روايات

رواية وشم على جدار الصمت الفصل الأول بقلم هيثم صالح حصريه وجديده 

رواية وشم على جدار الصمت الفصل الأول بقلم هيثم صالح حصريه وجديده 

رواية وشم على جدار الصمت الفصل الأول بقلم هيثم صالح حصريه وجديده

في الزقاق الضيق، كانت رؤى تمشي ببطء، عيونها شاردة في كل شيء إلا في نفسها. الجدران المحيطة كانت تغطيها طبقات من الطلاء القديم، لكنها كانت تعرف أين تجد تلك الزوايا المهملة التي تحمل رسوماتها السرية. كانت تدير ظهرها للجميع، تجنبًا للعيون الفضولية.

“ليه ما ترديش على حد؟” قالت لها جارتها سوسن يومًا ما، وهي تراقبها من نافذتها. “إنتي دايمًا لوحدك.”

كانت رؤى تبتسم ابتسامة صغيرة، لكن عيونها كانت مليئة بالصمت.

“مش فارقة معايا، سوسن.” قالت بهدوء، وهي تواصل السير دون أن تلتفت.

سوسن كانت تعرف أن هناك شيئًا مختلفًا في رؤى، لكنها لم تكلف نفسها عناء معرفة السبب. هي فقط كانت تردد كلمات الجيران المعتادة: “البنت دي غريبة، مش من هنا.”

ومع ذلك، لم تكن تلك الكلمات هي ما شغل تفكير رؤى. كانت تركز على شيء آخر. على جدران الحي المهدم، حيث وجدت صوتًا لن يسمعه أحد. لوحاتها كانت هي الطريقة الوحيدة للتعبير عن نفسها. وكل رسمة على الجدار كانت بمثابة صرخة لم يسمعها أحد. كانت تعرف أن أحدًا لن يهتم بها، لكن الفكرة نفسها كانت تمنحها طمأنينة. في كل مرة كانت ترسم، كان شيء في داخلها يهدأ قليلاً.

في إحدى الأمسيات، بينما كانت عائدة إلى الزقاق بعد يوم طويل من الصمت، صادفت أدهم، الصحفي الذي سمع عن الجداريات المجهولة.

“إنتي من الناس اللي رسموا دي؟” سألها بلطف، وهو يشير إلى الجدار الذي كانت قد رسمت عليه صورة لامرأة حزينة تحمل في يدها وردة ذابلة.

نظرت إليه دون أن تجيب فورًا، ثم قالت بصوت خافت، “ممكن.”

“ليه مفيش حد يعرف عنك؟” سأل وهو يخطو خطوة أقرب.

“مش عايزة حد يعرف.” قالت، وعينها تلتقط اللمعة الغامضة في عينيه. “كل شيء هنا كفاية.”

أدهم كان يحاول أن يفهم، لكنه شعر بشيء غريب. كان يعرف أن هناك قصة خلف هذه الرسومات، قصة لا يريد أحد أن يعرفها. كان يريد أن يكتشفها، لكن رؤى كانت عازمة على أن تظل لغزًا.

“أنا مش هنا علشان أزعجك، بس… في حاجة في الرسومات دي بتخليني عايز أفهم أكثر. في حاجة مش واضحة.”

رؤى ابتسمت ابتسامة عابرة. “مفيش حاجة مش واضحة، كل شيء هنا واضح، بس أنت مش شايفه.”

أدهم شعر بشيء ما يوجعه في قلبه. كان هناك ألم في كلماتها، ألم عميق، لكنه لم يعرف كيف يتعامل معه. حاول أن يغير الموضوع، لكنه شعر أنه يتكلم في دائرة مفرغة.

“الناس هنا بتتكلم عنك.” قال محاولًا كسر حاجز الصمت. “بيقولوا إنك غريبة.”

“وإنت رأيك إيه؟” سألت بفضول.

“مش عارف.” أجاب وهو يرفع يديه في استسلام. “ممكن بس أقول إنك مش زي أي حد قابلته.”

“إنت مش الوحيد.” قالت رؤى، وقد تحولت نبرة صوتها إلى شيء أكثر حدة. “كلهم نفس الكلام.”

كان أدهم يراقبها بصمت، يدرك أنه ربما كان يحاول فهم شيء لن يفهمه أبدًا. ثم التفتت رؤى فجأة، مبتعدة عنه بخطوات ثابتة نحو الجدار التالي الذي كان في انتظاره.

“إنت هتتابعني؟” سألته بصوت منخفض.

“لو كنت حابة أتابعك، كنت هاعرف مكانك.” رد أدهم، وقد شعر أنه اقترب أكثر من فهم شيء غامض عنها.

لكن رؤى لم تلتفت إليه، واختفت في الزقاق تاركة وراءها ذلك الجدار الذي كان يحمل قصتها.

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل