني عليا واسمعك صوتها
.
هزت نوال رأسها بهدوء:
_تمام، تمام روحي.

في منزل السيدة صباح..

استمعت إلى صوت طرقات خافتة على الباب وضحكات متتالية من صغار، اقتربت من الباب بوجهاً مبتهج، فتحت الباب على عاقبيه لتقول ببهجة:
_حبايب قلبي..
وضمت الطفلين لين، ومعاذ..

واعتدلت لتعانق ابنتها في حنو، ومدت يدها لتصافح زوجها، وقالت بترحيب:
_ادخلوا ياولاد يلا ..

دلفوا جميعاً للداخل، وجلسوا بالصالون، تحدثت نداء قائلة:
_ده سيد جه يوصلنا و هيمشي دلوقتي.

ضحكت صباح قائلة بتهكم:
_طيب ادخلي في موز ولبن جوة حضريله الرضعة اللي بيحبها..

استقامت نداء واقفة، واردفت وهي تمر:
_ثواني ياسيد وراجعة.

ارتفع صوت صباح تقول:
_اعملي حساب العيال معاكِ يانداء..
وبدلت نظرها لسيد زوج ابنتها، فقالت بجدية:
_شكلك زعلت يا جوز بنتي، بس اهو بنضحك..

بوجهاً ممتقع وثب سيد قائماً وهو يقول:
_انا لازم امشي اتأخرت على شغلي..

وقفت صباح تقول في ضيق:
_جرالك إيه يابني ما انت قاعد معانا اهو، أشرب حاجة وبعدين امشي.

لم يعيرها أي انتباه بل التف مغادراً وهو يتمتم:
_مرة تانية يا حماتي.

غادر سيد من أمامها، وقالت صباح بحنق:
_ماله ده، اتقمص ليه كده!.

صوت إشعار لهاتف علا رنينه، فنظرت صباح حولها لترى هاتف سيد على الأريكة،فصاحت قائلة:
_نداء بت با نداء تعالي..

دنت نداء منها تقول:
_في إيه؟..
ونظرت حولها لتتساءل :
_هو سيد راح فين!؟.

اردفت صباح بحنق:
_انا عارفة ياختي أهو قام مقموص ونزل، بس شكله نسي تليفونه..

تناولت نداء منها الهاتف، وهو مازال يعلن عن رسالة أخرى استلمها..
وكان يظهر القليل من محتواها، عادت صباح تلاعب الصغار، بينما جلست نداء وهي تحاول ان تفتح الهاتف، ادخلت كلمة المرور الخاصة به؛ولكن علمت انه قام بتغييرها..

تذكرت بأن ذات مرة قد جعل لها بصمة عليه،فوضعت أصبعها، وحمدت ربها انه لم يزيلها..
فتحت تطبيق الواتساب الخاص به..لتحملق بتلك الرسائل والصور..
انها منال صديقتها تراسل زوجها وتمازحه،وايضاً تسئله عن رأيه فلون شعرها الجديد، التى صبغته..

تساقطت دموعها دون وعي منها وهي تقرأ كل تلك الرسائل بينهما، زوجها يواعد صديقتها بالزواج القريب، يخبرها انه قد مل منها ومن تصرفاتها الطفولية، و أصبح يخجل منها أمام الأقارب و الأصحاب، ويريد أخرى تليق به.

رأت صباح إنهيار ابنتها، فدنت منها وجلست بجانبها وضعت يدها على كتفها تتسائل بتعجب:
_مالك يابت في إيه؟.. لتكوني متخانقة انتِ والمحروس جوزك.

ناولتها نداء الهاتف وهي تشهق باكية، فنظرت له صباح بدهشة وهي لاتفهم شيئا؛ ولكن سرعان ما ُبهتت ملامحها لأخرى ، وقالت ذاهلة:
_مش دي البت منال، نهار أسود صورتها وهي لابسة كده وبشعرها بتعمل ايه في تليفون جوزك يابت.

ازداد بكاء نداء، ولاحظوا أطفالها هذا، فجلسوا بصمت ينظرون لها، وهتفت صباح بحدة:
_يابت انطقي فهميني ما انتِ عارفة، إني مش بعرف اتنيل اقرا.

ردت نداء تقول بصوت متحشرج من أثر البكاء:
_عاوز يتحوزها الاتنين بيلعبوا بيا يما، بيتي بيتهد يما، وجوزي هيضيع مني.

صاحت صباح بفظاظة:
_يا بختك المايل، يا حظك المهبب يا صباح..

ولكمت نداء على كتفها برفق تقول:
_اسمعي يابت، قومي ندخل جوة بعيد عن العيال يلا قومي هتفضلي تنوحي كده.

استقامت نداء واقفة ومعها صباح التي حذرت الأطفال بلهجة صارمة قبل ان تدلف للغرفة:
_لو شفت حد فيكم واقف ورا الباب هضربه، وانت ياواد يا معاذ خلي بالك من اختك ماشي.

هز الصغير رأسه متفهماً.

و ولجت ومعها ابنتها للغرفة،وهتفت محتدة:
_انتِ هتقعدي تعيطي، لا فوقي لنفسك ولبيتك يا خايبة، جوزك ده لازم تدفعيه التمن.

رمقتها نداء باستغراب.

فاسترسلت صباح تقول:
_أولاً لفي عليه لحد ما يكتبلك الشقة باسمك، وتضمني حقك انتِ والعيال،اهتمام كان فيه وخلص، خفي عليه واقرفيه في عشته..

قاطعتها نداء محتدة:
_انتِ عاوزاه يطلقني يما.

لوت صباح فمها تقول:
_مهو هيعمل كده يا موكوسة، وهيجبلك درة تشاركك في كل حاجة، زي ما قرفان من اهتمامك الزايد اقطعيه،فهمتي يابت.

هزت نداء رأسها واجهشت في بكاء مرير، فاقتربت منها صباح تعانقها وقالت بحزن على فلذة كبدها:
_ربنا يصلح حالك يا بنتي، وقطعي علاقتك بمنال لو جاتلك البيت اوعك تدخليها.

🌺لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم 🌺

كانت تمر أبرار من الخلف للشارع الذي تقطن به نظيراً لأنه مزدحم من الجهة الأخرى وعلى طريقها كانت تمر على ورشة عز…
وقبل ان تصل إليها، مرت سيارة بجانبها تعجبت؛ لأنها تعلم لمن، فتابعت طريقها دون ان تأبه به.

ترجل الأخر من سيارته،و أسرع في خطاه،ليقبض على يدها ويقول محتداً:
_ لدرجة دي علاقتنا وصلت إنك تشوفيني وتمشي زي الغرب.

حاولت أبرار ان تفلت يدها من قبضته وقالت بصرامة:
_عمرو سيب ايدي احسنلك، وانت اللي وصلتنا لهنا.

تحدث الآخر بامتعاض قائلاً:
_هتعملي إيه يعني، ها..

ووضع يده الأخرى يتحسس وجهها، وقال بلين:
_انتِ كلك على بعضك ملكي.

صرخت أبرار في وجهه قائلة:
_ابعد عني يا حيوان.

في تلك اللحظة كان يخرج عز ومعه مصطفى، واستمعا لصوتها، ونظرا على يمينهم، وقال مصطفى ذاهلاً:
_دي أبرار..

فركض سريعاً عز إليها ولكم الأخر على وجهه دون معرفة اي شيء، واستند الآخر على سيارته قبل ان يسقط..

و انصدمت أبرار من فعلت عز؛ ولكن عندما شعرت بالخطر قادم وان عمرو ينظر لـ عز بغضب، وقفت حائلاً بينهما، وقالت بخوف:
_انهوا اللي بيحصل ده، وانت يا عمرو روح علي بيتك.

صاح عمرو بوجهها:
_اوعي من وشي..

ازاحها عز مردفاً:
_تعالي انتِ على جمب كده لحد ما نشوف الاخ ده..

وقبض عز على تلابيب قميص وقربه منه وقال بفحيح:
_قولنا مية مرة اللي مش قد اللعب ما يلعبش،وقولي بقا يا أمور كنت عاوز منها إيه.

رمقه عمرو شزراً وفي غفلة دق عمرو جبينه في مقدمة رأسه، فارتد عز للخلف،واردف عمرو بفظاظة:
_لا انا قد اللعب واعجبك.

هم عز بالهجوم عليه، فوقفت أبرار أمامه تقول بحدة:
_كفاية بقا، عز أرجوك أرجع لشغلك..
وبدلت نظرها إلى عمرو واسترسلت:
_وانت يا عمرو ارجع لبيتك..

رمقها عمرو وغمغم بتمعن:
_جيت اعزمك على شبكتي يابنت عمي، يوم السبت، اوعك تنسي تيجي.

رد عز بغلظة: :
_دعوة مرفوضة ويلا من هنا.

في تلك الأثناء جاء المدعو دبور وقال بلهفة:
_اجيب رجالة الحارة يا معلم.

أجاب عز بتهكم:
_لا ماهو ليه رجلين وهيمشي عليهم دلوقتي حتى بص كده.

حدق عمرو به وكتم غيظاً بداخله وقال وهو يتوجه إلى سيارته:
_الحكاية ما خلصتش وهنتقابل تاني.

صاح عز عالياً:
_وانا مستنيك يا عمهم.

غادر عمرو من امامهم، فوجه عز حديثه لـ أبرار قائلاً:

_انتِ بخير يا أنسة أبرار.

شوحت أبرار بيدها أمام وجهه،فتمتم الآخر بحنق:
_خيراً تعمل شراً تلقى.

تحدث مصطفى الذي مازال واقفاً:
_متزعلش ياعز أصل أبرار وعمرو بيحبوا بعض وكان مفروض يتخطبوا، بس عمو محفوظ طردنا من البيت.

رد عز قائلاً:
_آه، يعني ده ابن عمكم، طاب تعالى تعالى اوصلك البيت، واقول للست الوالدة موضوع خالد ده.

“سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم”

دقت أبرار على باب شقتهم، وفتحت نوال وقالت فور رؤيتها:
_مصطفى مجاش معاكي ليه؟.

ولجت أبرار للداخل وجلست على الأريكة، فاستدارت نول تتساءل:
_ايه اللي حاصل معاكِ؟.

وهمت ان تغلق الباب وتدلف، فرأت عز ومعه مصطفى، فقالت بترحيب:
_اهلاً ياعز يابني اتفضل.

رد عز بود:
_يزيد فضلك ياست الكل..
ودلف مع مصطفى للداخل وجلس بالمقابل لـ أبرار التي كانت تحدجه بغضب ولاحظت نوال ذلك.

تحدث عز قائلاً:
_أنا روحت سألت عن موضوع خالد، وعرفت ان اللي ضربته دي كانت مراته..

غمغمت نوال بدهشة:
_مراته!..

استطرد عز قائلاً:
_أو طليقته يعني نفس حكاية ملاذ نصب عليها اتجوزها اخد قرشين طلقها غيابي، وهي عملت كده بدافع الانتقام.

تحدثت أبرار في حدة:
_يستاهل بني آدم حقير..

استقام عز واقفاً وهو يقول:
_عن اذنكم..

اعترضت نوال طريقه، قائلة:
_لا ازاي مش هسيبك تمشي غير لما تشرب حاجة.

اردف عز مبتسماً:
_الله يكرمك، بس عندي شغل مش هقدر اسيبه متعطل كده.

هتفت نوال بحنو:
_خلاص هبعتلك كوباية شاي مع مصطفى.

خجل عز منها فقال:
_تمام ياست الكل.
وغادر هو..

نظرت نوال على يمينها، ولم تجد أبرار فتمتمت بغيظ:
_شوف البت هربت ازاي!..

دلفت أبرار إلى حجرتها المشتركة مع شقيقتها، وفتحت الباب، لترى ملاذ بهذه الحالة، وقد دب الرعب في قلبها..

الفصل التاسع
#باسم_الحب
#هدير_ممدوح

كان جالساً على مقعداً في صالة الإنتظار، تقدمت منه فتاة بربيع عمرها، بزي رسمي خاص بعملها كسكرتيرة، تحدثت الفتاة بتهذيب:
_محفوظ بيه، الأستاذ بهجت في انتظار حضرتك.
وثب محفوظ واقفاً وهندم من ثيابه وسار خلفها بتريث، حتى فُتح باب مكتب، ودلف إليه
فاستقام الآخر من خلف طاولة مكتبه، ودنا منه وعانقه قائلاً:
_ليك وحشة يا راجل، إيه ياعم مش بنشوفك ليه؟..
اتخذ كلاً منهم مكانه،واجاب محفوظ:
_ما انت عارف بقا مشاغل الدنيا.

_انت هتقولي بعمايل الدنيا، بس إيه اللي فكرك بينا يعني؟.

رد محفوظ قائلاً:
_جاي اعزمك على شبكة ابني، بكرة إن شاء الله، وهكون في انتظاراك.

هتف بهجت مبتسماً:
_ده ايه الهنا والسرور ده، ألف مليون مبروك، وربنا يتمم بخير.

هم محفوظ ان يرد، فانفرج الباب على عاقبيه، ودلف شاب في مقتبل العمل ببنطال ابيض متسع وتيشرت أسود رجالي وسلسلة وضعت بعنقه، هتفت السكرتيرة من خلفه في وجل:
_انا آسفة يا بهجت بيه، بلغت أستاذ نادر ان عندك ضيوف..

رفع بهجت يده ليمنعها عن الحديث وقال بتريث:
_تمام روحي انتِ دلوقتي..

دلف الشاب وجلس بالمقابل لـ محفوظ غير مبالياً بشيء، فابتسم محفوظ قائلاً:
_كبرت يا نادر وبقيت راجل..

رد نادر باقتضاب:
_متشكر..

جز والده على أسنانه بغيظ، واردف بضيق:
_سلم على عمك محفوظ يا نادر.

صافحه محفوظ بتحفظ، وقال الاخر بحنق:
_اخبار حضرتك إيه يا عمي.

غمغم محفوظ بخفوت:
_كويس يابني الحمدلله،طمني عليك وعلى مستقبلك..

ابتسم والده وقال بتهكم:
_من جهة مستقبله فاطمن، مش نافع في حاجة، سافر برة يكمل تعليم رجع واحد تاني خالص،أسوأ من اللي كان قبل..

تحدث نادر بحدة:
_بابا مش واخد بالك إنك شوهت سمعتي قدام ضيوفك..

هم والده بالرد، فقال محفوظ بعدما احس بحدة الجدال بينهم:
_استئذن طاب انا يا بهجت، وهستناك تيجي على الخطوبة

اردف بهجت بعجل:
_طيب استنى دقيقة..
واخرج دفتر الشيكات الخاص به ودون شي، ومد يده به قائلاً:
_الشيك ده للملجأ، هات كل اللي عاوزينه البنات.

تسائل نادر في غموض:
_بنات!..
هو عمو محفوظ عنده دار أيتام.

أجاب والده اولاً:
عمك محفوظ مدير لدار أيتام.

تمعن نادر النظر في محفوظ وقال بنبرة لينة ورجاء:
_طيب ممكن يا عمي ابقى اجي، أصل بحب فعل الخير جداً، وخصوصاً لو بنات بيبقوا اكتر احتياجاً.

رد محفوظ بتفهم:
_اكيد يابني، تشرف في أي وقت عن اذنكم.

وغادر محفوظ المكان، ليتمتم بهجت بتعجب:
_وانت من امتى ياولد بتحب فعل الخير؟!.

أجاب الاخر بمكر:
_لسة من شوية بقيت احبه.

🌺صلي على محمد 🌺

وصلت أبرار إلى حجرتها، وعندما دفعت الباب، رأت ملاذ بهذه الحالة بيدها دبوس صغير تقوم بوخزات عديدة في أصبعها، فأسرعت بغلق الباب..

وعندما أحست ملاذ عليها اخفت الدبوس أسفل الوسادة..

ودنت منها أبرار وهي تقبض على يدها وتتمعن النظر في اصابعها وتقول بحدة:
_إيه اللي بتعمليه في نفسك ده، انتِ خلاص عقلك راح منك.

وقفت لها ملاذ بالمرصاد، وانبلجت ابتسامة بلهاء على شفتيها، وقالت كمن مسه الجنون وهي تضحك:
_دي مش أول مرة أنا بقيت أحب اشوف الدم، مش برتاح غير لما اعمل كده..

حدقت بها أبرار بغرابة، وتوجست خيفةً في نفسها، فبدت اختها كمن مسه جن؛ ولكنها تعلم علتها فكل تلك الأعراض تدل على شيئاً واحد
“اكتئاب حاد”، ومن حظ أختها انها كانت تنجو كل مرة، فمريض الاكتئاب سيظل يقول أنه يريد الانتحار ويأتي في لحظة غفلة وينفذ؛ لذلك عليها أخذ اختها إلى طبيب نفسي في أسرع وقت، فهي تدرس علم النفس وتعلم الكثير عن خفايا هذا المرض.

༻ لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم༻

صاحت أبرار وهي تجلس بجانب والدتها على الأريكة:
_يا أمي اسمعي بس، وهو من امتى اللي بيروح لطبيب نفسي يبقا مجنون، ليه الناس شايفة الموضوع بالمنظور ده.

ردت والدتها بحدة:
_وانا قلت لأ يعني لأ، مش هاخد بنتي عند حد، انا بنتي مش مجنونة.

ضربت أبرار كفها بالأخر وغمغمت بضيق:
_لا حول الله يارب..
يا أمي ياحبيبتي، باختصار كده وبالبلدي المريض النفسي ده الدنيا جات عليه حبتين تلاتة، وبقا عنده تراكمات ودخل في اكتئاب، طاب انتي عارفة ان معظم الوفيات بتموت بسبب ضغوط نفسية.

احتدت نوال قائلة:
_ياستي أنا مالي ومال الناس دي، انا بنتي زي الفل، وبكرة تبقا أحسن.

قالت أبرار بامتعاض:
_يعني هنستنى لما نلاقيها انتحرت.

_انتحرت!..

ردت أبرار بجدية:
_ايوة يا أمي بنتك حاولت الانتحار، صدقيني يماما كل ده في مصلحتها، ولازم ناخدها لطبيب نفسي.

ران الصمت قليلاً، وبدا على نوال التفكير..
ورفعت رأسها بعد قليل تقول:
_تمام موافقة..

شقت السعادة طريقاً لوجه أبرار، وانبلجت بسمة على مُحياها، وهمت ان تتحدث بشيء فقاطعها صوت طرقات على الباب.

فقالت نوال:
_روحي شوفي مين..

غمغمت أبرار بتريث وهي تمر:
_حاضر.

فتحت أبرار الباب بعد ثوانِ، ورأت السيدة صباح واقفة ويبدو انها شاردة بشيء…

اما صباح فبعد رحيل ابنتها، أحست كما ان هناك شخصاً وضح حجر على قلبها، فكل تلك القوة والصلابة مزيفة، وخلفها شخصاً هش للغاية، ولم تعلم ماذا تفعل، غير انها وجدت نفسها تذهب إلى جارتها “السيدة نوال”.

عقدت أبرار حاجبيها بتعجب، وقالت بخفوت:
_ست صباح، اتفضلي ادخلي..

نظرت إليها صباح بتيه واردفت وهي تمر للداخل:
_تسلمي يابنتي..

عانقتها نوال بمحبة، واردفت بعد ان جلسوا:
_أبرار روحي يابنتي اعملي كوباية شاي لخالتك.

علقت صباح قائلة:
_خليها تقيلة يا أبرار، راسي هتنفجر مني.

ذهبت أبرار بهدوء، وقالت قبلها:
_من عيني حاضر.

غمغمت صباح بهدوء:
_تسلم عينك يابني..

تطلعت إليها نوال بتعجب من هدوئها وتسائلت بحذر:
_مالك يا صباح فيكِ حاجة،كأنك شيلة هم جبال..
واسترسلت نوال وهي تربت على يدها:
_شاركي همك ياختي،وبإذن الله هتتحل.

همت صباح بالرد ،فاستمعوا لدقات عالية على الباب..
فوثبت نوال تقول:
_هشوف مين وارجعلك..
هزت صباح رأسها بنعم..

وقامت نوال بفتح الباب لتتفاجئ بسميرة أمامها، والتي ازاحتها وتقدمت خطوتان وقالت بصوتً عال:
_إيه هي أبرار مش موجودة؟.

استدارت صباح تنظر خلفها لتراها ، و جائت أبرار على صوتها..

دنت صباح منهم تقول:
_انتِ كمان ليكي عين تيجي هنا تاني، ولا محتاجة علقة كمان.

شعرت سميرة برهبة من وجود تلك المرأة، ولكن ما ان رأت أبرار قالت بثقة:
_لا ياحبيبتي المرة دي جاي لفرح..

اردفت نوال بحنق:
_عاوزة إيه يا سميرة هانم.

رفعت سميرة حاجبيها تقول بمكر:
_جيت اعزمكم على خطوبة عمور ابني بكرة، هستناكم.

واستطردت وهي تنظر لصباح وقالت بستفزاز:
_وانتِ يا اسمك إيه، ابقي تعالي معاهم هيكون في اكل ببلاش.

كادت أبرار ان تقترب منها وهي تقول محتدة :
_بتقولي إيه يا…
قاطعتها صباح وهي تضع يدها تمنعها من الاقتراب، فنظرت إليها أبرار بدهشة،وقالت صباح بثبات:
_اكيد أول واحدة هكون موجودة وهشرفك يا عيوني..

ودنت منها وهي تقبض على يدها وسحبتها خلفها للخارج وقالت بغضب:
_يلا بقا من هنا نشوفك بكرة يا عسل.

واستدارت تقول بعزم:
_اسمعوا انتو الاتنين بكرة نلبس ونروح الخطوبة دي.

نظرت أبرار لوالدتها، وعلى جانب شفتيها بسمة ماكرة.

🌺لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم 🌺

“في المساء”
عادت فاطمة من جامعتها وبعدما تناولت طعامها، دلفت إلى غرفتها، كان بيدها هاتفها تظهر على شاشته صورة للمدعو “إسلام ”
تنظر إليه بهيام ..
فهل يعقل بأن يسلب العشق عقل المرء هكذا؟!.

أهملت كل شيء صلواتها، ثيابها التي لا تصف ولا تشف، و وردها اليومي، وعند أوقات الصلاة لم يعد الأذان يهز قلبها، ومع الفجر عند قول المؤذن الصلاة خير من النوم.. اصبحت تفضل النوم عن الصلاة، كي تراه في أحلامها، فهل يشفع لها الحب بعد كل هذا؟.. ام أنه لصبح نقمة في حياتها!..

اهتز الهاتف بيدها معلناً عن مكالمة حديثة، وما ان رأت اسم المدعو عليها تعجبت، ولكن بعد ذلك أسرعت فالرد…
_الو..

تحدث الاخر قائلاً :
_ست البنات أستاذة فاطمة، ايه الأخبار.

ردت فاطمة بضيق:
_تمام، بخير..

تسائل مرواغاً:
_حبيت النهاردة اوريكي جزء من شغلي، اطمنتي.

وعند ذكر هذا ابتهج قلبها، وهي تتذكر حديثها معه ووقفته أمامها..

وابتسمت قائلة:
_مش عارفة اشكر حضرتك ازاي..

رد “جاد”بخفوت:
_لا الشكر مش دلوقتي، خليه للأخر..
وتابع قائلاً:
_بس خدامنا ليهم طلبات..

اعتدلت فاطمة في جلستها وردت بتوتر:
_اتفضل..

رد جاد بمكر:
_ألف جنية!.

صاحت فاطمة بحنق:
_إيه؟..

اجاب بتريث:
_الموضوع مش بالسهولة وللعلم، انا مخفض معاكِ عشان عارف حالتك كويس، ومروان موصيني عليكِ، ولا عاوزة ننهي الحوار كله برضه مفيش مشكلة عندي.

وعند ذكر إنهاء، كل شيء تمرد قلبها عليها، وقالت بخفوت:
_لا تمام انا هتصرف.

_حلو بس لازم بكرة.

ردت فاطمة بخفوت:
_تمام.

وانتهت المكالمة

كانت سارة في حجرتها، رن هاتفها برقم جاد، والذي صاح فور استقبالها المكالمة..
_تمت المهمة يا كبير..

هتفت سارة بحماس:
_ايوة هو ده الكلام.

رد الاخر بتساؤل:
_إلا قوليلي عملتيها ازاي دي؟.

قالت بلا مبالاة:
_ولا أي حاجة، قبل ما يدخل من الباب وقفته قولتله، انه في جزء زميلتي فاطمة مش قادره تفهمه وانها يا حرام مقطعة نفسها من العياط وخايفة تشيل المادة، وهو رحب جداً وكلمها بس.

رد الآخر باعجاب:
_لا برافو عجبتيني، المهم بكرة وانتي و جاية مع مروان للضحية الجديدة ابقي هاتي منها الفلوس.

تمتمت سارة بهدوء:
_تمام.

🌺اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد 🌺
حل اليوم التالي، وفي منتصف النهار..
كانت تتم التحضيرات على أتم الاستعداد في منزل محفوظ، الذي تغيب اليوم عن عمله ليشرف بنفسه مع زوجته على تحضيرات حفل خطوبه ابنه الوحيد، كان العمال يزينون الركن الخاص بالعروسين،في حديقة المنزل الخلفية..

دنا منها عمرو يقول بضيق:
_ساعة وهروح اجيب ريهام من البيوتي سنتر.

تمعن والده النظر به ليقول بدهشة:
_مالك مكشر ليه؟.. بقا ده منظر عريس.

هتف عمرو محتداً:
_لأني مش عارف إيه اللي انا عملته ده، انا بحب أبرار وبس.

رد والده بغضب:
_ولد اوعك تفضحني قدام الناس، منظري هيبقا ايه، أبرار دي تنساها خالص.

دنا عمرو من والده خطوتان، وقال بتحذير وقلة تهذيب:
_لو فاكر إني هخاف منك وهكش تبقا غلطان، انا مبقتش عمرو بتاع زمان.

دفعته سميرة بحدة وصاحت قائلة:
_واللهِ عال وبقالك صوت دلوقتي، أبرار خلاص كان فيه وخلص..
وتوقفت عن الحديث وهي تفكر بشيء ثم قالت بلين:
_انا أمك ومش عاوزة غير مصلحتك، دلوقتي أبرار لما تشوفك جمب واحدة غيرها هتحس بقيمتك، وتحفى وراك فهمت.

لم يتفوه عمرو بحرف، فقط حدجهم بغضب بيّن، وغادر من أمامها وفور ذلك، قال محفوظ:
_انتِ بتعشمي الواد على مفيش.

ردت سميرة بمكر طل من عينيها:
_لا و هو أنت فاكر ان نوال ممكن تدينا البنت بعد ده كله لا يمكن، ولا البت هتوافق بعد مرمطة أهلها، انا بس باخد ابننا على قد عقله.

رد الاخر بنفس نبرتها:
_يا دماغك يا ست.
وضحكا معاً..

💗استغفر الله العظيم واتوب إليه 💗

كانت واقفة أبرار بشرفة حجرتها، ودموعها تتساقط بهوادة على وجنتيها، فرغم ذلك عاشت على محتمل ان يكون عمرو زوجها يوماً، وقديماً حلمت بيوم خطبتها معه؛ ولكن لم يخطر يوماً مثل هذا على ذهنها قط.

تقدمت منها ملاذ واستندت بيدها على مقدمة السور، وتحدثت بتريث:
_انا كمان عمري ما اتخيلت ان دي هتكون نهاية حياتي مع خالد، وفنفس الوقت بفكر مع نفسي انه لو أخدني فعلاً معاه لبلد غريبة وسابني، تعرفي كنت هرجعلكم ميتة، فالحمدلله إني كنت وسط أهلي.

أزاحت أبرار دموعها سريعاً، ونظرت لـ ملاذ قائلة بثبات:
_لا أنا كويسة،ومش ببكي عشان عمرو ولا حاجة..

تبسمت ملاذ وهي مازالت على نفس وضعها، و اردفت:
_مع اني مجبتش اسم عمرو، بس عموماً مفيش داعي تخبي، مشاعر الإنسان بتفضخه في أوقات كتير.
وصمتت لثوانِ وقالت بعدها:
_ اختصار الكلام.. مفيش أجمل من اختيار ربنا ليكي خليها تيجي زي ما تيجي، خليكِ حرة، واوعك فيوم تقيدي نفسك بحد، لأنك هتبقي معيشة نفسك في سجن.

قالت أبرار وهي تحاورها:
_وانا هعمل بنصيحتك، صحيح اوعي تغيري رأيك بكرة هنروح لدكتور نفسي، أنا خلاص خدتلك موعد.

تسائلت ملاذ بذهول:
_انتِ جايبة فلوس منين؟!.

ردت أبرار قائلة:
_بابا حبيبي الله يرحمه، كان يبعتلي كل اسبوع مبلغ على محفظتي بسيط كده يعني، ويقولي اشتري اللي نفسك فيه بعيداً عن اي مصاريف جامعة.

تبسمت ملاذ قائلة:
_ الله يرحمه، كان بيعمل معايا كده،وانا قبل فرحي صرفت كل اللي كان معايا.

شعرت أبرار بأن نبرتها عادت مائلة للحزن، فقالت بمرح:
_لا أوعك، مش هنرجع لنقطة الصفر تاني عاوزين نطلع من النكد ده..

طرقات على الباب استمعوا لها فقالت أبرار وهي تمر:
_هروح أشوف مين ورجعالك.

اومأت لها ملاذ رأسها..

وفتحت أبرار الباب وجائت نوال في نفس اللحظة، ليروا السيدة صباح، التي تسائلت بدهشة:
_إيه انتو لسة مش جاهزين يعني؟

قطبت نوال حاجبيها بتعجب، و اجابت:
_جاهزين لإيه؟!.

ردت صباح بحنق:
_مالك انتِ وهي نسيتوا النهاردة شبكة عمرو أبن سلفك.

ردت نوال بملل:
_ايوة بس مش رايحة أكيد عاملينها فجنينة البيت ده ومش هدخله.

ابدلت نظرها لـ أبرار قائلة:
_إيه يابت يا أبرار، هتوقفي ساكتة الست جات وهانتنا، وعاوزانا نشرفها مش يلا بينا…
واسترسلت بغضب:
_حسب أنا كيادة موت.

ضحكت أبرار بمياعة وقد خرجت من صمتها لتقول:
_يلا يا معلمة نخربها فوق دماغهم ..

رمقتها نوال بحدة، لتقول صباح:
_انتِ لسة هتبحلقي للبنت، انجزي، روحي البسي يلا…

🌺صلي على محمد🌺

في منزل نداء ارتفع صوتها وهي تسير خلف زوجها وتقول:
_بقولك ده لمصلحتك، لازم تنقل الشقة بأسمي.

ألقى سيد قميصه على الفراش، و أدار وجهه وصرخ بقا قائلاً:
_فيكِ إيه، من يوم ما جيتي من عند أمك وانتِ قالبة، لمهتمة بالأكل ولا نضافة الشقة ودايرة ورايا تقولي أكتب الشقة بأسمي، هي سلطتك عليا.

اردفت نداء بهدوء، وقالت كما اتفقت مع والدتها:
_أنت اخوك دلوقتي رجع من السفر يقول دي شقتي، وبعد ما سابها السنين دي كلها عاوز يرجع ياخدها بعد ما اتجددت.

قال سيد بجدية:
_الشقة باسمي مش هيقدر يعمل حاجة اطمني، وفي شقة في بيت ابويا اتفقنا ياخدها، والكلام ده من شهر، وبعدين مش أهلي خيرونا يا أما هنا يا أما معاهم فالبيت، وامك قالت تبقا بعيدة عنهم أحسن، وهو سافر بعد الفرح، جرالك ايه دلوقتي..

أحست نداء انها في مأزق؛ ولكنها قالت سريعاً:
_بس مش حاسة بـ الأمان، أنت عارف اخوك راسه و ألف سيف يجي هنا واحنا نروح في بيت العيلة خطيبته عاوزة كده، وبعدين انا بعمل كده عشان ولادي، لم تكتب الشقة باسمي مش يقدروا يعملوا حاجة؛ لكن طالما باسمك لسة محاولاتهم كتير.

ضيق سيد عينيه وقد بدا عليه التفكير في الأمر، فقاطعهم طرقات عالية على الباب فتركته نداء وذهبت لترى من، وتفاجئت برؤبة منال أمامها في هذا الوقت.

الفصل العاشر

بقلمي: هدير ممدوح.

غابت الشمس وجثم الليل على الأرض..

تفاجئت نداء من مجيء منال في هذا الوقت، فهي كانت تأتي دائماً في النهار..والغريب كيف لم تلاحظ نيتها السيئة، وافعالها المريبة..

اخرجتها منال من شرودها تقول بوقاحة:
_إيه هقف كتير، وهو جوزك رجع ولا لا لسة..

دفعتها نداء للوراء و اغلقت بابها، وسحبت يدها ليقفوا بعيداً عن الشقة بقليل ، وقالت بهمس:
_مش هقدر ادخلك..

رفعت منال حاجبيها بصرامة وتسائلت:
_يعني إيه؟

هتفت نداء بامتعاض:
_زي ما سمعتي كده، جوزي راجع تعبان من الشغل ومحتاج مراته جمبه، ومش عاوزين حد يعطلنا، سلام انتي دلوقتي..

_سلام، انتِ متسربعة كده ليه!.. قالتها منال بتعجب من أمر نداء.

عقدت نداء ساعديها أمامها لتقول بتحدي:
_يعني بعد كده مش هينفع أدخل واحدة غريبة وجوزي موجود.

غمغمت منال بذهول:
_غريبة!..

أضافت نداء بتبرير:
_اصل كنت عند أمي ، وحاكتلي عن واحدة عندنا فالحارة صحبتها الشيطانة مطلقة، ولفت عليها لحد ما خدت جوزها منها، من وقتها قررت طول ما حبيبي هنا مش هدخل حد بينا.

حمحمت منال بتريث، واعتدلت في وقفتها تقول:
_ احم تمام، همشي انا يا صحبتي.

ردت نداء بحنق:
_سكة السلامة يا حبيتي..

وما ان توارت عن أنظارها، غمغمت قبل ان تدلف للداخل:
_حرباية بصحيح..
وصفعت الباب بقوة.

🌺صلي على محمد 🌺

دلفت نوال مع ابنتها والسيدة صباح وهم ينظرون إلى تلك الأنور المبهرجة التي ملئت هذا البهو الأنيق بإعجاب، وموسيقى خافتة ملئت المكان، رآهم محفوظ أولاً فاقترب من زوجته وقبض على يدها وسحبها بعيداً عن أعين الحاضرين، قائلاً بحدة وهو يؤشر على نوال:
_مين عزم دول هنا..

ابتسمت سميرة برضا والتي كانت تظن بأن تلك الفعلة ستشفي غليلها، فقالت بغل وهي تبعد يد زوجها عنها:
_انا اللي عزمتهم عشان اكسر فرحة بنتها..

رد محفوظ محتداً:
_ادعي تمر الحفلة دي على خير..
وتاركها مغادراً وهو يدك الأرض دكاً من شدة غضبه.

ببنما ابتسمت هي بمكر، ودنت منهم لتقول:
_نورتي بيتي يا سلفتي..

ردت صباح لها:
_قصدك بيتها يا حلوة.

حملقت بها سميرة واردفت:
_معلش بقا هنتأخر عليكي فالأكل، بس هيعجبك متقلقيش.

كظمت صباح غيظها، وردت بتهكم:
_ده لو الحفلة مرت على خير يا حلوة، مين عالم بتغيير الأحوال..

لم تبالي لها، بل نظرت لـ أبرار تقول بوقاخة:
_معلش يا أبرار كان مفروض يكون مكانك، بس نعمل إيه كل واحد لازم ياخد من قيمته.

ردت أبرار في برود قائلة:
_ايوة طبعاً، أصل الرخيض للرخيص.

اغتاظت منها سميرة وبدت كطنجرة مياه تغلي،واردفت صباح وهي تربت على كتف أبرار:
_واحنا بنتنا غالية أوي، وبكرة يجيلها راجل مش عمور..

كادت سميرة ان تنفجر بهم وترد، ولكن اوقفها دخول ابنها والعروس تحت تصفيق الحضور..

فغادرت من أمامهم غاضبة..

اتخذ العروسين مكانهم، ولوهلة شردت أبرار، وترقرق الدمع بقلتيها وهي تتخيل نفسها مكان تلك الفتاة..

رأت صباح إندماج سميرة مع امرأة، وهم جالسون على إحدى الطاولات وزوجها جالس بالمقابل لهم مع رجل، فمالت على أُذن نوال تقول:
_شكلها دي أم العروسة وابوها تعالي بقا عشان نعرفها قيمتها.

قالت نوال بهدوء:
_انا بقول بلاش مشاكل.

صاحت صباح قائلة:
_لا بقولك ايه دي هانتنا و عاملتنا معاملة الشحاتين، امشوا معايا كده..

وقبضت على أيديهم وساروا للأمام وما ان اقتربوا من الطاولة اطلقت صباح الزغاريد..

فهتفت سميرة بفزع :
_إيه الطريقة السويقية البيئة دي.

وقفت لها صباح بالمرصاد، وهتفت:
_بقا دي معاملة يا سميرة ياختي تقولي اقفوا استنوا الأكل، مكسوفة مننا برضه أكمن لبسنا ولمؤاخذة أسود ومش قد المقام..

واسترسلت وهي تلتقط أنفاسها:
_ بس العيب عليكم كنت خليته الشبكة بعد ما كمل سلفك على الأقل نص سنة، أو اتعملت على الضيق.

ر محفوظ بغضب:
_انتِ مين ياست؟..

قالت صباح بعدما علمت هويته:
_أخص عليك بتستعر مننا قدام نسايبك..

تسائل والد العريس بضيق:
_مين دول يا محفوظ؟!.

اردفت سميرة بحدة وهي تدفع نوال:
_دول شحاتين بيألفوا حكاوي علينا..

خرجت نوال عن صمتها لتقول محتدة وهي تدفع يدها:
_لا عندك..

وقالت وهي تتمعن النظر بهم:
_انا ابقا مرات أخوه يعني مرات عم عمرو، وليا فالبيت قد ما ليهم واكتر، بس ربنا على الظالم والمفتري، الأستاذ استنى لما أخوه ما مات وطردنا من البيت أنا وولادي..

معقول!.. قالتها والدة العروس بدهشة.

واستطردت نوال تقول:
_وهي جات تدعينا عشان خاطر تكسر قلب بنتي،مهو كان بيحبها وقرا الفاتحة عليها، بس نن عين أمه مش بيقدر يرفضلها طلب، ولم انطردنا من بيتنا وقف يتفرج..

تناولت صباح باقي الحديث تقول :
_يعني تحمدوا ربنا انكم عرفته حقيقة الناس دي وأصلهم قبل ما بنتكم تضيع..

احتد محفوظ، وصرخ بهم :
_أطلعوا برة بيتي، مش عاوز أشوف وشوشكم.

لاحظ الحاضرين الجدال بينهم، وعمرو أيضاً، فدنا منهم سريعاً، وتسائل:
_بابا في إيه؟..

ونظر لـ أبرار يقول:
_أبرار انتِ جيتي عشاني..

لوت صباح فمها تقول لـ محفوظ:
_محموق أوي ليه كده يا خويا هنطلع هو قصر عابدين يعني.

اعترض عمرو طريقهم:
_مرات عمي، أبرار خليكم محدش يمشي ده بيتكم برضه.

صاح محفوظ غاضباً:
_ولد أرجع مكانك يلا..

هتفت والدة العروس بامتعاض :
_لا مش ممكن إني أجوز بنتي من واحد شخصيته معدومة، وكمان واكلين حق يتامى…

رد زوجها بتريث:
_عندك حق ياحبيبتي، براحة كده الناس تمشي وناخد بنتنا من غير مشاكل ..

اردفت سميرة تقول بلين:
_ميرفت مش معقول هتصدقي كلام الناس دي..

رفعت ميرفت يدها بوجهها ،قائلة:
_ولا كلمة، خلاص كده كل واحد يروح لحاله.

ومروا هي وزوجها من أمامهم

و قهقهت صباح لتقول في سعادة:
_لو عوزتينا المرة الجاية اهو عارفة العنوان ابقي تعالي..
القت جملتها تلك وذهبت من أمامهم، ومعها نوال و أبرار…

قالت صباح مبتسمة :
_انبسطنا واللهِ ياولاد، مع إني عمري ما فرح لخراب فرحة حد، بس الولية دي بنت حلال و تستاهل، وانتِ يا نوال عجبتيني.

ونظرت لـ أبرار تقول:
_وانتِ يابت يا أبرار أوعي تزعلي على دكر البط ده.

قهقهت أبرار على قولها، وقالت مبتسمة:
_بالعكس أول مرة أحس إني مرتاحة كده.
ربتت نوال على ظهرها بحنو، و إشارت لسيارة أجرة وغادروا.

بعد رحيل الحضور من منزل محفوظ، دلف عمرو وابتسامة جميلة زينت ثغره ليقول ببهجة:
_شوفته بتحبني ازاي.

ردت سميرة بحنق:
_ياعم اتنيل دي الست اللي معاهم هي السبب.

كان محفوظ جالس معهم يهز قدمة بغضب بيّن، فوثب قائماً، وزجر في نظرة مخيفة وهو يهدر بوجهها:
‘ايه اللي عملتيه ده؟!..

انسحب عمرو غير مبالياً بهم، واستدارت سميرة برهبة تقول:
_مكنتش عارفة ان حاجة زي كده ممكن تحصل.

رفع سبابته بوجهها يقول بتحذير:
_لو حصلت و اتكررت تاني صدقيني لهطلقك فالسن ده، فاهمة.

ارتج جسدها بوضوح بعدما جأر بكلمته الأخيرة، وما ان توارى عنها، حتى ضيقت أعينها بشر هاتفة:
_ليكم يوم يا تربية الحواري.

༻لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ༻

“في الصباح”

توجهت فاطمة سريعاً إلى الورشة التي يعمل بها شقيقها، وقفت أمامها ونادت عليه.. فخرج الآخر يتسائل بتعجب:
_إيه يافاطمة في حاجة حاصلة!..

نفت فاطمة تقول:
_لا أنا بس كنت عاوزة منك حاجة، بس متقولش قدام أمي.

ضيق عز عينيه :
خير يافاطمة عاوزة إيه؟!

أضافت فاطمة بكذب:
_الدكاترة عملت ملازم ومراجعات، وكنت محتاجة فلوس عشان اشتري،و خفت اقول لماما.

ابتسم عز باطمئنان يقول:
_ياستي ده انا قلبي وقف، وانتِ بتتكلمي بالطريقة دي، المهم عاوزة كام يعني؟..

اردفت فاطمة بتوتر:
_ألف جنيه…

ضاقت ملامح عز ليهتف بعجل:
_ألف مرة واحدة.

ردت فاطمة بضيق:
_أعمل إيه يعني هو ذنبي.

_خلاص، خلاص استني دقيقتين، قالها عز وهو يذهب من أمامها.

دقائق قليلة وعاد عز، أعطاها المبلغ المطلوب قائلاً:
_ألف اهي ياستي استلفتها من زميلي عشان خاطرك.

اخذتها منه فاطمة وتمتمت بخفوت:
_شكراً..
وغادرت من أمامه.

“الرابعة عصراً”

جلست ملاذ أمام الأخصائي النفسي، ودقات قلبها تعلو وتهبط من أثر التوتر البادي عليها ، وبالخارج كانت تنتظرها أبرار.

صوت الطبيبة قاطع هذا السكون:
_أخبار حضرتك إيه أستاذة ملاذ..

ردت ملاذ بخفوت وهي ناكسة الرأس:
_بخير الحمدلله..

ابتسمت الطبيبة قائلة لتكسر حاجز التوتر بينهم:
_انتِ شخص غالي جداً على وداد بنت خالتي، كل ربع ساعة ترن توصي عليكي.

اجابت ملاذ بصوت خفيض:
_وداد صاحبة أبرار اختي.

هتفت الطبيبة بجدية:
_أسرار المريض عمرها ما هتطلع من هنا، إلا في بعض الحالات بنبقا مجبورين، وبنوصي المرافق بكام حاجة..

وزفرت الطبيبة بعمق تقول:
_استرخي يا ملاذ الموضوع مش محتاج كل التوتر ده مفيش حرف واحد هيطلع من هنا.

رفعت ملاذ رأسها تطلَّع إليها، و اومأت رأسها بخفوت..

فـ استأنفت الطبيبة حديثها:
_احكي كل حاجة، وحتى لو حاجات عدت عليها سنين،ومش قادرة تتخطيها،اتكلمي…

خفق قلبها بشدة وهي تتذكر ذكرى مريرة مرت على خُلدها، بـالأصل هي لم تنساها قط؛ وكان سبباً كبيراً لتعاني من وحدة واكتئاب..

اردفت ملاذ أخيراً ما ان هدأت ثورة تفكيرها لتقول بصوت خائف مرتجف، و أعين زائغة:
_عمي، عمي محفوظ كان بيتحرش بيا..

ضيقت الطبيبة أعينها، ومالت بجزعها للأمام وهي تصغي السمع..
ولكن هل حقاً يوجد أخ كهذا، يأكل لحم أخيه نيئاً؟!..

🌺أستغفر الله العظيم واتوب إليه 🌺

كان واقفاً ينظر بدهشة لهذه الجريمة الشنعاء الذي افتعلها منذُ قليل، رفع ثيابه، والتقط التيشرت الخاص به.. ونظر حوله والرعب دب ثنايا قلبه..

وقعت أنظاره مرة أخرى على تلك الفتاة التي لا حول لها ولا قوة، مجردة تماماً من ملابسها، ويوجد دماء أسفلها، اقترب منها يتلمس عنقها ليرى ان مازالت على قيد الحياة أم فراقتها..

ارتجف داخلياً وتصبب عرقاً وهو ينظر لما اقترفه مذهولاً وتمتم بخفوت:
_ماتت!..لازم أهرب.

و ماكاد ان يغادر تلك الغرفة المخصصة لتخزين الطعام.. حتى رآه يقف أمامه، وحدق بالفتاة بصدمة، فرفع يده ليلطمه على وجهه، واستدار برأسه للجهة الأخرى من شدة اللطمة فتحسس وجهه برفق وهو يشعر بنيران تلتهمه، فأخرج الرجل هاتفه وتعالي صوته بالمكان يقول:
_الو يا بهجت تعالى شوف المصيبة اللي ابنك حطنا فيها.

و أنهى المكالمة.. فقال الشاب بذعر:
_عمي محفوظ اسمعني.

قبض محفوظ على تلابيبه ودفعه ليتساقط بين صناديق ممتلئة بالخضار، وتقدم محفوظ من الجهة الأخرى والتقط غطاء كان يعلو قفص الطماطم وقام بستر جسد الفتاة.

ورمقه بنظرت مخيفة وجأر محتداً:
_عارف يا لا اللي هببته ده اسمه إيه، ده اغتصاب يا حيوان..

نكس نادر رأسه بخوف،فتابع محفوظ:
_لو حد حس هيتخرب بيتي يا زبالة، أنا المسئول عن كل البنات اللي هنا .

رفع نادر رأسه وهتف بعجل:
_محدش هيحس، ومحدش هيسأل عليها، هندبر أي ورق إنها طلعت من الدار اتبنتها إحدى العائلات، وندفنها.

دنا منه محفوظ ليلكمه في وجهه، فخرجت القليل من الدماء من أنفه، فاحتدت نظرة نادر ليقول:
_مش أنا وحدى الحيوان، لأن لو الحكاية اتعرفت، الكل هيعرف عن مدير دار الأيتام المتحرش.

_أخرس ياكلب.. صاح بها محفوظ وهي يلطمه على وجنته.

تعالى رنين هاتف محفوظ، ليلتقطه الآخر من جيب بنطاله، وأتاه صوت بهجت يقول:
_أنت مش موجود في مكتبك.

ورد بعجل:
_نادر خلي حد يدلك على المكان اللي بنخزن فيه الأكل، وتعالى..

وجلس محفوظ جانباً وهو يضع يديه بين راحتيه ينظر كل حين والآخر على جسد الفتاة الملقي بشفقة.

🌺استغفر الله العظيم واتوب إليه🌺

انتهت ملاذ من جلستها النفسية مع الطبيبة، وجعلتها أبرار تنتظر قليلاً فحين شراء الأدوية الذي كانت عبارة عن شريط واحد من الحبوب..
قامت بتخبئته بحقيبتها، وما إن رأتها ملاذ لتقف تقول:
_يلا بينا.

اجابت أبرار بهدوء:
_خليكي ثوانِ الصيدلي قال في بديله، و إني اجي اسأل الدكتورة الأول..

استمع لها الشاب الجالس بالخارج مسئول عن تنظيم العيادة، فقال:
_تطلع الحالة اللي جوة وادخلي اسألي الدكتورة.

بعد قليل خرجت فتاة، ليؤشر الشاب لـ أبرار بالدخول، فدخلت، واستقبلتها الطبيبة بإبتسامة، صافحتها أبرار بود قائلة:
_أنا أخت ملاذ..

أشارت الطبيبة بتفهم على الكرسي، وغمغمت بهدوء:
_اتفضلي..

جلست أبرار تقول بحرج:
_الحقيقة كدبت وقلت ان الدوا مفيش، عشان أدخل اسألك عن حالة ملاذ..

ردت الطبيبة بتفهم:
_احترم رغبتك بس مقدرش اطلع أي سر من اسخرار مرضاي حتى لو كنتي اختها دي رغبة أستاذة ملاذ، بس في حاجة لازم تعرفيها.

عقدت أبرار حاجبيها بتعجب..

واستطردت الطبيبة تقول:
_الإكتئاب عند ملاذ من الصغر، واطور الأيام دي بسبب آخر الأحداث معاها، عينك تبقا على اختك راقبي كل تصرفاتها كويس.

ردت أبرار تقول بدهشة:
_من وهي صغيرة ازاي..

قالت الطبيبة بعملية:
_في حاجات ناس كتير مش واخدة بالها منها، وأولهم صحة ولادهم النفسية والبيئة اللي عايشين فيها، سؤال..
محدش لاحظ على ملاذ علامات الخوف والذعر، انها بتبقى لوحدها كتير..

قاطعتها أبرار تقول:
_من زمان وهي بتحب تقعد فالضلمة وكل ما بدخل عليها الاقيها بتبكي، وتزعق وتطلب مني أخرج.. ويمكن ده بنا بينا حاجز أننا نبقا بعاد عن بعض.

اردفت الطبيبة بعملية:
_بالظبط كده ده اكتئاب، وكان لازم حد يقرب منها ويسمع ايه اللي وصلها لكده.

اومأت أبرار رأسها بتفهم، ووثبت قائمة وهي تبتسم قائلة:
_شكراً لحضرتك..
_العفو.
وغادرت الغرفة.

دنت منها ملاذ تتسائل بريب:
_اتأخرتي ليه جوة كنتِ بتحكي في إيه؟.

ردت أبرار وهي تمسك بيدها ويخطو للأمام:
_الحقيقه اني سألتها عن حالتك بس قالت دي أسرار مريض، وقالتلي عن كام كتاب تقريهم هينفعوكِ جداً بس.

“اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ”

فُتح الباب ودلف بهجت لتتسع عيناه بصدمة مما رأى، أغلق محفوظ الباب خلفه بحذر وهتف:
_تعالى شوف القرف اللي ابنك عامله.

دنا بهجت من ابنه الصامت، وتسائل:
_أنت اللي عملت كده؟..

قبض محفوظ على يد بهجت وقال بغضب وهو يؤشر على إحدى زوايا الغرفة:
_والكاميرا دي تشهد..

حدق نادر للكاميرا التي لم يلاحظ وجودها، واعتلى القلق ملامحه..

اردف بهجت بتأنِ:
_ابني هيطلع منها زي الشعرة من العجينة.

أجابه محفوظ بتهكم :
_ياراجل..
وتابع بغضب:
_ابنك لازم يتعاقب،وإلا كلنا هنروح في داهية.

انتفض نادر من مجلسه،واخرج هاتفه من جيبه وقال بغل:
_يبقا لسة مشوفتش الفيديو ده.

يتبع..

دمتم بخير 🫂

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل